|
برلمان العرب .. كوميديا سوداء
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1089 - 2005 / 1 / 25 - 11:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
من المفترض أن يلتئم شمل القمة العربية بالجزائر فى الثانى والعشرين من مارس المقبل، وهو نفس التاريخ الذى يوافق الذكرى التاسعة والخمسين لتأسيس جامعة الدول العربية. وليست هذه الذكرى هى وحدها التى تعطى مذاقا خاصا لتلك القمة المرتقبة، وإنما أيضا – وأساسا – التحديات الكبرى والمعضلات الجسيمة التى تواجه العرب وتهدد وجودهم وبقاءهم ذاته. لذلك.. تابع المحللون – باهتمام خاص – الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذى عقد فى القاهرة منذ أيام تحضيرا لهذه القمة الوشيكة، التى تأتى فى أعقاب قمة تونس وما شهدته من أحداث ميلودرامية لا تُنسى. وكانت المفاجأة الأولى للمراقبين والمحللين أن كثيرا من أصحاب المعالى الوزراء العرب غابوا عن هذا الاجتماع "الطارئ"،واكتفوا بالتكرم بتكليف معاونيهم او مديرى مكاتبهم او السكرتارية الخاصة بالحضور نيابة عنهم. ومعروف طبعا ان هؤلاء (المعاونين)- وكل المعاونين فى العالم العربى – هم الذين يحتاجون إلى العون، فهم لا يهشٌون ولا ينشٌون، وليست لديهم أى صلاحية حتى لإبداء الرأى. إن كان لهم رأى أصلا فى القضايا المطروحة على جدول الأعمال. ولهذا فقد فهم المراقبون والمحللون معنى واحدا لغياب أصحاب المعالى الوزراء هو ازدراء المشاريع التى تنتظر المناقشة، ووضعها فى الثلاجة الى اجل غير مسمى. وزاد الطين بلة ان من حضر من أصحاب المعالى، وممثلى نظرائهم الذين تغيبوا، قد تعاملوا مع المشروعات المطروحة بإهمال شديد، وببرود منقطع النظير، وبدون اى إحساس بالأخطار المحدقة بالعرب. فقد كان المطروح على جدول الأعمال هو التالي: 1- مشروع بإنشاء محكمة العدل العربية. 2- مشروع بإنشاء مجلس أمن عربى. 3- مشروع بتعديل نظام التصويت فى مجلس الجامعة. 4- مشروع جزائرى خاص بمنصب الأمين العام. 5- الوضع المالى وتقاعس بعض الأعضاء عن سداد التزاماتهم المالية. 6- وضع السوق العربية المشتركة. 7- المواقف العربية إزاء قضايا الساعة. 8- مشروع البرلمان العربى. فضلا عن المواضيع الأخرى المعتادة، فى مقدمتها القضية الفلسطينية.. فماذا حدث فى الاجتماع؟ تم تجاهل معظم هذه القضايا، أو بالأحرى حدث انقسام حولها. وهو ما وصفته جريدة (الوفد) بأنه (انتكاسة جديدة) لمسيرة العمل العربى المشترك. اما ما تم الاتفاق عليه فيقترب من (الكوميديا السوداء). ذلك ان أصحاب المعالى الوزراء العرب الذين اختلفوا على كل شىء تقريبا. اتفقوا على شىء واحد هو إنشاء (برلمان عربى). وحسب هذا المشروع، فان البرلمان العربى سيضم 88 عضوا، بمعدل 4 أعضاء عن كل دولة، وستكون مدته خمس سنوات، اما مقره فسيكون فى العاصمة السورية دمشق. ويقضى المشروع الذى يتكون من 12 مادة بان يكون البرلمان العربى جهازا من أجهزة الجامعة العربية الرئيسية، على ان يقوم بوضع نظامه الأساسى برلمان عربى انتقالى مدة انعقاده خمس سنوات، وستكون له موازنة مستقلة – تتوزع مساهمات الدول الأعضاء فيها بنسب مساهماتها فى موازنة الجامعة نفسها، وسيكون للبرلمان أمين عام، ويعقد دورتين كل سنة ويختص بمناقشة المسائل المنصوص عليها فى ميثاق الجامعة والأوضاع والتطورات السياسية فى المنطقة العربية والمخاطر الناجمة عنها وتأثيراتها على الأمن القومى العربى. وهذا البرلمان العربى الذى اتفق أصحاب المعالى الوزراء العرب على إنشائه تجسيد لحالة الهزل التى يعيشها العرب فى هذه المرحلة السوداء. فبعض البلاد العربية لا تعرف البرلمانات أصلا، ولا تعترف بها، ولا تسمح بقيامها على ترابها الوطنى من حيث المبدأ، ومع ذلك فإنها توافق على إنشاء برلمان عابر لحدودها القطرية! وكثير من البلاد العربية الأخرى التى توجد لديها برلمانات، تعترف بها من حيث الشكل فقط وتفرغ عملها من أي مضمون ديموقراطى حقيقي. لأن كثيرا من هذه البرلمانات مجرد "ديكور" عصرى بلا وظيفة حقيقية غير استيفاء الشكل. وكثير من هذه البرلمانات يتشكل بعد انتخابات شكلية مزورة، والنتيجة أن الأغلبية البرلمانية تحترف "التصفيق" بدلا من القيام بالمهام المتعارف عليها فى البرلمانات الحقيقية، من تشريع ومساءلة للحكومة ورقابة على سياساتها وقراراتها، وسهرا على احترام الدستور. بل إن بعض هذه البرلمانات لا يتورع عن العدوان على الدساتير – رغم ان هذه الدساتير ذاتها ليست نموذجية فى كثير من الأحيان – وعادة ما يكون العدوان على الدستور وتعديله لصالح هذا الحاكم أو ذاك، و"تفصيل" الأوضاع الدستورية على مقاسه! وببساطة شديدة، و"استعباط" أشد، يقفز أصحاب المعالى الوزراء فوق كل هذه الحقائق التى يعانى منها كل "الرعايا" العرب، ويتحدثون عن "برلمان عربى". ثم يتمادون فى "الاستعباط" ويتحدثون عن تفاصيل مالية متعلقة بميزانية هذا البرلمان المرتقب، بينما كانت إحدى المسائل الأخرى الموضوعة على جدول أعمال الاجتماع الطارئ ذاته هى تقاعس بعض الدول الأعضاء عن الوفاء بالتزاماتها المالية، كما أن الأخبار قد تسربت عن ان عمرو موسى أمين الجامعة لم يصرف مرتبه منذ ستة أشهر، علما بأن هذا المرتب يكاد يتساوى مع مرتب حسن شحاتة مدرب المنتخب المصرى لكرة القدم!! وليس أقل عجبا ان المشروع ذاته يوزع مقاعد البرلمان العربى المنتظر بـ"مساواة" من نوع عجيب، حيث يكون لكل دولة أربعة مقاعد، أى إن القوة التصويتية لدولة مثل مصر يقطنها أكثر من سبعين مليون نسمة تتساوى مع القوة التصويتية لدويلة لا يزيد عدد سكانها الأصليين على مائة ألف نسمة، أى يمكن استضافتهم جميعا فى إستاد القاهرة! ولم يقل لنا المشروع كيف سيتم انتخاب هؤلاء الأعضاء الأربعة، خاصة فى تلك البلاد العربية التى لا تعرف الانتخابات، ولا تعترف بصناديق الاقتراع أصلا؟! وهل سيكون هؤلاء البرلمانيون الأربعة مجرد مندوبين تعينهم حكوماتهم أم ماذا؟ وما هى ضمانات نزاهة اختيارهم إذا ما كان عن طريق الانتخاب؟ كل هذا يعنى أن أصحاب المعالى الوزراء العرب الذين حضروا الاجتماع الطارئ إياه، هم ومعاونو نظرائهم الذين تغيبوا رغم ان الاجتماع يحمل صفة "طارئ"، يستخفون بعقول "رعاياهم" فيمتنعون عن بحث القضايا الحقيقية، ويختلفون حول المسائل المصيرية، ويتفقون على "نكتة" اسمها البرلمان العربى!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديمقراطية .. خلف القضبان !
-
رجل الأعمال يحاور.. ورئيس التحرير يحمل مقص الرقيب
-
لا يموت الذئب .. ولا تفنى الغنم !
-
حرب عالمية ضد إرهاب الطبيعة
-
إعادة انتخاب بوش أخطر من انفلاق المحيط الهندى
-
!الأعمى الإنجليزى .. والمبصرون العرب
-
الإعلام.. قاطرة الاستثمار
-
! الحكم فى نزاع -جالاوى- و -ديلى تلجراف- .. يديننا
-
مفارقة -مادونا- الأمريكية .. و-وفاء- المصرية
-
بوش وشارون .. أسوا أعداء الاستثمار فى العالم العربى
-
!درس للعرب فى الديموقراطية .. باللغة الألمانية
-
! الاقتصاد غير السياسى
-
! لكن البعض لا يحبون شرم الشيخ..
-
بيان شرم الشيخ.. الآخر
-
أبو عمار: حاصروه فى الجغرافيا .. فحاصرهم فى التاريخ
-
!الفنادق وشركات الطيران.. الرابح الوحيد في مؤتمر شرم الشيخ
-
نصــف أمـــريكا.. الآخــــر
-
شامبليون ونظريات محمود سعد وفاروق الفيشاوى
-
لماذا تخون الصحافة تقاليدها؟
-
!تكريم وزير .. تحت الكوبرى
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|