ياسر سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1089 - 2005 / 1 / 25 - 12:02
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الانتخابات العراقية المزمع عقدها في نهاية الشهرالجاري تفتقر للمصداقية بكل الاعتبارات القانونية والمنطقية والاجرائية, وهي تشكل عمليا ضربة للديمقراطية وتكريسا للاحتلال وهيمنته وتشريعا لعملية تدمير العراق والاستحواذ على مقدراته وثرواته. الاصرار الامريكي على إجراء مهزلة الانتخابات له أهداف عديدة أبرزها برأيي الشخصي هو قطع الطريق على أية إنتخابات حقيقية ونزيهة تفضي الى حكومة وطنية شرعية قوية بدعم شعبي ومدفوعة بأجندة وطنية تسعى لاستعادة سيادة العراق الكاملة والحفاظ على مصالحه الوطنية و مقدراته الاقتصادية. من المعروف بداهة أن السياسة الامريكية الحالية تواجه مشاعر سلبية مناهضة وعلى المستوى العالمي والتي يمكن التعبير عنها بوضوح في الدول التي تتمتع بديمقراطيات حقيقية ولا أدل على ذلك من المظاهرات المليونية والتي إجتاحت أوروبا إحتجاجا على الشبق العسكري الامريكي عشية التحضير لغزو العراق في نهاية عام 2002 ومطلع عام 2003. لقد أجرى أكثر من معهد امريكي متخصص استطلاعات للرأي في العديد من دول العالم وكانت المشاعر المناهضة للتوجهات الامريكية غالبة وواضحة في عموم دول العالم وعلى الاخص في دول عربية واسلامية وثيقة الصلة بالادارة الامريكية والتي ناهزت فيها نسبة الساخطين على امريكا 90%, ولا أدل من إدراك الادارة الامريكية لتلك الحقائق من تصريحات كولن باول حول المساعدات الامريكية لضحايا تسونامي والتي عبرفيها عن أمله في ان تتغير صورة امريكا في العالم الاسلامي والمسلمون يرون الجيش الامريكي وهو يمد يد المساعدة لاخوانهم الاندونيسيين. المصالح الامريكية وصفقات البزنس الضخمة وعمولاتها والسعي لاحتكار العقود التجارية والهيمنة على الارداة السياسية لا تستطيع التعايش مع ديمقراطية حقيقية تزدهر فيها الرقابة البرلمانية والحرية الاعلامية. الاصرار على إجراء الانتخابات مع التحذير ان لم نقل التحريض على الحرب الاهلية يستهدف إغتيال إي مشروع ديمقراطي حقيقي الان اوفي المستقبل. الانتخابات العراقية لا يمكن لها ولا لنتائجها ان تعبر عن التوجهات الشعبية العراقية الحقيقية لاسباب عديدة منها:
- الانتخابات تجري في ظل الاحتلال وبرعايته وضمن تصوراته ومن خلال قوانينه, لقد كان الرفض الامريكي السابق الاولي للانتخابات بحجة أن الامر يحتاج الى ترتيب وإحصاء سكاني وأنه لا يمكن إعتماد البطاقة التموينية ومن بعد تم الغاء برنامج للاحصاء السكاني وتم إعتماد البطاقة التموينية.
– التصريحات العربية الرسمية وعلى مستوى عال والتقارير الصحفية والتعليقات والاتهامات المتبادلة بين حلفاء الاحتلال وانصاره تكشف بجلاء عن حدوث إختراقات بل وتزوير ومنحا للجنسية العراقية من بعض السفارات العراقية في اوربة لغير العراقيين من إجل المشاركة في الانتخابات من أجل دعم هذا التوجه او ذاك والتي تصب في نهاية المطاف في مصلحة الاحتلال وأجندته. أضف إلى ذلك غياب أي هيئات رقابية محايدة عن العملية الانتخابية والتي يشرف عليها الاحتلال بعد أن صاغ قوانينها وآلياتها لتصل برجاله او على الاقل المتفاهمين معه والموافقين على صيغة من صيغ وجوده وبقائه.
- الاسلوب الانتخابي والذي جعل من العراق دائرة إنتخابية واحدة في نموذج إنتخابي مطبق في الدولة العبرية, وهو اسلوب غير عادل ولا منطقي ولن يعكس حقيقة موازيين القوى السياسية نظرا لمساحة العراق الشاسعة هذا إذا إفترضنا جدلا أن الانتخابات نزيهة وهي فرضية خاطئة. ربما يكون أحد أهداف الدائرة الواحدة السماح لليهود العراقيين من مواطني "إسرائيل" المشاركة في الانتخابات وهي المشاركة التي لها من المعاني الرمزية الشئ الكثير وهي تظهر بوضوح الاهداف الحقيقية للحرب على العراق وفقا لما ذكره بوش في مناظرته الانتخابية الاولى مع جون كيري " الحرب على العراق جعلت إسرائيل أكثر أمانا". وهو نوع من ألثأر من العراق وجيشه الذي شارك في الحروب العربية-الاسرائيلية مع سابقة قصف العراق للدولة العبرية بالصواريخ. وهي تكشف عن نموذج الشرق الاوسط الجديد المأمول أمريكيا واسرائيليا والذي تكون الدولة العبرية منه مكان القلب والعقل سيطرة وهيمنة وتحكما. إسلوب الدائرة الواحدة مع انتخابات الخارج تسهل كثيرا برمجة النتائج, الامر المثير للسخرية هو في إعتراف ادارة الاحتلال والسلطات العراقية عن صعوبة ان لم نقل إستحالة إجراء الانتخابات في اربع محافظات يناهز عدد سكانها خمس مليون, وبالرغم من ذلك ومن إنعدام الامن في معظم مناطق العراق فإن سلطات الاحتلال تصر على إجراء تلك الانتخابات. ولو كانت الانتخابات كما في الدول الغربية تجري على مستوى الدوائر المتعددة والتي تعكس الثقل السكاني في ارجاء البلاد لكان من الممكن إجراء الانتخابات العراقية ولو على مستوى جزئي في مرحلة أولى أما والعراق كله دائرة واحدة فإن استثناء أي مدينة ناهيك عن اربع محافظات يجعل من الانتخابات نموذجا للسخرية والعبث لا قيمة قانونية لها.
- قوائم المرشحين في غالبيتها سرية وفي هذا السياق يؤكد فريد أيار, المتحدث الرسمي باسم المفوضية العليا للانتخابات العراقية أن الاحزاب المشاركة في الانتخابات ترفض نشر أسماء مرشيحها, أضف الى ذلك سرية الكثير من أماكن الاقتراع , بمعنى أن المواطن العراقي الذي لا يجد ماء ولا وقودا للدفء المنزلي او لتسيير سيارته وهو المهموم بتدبير لقمة العيش لاطفاله والمشغول باله للوصول لبيته آمنا عليه ان يصوت لاشباح مجهولي الاسماء ضمن قوائم إنتخابية غامضة البرامج الانتخابية باسلوب إقتراعي ملئ بالارقام والرموز مثل الاحاجي والكلمات المتقطعة والمتقاطعة في اماكن مجهولة سيعلن عنها لاحقا. من الامور المثيرة للسخرية المرة هو تصريح جنرال امريكي بارز في العراق هو جون ساتلر بإن الناس في الفلوجة والرمادي سيتمكنون من التصويت في الانتخابات العراقية. غير أن الليوتنانت جنرال قال إنه لن يتم الكشف عن أماكن المراكز الاقتراعية حتى اللحظة الأخيرة للحيلولة دون تعرضها لهجمات. ولعل تصريحات الجنرال وتأكيداتها تعكس صورة الموقف الامريكي الحقيقي المهم هو الزعم بإجراء الانتخابات وليس إجراؤها فعلا. فكيف يصوت أهل الفلوجة والمدينة مدمرة وبشكل كامل ولا يسمح لوسائل الاعلام ولحد الساعة دخول البلدة والتي غدت مدينة أشباح.
– الخلافات العاصفة داخل أركان ما يسمى "المفوضية المستقلة العليا للانتخابات" وتبادل الاتهامات الحادة بينهم, الناطق الرسمي بإسمها فريد أيار إعترف بهذة الخلافات معلنا تمسكه بمنصبه نافيا ان يكون قد قدم إستقالته رافضا البيان الذي صدر عن المفوضية والذي كشف عن موضوع الاستقالة وارجع الامر الى شائعات حاسدة على نجاح مهماته. وأضاف ايار ان مجلس المفوضين "أخفق لغاية الان في اتخاذ القرارات التي لها أهمية بالغة ولا سيما تلك المتعلقة بالحكم بين الكيانات السياسية حول الكثير من الامور المعلقة". لاحظ إعتراف الناطق الرسمي بامور كثيرة عالقة ورغم أهميتها فإن الانتخابات ستجري في موعدها المقرر امريكيا. وبعد أن إعترف إيار بأن الخلافات داخل المجلس جعلته عاجزا عن حل كثير من الامور العالقة معربا عن أسفه " لحالات الاصطفاف في العمل داخل المفوضية والترضيات التي تحصل لهذه الفئة أو تلك. هل يحتاج المرء الى أكثر من شهادة الناطق الاعلامي للمفوضية المستقة العليا للانتخابات والتي تعترف بالفشل في مواجهة الاشكالات الانتخابية والمحسوبية في التعامل مع القضايا الانتخابية ليدلل أن هذه الانتخابات فاشلة وساقطة بالثلاثة.
#ياسر_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟