|
أدلجة المجتمع و عبثية الاسلام السياسي
سليمان سمير غانم
الحوار المتمدن-العدد: 3710 - 2012 / 4 / 27 - 23:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا تستطيع الكتابة يا صديقي، و لا تستطيع التعبير عن نفسك في مجتمعنا، لأنك بكل بساطة، و من دون مقدمات، ستحسب على أحد الأطراف. كيف لا و أنت منذ ولادتك، أو قبلها ربما، تمت أدلجتك و للأسف بطريقة سلبية، أوصلتنا الى ما نحن فيه الأن. أليس ما نحن فيه الأن من مصائب، ناجم عن أدلجة مجتمعاتنا بالقوة لا بالقناعة؟ أليس ما نحن فيه من مصائب، ناجم عن نفاق شخصياتنا و كذبنا على ذواتنا؟ أليس ناجما بشكل أو بأخر عن أدلجتنا الدينية و ارثنا الاسلامي الثقيل؟ خصوصا أننا أمة متدينة حتى في طعامها !! و مع هذا كله و بالرغم من التقدم الحضاري و الحداثوي الذي حصل في هذا القرن، لم يتم أي اصلاح ديني كالأمم الأخرى، يراعي سرعة العصر، و ضروراته الظاهرة، لمواكبة بقية الأمم في الركب الحضاري، هذا الاصلاح الديني للأسف لم يحصل، ولم يتحول الدين الى علاقة يقينة جميلة بين العابد والمعبود، غير ظاهرة في السياسة أو في الماديات. بل بقي بشكل فظ يصطدم مع تدابير الحياة ليظهر بشكل رجعي. فوق ذلك متهم في كيانه، فدوما يوجه النقد الى الاسلام، على الرغم من أنها صورة خاطئة، فليس الاسلام بالدين الرجعي لوحده، بل كل الأديان رجعية في تاريخها و غيبياتها، لكن النقد لا يجب أن يوجه للكلام المكتوب، بل للأحياء اللذين يتعاملون مع هذا الكلام، و مطبقيه، وعليه فالذي يجب أنت يتهم بالرجعية، هم القيمون على الاسلام، لا الاسلام، هؤلاء اللذين لم يطرحوا حتى الأن فكرة الاصلاح الديني العصري. حتى أنهم لم يضعوا أي تصور للحلول التي يجب أن تطرح، فيما يخص قيم الاسلام التي تصطدم مع الواقع الحالي المعاش، بل تركت كما هي. هنا علينا أن نسلط الضوء على جوهر المشكلة وابداء الرأي، في تصور حلول، أو توصيف أين يكمن الخلل، سنطرح فكرة أسلمة المجتمع بالقوة، كنوع من القسر النفسي، الذي كان ولازال سبب خيباتنا، و فشلنا الدائم والمتكرر للأسف، على عكس ما كان يجب أن يكون عليه من دين طوباوي، يشعر المسلم بالراحة النفسية، و الرضا دون أن يشعره بالحرج، أو أن يكون عثرة في وجهه يعيق حياته في مظاهر مختلفة من التحريمات و الممنوعات. عندما نرى صراع العشرة المبشرين بالجنة، و انعكاساته على الشاب المسلم اليوم، نرى حجم المفارقة و التضليل الذي تعرض له الشاب المسلم الطيب بطبيعته، فيبنما تتحفنا المصادر بكمية الأموال والنساء، التي خلفها كل شخص، من المبشرين بالجنة في الاسلام، و نقارنه بالكبت و الحرمان الذي يعانيه الشاب المسلم بسبب عدم الوفرة الاقتصادية التي تساعده، على امتلاك البيت و الزواج المبكر، نسأل، لماذا يجب على هذا الشاب، أن يرث قصص هؤلاء، بما فيها من الأحقاد والماضي البغيض، بينما لم ير أو لم يرث شيئا من الحياة الفاخرة التي كانوا يعيشونها ؟؟ نعم لقد أثقل ارث الاسلام كاهل الشباب العربي، بأفكار و أيديولوجيات عبثية، لا يتسع لها لا الزمان ولا المكان، عقيدة و تطبيقا. بينما ترك هذا الشاب المسلم، في مواجهة مشكلاته الحياتية، الاجتماعية و الاقتصادية منها، دون أن تتم مساعدته على تجاوزها، من قبل الجهات نفسها، التي عملت على زرع، كل هذا الماضي بأحقاده و صراعاته في عقل الشباب العربي. هذه الهيئات الدينية نراها اليوم تعيش بحبوحة اقتصادية دنيوية ظاهرة، لم نراها على الشاب المسلم نفسه التابع لهذا الجهاز الديني، الذي لم يقدم في يوم من الأيام، أي افادة حقيقية للشاب المسلم بالمقابل، أغرقه بالتحريض على الأخرين و الكراهية لهم. و بالعودة الى الأدلجة في الاسلام، نستطيع طرح مفهوم بسيط جدا لتوضيح سلبية صبغ مجتمع بشكل ديني اكراهي، و الأثار الواضحة التي تركتها هذه الأدلجة على المجتمع، المثال هو مصطلح النفاق، الذي ظهر بقوة في بداية الدعوة الجديدة، و كان له مكان في أدبيات الاسلام. فالانسان العربي في الجاهلية، وفي فترة ما قبل الدولة الاسلامية، لم يعرف النفاق، بالنسبة الكبيرة التي عرفها مع فرض الاسلام، فكان يسمي الأمور بمسمياتها، عندما يخرج للغزو أو السبي يسمي الغزو غزو، والسبي سبي، من دون التفاف و دوران على معنى الموضوع، على عكس ما حصل في مع تحول الاسلام الى دولة، عندما سمي الغزو نفاقا بالجهاد، ليوصف نفس الحالة السابقة في الاعتداء على الاخرين، وان كانت سابقا خطايا ترتكب من قبل انسان ضد انسان، على عكس ما يحصل اليوم من ارتكاب هذه الجرائم، حصرا باسم الاله. نعم ان الانسان العربي في الجاهلية، لم يكن منافقا، أو لم تكن شدة النفاق لديه ظاهرة بقوة، و ذلك يعود لسبب بسيط، أنه كان حر لم يفرض عليه أي نوع من الأدلجة العقلية، التي تضطره للنفاق. حتى أننا نرى في بداية المرحلة الاسلامية، قبل تحول الاسلام الى دولة في مكة، لم يكن مصطلح النفاق، قد برز بعد في الحياة العربية، خصوصا أن المسلمين الأوائل، اتخذوا الدين عن قناعة، على عكس المسلمين المتأخرين الذي فرض عليهم الدين فرضا. نرى بعد انتقال الاسلام الى المدينة، مع تشكيل الدولة الاسلامية الأولى، الذي حصل هو فرض الاسلام، و بالتالي ظهور مصطلح النفاق بشكل واضح، خاصة أن سورة المنافقين في القرأن الكريم نزلت في المدينة، لم تنزل في مكة، و لهذا أسباب موضوعية على أرض اواقع، و التفسير البسيط للموضوع هو أن فرض الاسلام على الطبيعة البشرية، بالقوة من قبل دولة الاسلام، كانت بالضرورة ستؤدي الى استخدام هذه الطبيعة للتمثيل و للنفاق، للدفاع عن وجودها و انسانيتها، ضد الاجبار القسري لدين جديد، فيه الكثير من الكبت و التقشف و محاربة الطبيعة البشرية، لأن فرض تخيلات روحانية و أفلاطونية مثالية على الطبيعة البشرية، الشهوانية و العضوية الجامحة، كانت ستقود حتما الى استخدام هذه الطبيعة، للمحاباة و التظاهر، في وجه المحرمات الجديدة، و التمثيل بتطبيق الشرع. هذا ما حصل تماما والأمثلة واضحة على هذا، سواء في الجمهورية الاسلامية في ايران، أو في المملكة العربية السعودية، وهي دول تطبق الشرع بحرفيته، نرى المظهر العام لهذه الدول، هو مظهر ديني طوباوي، لكن حقيقة هذه المجتمعات في العمق غير ذلك، و يظهر هذا واضحا عندما يخرج مواطنو هذه البلدان الى الخارج، ترى شباب تلك البلدان، تتمزق تعيش حياتين، واحدة تحت الطاولة بشكلها الفاجر و حياة ظاهرة أخرى، فوق الطاولة، بشكلها الطوباوبي الديني، في كلتا الحالتين نفاق الشخصية يجعلها في حالة انفصام، وعدم تجانس ظاهر. نفس المصطلح، تجلى مرة أخرى في السياسة، فأدلجة المجتمع بالقوة، أدت الى بروز النفاق السياسي، بشكل واضح ضمن المنظومات السياسة العربية، هذا الموضوع نراه بوضوح في الفترة القليلة الماضية، في أزمة الأحزاب العربية الدينية أو القومية، التي تضم اداريا الألاف المؤلفة من الأعضاء، لكنها و بسبب سياسة القسر، و الاجبار و النفاق الحزبي الذي مورس لسنين، و في غياب الحرية الحقيقية في الاختيار لدى الشباب، وجدت نفسها غير قادرة على لعب، أي دور في المجتمعات العربية في الأزمات الأخيرة، بل كانت في غالب الأحيان هي الأساس في الأزمة. من هنا نستطيع القول: أن أزمة المجتمعات العربية، ناجمة عن الأدلجة، سواء الدينية أو السياسية، هذه الأدلجة القسرية أدت الى النفاق، و هذا النفاق أدى الى تراكم الأخطاء، حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم، من أوضاع كارثية. الطامة الكبرى اليوم، تتجلى مرة أخرى في استخدام نفس أليات النفاق المؤدلجة، لمعالجة أخطاء متراكمة في تركيبتها تعود لقرون. وبالتالي ستثبت عبثيتها من جديد في التطبيق على الأرض. اليوم في أغلب الدول العربية، نرى اصرارا على العودة للشكل الديني للدولة، و تسيس الدين، مع تديين السياسة، والذي سيكون له انعكاسات خطيرة على أرض الواقع و المجتمع. و حتى لا نتهم بالغوغائية أو العداء للفكر الاسلامي، يجب علينا أن نطرح الأسئلة الموضوعية التالية على الاسلاميين، أو دعاة الاسلام السياسي، حتى يتم توضيح عدة نقاط منها : مفهوم الدولة و توضيح كيفية تعاطيهم مع مقومات الدولة الحديثة في ظل وجود الكثير من المعوقات الشرعية، خصوصا أن الدولة الحديثة اليوم: هي هيئة مدنية قانونية محايدة قادرة على ادارة الاختلاف في المجتمع عبر القانون، و ليست هيئة دينية متطرفة، لذلك عندما يطرحون مفهوم الدولة الاسلامية في المجتمع العربي، كيف سيديرون الاختلاف؟ خصوصا أن المجتمعات العربية، مختلطة الاثنيات و الأديان، خصوصا في الجزء الشرقي منها، مع مصر أيضا، و كيف سيكون مفهوم المساواة و المواطنة عندهم، الذي هو أهم ركيزة من ركائز النهوض بدولة اليوم الحديثة؟؟ في مقومات دولة اليوم أيضا، وفي ظل عدم طرح أي اصلاح ديني، كيف ستتم مقاربة الشرع مع مواضيع حساسة في الدولة ، منها حرية العقيدة، حريةالأدب و الكتابة. و هل ستكون مصانة ؟ أم مقموعة وفقا لتطبيق النص الديني بحرفيته !! لدينا الاقتصاد أيضا، كيف ستتم معالجة مواضيعه، بما فيها البنوك والأرباح المحرمة من وجهة نظر اسلامية و التي تشكل عصب الاقتصاد في يومنا هذا، كيف ستعالج من دون أن تصطدم مع الشرع الذي يعتبرها ربى!؟ أيضا السياحة المدنية و التي هي مورد أساسي في اقتصاد الدول اليوم، ما مفهوم المسلمين عنها؟ أعتقد انه لم يتجاوز موضوع الاباحية و النظرة للموضوع على أساس السفور !! كلها مواضيع بحاجة الى الدراسة و النظر فيها، مع تقديم نظر شاملة لها، التي و للأسف غائبة كليا، في ظل عدم وجود فكرة القابلية للاصلاح الديني، أو نقد النص الديني و الذي للأسف يعتبر حتى اليوم من أكبر المحرمات في العالم الاسلامي العربي. السؤال الأهم الذي يجب أن يطرح اليوم هو: هل يحق للمسلمين، تأسيس كيان سياسي ديني، و الادعاء بديمقراطيته و حريته من دون توضيح النقاط التي طرحناها، و ما هي وجهة النظر الاسلامية فيها؟ لا أعتقد شخصيا أن الحل سيأتي من زج الدين في السياسة، بل الحل يكمن في فصل الدين عن السياسة، و الموضوع الذي يبدو غائبا عن ذهن الاسلاميين، من قصد أو من دونه، هو أن الزج بالاسلام الدين الطوباوي في السياسة، و صيغه بالدولة سيؤدي الى ظلم الدين، لأن علاقات الدول و مصالحها السياسة و الاقتصادية هي مصالح مداهنة و نفاق و عندما يورط الدين فيها، سيدخل لعبة النفاق التي ستكون مدمرة، لذلك يجب فصل الدين عن الدولة و مصالحها حتى يبقى حسا يقينيا طوباويا، بين الفرد المسلم الطيب و بين ربه السلام، الذي يمنحه الشعور بالرضا و الأمان بعيدا عن نفاق الدول و خباثة المصالح البشرية.
#سليمان_سمير_غانم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإله المتجسد بين الوسط الاغريقي الهيليني و الديانة المسيحية
-
الشرق الأدنى من عبادة المرأة الى استعبادها
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|