بلعمري اسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 3706 - 2012 / 4 / 23 - 19:48
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
قبل أيام قليلة ( 20 أبريل) أحيا جمعٌ هزيل الذكرى 32 للربيع الأمازيغي في كلٍ من تيزي وزو( القبائل الكبرى) و بجاية ( القبائل الصغرى) بمسيرات ءاستعراضية ظلت وفيّة لمساراتها الرمزية ( ءانطلاقاً من جامعة مولود معمري و الى غاية بلوغ وسط مدينة تيزي وزو), و اذا كان وسط المدينة خيّار بديهي و عملي, فاءن لجامعة حسناوة المسماة مولود معمري بعد رمزي قوي, اذ شهدت الجامعة الأحداث الدموية التي أعطت للذكرى بعدها النضالي.
لن أخوض في تفاصيل المسيرة أو بالأحرى المسيرتان اللّتان جابتا المدينة و رفعتا شعارات تختلف باءختلاف المشرفين على كل واحدة منهما وءاختلاف نواياهم فيها.
واذا كانت النوايا الصادقة لا تكفي لبلوغ المرام, فهي مع ذلك أصل كل مسعى يُراد له النجاح و تبذل بعد ذلك في سبيله الجهود و التضحيات و تخاض لأجله المعارك بمعاول الفكر أو معاول النزال بحسب ما تُلزِم الحاجة الساعي في سبيل تحقيق الغاية من نضاله.
و النية المقصودة هنا ليست النية بمفهومها الديني المتمثل في ءاقرار الاءخلاص في السر للمعبود, بل هي المقاصد المضمرة أو الأهداف الخفية و التي لا يخلو أي مسعى نضالي منها, فلكل نضال مهما بدى بسيطاً أهداف معلنة و أخرى خفية لا يمكن أن تتحقق لو جُهِر بها أو أساء القائمون على تحقيقها التكتم عليها, و هذا بالذات محور الموضوع.
ءان ظاهر النضال لأجل القضية الأمازيغية في الجزائر يحيلنا الى أواسط العشيرينات من القرن الماضي التي شهدت ميلاد نجم شمال ءافريقيا (1926) في العاصمة الفرنسية باريس برئاسة مصالي الحاج, و هو حزب راديكالي جذب ءاليه المناضيلن الساخطين على الأوضاع أكثر من غيرهم, و بتهمة الدعاية المثيرة للقلاقل حلت السلطات الفرنسية الحزب ثلاث سنوات بعد ذلك, و تحت المنع نشط المناضلون في السر و ذاع اسم شخصين أكثر من غيرهما هما " عمار لماش" و " راجف بلقاسم" و كلاهما من منطقة القبائل, و أعيد تأسيس الحزب سنة (1933) و أعيد حله كذلك, انتقل بعدها مصالي الحاج الى الجزائر العاصمة و أسس بها حزب الشعب الجزائري سنة (1936 ) و هي السنة التي نادى فيها قبل غيره في جمعٍ غفير باءستقلال الجزائر, و نشر جريدة " الأمة" التي عرفت ءانتشاراً مثيراً( لاحظ الدلالة القوية لعنوان الجريدة في سياقها التاريخي), و لم يطل بمصالي الحال حتى اعتقل بتهمة الاءخلال بالأمن و سجن سنة (1937).
في هذه الأثناء عادت أسماء مناضلي الصف الثاني للبروز, فظهر " محند ايدير آيت عمران" ( قبائلي) و هو في حينها طالب لامع في ثانوية بن عكنون المرموقة و نشر أولى قصائده الأمازيغية الوطنية بعنوان " أَكَّرْ آ ميس أومازيغ" ( قم يابن الأمازيغي) التي تغنى فيها بأبطال التاريخ الأمازيغي ( ماسينيسا, يوغرطة, الكاهنة...) و الذين لا يوجد من بينهم من ينتمي الى منطقة القبائل التي كانت في ما يظهر على هامش التاريخ الجزائري القديم, و هذه عقدة ظلت تطارد نخبة المنطقة و سكانها على حدٍ سواء خلقت شعوراً قوياً بالنهم الى الزعامة ظهر جلياً قبل و بعد الثورة و خلالها, و بعد الاءستقلال و عبر كامل التاريخ الحديث للجزائر المحتلة و المستقلة و أخذ في أحيان كثيرة مظاهر كاريكاتورية جعلت من مجرد مغنيين زعماءاً لا يرد لهم أمرٌ أو نهي, و خُلِعت عليهم ألقاباً سأكتفي بذكرها دون التعقيب عليها ( الشاعر, الفيلسوف, الحكيم,.....الخ) و وضعت لبعضهم نُصُباًً جنباً الى جنب مع الأبطال الفعليين للأمة الجزائرية القديمة و الذين لا ينتمي كما ذكرت أيّاً منهم الى المنطقة.
و خلال غياب مؤسس الحزب و زعيمه مصالي الحاج المسجون, عيّن ممثل منطقة القبائل بالحزب " واعلي بناي" منسقاً للاءتصال بطلبة ثانوية بن عكنون, و الذين كانوا في أغلبيتهم الساحقة من القبائل بحكم خطة فارنيي ( انظر أصل العنجهية القبائلية Berbériser pour régner ), و بحكم المنصب الجديد أمكن لبناي ليس فقط أن يحشو الحزب بالمناضلين من ءاثنيته بل و أن يرسكل الكثيرين منهم وفق قناعاته الخاصة.
و في العام 1946 و هي السنة التي عاد فيها الحزب للنشاط بعد أن جمد تلقائليا شأنه شأن الأحزاب الأخرى أثناء الحرب العالمية, تحرك مناضلو منطقة القبائل بالحزب و كان منهم " علي العيمش" و " محند خليفاتي" و " الحسين آيت أحمد" و طالبوا قيّادة الحزب بضرورة ءادراج الهوية الأمازيغية في مقررات الحزب و مبادئه, و حمّلوا عضو اللجنة المركزية خلال زيارته الى المطقة " عمار خليل" تبليغ القيادة بالمطالب, و التي أرفقت بتهديد شديد اللّهجة.
و ما بدى أنه سعي مشروع لاءحلال الهوية الأمازيغية المكانة الطبيعية لها في وسطها الطبيعي و التاريخي, ظهر لاحقاً و ازداد ظهوره وضوحاً خلال الثورة و بالذات في مؤتمر الصومام, و لكن أيضاً بعد الاءستقلال البعد الخفي لمطامع أخرى لا تمت لمشروعية المطلب الهوياتي بصلة, ( لولا القيود القانونية لنشرت قائمة رجال المال و الأعمال في البلاد و التي ذكرها الرئيس السابق للمخابرات الفرنسية الخارجية DGSE و هو كذلك دبلوماسي رفيع " Jean-Claude Cousseran" , حول توزع الثروة في الجزائر, وهي في نسبة ساحقة في أيدي رجال أعمال من منطقة القبائل).
في ربيع العام 1947 تحقق للنخب القبائلية نصر سياسي كبير و طبيعي بالنظر للتصميم الكبير الذي أبدته تلك النخب في تبوء زمام أكبر حزب في البلاد, اذ في أول مؤتمر عام لحزب الشعب نجح أربعة من أشد الاءطارات القبائلية طموحاً الظفر بعضوية اللجنة المركزية, و هم " واعلي بناي" و " الحسين آيت أحمد" و " عمر أوصديق" و " عمر ولد حمودة" و سنة بعد ذلك دعا مسؤول الحزب لمنطقة القبائل و الرأس المدبر للّوبي القبائلي " واعلي بناي" عدداً من ءاطارات الحزب القبائليين الى اجتماع سري و مغلق, حضره : عمر ولد حمودة, و محند ايدير آيت عمران, السعيد علي يحي, السعيد أوبوزار, محند سيد علي يحي و الصادق هجرس و هذا الأخير كان شيوعياً على علاقة بالحزب الشيوعي الفرنسي و تأخر التحاقه بالثورة الى غاية مؤتمر الصومام 1956 و لعب دوراً مع عبان رمضان في صيّاغة مقرراته بما يخدم العنصر القبائلي, و استبعد آيت أحمد من الاءجتماع لولائه لمصالي و توجس الجماعة منه.
و خرج الاءجتماع السري بمقررات أهمها الدعوة الى ادخال الهوية الأمازيغية في الأبعاد المكونة للأمة الجزائرية التي يناضل لأجلها الحزب, و جرى الاءتصال بالكاتب مولود معمري للعمل على الترويج للقضية في المحافل الثقافية.
في باريس حيث فديرالية فرنسا ( فرع الحزب في الخارج) و التي كانت تضم غالبية قبائلية بحكم الهجرة الكثيفة لسكان المنطقة الى فرنسا, قام عضو الفدرالية علي يحي بطرح التماس يدين فيه بشدة ءاقرار الهوية العربية الاءسلامية للجزائر, و بحكم التركيبة الاءثنية للفدرالية جرى التصويت على الملتمس بالغالبية الساحقة ( 28 صوت من أصل 32).
و بشكل موازي قام عضو فدرالية فرنسا الآخر " بلقاسم رجف" و هو قبائلي كذلك بتكوين فرقة مسلحة لاءسترجاع مقرات الحزب في فرنسا من جماعة الفديرالية, و أوكل المهمة لعنصيرين هما أيضاً من القبائل ( شوقي مصطفاي و الصادق سعيدي) و جرت خلال الفترة صدامات حرص الحزب على أن لا يقحم عناصر غير قبائلية فيها بشكل مباشر تجنباً لاءثارة الحساسيات الاءثنية, و خلال حرب التموقع انكشف أمر الكثير من المناضلين و جرى اعتقالهم من طرف الأمن الفرنسي و انكشف أمر المنظمة الخاصة التي أوكل لها أمر الاءعداد للثورة.
#بلعمري_اسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟