علي آل شفاف
الحوار المتمدن-العدد: 1090 - 2005 / 1 / 26 - 11:32
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لو فرضنا أن هناك مخططا للقتل والتخريب والتدمير, والقيام بجرائم بشعة ومجازر ـ كالتي تجري حاليا في العراق. فإن أي شعب عادة ما يتوقع من حكومته أن تحميه من مثل هكذا أحداث.
لكن استمرار توالي هذه الأحداث وزيادة حدتها وبشاعتها . . بعد أن توقع الناس من مسؤولي الحكومة منعها والقضاء عليها. . يعني ـ ببساطة وبوضوح ـ أن هؤلاء المسؤولين فشلوا في أداء الواجبات الموكلة إليهم, والتي أقسموا عليها, وتعهدوا بها. وكما ذكرت في مقال سابق فليس هناك إلا تفسيرين لأسباب فشلهم. وهما:
1. إن الأحداث قهرتهم وسحقتهم, ولم يكن منعها ممكنا لهم, أو
2. إن هذه الأحداث قد سُمِحَ لها بالحدوث أو الظهور والإستمرار, لأن المسؤولين ـ أنفسهم ـ أرادوا لها ذلك.
إذاً ليس هناك تفسيرا لما يجري من أحداث مؤلمة, سوى أحد هذين الأمرين. وهما:
(القصور و أو التقصير) أو "المؤامرة".
ولنناقش التفسيرين أعلاه بالتفصيل, لعلنا نخرج بنتيجة مفيدة:
فلو فرضنا أن الأحداث فعلا قد قهرتهم, ولم يستطيعوا السيطرة عليها, فإنه يتوجب عليهم التصريح, والإقرار بهذا الأمر. ومن ثم الإعتذار للشعب, عن قصورهم في تأدية المهام التي أوكلت إليهم, وتقديم استقالاتهم. وليس لهم بعدها الحق ـ أخلاقيا ـ في الترشيح للإنتخاب. وعليهم إعطاء الفرصة للآخرين, الذين هم أقدر منهم, لأخذ دورهم في أداء ما عجزوا عنه, من حماية أمن المواطنين, ومنع عمليات القتل والتدمير والتخريب؛ وعدم إعطاء المجرمين أية فرصة لإلتقاط أنفاسهم, فضلا عن القيام بأي عمل إجرامي.
لكننا ـ مع هذا الفرض ـ نجد أن هناك مكابرة من نوع غريب, وإصرار عجيب على عدم التعامل بجدية مع ما يحدث, والتقاعس الذي لا نجد له مبررا .
والأدهى من ذلك كله نجد أن بعض الوزراء المعنيين بالشأن الأمني, كوزيري الدفاع والداخلية, يقرران قرارات تسهل في الغالب للإرهابيين والمجرمين أعمالهم, وتمهد للكثير من عملياتهم. عن طريق زرع العناصر البعثية والمؤيدة للإرهاب . . بل تعمد إلى تعيين أناس ممن يقومون بعمليات إرهابية فيما بعد . . فكيف نفسر ذلك؟
عند افتراض حسن النية! نجد أن هذا جهلا وغباءا, بل سفها فاضحا!! قتل بسببه الآلاف من الأبرياء. وكلنا يعرف كيف يُقتل أفراد الحرس الوطني والجيش والشرطة غيلة, في أغلب الأحيان, عن طريق كمائن تعد بمساعدة العملاء الذين عينوهم معهم, بدون أي تدقيق أو تحقيق عن ماضيهم وخلفياتهم وولاءاتهم. بل يعيّنوهم مع معرفتهم بأن الكثير منهم بعثيون وتكفيريون وإرهابيون.
وأكرر هنا افتراض حسن النية! فإن هذا الجهل والسفه هو قصور في شخصيات يفترض أنها مؤتمنة على أرواح جميع أفراد الشعب. ومن له مواصفات كهذه لا يسرح بشاة في الفلاة خوفا من أن يؤمن عليها الذئب . .
فأولى بمن هذا حاله أن يستحي ويستقيل, قبل أن يقال.
ثم إن لم يكونوا قاصرين . . هل هم مقصرين؟
فهذه أنكى من تلك. فقصورهم يتحمله من عينهم, أما تقصيرهم فلا يتحمله أحد سواهم.
فعدم الشعور بالمسؤولية والتقاعس والتكاسل, والتراخي المتعمد في أداء الواجب الوظيفي العادي يضعهم تحت طائلة القانون. فكيف بوظيفة حفظ الأنفس والأعراض والأموال . . فهذه جريمة كبرى. تتطلب عقاب بمستواها, يتحمل مسؤولية تنفيذه والدعوة إليه جميع السياسيين والمثقفين والقانونيين في هذا البلد.
إن هؤلاء قد استلموا البلد في وضع أمني سئ جدا. فالعمليات الإرهابية مستمرة, والتخريب للبنى التحتية على قدم وساق, بفضل فلول الصداميين والتكفيريين. وكان على هذه الحكومة واجب مهم جدا وهو فرض الأمن ـ بالدرجة الأولى ـ في البلاد والقضاء على أوكار الشر والتخريب فيه . . لكن الذي جرى على العكس تماما, فانتقلنا إلى أسوأ مما كنا فيه بكثير. .
وحتى نكون موضوعيين . . نقول أن قد بذلت بعض الجهود من بعض أفراد الحكومة بهذا الخصوص . إلا أن المستغرب بل المستهجن أن يتخذ وزيري الدفاع والداخلية ـ على وجه الخصوص ـ قرارات مناقضة تماما لما يعلناه من رغبتهما في القضاء على الإرهاب.
فالمتتبع لكثير من هذه القرارات, من قبيل إعادة الضباط البعثيين للجيش والشرطة . . يقف مذهولا ومتحيرا لمخالفتها أوليات فطرية غريزية لدى كل إنسان في الدفاع عن نفسه, ودفع أعدائه.
بل الأنكى أن وزير الداخلية دعى مؤخرا ضباط (الأمن!), الذين هم مجرمون (بلا استثناء), لأن شرط كونهم ضباطا في الأمن أن يكونوا مجرمين . . دعاهم وزملاءهم من ضباط (الأمن القومي!) أي المخابرات, إلى العودة والعمل مع الأجهزة الأمنية الجديدة!
حقيقة! . . إن هذا التصريح ـ بالذات, وما سبقه من تصريحات مماثلة من وزير الدفاع, ومن رئيس الوزراء نفسه مخالفة للعقل والمنطق . . بل الفطرة السليمة . . هي التي تدفعنا دفعا للخيار الثاني . . مكرهين . . غير راغبين ولا متمنين . . بل آسفين لأننا كنا نأمل فيهم خيرا.
وإلا بالله عليكم فسروها لي . . وللآخرين . .
فنحن بفضل هذه القرارات, صرنا البلد الوحيد في العالم الذي يكافئ القتلة والسفلة والمجرمين والإرهابيين. بل نستجدي رضاهم ـ وهذه شارك الحكومة فيها سياسيون آخرون! . . وأكثر من هذا ندفع لهم من أموال المظلومين وحقوق الضحايا . . ويح أمهم . .
وفوق هذا كله . . نقدم لهم التسهيلات لكي يتفضلوا مشكورين مبرورين! بقتل أبناءنا, ونهب أموالنا, وهتك حرماتنا, وتخريب بلدنا . . بخ بخ لهم . . ولنا.
إنني أستبعد أن هؤلاء سذج أو قاصرين إلى هذه الدرجة . . ولا أعتقد أنهم سيأتون بمن لا يستأمنوه, أو حتى بمن يشكون ـ ولو قليلا ـ بأمانته لحماية أنفسهم وأبنائهم وأموالهم . .
لكن . . ليست أنفسهم كأنفس الآخرين ولا الأبناء كالأبناء ولا الأموال كالأموال . .
إن عدم الشعور بالمسؤولية, واللامبالاة بأرواح الآخرين, والتفريط بها بسهولة, والتقصير المتعمد, هي جرائم أخلاقية قبل أن تكون قانونية . .
أما التقصير غير المتعمد ـ إن كان ـ فلا يعالج إلا بالإعتراف الصريح, والإعتذار من الشعب العراقي, وترك المسؤولية لمن هو أهل له.
ولا أدري بأي وجه يطلع علينا شخص كوزير الدفاع ـ مثلا, بعد كل هذه الخسائر في أرواح الأبرياء, من مدنيين وحرس وطني وجيش وشرطة, وتدمير البنى التحتية للبلد. وهو المسؤول عن منع كل هذا مع وزير الداخلية . . ليطرح نفسه مرة أخرى مرشحا في الإنتخابات, طمعا في الإستمرار بهذا المنصب أو غيره . . أي عار هذا . . بل أي مصيبة وبلاء.
أما وقد وجدنا أن القصور والسذاجة مستبعدة ـ إلى حد ما ـ عنهم فالتقصير أرجح . . إلا أنه لا يفسر لنا كل شئ.
فما ذكرته سابقا مما يخالف العقل والمنطق والفطرة السليمة, والغريزة الإنسانية في حفظ النفس والأبناء والأموال . . من قبيل إعادة أعداء الشعب وتقريبهم وتكريمهم وتسليم البلد بأيديهم مرة أخرى, وقد قتلوا وذبحوا وأرهبوا وخربوا على مرأى ومسمع الجميع . . لا يفسره سوى "المؤامرة".
وأقل درجاتها انحدارا هو " التواطؤ" و"الإنتهازية". وأكثرها انحدارا هو "الحقد" و"البغض" و"الكراهية".
فالمؤامرة ـ إذا ـ ممن؟ ومع من؟ ومن أجل ماذا؟ وكيف؟
وهل هي "تواطؤ"؟ أم "انتهازية"؟ أم غيرها؟
أرجو أن الأمر ليس كذلك, وأن هناك أسباب أخرى لا أعرفها.
أطلب من الحكومة الإفصاح عنها, والإفراج عن كل ما يوضح للعراقيين هذا الأمر, بسرعة إفراجها عن المجرمين والقتلة.
#علي_آل_شفاف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟