|
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٩)
رباب خاجه
الحوار المتمدن-العدد: 3711 - 2012 / 4 / 28 - 02:24
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
الفصل الثامن: التصميم العظيم في هذا الفصل و هو الأخير يلخص المؤلف كل ما قام بشرحه بالتفصيل في الفصول الماضيه و يستعرض الخلاصة و الهدف في نشر الكتاب فيقول “في هذا الكتاب قمنا بعرض كيف يمكن للحركة الإعتيادية للأجسام الهائلة، كالشمس و القمر و الكواكب أن تكون محكومة بقوانين ثابتة بدلا من كونها خاضعة للأهواء و النزوات الإعتباطية للآلهة و الشياطين. ففي البداية ظهرت هذه القوانين في علم الفلك أو التنجيم ، و الذي كان يعتبر وقتها نفس الشيء تقريبا *. فتصرف الظواهر الطبيعة علي سطح الأرض معقد للغاية و خاضع لعدة مؤثرات {متداخلة} لدرجة أنها { أذهلت الإنسان في } الحضارات القديمة فلم يستطع أن يصيغ لها أية قوالب فكرية واضحة أو قوانين {تنظيمية } ممكن أن تخضع لها. و لكن و بالتدريج { و خصوصا بعد تكرار حدوث الظواهر تحت ظروف نمطية } تم إكتشاف قوانين جديدة في نواحي {أخري من الحياة } مختلفة عن علم الفلك، و هذا ما قاد إلي { بروز } فكرة الحتمية العلمية: و التي تقول أنه لابد من وجود مجموعة متكاملة من القوانين {الإبتدائية } التي حددت كيف ممكن أن يتطور { أو يرتقي } الكون {على المدى البعيد },بحيث يمكن معرفة {أو تنبؤ} هذه الصورة، أو هذا التطور، من زمن يتم تحديد ظرفه الأساسي فيه. و حتى يتحقق ذلك فإنه يشترط على هذه القوانين أن تكون { صارمة في طبيعتها، أي } قابلة للتطبيق في أي مكان و أي زمان {دون إستثناء} ؛ {فمنطقيا } إذا لم تكن صارمة فهي ليست قوانين . فلا يجوز أن يكون هنالك إستثناءات لهذه القوانين و لا معجزات. {أي أن الحتمية العلمية تفرض علينا شرط بأن } الآلهة و الشياطين لا يجب أن تتدخل في إدارة الكون {أو بمعني آخر لا يجوز خلط العلوم الفيزيائية بالغيبيات}٠ ففي الوقت الذي ظهرت فيه فكرة الحتمية العلمية لأول مرة في التاريخ، كانت قوانين نيوتن للحركة و الجاذبية هي القوانين الوحيدة المعروفة. و لقد شرحنا{في الحلقات السابقة} كيف قام آينشتاين بتمديد و تطوير هذه القوانين بقوانين قدمها في نظريته النسبية العامة، و كيف تم إكتشاف قوانين أخري و التي تتحكم في شئون أخري في الكون٠ فقوانين الطبيعة يجب أن {تفسر لنا} كيف تتصرف الطبيعة و لماذا.و لقد قمنا بطرحها في بداية هذا الكتاب و نلخصها في الآتي: لماذا يوجد شيء من لاشيء؟ لماذا نحن بالأساس موجودين؟ لماذا تتحكم مجموعة القوانين هذه بالذات بعالمنا دون غيرها؟ و من المنطقي { أيضا } أن نتساءل من خلق الكون ، أو ما هو الشيء الذي خلق الكون . فإذا كانت الإجابة بأن ‘الله ‘ هو من خلق الكون، فهذه الإجابة تستدرج سؤال آخر هو: من خلق الله . و من هذا المنظور يصبح مقبولا لدينا أن نفترض أن هنالك كائن ما موجود بدون خلق، و أن هذا الكائن إسمه الله .” و هكذا ندخل في نقاش عقيم ، فهذا النقاش أزلي و له إصطلاح في علم الفلسفة بإسم ” السببية الأولية لوجود الله ” . أي أنه سيضيع الموضوع و نبتعد عن الحتمية العلمية التي ننشدها. و لكن المؤلف يدعي حسب ما جاء على لسانه ” بأنه من الممكن الإجابة علي هذه الأسئلة ضمن النطاق العلمي فقط و دون الحاجة إلي تدخل الكائن القدسي “٠ فحسب فكرة الحتمية المعتمدة علي النموذج و الذي ذكرت شرحه في الفصول السابقة من هذ الحلقات و عرفها المؤلف بأن ” أدمغتنا تفسر المدخلات الملتقطة من أجهزتنا الحسية بعمل شكل أو نموذج للعالم الخارجي.” و عليه فقوانيننا هي خاصة بنا و بعالمنا ، أو بصورة أدق كما جاء علي لسان المؤلف أن “النموذج الجيد من البناء يخلق واقع خاص به هو فقط ” . فإن كانت هنالك قوانين خارج نطاق إستيعابنا فهي غير مهمة لأنها بالنسبة لنا على الآقل غير موجوده. أما خلق الكون فيقول المؤلف بما معناه أنه قد يكون فيزيائيا بدأ من قوانين بسيطة جدا و لكنها مع الوقت تطورت و تداخلت مع القوانين الكيميائية لتصبح أكثر تعقيدا و تظهر بصورة ذكية . و ليشرح ما يقصده في االفقرة السابقة يضرب المؤلف لنا مثال بإستخدام لعبة تسمى "لعبة الحياة". فهذه اللعبة و التي تم إختراعها في سنة ١٩٧٠ من قبل عالم في الرياضيات، إسمه جون كونواي, كان الهدف منه الإجابة علي أسئلة من مثل: هل الإنسان مسير أم مخير؟ أو هل من الممكن أن تتطور القوانين و تتعقد مع تغير الظروف٠ هذه اللعبة الكمبيوترية هي عبارة عن عده مربعات صغيرة متجاورة في البعد الثنائي- طول و عرض – تشبه إلى حد ما طاولة الشطرنج و لكن لا يوجد لها حدود معينة. أي أنها ممكن تكبر إلى مالانهاية. تبدأ هذه المربعات بوضع بسيط معين في زمن معين بشروط و قوانين محددة -إبتدائية بسيطة – و من ثم تتطور و بالتدريج كما تتطور قوانينها إلي قوانين أعقد لتصل للبرنامج المراد التوصل من خلاله إلي نموذج معين يتكرر حدوثه, ليس على مستوى المربعات الصغيرة و حسب بل على المستوي العام و بصورة أكثر شمولية. و هي بذلك تشبه كثيرا قوانين عالمنا الفيزيائية, كقوانين الدحرجة مثلا و قوانين أخرى بنينا عليها الأساسيات التطبيقية في حياتنا كأجهزة الكمبيوتر الذكية حسب المؤلف. ليس هذا و حسب بل تم إختبار هذه اللعبة من قبل كونواي و طلبتة بإضافة عامل خارجي علي النموذج الأصلي لمشاهدة كيفية تطوره لتكوين خلق ذكي نسبيا و ذلك بإحتفاظ المربع الواحد بتاريخ لكل البرمجة السابقة-هذا يشبه عمل الخلية في الإنسان. كما بينت المحاولات حسب ما جاْ على لسان المؤلف " بأنه حتي المجموعة البسيطة من القوانين {في بداية اللعبة} يمكن أن تنتج صفات معقدة تشبه {خلق} الحياة الذكية في الكون الفيزيائي ” . فأهم شيء في هذا الكون هو وجود هذه القوانين الإبتدائية. أما الأخري الأكثر تعقيدا فهي التي تطورت عنها. و لكن على أي أساس تم إختيار القوانين الإبتدائية المتحكمة في بدايات كوننا؟ فمثل كون كونواي, حيث قمنا نحن بوضع هذه القوانين في صيغة برنامج، "فالقوانين في عالمنا ممكن أن تحدد إتجاه تطور النظام الكوني المستقبلي إذا عرفنا حالة هذا النظام بأي وقت معين". و لكن في عالم كونواي نحن من يخلق القوانين, أي نحن نختار الوضع الأولي للكون و ذلك بتحديد المواد و أماكنها في بداية اللعبة. لكن من يضع القوانين الإبتدائية للكون الفيزيائي أو البرنامج الأساسي و الذي يتطور بعده الكون الفيزيائي ليغدو كما هو الآن متميزا بالذكاء الطبيعي المعقد؟ يقول المؤلف “نحن نعلم أن أي مجموعة من القوانين و التي تفسر عالم مستقر كما هو عالمنا لابد أن تدخل فيه فكرة الطاقة، و على هذه الطاقة أن تكون كمية و محافظة علي نفسها من الفناء، أي أنها لا تتغير مع الزمن. فالطاقة في الفضاء الخالي {الفراغ} يجب أن تكون ثابتة، و لا تتغير بتغير الزمان والمكان ، و كذلك هنالك شرط واحد يجب أن يلتزم به أي قانون فيزيائي {ليتم الإستقرار } و هو أن الطاقة للأجسام المعزولة و المحاطة بالفضاء الفارغ يجب أن تكون موجبة لتتجاذب جزيئاتها مع نفسها...و هذا يعني أنه لابد من بذل شغل لكي يتم بناء هذا الجسم المعزول لأنه لو كانت طاقة الجسم المعزول سالبة، فهذا قد يعمل علي تحريك جزيئاته لكي يتعادل طاقتة السالبة بطاقة موجبة يحدثها حركتة في الفلك... و إن كان خلق الأجسام المستقرة يكلف طاقه، فعدم الإستقرار يجب أن لا يحدث لأنه و كما ذكرنا، طاقة الفضاء الفارغ يجب أن يظل ثابت... وإذا كان المجموع الكلي {الجبري} للطاقة الكونية مقيد بالثبوت علي الصفر في الفضاء {من أجل الإستقرار}، و إذا كان خلق الأجسام يكلف بذل شغل أو طاقة،... هذا هو السبب في أنه لابد أن يكون هنالك قانون مثل قانون الجاذبية...، و طاقة الجاذبية طاقة سالبة: ذلك يعني أن علينا أن نبذل شغلا لفصل الأجسام عن بعضها البعض، مثل فصل القمر عند الدوران حول الأرض. و هذه الطاقة السالبة بإستطاعتها أن تعادل الطاقة الموجبة التي تتطلبها خلق المواد{تماسكها}. فالجاذبية هي التي تشكل المكان و الزمان، وهي التي تسمح للزمكان أن يكون محليا مستقر و كونيا غير مستقر. ففي المقاييس الكونية، الطاقة الموجبة المصاحبة للمواد ممكن أن تتعادل مع الطاقة السالبة للجاذبية،{ فتموت نجوم و تحيا أخرى}، و لذا فلا يوجد مانع من خلق الكون بأكمله{بوجود هذه الطاقة}. و لأنه يوجد قانون للجاذبية، فالكون يستطيع، بل و يقوم بخلق نفسه من لاشيء بالصورة { الكمية في بداياته} ”و التي تم شرحها في الفصل السادس٠ الخلاصة أن ” الخلق العشوائي هو السبب وراء كون أن هنالك شيء من لاشيء، و {هو الجواب للسؤال الذي يقول }لماذا يوجد كون، و {الجواب للسؤال عن } سبب وجودنا . فلا يوجد هنالك حاجة لإلاه كي يشغل { المفتاح الرئيسي} ليبديء عمل الكون و يتركه ليستكمل طريقه” بل هذا من طبيعة الكون الفيزيائي حسب الحتمية العلمية، و عليه فأهمية إيجاد النظرية الكلية هي بمثابة معرفة القوانين الإبتدائية في لعبة الحياة، و ” النظرية الكلية {التي ننشدها } يجب أن تكون متكاملة و شاملة و قادرة على أن تتنبأ بنتائج نهائية لقيم يمكننا قياسها {للتأكد منها } . فلقد رأينا أنه يجب أن يكون هنالك قانون كالجاذبية {مد و جذب } ، و رأينا في الفصل الخامس بأنه حتي تكون نظرية الجاذبية قادرة علي عمل تنبؤات لقيم نهائية، فهي وجب عليها أن تمثل بصورة ما سميناه بالسوبرسيمتري أو التناظر الخارق لنظرية الجاذبية. و لهذه الأسباب فإن نظرية-م {و التي تشملها } هي النظرية الوحيدة المرشحة لإعطاء {الصورة الصحيحة } للنظرية الكلية للكون. فإن كانت {نظرية م } نهائية- و هذا ما يجب على العلماء إثباته – فستكون هي النموذج {المثالي} للكون الذي يخلق نفسه بنفسه. و {نخلق نحن} كجزء منه لأنه { و حتي هذه اللحظة} لا توجد نظرية متكاملة مثل هذا النموذج” أو بالأحرى لا يوجد لها منافس بالقوة٠ فنظرية ‘م ‘ هي “النظرية الموحدة التي كان آينشتين يتمني أن يجدها {حاول حتي الساعات الآخيرة من حياته علي فراش الموت}. و حقيقة كوننا كبشر- و الذي نعتبر مجرد مجموعة من المواد الأساسية في الطبيعة- قد أتينا إلي هذا القرب من فهم القوانين التي تتحكم فينا و في كوننا ليس فقط هو النصر العظيم للبشرية. و لكنه أيضا هو المعجزة الحقيقية في كون الفرضيات التجريدية للمنطق قادتنا إلي نظرية فريدة من نوعها تقوم بالتنبؤ و تفسر الكون الكبير الملييء بالأشياء المدهشة العديدة التي نراها. فإذا تم التأكيد علي هذه النظرية بالمشاهدة المستقبلية، فإن هذا سيكون هو بمثابة النتيجة الناجحة لبحث بشري بدأ منذ أكثر من ٣،٠٠٠ سنة. و نكون {بالفعل} وجدنا ذلك التصميم العظيم٠
*كان بداية الفصل بين علم الفلك الفيزيائي و التنجيم الميتافيزيقي في عهد الدولة العباسية حسب جون فريلي في كتابه” مصباح علاء الدين ” .
#رباب_خاجه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٨)£
...
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٧)
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٦)
-
العنصرية
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٥)£
...
-
كتاب -التصميم العظيم- ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٣)£
...
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٢)£
...
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (1)
-
علم إيه اللي إنت جاي إتقول عليه!
-
و لله في أمره شئون
-
رب ضارة نافعة
-
لماذا الحرية؟
المزيد.....
-
بتوبيخ نادر.. أغنى رجل في الصين ينتقد -تقاعس الحكومة-
-
مصر.. ضجة حادث قتل تسبب فيه نجل زوجة -شيف- شهير والداخلية تك
...
-
ترامب يعين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة بعد عملية اختيار طويلة
...
-
ترامب بين الرئاسة والمحاكمة: هل تُحسم قضية ستورمي دانيالز قر
...
-
لبنان..13 قتيلا وعشرات الجرحى جراء غارة إسرائيلية على البسطة
...
-
العراق يلجأ لمجلس الأمن والمنظمات الدولية لردع إسرائيل عن إط
...
-
الجامعة العربية تعقد اجتماعا طارئا لبحث تهديدات إسرائيل للعر
...
-
ابتكار بلاستيك يتحلل في ماء البحر!
-
-تفاحة الكاسترد-.. فاكهة بخصائص استثنائية!
-
-كلاشينكوف- تستعرض أحدث طائراتها المسيّرة
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|