|
قراءة في كتاب الدكتور برهان غليون نقد السياسة الدولة والدين
أحمد م.الحوراني
الحوار المتمدن-العدد: 1090 - 2005 / 1 / 26 - 10:49
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
قراءة في كتاب الدكتور برهان غليون نقد السياسة الدولة والدين العلمانية هذه العبارة النبيلة الكثيرة الأعداء أعداؤها حّماة التخلف و التعصب وضحاياهم من الشعوب
المغيبة إن الكثير من معادي العلمانية يظنون أنها مرادف لّلا دينية وعلى هذه الأرضية يشنون عليها سخطهم بينما هي بكل بساطة هي القبول بأن الدين لله والوطن للجميع. مسافة كبيرة تفصل بين دين المرء وكونه اقتصاديا أو أنه مفكر أو طبيب أو مهندس أو عالم أو... أن يكون الإنسان متدينا يتعبد ويؤدي واجباته الدينية شيء وأن يكون إنسان عضوا في مجتمعه شيء آخر إن إنسان ورع يخاف الله شيء وكونه ليس متعلما شيء آخر إن كون هذا الإنسان ورع فهذا شيء سيجزيه عليه ربه في الآخرة أما كونه غير متعلم فسيحرمه من الكثير من فرص العمل في المجتمع حتى العالم الكبير في شؤون الدين لا يعني أنه يفهم في أمور الدنيا ولكن بنفس الوقت إن عالما أ و طبيبا أو مفكرا لا يعني أنه يفهم في أمور الدين أي ببساطة متناهية الله سيجزي ويحاسب على الواجبات الدينية والمجتمع سيتعامل مع الإنسان بوصفه أحد أعضائه بغض النظر عن دينه كتب في العلمانية الكثيرون ولكن لعمق ودقة كتابة الدكتور برهان غليون طعم آخر ونتيجة لوضوح ودقة وعمق كنابتة في هذا الكتاب الهام (نقد السياسة الدولة والدين) نجد أن التعليق على هذه الكتاب سيكون سطحيا مهما حاولنا وعليه ولأهمية التذكير بهذا الموضوع في هذه الأيام سأقوم بعرض بعض الفقرات منه بدون تعليق تاركا الموضوعات تسترسل كما هي معبرة عن رأيي وعن رأي الدكتور غليون منذ سنوات وعليه نجده يقول في بداية كتابه الهام ( إن مضمون العلمانية في مفهومها الأول والعميق الذي لا يظهره التعبير العربي بسهولة،هو:اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ،وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا، أي لا تكف عن البناء وبذل الجهد والتمتع في الدنيا اعتقادا أن الساعة آتية غدا وهو ما يقود إلى الفناء وانعدام العالم ،ويعني البناء والعمران بناء واعمار الأرض والحياة الدنيا وممارستها الطبيعية ،بما ينطوي عليه من مسرات وآلام ، وما يرتبط بها من معرفة للقوانين والقواعد والسبل وما يتطلبه خوضها من جهد وتضحية أما العمل للآخرة كأن الساعة آتية غدا ،فهو يعني السلوك في الأرض حسب قواعد الحق والقانون والأخلاق ، وعدم الاعتقاد بأن كل ما يخطر على الذهن وما يعن للنفس من رغبات وحاجات يمكن تحقيقه من دون اعتبار أو مراعاة للآخرين. فالآخرة هي الحساب والمسؤولية والرقابة .وهكذا يصبح من الممكن دفع الإنسان إلى بذل الجهد والبناء ، وفي الوقت نفسه ،ضمان أن يتم هذا البناء حسب قواعد العدل ، وأن يقود إلى ترسيخ مشاعر الأخوة و التضامن البشري.) ببساطة إن هناك مصالحة في الفكر الإسلامي بين ما هو ديني وما هو دنيوي ولابد للمرء أن يعمل للدنيا كما يعمل للدين وعمل الدين للآخرة لا يغني عن عمل الدنيا حسب قواعد الحق والعدل وبتابع الدكتور غليون مؤكدا بأنه ليس هناك تناقض بين نظام الدين ونظام الدولة ولكن هناك تكامل وتوازي (وكما أن نظام الدين أو توحيد الجماعة من خلال الإيمان والاعتقاد بقيم ومبادئ واحدة ، لا يناقض نظام الدولة ، ولا يقف في وجهه ولا يطرح نفسه بديلا عنه ،وهو مغزى ما قاله الخليفة عثمان (يزع الله بالسلطان مالا يزع بالقرآن )كذلك فإن نظام القانون المدني النابع من الاجتهاد العقلي والتطوير الذاتي والقبول الجماعي والاجتماعي ليس مناقضا ولا بديلا للحق الالهي أو لشريعة الدين ومنطقه وغاياته إنه مواز ومكمل له بقدر ما إن وظيفة السلطان موازية ومكملة لوظيفة الدين . لكن الدين أعلى من الدولة ،لأن الدولة ظاهرة عابرة ومتبدلة والدين يتجاوز الدول والمجتمعات إلى الإنسان نفسه فردا وجماعات .ولا يمكن أن يسمح لنفسه أن يتماهى مع دولة أو قانون أو عرف اجتماعي )
ويكمل الدكتور برهان مشددا على أنه لا يجوز استخدام الشرائع الإلهية في القوانين المدنية لأنها لا يمكن أن تصلح لذلك وليس فيها مادة جاهزة لكل القضايا المدنية (لا نستطيع أن نستخدم الشرع الالهي في منطق القانون المدني من دون أن نشوهه ونجعله من طبيعتنا ونخضعه لأهدافنا الدنيوية السياسية وليس في الشرع الإلهي ولا يمكن أن يكون فيه مادة جاهزة لكل القضايا والميادين ولا بد أن ندرك أن السياسة لا تستنفد في كلمة الشورى وان قوانين الحرب لا تكمن كلها في تكتيكات خالد بن الوليد أو عقبة بن نافع من دون أن يقلل هذا أبدا من عبقريتهما الفذة ... لا يوجد شيء في التاريخ لا يخضع للتبدل والتغير والتراكم والتجديد وبالتالي فمن أكبر المحاذير أن ننسى ذلك ونحاول أن نطبق على مشاكلنا الخاصة حلول الماضي )
وينبه إلى المأساة الفكرية والاجتماعية والسياسية التي وصلنا إليها حين يقول (إن أخطر ما يمكن أن نصل إليه وما ينبغي علينا تجنبه بأي ثمن هو أن يصبح تاريخنا السياسي المعاصر صراعا بين حكومات وأحزاب الهم الرئيسي لبعضها فرض الحجاب على بناتنا ولبعضها الآخر نزعه عنهن بالقوة . فلن يعني هذا الوضع سوى انحطاطنا إلى أدنى درك أخلاقي وإنساني وتدمير آخر ما تبقى من قيمنا الروحية والعقلية واحترامنا لأنفسنا وتاريخنا )
وأخيرا يقترح للخروج من هذه الحالة الكارثة كما عادته بإعطاء العلاج المناسب لمريض مزمن مايلي(علما بأن هذا الكتاب طبع قبل حوالي خمسة عشر عاما) (إن المطلوب ليس كما يقال فصل الدين عن السياسة ولكن تمثل الحزب الديني ذاته لمنطق العمل السياسي ومتطلباته ومفهومه ووظيفته بالمقارنة مع وظيفة الدين كمنبع لقيم عامة وشاملة تتجاوز السياسة نفسها كما تتجاوز الحزب السياسي والمصالح الاجتماعية الجزئية المرتبطة به ولا يمكن لهذا أن يحصل الا بتحول الإسلامية العربية إلى ديمقراطية إسلامية بالمعنى الحرفي للكلمة أي إلى حزب يعمل في إطار الشرعية الديمقراطية للدولة ) وأخيرا لابد من التذكير أن العلاج ليس بالأمر السهل ولا بسيط فمن النتائج التي أستخلصها نأخذ مايلي (لكن توطين الديمقراطية وبناء الدولة القانونية ليس أمرا سهلا ولا معطى بسيطا انه يشكل معركة كبرى فكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية في الوقت نفسه فلن يكون من الممكن ترسيخ دعائمها وفكرتها قبل التغلب على مشاعر العداء والرفض المتبادل والانغلاق ) في النهاية أتمنى أن أكون قد قدمت عدة فلاشات عن هذا الكتاب الغني الذي لا يمكن اختصاره أو تلخيصه إن قراءة هذا الكتاب في هذه الأيام(بعد مرور خمسة عشر سنة على طباعته) أمر في غاية الأهمية وليست هذه المقاطع إلا انتقاء الهدف منه التشديد على بعض النقاط الواردة فيه تحية للدكتور برهان على هذه النظرة المتعمقة المتنبئة وليس هذا بجديد عليه تمت هذه القراءة من الطبعة الثانية للكتاب الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 1993 أحمد م. الحوراني
#أحمد_م.الحوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأمية في سورية
المزيد.....
-
تقنية ثورية تقود إلى أول ولادة بشرية حية باستخدام الخلايا ال
...
-
جنود من الجيش السوري يصطفون لتسوية أوضاعهم مع الحكومة المؤقت
...
-
لماذا توجد بعض أقدم المخطوطات العربية في بريطانيا؟
-
كيف برهنت أوكرانيا على يدها الطولى في قلب روسيا؟
-
إيران ترفض تشديد الإجراءات على فرض الحجاب.. هل خافت من الاحت
...
-
لا يمكن مناقشة تاريخ إفريقيا الحديثة من دون الإشارة إلى مؤتم
...
-
زعيم المعارضة التركية يهاجم ترامب وأردوغان بسبب -رسالة العار
...
-
مستر بيست يستأجر الأهرامات المصرية لمطاردة الأشباح وصيدها
-
ريابكوف: رغبة -الناتو- في التوسع تتعارض مع التسوية في أوكران
...
-
وسائل إعلام: عائلتا البرغوثي وسعدات تنفيان الموافقة بالإفراج
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|