|
الطبقة العاملة في عصر العولمة
علي عباس خفيف
الحوار المتمدن-العدد: 3710 - 2012 / 4 / 27 - 19:20
المحور:
ملف - المتغيرات فى تركيبة الطبقة العاملة ودورها، والعلاقة مع الأحزاب اليسارية - - بمناسبة 1 ايار- ماي عيد العمال العالمي 2012
نموذج طوباوي فاتن : في العقود الأخيرة أشيعت ، ومن ثم هيمنت ، على الوعي والفكر السياسي والفلسفي والنفسي فكرة مفادها اننا ندخل بانتصار عصر الحرية الكاملة ، أي إننا دخلنا في عصر الفرد والفردانية ، حيث اوقات الفراغ التي يمكن ان نملأها بالمتعة والراحة . وأطلق مفكرو الراسمالية على هذا النموذج النظري (المجتمع ما بعد الصناعي ) . وكان أن سقط في فتنته تيار ثقافي اُطلق عليه (مابعد الحداثة ) لم يغادر ، مفاهيمياً ، ايديولوجية سياسة السوق الحرة . ولم تلبث المجتمعات التي تهفو للديمقراطية ان استسلمت لهذا التبرير أو الايديولوجيا ، حسب الوصفة الفلسفية هذه ، والتي تحدثت باختصار ؛ عن إننا تجاوزنا بفخر (عصر البروليتاريا) و( العصر الصناعي) ، وإننا ندخل إلى ( عصر الطبقة الوسطى ) . معلنة أن البروليتاريا كطبقة قد ولّى زمنها ، وهي في طريقها إلى الاندثار والتلاشي ، باعتبارها طبقة مستهلكة . واعلنت بطريقة ايديولوجية موت الايديولوجيا . هذا التزييف النظري كان مجرد محاولة لتنظيم مستوى الوعي الجمعي الجديد الذي لابد أن يؤهَّل لكي يقبل طروحات الرأسمالية وايديولوجيتها ويتطابق مع منظومتها ، تلك المنظومة التي تعتبر ؛ أن نهاية التاريخ تقف ، في المجال الاقتصادي ؛ عند تخوم مبادئها في التجارة الحرة على الصعيد العالمي . وفي المجال السياسي ؛ تتأسس على إقامة نظام تمثيلي من ديمقراطية شكلية زائفة ، فيما يقودها من خلف الستار اقطاب النهب الرأسمالي المتوحش والعولمة البربرية التي تنظم الحروب وفقاً لمصالحها الاقتصادية تحت ذرائع ايديولوجية مختلفة ، وتقوم بدور الشرطي الدولي . وتائر الصراع : في الحقيقة ؛ إن الحياة تكشف يوماً بعد آخر عن تصاعد حدة الصراع الطبقي . فالعالم اليوم يشهد ارتفاعاً مذهلاً لمعدلات فقر العاملين ، والذي يزداد بوتائر متسارعة . وبالمقابل أخذت عملية التراكم وصنع الثروة تلج أكثر من حيّز أومجال استثماري لتعزيز وتنمية هذه الثروة ، وتبتكر مجالات جديدة أيضاً ، وتصنع قوة عمل جديدة تتناسب وغايتها في تحقيق الارباح . كذلك بدأت الخدمات تدخل بقوة ، بعد ثورة الاتصالات ، لتحتل على نحو واسع موقعاً مهماً في عملية التراكم واعادة الاستثمار . لذلك يشير ( ارنست ماندل) عن حق ، إلى ظاهرة (بلترة العمل الذهني ) وفقاً لمتطلبات تحقيق الربح للراسمال . وهو يرى انسداد الآفاق بوجه شغيلة العمل الذهني الجدد في صراعهم من أجل توفير فرصة عمل تحفظ وجودهم . وفي المقابل يحقق هذا الصراع للرأسمال أرباحاً مرعبة . فيما تضيق حلقة كبار مالكي الثروة على نحو متواصل ، ويتعاظم استغلال قوة العمل . فقد سمح تقسيم جديد للعمل ، بسبب التطور الهائل في تقنيات الأتمتة ومن ثم تطور المعلوماتية ، للعامل ان يقوم بعمل 10 عمال وأكثر . وكما نعلم إن الانتاج في مجتمع الراسمالية يقوم على شرطين اساسيين ، ومن دونهما لايمكن الحديث عن الانتاج الرأسمالي ، وهما ؛ اولاً التراكم واعادة الاستثمار الموسع ، أو تجديد الانتاج الموسع . وثانيا العمل المأجور ( أو العمل بأجر) . وفي عصر العولمة الرأسمالية والشركات العابرة للقوميات ، لابد لنا من الكشف عن الطبقة التي تعيش من بيع قوة عملها ، وفقاً لوصف انجلز للطبقة العاملة ، ومتابعة حلقات نموها وتطورها باعتبارها طبقة عاملة في هذا العصر . لا ريب ، بل من المفروغ منه ، أن الانتاج الرأسمالي لا يهدف إلى اكفاء سد الحاجات الاجتماعية ، وانما يهدف ألى تحقيق الربح وتنمية ثروات الرأسماليين ، ومن هذا تاتي ازماته الدورية . كما أن الراسمالية لا تطوِّر الانتاج إلاّ بدافع الربح . كذلك لا تنمو الثروة من دون الربح الذي يتحقق بفعل الاستيلاء على فائض القيمة . ومنه فمحرك التاريخ سيكون حتماً الصراع حول إلى من تؤول بالنتيجة فوائض ناتج عمل العمال ، نحن نسوق هذا التبسيط النظري كحاجة مرجعية لطبيعة الفعاليات الاقتصادية السياسية في المجتمع الرأسمالي وهو من المسلمات التي لم ينكرها حتى الذين اختلفوا مع ماركس في مدرسة فرانكفورت . على هذا يتأسس ؛ أنّ لا التجارة العالمية الحرة ولا الديمقراطية البرجوازية – حسب راي مفكري نهاية التاريخ - بمقدورهما الوجود من دون أن يكون هناك طبقة عاملة ، وابتكار انظمة عمل ، وتقسيم عمل . ومن هنا عيلنا أن نسأل عن ماهية هذه الطبقة العاملة في عصر العولمة . كيف تتغير الطبقة العاملة ؟ تغيرت تركيبة المجتمعات بشكل هائل خلال القرنين الماضيين ، وتغيرت تركيبة الطبقة العاملة وفقاً لهذا التغيّر . فقد دخلت الأتمتة عملية الانتاج في وقت مبكر . وفي عصرنا الراهن حصل تغيير كبير منذ دخول انظمة المعلوماتية في بنية الاقتصاديات الراسمالية ، فسببت تغييراً كبيراً في الوعي الاجتماعي ودفعت هذا الوعي في السنوات الأخيرة إلى حدود الوهم أيضاً، فقد أخذت أنظمة المعلوماتية بالتحول إلى سلعة بشكل متزايد ، كما هو في السينما والستلايت وأقراص الألعاب وبرامجها وخدمات الأنترنيت وغيره ، وحتماً أن هذه الصناعة يقف خلفها راسماليون وجماعة كبيرة من العاملين أو المنتجين، وإلاّ فأنها لا تكون سلعة . كذلك وعلى مستوى الفعاليات الاقتصادية المالية ، تغيّر النظام الائتماني العالمي الذي بدا بتقديم تسهيلاته وقروضه الكبيرة إلى شركات الخدمات والبرامجيات على حساب الانتاج المادي السلعي المعروف بصورته التقليدية إلى حد ما . وتقهقر الانتاج المادي إلى الوراء بشكل كبير . في عصرنا الراهن ، يمكننا تصنيف هذه الراسمالية المعولمة كمرحلة صناعية ، أو بالتحديد تصنيفها كطور في نمط الانتاج الرأسمالي ، يتميز عن غيره من المراحل الأخرى ، في سيره الحثيث نحو ارباح تتحقق له عن طريق الريع التكنولوجي ، ويؤكد مفكرون ماركسيون على هذا التميّز بالقول إن ( الارباح الفائضة الاحتكارية المرتكزة على الريوع التكنولوجية هي التي تتصدر الارباح الفائضة ) . وهو امر ادى بالنتيجة إلى تسارع بنى التطور الحاصل في التكنولوجيا ، خصوصاً تكنولوجيا المعلومات والاتصالات . واتساع منظومات عمل مؤسسات البحوث وتحوّلها إلى بنى راسمالية مستقلة عن مؤسسات الانتاج المادي المباشر ، لكنها تشارك بشكل فاعل في هذه العملية من دون ان تدخلها على أسس الاستثمار المادي المباشر في الاقتصاديات الدولية الراهنة . ومن الملاحظ ايضاً أن تقنيات الاتصالات وانظمة المعلوماتية دفعت بالعمل الذهني إلى الدخول في حلبة الصراع والتنافس على العمل بشكل محموم ، بعد تزايد عديد المتعلمين المؤهلين ذهنياً للعمل في هذه المجال . فقد أدخلت هذه الانظمة والتقنيات للانتاج ، كحقيقة علمية متطورة ، مفردة جديدة من مفردات تقسيم العمل الاجتماعي تقوم على درجات التعليم أو الشهادات الدراسية العليا . لقد ادى تسارع استخدام نتائج البحوث التقنية وتطورها المستمر ونمو الابتكارات التكنولوجية وتنوعها إلى دمج واسع للعمل الذهني في عمليات الانتاج ، بعد أن كان قديماً يتربع في البناء الفوقي . أي انه بدأ يدخل الحيز الحرج من القاعدة التحتية للانتاج المادي في الاقتصاديات الحديثة ، ويعمل بجدارة على زيادة الربح . ولم يعد المتعلمون ، حملة الشهادات (كيمياوين وفيزياويون ومهندسون ، ومساعدوهم ، وخبراء المعلوماتية .. الخ ) وفقاً لقاعدة التنافس لبيع قوة العمل ، بسبب تقسيم جديد للعمل ، مجرد برجوازيين صغار . كذلك ؛ إن هؤلاء المتعلمين ، وهم يعرضون مهاراتهم ، وعلمهم ، وجهودهم الذهنية للبيع ، لم يعودوا طبقة وسطى ، كما يحلوا لمفكرين امريكيين أن يصفوهم ، طبقة وسطى يمكنها أن تملك اشياء لا تتوفر للطبقة العاملة ، بل أخذوا يتحولون يوماً بعد آخر إلى بائعي قوة عمل من نوع جديد . وهم إن لم يجدوا من يشتري قوة عملهم العلمية هذه ، سيجدون انفسهم في العراء بلا مأوى* وبلا طعام ، وسيجدون أطفالهم خارج مؤسسات التعليم ، التي يزداد الاقبال عليها باعتبار العلم والتعلم هما السلاح الذي يدفع عن افراد المجتمع المعاصرغوائل الجوع والفقر والحاجة ، ويمنحهم مجال أرحب للمناورة .
ويبرز هنا السؤال التالي ؛ هل تتجدد الطبقة العاملة وفقاً للتطور الحاصل في واقع الحياة الاقتصادية للمجتمع ؟ وهل هذا التغيّر والتجدد قائم على شرطَي الانتاج الراسمالي، كما اسلفنا ؟ عودة قصيرة المدى للتذكير: لنعد قليلاً إلى اصول التفكير الماركسي . في نقده لبرودون يؤكد ماركس في ( بؤس الفلسفة)، وهو يصوب سهام النقد ضد الجمود وقصر النظر ، أن البرجوازية بدأت بطبقة عمال هي من بقايا العمال في عصر الاقطاع . لكن البرجوازية تطورت بسبب طابعها التناحري ، المستتر في الغالب ، وبسبب هذا التطور تطورت طبقة العمال ، فيخلص إلى القول ( وبقدر ما تتطور البرجوازية تتطور في احضانها بروليتاريا جديدة ، بروليتاريا حديثة ، يتطور الصراع بين الطبقة البروليتارية والطبقة البرجوازية .) ص384 دار التنوير – ط 3 -2007 . ولقد أشار ماركس في رسالته إلى انينكوف ، إلى أن الناس يصنعون افكاراً ومقولات وهم ينتجون علاقاتهم الاجتماعية ، مؤكداً ان المقولات قلما تكون ابدية ، وانها منتوجات تأريخية عابرة . لأنها تجريدات عن علاقات الانتاج الاجتماعية . فالمقولات ( المفاهيم ) تتغير بفعل متغيرات مُنتِج هذه المفاهيم - ومثالنا هنا وصف الطبقة العاملة - التي تحصل فيها الازاحات الدلالية الضرورية وفقاً لمنطق التغيير . إن هذه العودة إلى ماركس تفتح ابواباً للرد المبكرعلى غلاة الاصولية ، خصوصاً وأن الماركسية تنصحنا برؤية الوقائع وفحصها والكشف عن اسرارها ، لكي نحقق علمية النظرية وحيويتها في نقد الواقع وتغييره ، وفقاً لمنطق المقولة العلمية للماركسية القائلة بـ ( التحليل الملموس للواقع الملموس ) . طبقة عاملة جديدة .. يجد المراقب وهو على الحياد ، أن الشغيلة يزدادون فقراً ، وان نسب زيادة الفقر على مستوى المعمورة وفي البلدان والأقاليم ملفتة للنظر ، كما أنها لا تتناقص أبداً ، بل ان معدلات الفقر ترتفع على نحو دائم . فقد كتب هورست افهيلد في كتابه الرائع ( اقتصاد يغدق فقراً ) أن النمو الرأسمالي – تحديداً في ألمانيا – نمو خطي وهوالنمو الذي يتصف دونما شك بمعدلات نمو تتراجع من عام إلى آخر . واكد على ارتفاع معدلات البطالة في السوق العالمية أيضاً ، حتى في الدول المنضوية تحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCED) . ولكن معدلات البطالة المتزايدة هذه أخذت لسنوات طويلة تحصد استقرار العمال الهامشيين الذين يعملون دونما انتظام ، وهم في حالة فقر دائمة ، وانعدام للأمان مقلق ، مع ضعف واضح في الحماية الاجتماعية . لكنها امتدت فيما بعد لتشمل عمالاً آخرين يتمتعون بامتيازات ، وحظوة يُحسدون عليها . فقد عملت الرأسمالية المنظمة على تجزئة الطبقة العاملة ، في عملية استقطاب كبيرة لفئة من هذه الطبقة ، وصنعت انقساماً حاداً بين صفوفها ، أدى في النهاية إلى ظهور طبقة عمالية تتمتع بامتيازات محددة ،اطلقت عليها أسم ( التيار العام ) ، وهي في الغالب طبقة تتمتع بمستوى تعليمي جيد . إن جملة من الأسباب ساعدت على بروز هذه الظاهرة تُعزى في الغالب إلى ؛ تردي الوعي الطبقي بصورة عابرة ، بفعل هيمنة مجتمع الاستهلاك ، وتوفر اوقات فراغ كبيرة للمتعة والاستجمام ، صاحب ذلك ارتفاع نسبي ومؤقت لمستوى معيشة العمال ودخولهم ، وتغيرت بشكل واضح نسبة المتعلمين وتصاعدت بوتائر سريعة ، وهي امور عجّلت في تقليص الهوّة بين العمل اليدوي المستقر والعمل الفكري ( الذهني ) . ولقد تلخصت امتيازات (التيار العام) في انه دخل منظومة عمل تؤمّن له تشغيلاً مستقراً إلى حد ما ، مع رفاه غير مستقر ، عن طريق فتح نوافذ صغيرة للاستثمار في أسهم الشركات لكنها قلقة بسبب ازمات السوق ، مع مكاسب اجتماعية أخرى مثل الاشتراك في النوادي التي يؤمها الرأسماليون ، ودخول ابنائهم الجامعات التي يدخلها ابناء الرأسماليين ، ودخول المسارح ومراكز الترفيه المختلفة وغيره . وفي المقابل أوجدت الرأسمالية جيشاً هائلاً من العمال الهامشيين (خصوصاً العمالة غير الماهرة أوالتي بدون تعليم أو بتعليم بسيط ومتوسط ) الذين ظلوا يعيشون في حدود الكفاف . وصاحب هذا الانقسام بين صفوف الطبقة العاملة احياناً انقسامات على أسس عرقية وجنسية ، وهي نواتج عرضية ومخفية للصراع الطبقي . ولقد استخدمت الرأسمالية التيار العام ، مستغلة فرص التمايزالتي يتمتع بها ، في الصراع والتصادم مع العمال الهامشيين . ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا ، كما يقول بريتشر وكاستيللو ( كان يتم تحريض أقسام الطبقة العاملة المنتمية للتيار العام ضد من يوصفون بالفقراء أو الطبقة الدُنيا.) لكن الاقتصاد الرأسمالي المعولم قوّض هذا الانقسام بين ( التيار العام ) والعمال الهامشيين بفعل طابع الرأسمالية التناحري وتفاقم ازماتها . لقد بدأت امتيازات التيار العام بالتآكل . فعند ظهور أزمة ما اقتصادية يبدأ الرأسمال بغلق هذه النوافذ . وحين اختارت الرأسمالية المنظمة سياسة ( تقليص الحجم ) التي لجأت إليها الشركات ، فقد التيار العام استقراره ، وشعوره بالأمان الاقتصادي ، فتضرر العمال المهرة والمدراء ، وهو الضرر الذي كان يصيب ذوي الياقات الزرقاء في الماضي ، حسب تعبير بريتشر وكاستيللو . أن هذا الضرر برّز تماثلاً جديداً بين العمال المنتمين للتيار العام والعمال الهامشيين ، ولقد أخذ هذا التماثل بالتزايد في العقدين الأخيرين بشكل واضح ، وأوجد فرصاً للتلاحم بين اطراف الطبقة العاملة التي كانت منقسمة ، وربط مصالحهما بعضها بالبعض الآخر ، وهو ما ظهر خلال السنوات الأخيرة في مسيرات التلاحم والتضامن ، وحملات الاحتجاج التي منها حملة سياتل ضد منظمة التجارة العالمية ، التي حضرها الملايين من ابناء الطبقة العاملة . نتائج : نستخلص من هذا ، إن الطبقة العاملة في عصرنا ، تتنوع مشاربها ، وتفعل فيها متغيرات الاوضاع الاقتصادية الدولية ، ومتغيرات االاقتصاديات العامة فعلها ، لكنها في النتيجة تبقى الطبقة التي تدخل حلبة الصراع الطبقي مسلحة بوعي طبقي أكثر نضجاً ، وينتمي إليها جنود جدد من المتعلمين ، واصحاب الشهادات ، ومن ذوي الامتيازات السابقة القريبة العهد ، من العمال المتعلمين ، خصوصاً العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات . الذين اصبحوا عرضة للبطالة كغيرهم من الشغيلة في بلدانهم . ويمكننا أيضاً أن نستخلص ما يؤكد على دخول المتعلمين واصحاب الشهادات وخبراء المعلوماتية ، حيز العمل المأجور كطبقة عاملة في ظل رأسمالية معولمة ومتوحشة ، تنظر إلى سوق العمل على نحو كوني . فقد وجه نوربرت بلووم وزير العمل السابق في ألمانيا نقده الرصين للعولمة الرأسمالية ووحشيتها ، حينما أشارا إلى طبيعتها الوحشية وخستها الامبريالية ، وهو يؤكد قائلاً ( في العصور الغابرة استغل المستعمرون الموارد الطبيعية الكامنة في باطن أراضي البلدان التي استعمروها ، أما اليوم ، فأنهم يجرّدون البلدان الفقيرة من كفاءاتها .. إن العيون اليوم تتركز على شهادة الدبلوم ) . فالراسمالية إذن تؤكد على استغلال العمل الذهني في عصر العولمة باعتباره قوة عمل جديدة منتجة للربح ، وتأتي به حتى لو كان في أقاصي الأرض لمنافعها فقط .
من هذا ، نجد أن الطبقة العاملة قد تغيرّت بشكل كبير وبمديات كبيرة ، واكتسبت المعارف الضرورية . وصارت هي القوة الفاعلة على مستوى العمل اليدوي والذهني في تسيير دفة الاقتصاد ، لقد اصبحت عملياً تقود عملية الانتاج الاجتماعي وتتدخل في توجيه بناه . وامسى بإمكانها أن تقوم بكل الاعمال التي يقوم بها الراسماليون ، أي ان العمال اصبحوا من الآن قادرين على تحقيقً فكرة نقل الملكية إلى المجتمع بصورة من الصور . لقد ولجوا عملياً وبصورة مؤكدة هذه المرحلة الخطيرة ، والتي قد تطول فعلاً ، متأثرة بتدني الوعي الطبقي . نخلص من هذا ؛ إلى ان شغيلة اليد في عصرنا الراهن لم تعد القوة البشرية الداخلة في العملية الانتاجية المادية مباشرة بمفردها . بل أصبح بالامكان رؤية جيش من شغيلة الذهن الذين دخلوا الانتاج المادي من باب آخر لا يبدو مرئياً احياناً ، وأن هذا القسم من الطبقة العاملة ، تعرض منذ أكثر من عقد إلى خسارة امتيازات سابقة سمحت بها الرأسمالية المنظمة بغية استخدام هذا القسم من العمال على مستويين ، في الانتاج وفي الصدام مع قسم آخر من العمال ، هم العمال الهامشيون . كما أن الطبقة العاملة في عصر العولمة الراسمالية ، والامبريالية الجديدة ، اكتسبت المعارف النظرية والعلمية ، وتحولت قطاعات مهمة منها ، بمرور الزمن إلى نوع من شغيلة الذهن ، او طبقة عاملة من ذوي الياقات البيض ، والنظارات السميكة . لكنها أيضاً تتعرض للبطالة والفقر ، وعدم الاستقرار في مجال العمل مثلها مثل شغيلة اليد . ونزلت من فوق باعتبارها كانت قوة بشرية مكانها البناء الفوقي للنظام الاجتماعي ، أي نزلت إلى طبقة عاملة مهددة ومعرضة للتسريح من العمل دائماً ، حسب تاثير ازمات السوق الراسمالية ، وليس لهذا القسم أيضاً من الطبقة العاملة ، إلاّ بيع قوة عمله . تساؤل : هل يمكننا النظر هكذا للطبقة العاملة في عصر العولمة الراسمالية ؟ في عصر المعلوماتية والبرمجة الحاسوبية والانترنيت وتكولوجيا الاتصالات التي تتطور بسرعة مذهلة ، في عصر يتدنى عديد العاملين في الانتاج المادي السلعي إلى الربع تقريباً من حجم العمالة . ربما كان من الامور اللافتة للنظر عن حيوة الفكر الماركسي ، وعن ضرورة العودة للكشف عن اسرار الواقع بهدى هذا الفكر ، ذكر ما قاله المفكر يورغن هابرماس وهو يلقي محاضرته في ( اعادة بناء المادية التاريخية ) - من اجل التمكن من بلوغ الهدف الذي رسمته - على حد تعبيره – وهو يكتب في النهاية ؛ إنها (نظرية يجب أن تكون محل مراجعات حول عدة نقاط كما أن طاقتها التحفيزية لم تُستنفد ) .
#علي_عباس_خفيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوم واحد في مشغل البصرة السردي
-
ليست كلمات .. ولسنا افراداً في القطيع! - في الرد على فالح عب
...
-
الحزب الشيوعي العراقي -التشويه المحبط في: وثيقة مشروع البرنا
...
-
عشب استوائي يزهر بين الرماد - روح هيروشيما
-
الإنتهازية اليساروية والمزايدات على مصالح الطبقة العاملة الع
...
-
دان براون - ماقبل شفرة دافنشي- رواية ملائكة وشياطين
-
هتروتوبيا - أماكن معادية
-
الحرب غير المقدسة ضد النقابات العمالية, تشنها حكومة المنطقة
...
-
كلمة علي عباس خفيف رئيس إتحاد المجالس والنقابات العمالية- فر
...
-
الآلهة التي لا ترضى أن تمس أرجلها الأرض
-
ليتهم تركوا رأسي
-
مخاطر الخصخصة - خصخصة قطاع النفط العراقي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
هكذا تكلم محمد ابراهيم نقد
/ عادل الامين
المزيد.....
|