|
تقرير التحول الديمقراطي في شمال السودان عام 2011
حسن الشامي
الحوار المتمدن-العدد: 3705 - 2012 / 4 / 22 - 12:45
المحور:
المجتمع المدني
معلومات عامة عن الدولة : العاصمة : لخرطوم اللغة الرسمية : العربية تسمية السكان سودانيون نظام الحكم جمهورية رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه نائب الرئيس الحاج آدم يوسف السلطة التشريعية المجلس التشريعي السوداني المجلس الأعلى مجلس الولايات السوداني المجلس الأدنى المجلس الوطني السوداني الاستقلال : عن المملكة المتحدة ومصر 1 يناير 1956 عدد السكان ( تقدير 2009) 32 مليون نسمة مؤشر التنمية البشرية : (2007) 0.531 متوسط) (105)
عضوية المنظمات الدولية والإقليمية : وإنضم السودان إلى جامعة الدول العربية في 19 يناير/ كانون الثاني 1956 م، وإلى هيئة الأمم المتحدة في 12 نوفمبر / تشرين الثاني 1956 م، وهو من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية في 25 مايو/ أيار 1963 م، وفي الإتحاد الأفريقي الذي خلفها في يوليو / تموز 1999
نظام الحكم السلطة التنفيذية : شكل الحكم في السودان حسب إتفاقية السلام الشامل في عام 2005 م، يتكون من ثلاثة مستويات في السلطة:حكم مركزي رئاسي على رأسه رئيس الجمهورية الذي يمثل رأس الدولة ورئاسة الحكومة (مجلس الوزراء) في الوقت نفسه، وحكم إقليمي يمثله ولاة الولايات (وعددها 17 ولاية) والحكومات الولائية، وحكم محلي يتمثل في المحليات المختلفة بالولايات (وعددها 176 محلية).
السلطة التشريعية : وتتمثل في برلمان مركزي يسمى المجلس التشريعي ثنائي المجلسين: المجلس الوطني ومجلس الولايات. ويتكون الأول من 349 عضو في الوقت الراهن (كان يتكون من 450 عضو قبل انفصال الجنوب، منهم 323 من حزب المؤتمر الوطني وذلك قبل شطب النواب الجنوبيين وعددهم 101 عضو منهم 99 من الحركة الشعبية) ومجالس تشريعية في الولايات.
السلطة القضائية : وتتكون من المحكمة العليا في المركز وبعض الولايات ومحاكم الاستئناف ومحاكم عامة، ومحاكم ابتدائية يطلق عليها اسم المحاكم الجزئية من الدرجة الأولى والدرجة الثانية والدرجة الثالثة والمنتشرة في كافة الولايات المختلفة، ومحاكم شعبية تسمى محاكم بالمدن والأرياف تضم زعماء القبائل وتطبّق العرف. القوات المسلحة السودانية يتمتع بخبرة قتالية وتنظيمية وتدريبية طويلة منذ إنشائه في العام 1925 وشاركت وحدات منه في الحرب العالمية الثانية، وله عقيدة قتالية تقوم على اساس الدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته ووحدته الوطنية ويقوم بمهام مدنية تتمثل في تقديم المساعدات أثناء الكوارث الطبيعية وحفظ الأمن في حالة الأوضاع الأمنية المضطربة.سن الخدمة العسكرية 18 عام.
النشاط السياسي للجيش السوداني : لم يكن الجيش السوداني غائباً عن المسرح السياسي حيث استولى على السلطة في السودان أربع مرات: • الأولى في 17 نوفمبر / تشرين الثاني 1958 م، بقيادة الفريق إبراهيم عبود • الثانية في 25 مايو / أيار 1969 م، بقيادة العقيد جعفر نميرى • الثالثة في 6 أبريل / آب 1985 م، عندما تم تكليف المشير عبد الرحمن سوار الذهب وزير الدفاع حينذاك برئاسة مجلس عسكري مؤقت لحكم السودان بعد الإنتفاضة • الرابعة في 30 يونيو / حزيران 1989م، بقيادة العميد عمر البشير الرئيس الحالي للسودان.
السكان السودانيون هم مجموعات من القبائل العربية والأفريقية والنوبية والبجا مع وجود أقليات تركية ومصرية وليبية وغجرية (حلب)وأثيوبية وأريتيرية وهندية وتمثل 600 عرقية وقبيلة مختلفة[82][83][84]. السودان، الكثافة السكانية (شخص لكل كيلومتر مربع). الأديان في السودان : مسلمون سنة (96%) والمسيحيون(4%) التعداد السكاني بعد الإنفصال عدد السكان: 33.419.625 نسمة عدد السكان مقارنة بدول العالم: الترتيب 35 عالمياً، 3 عربياً، 9 أفريقياً. معدل نمو السكان: 2.8%
اللغات الأساسية اللغة الرسمية والرئيسية هي اللغة العربية بالإضافة إلى بعض اللغات المحليةالتي تصل إلى أكثر من 300 لغة منها لغات البجا في شرق السودان وتشمل اللغة التجرية والبداويت وهذه تشمل (البني عامر والهدندوة والحلنقة والبشاريين والأمرار). واللغات النوبية في شمال السودان من مدينة دنقلا وحتى مدينة اسوان في جنوب مصر وتشمل ( الدنقلاوية والحلفاوية ). ولغات غرب السودان ومنها الجور والفلاتة، والهاوسا والزغاوة والفور والداجو والمساليت. وتتفرع اللغة العربية إلى لهجات عدة منها لهجة الجعليين والبقارة والشكرية وغيرهم. التقسيم الإداري
الخرطوم : العاصمة المثلثة ولايات السودان : بلغ عدد ولايات السودان حتى 2012 عام، سبعة عشر ولاية وهي : البحر الأحمر وعاصمتها بورتسودان ـ الجزيرة وعاصمتها ودمدني ـ الخرطوم وعاصمتها الخرطوم والشماليةوعاصمتها دنقلا ـ ونهر النيلوعاصمتها الدامر ـ القضارفوعاصمتها القضارف ـ وكسلا وعاصمتها كسلا ـ سنار وعاصمتها سنجة ـ شمال كردفان وعاصمتها الأُبيض ـ جنوب كردفانوعاصمتها تلودي ـ شمال دارفوروعاصمتها الفاشر ـ جنوب دارفور وعاصمتها نيالا ـ غرب دارفور وعاصمتها الجنينة ـ شرق دارفوروعاصمتها الضعين ـ وسط دار فوروعاصمتها زالنجي ـ النيل الأبيضوعاصمتها ربَك ـ النيل الأزرقوعاصمتها دمازين).
جمهورية السودان : تقع في شمال أفريقيا ويعتبر جزء من الشرق الأوسط جغرافيا وسياسيا وهو عضو في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأفريقي. السمة الرئيسية فيه هي نهر النيل وروافده، يحده من الشرق أثيوبيا وأريتريا ومن الشمال الشرقي البحر الأحمر ومن الشمال مصر ومن الشمال الغربي ليبيا ومن الغرب تشاد ومن الجنوب الغربي جمهورية أفريقيا الوسطى ومن الجنوب دولة جنوب السودان. يقسم نهر النيل أراضي السودان إلى شطرين شرقي وغربي وينساب نحوه رافديه: النيل الأزرق والنيل الأبيض ليلتقيا في الخرطوم في مشهد طبيعي فريد. ويتوسط السودان حوض وادي النيل الذي يلعب دوراً حيوياً في حياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي علاقاته الخارجية. والخرطوم أو (العاصمة المثلثة) كما تُعرف هي عاصمة السودان وسميت مثلثة لأنها تتكون من ثلاث مدن كبيرة وهي (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري).
ويعتبر السودان مهداً لحضارات عريقة، استوطن فيه الإنسان منذ 5000 سنة قبل الميلاد.. ولشعب السودان تاريخ طويل يمتد منذ العصور القديمة ويتداخل مع تاريخ مصر الفرعونية والتي كان السودان متداخلاً معها سياسياً على مدى فترات طويلة، لاسيما في عهد الأسرة الخامسة والعشرين (الفراعنة السود) التي حكمت مصر ومن أشهر ملوكها طهراقة وبعنخي.
ويقع السودان بين خطي عرض 8.45 درجة و 23.8 درجة شمالاً، وخطي طول 21.49 درجة إلى 38.24 درجة شرقا، في موقع جيوبولوتيكي مهم بين عدة مناطق استراتيجية، فهو يشكل بوابة أو مفترق طرق وجسر بين أفريقيا - خاصة منطقة القرن الإفريقي شرقاً ومنطقة الساحل غربا وحتى حوض السنغال، وافريقيا شمال الصحراء الكبرى ومنطقة البحيرات الكبرى في الوسط - وبينها وبين العالم العربي الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط، وهو بذلك أحد معابر التفاعلات والهجرات والمؤثرات العربية الإسلامية جنوب الغابات الإستوائية في أفريقيا كما أنه ظل وحتى منتصف القرن الماضي الممر الرئيسي لقوافل الحجيج والتجارة من غرب أفريقيا إلى الأرضى المقدسة وشرق أفريقيا.
شهد السودان حرباً أهلية استمرت منذ قبيل إعلان الاستقلال في عام 1956م حتى 2005 عدا فترات سلام متقطعة، نتيجة صراعات عميقة بين الحكومة المركزية في شمال السودان (الذي تقطنه أغلبية مسلمة) وحركات متمردة في جنوبه(الذي تسوده الديانة المسيحية والمعتقدات المحلية) وانتهت الحرب الأهلية بالتوقيع اتفاقية السلام الشامل التي وضعت حداً للحرب الأهلية، بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، وأصبح إقليم جنوب السودان يتمتع بحكم ذاتي أعقبه استفتاء عام في عام 2011 حول البقاء موحداً مع السودان أو الإنفصال. وجاءت نتيجة الاستفتاء لهذا الخيار الأخير.
في عام 1989 م، قاد العميد عمر البشير انقلاباً عسكرياً ،أطاح بحكومة مدنية برئاسة الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، وأصبح هو رئيساً لمجلس قيادة ثورة الإنقاذ، ثم رئيساً للجمهورية.
إقترن ذكر بلاد السودان منذ قرون بعيدة بذلك النطاق الواسع من الأرض الذي يقع مباشرة جنوب مصر. وكان قدماء المصريين يطلقون اسم تانهسو على المنطقة التي تقع جنوب مصر ويعنون بهذا اللفظ بلاد السود، في حين ورد الاسم اثيوبيا في كتاب الإلياذة مرتين، وفي الأوديسا ثلاث مرات للدلالة على المنطقة ذاتها، وهو اسم مركب من لفظين باللغة الإغريقية وهما ايثو (aitho) بمعنى المحروق، وأوبسيس (opsis) أي الوجه وبذلك يصبح اللفظ اثيوبيا Aethiopia (باللغة الإغريقية Αἰθιοπία) مرادفاً لبلاد الوجوه المحروقة أو البشرة البنيّة أو السوداء اللون.[7] وجاء في موسوعة حضارة العالم إن المؤرخ اليوناني الشهير هوميروس قد ذكر بأن الألهة كانوا يجتمعون في السودان في عيدهم السنوي، كما ذكر عاصمتها مروي، ووفقاَ لديودورس فإن السودانيين هم من أوائل الخلق علي وجه البسيطة، وأنهم أول من عبد الآلهة وقدم لها الـقرابين، وأنهم من علّم الكتابة للمصريين. وفي العهد المروي كانت العلاقات وُدية بين البطالسة والسودانيين، لاسيما في عهد بطليموس الثاني. كما كانت العلاقـة وثيقة بين كوش واليونان.
كذلك ورد اللفظ اثيوبيا في كثير من تراجم الكتاب المقدس (العهد القديم) بالمعنى ذاته وللدلالة على المنطقة جنوب مصر، وتحدثت الترجمة اليونانية للكتاب المقدس (العهد الجديد) عما وصفته بخادم اثيوبي للملكة النوبية الكنداكة، لكن النصوص العبرية في التوراة ذكرت اسم بلاد كوش مرات عديدة (37 مرة) للإشارة ألى بلاد النوبة، جنوب مصر، حيث نقرأ:
«(من أشور ومن مصر ومن فتروس ومن كوش ومن عيلام وشنعار ومن حماة ومن جزائر البحر (أشعياء 11: 12)»
وعُرّف كوش بأنه هو ابن حام ابن نوح، وقد أطلق الأباطرة الأحباش على بلادهم اسم اثيوبيا بدلا عن الحبشة تمشياً مع الملك الحبشي إيزانا الذي احتل مروي عاصمة مملكة اثيوبيا -الواقعة في شمال السودان حالياً - والذي أطلق على نفسه ملك ملوك اثيوبيا.
تاريخ السودان : كان قدماء المؤرخين العرب قد ترجموا اللفظ الاغريقي إثيوبيا إلى بلاد السودان ، وتحت اسم السودان جمع قدماء المؤرخين العرب جميع الشعوب القاطنة جنوب الصحراء الكبرى مثل تكرور وغانة وصنهاجة وغيرهم.[10] يقول اليعقوبي في كتابه (تاريخ اليعقوبي)عن ممالك الحبشة والسودان، إن أبناء نوح تفرقوا من أرض بابل وقصدوا المغرب، فجازوا من عبر الفرات إلى مسقط الشمس، وانقسم أولاد كوش بن حام، وهم الحبشة والسودان، عند عبورهم نيل مصر إلى فرقتين، فرقة منهم قصدت البين بين المشرق والمغرب، وهم النوبة، والبجة، والحبشة، والزنج، والأخرى قصدت الغرب، وهم زغاوه، والحسن، والقاقو، والمرويون، ومرندة، والكوكو، وغانه. وواضح إن سودان اليعقوبي يشمل منطقة الساحل في أفريقيا. كذلك يعني مصطلح (بلاد السودان)، بلاد الشجعان. وكان يستخدم بصفة عامة لكل بلاد الزنوج. جاء في مقدمة ابن خلدون بأن كلمة (السودان) كلمة مرادفة للزنوج
وقد أعتمدت الإدارة الاستعمارية البريطانية رسمياَ اسم السودان المصري الإنجليزي في اتفاقية الحكم الثنائي في عام 1899 والتي وقعها اللورد كرومر ممثلاَ لـبريطانيا العظمى وبطرس غالي وزير خارجية مصر آنذاك. وكان الملك فاروق ملك مصر السابق يلقب بملك مصر والسودان. وباستقلال البلاد في أول يناير / كانون الثاني 1956 أصبح اسمها جمهورية السودان (وبالإنجليزية Republic of the Sudan) أضيفت اداة التعريف باللغة الإنجليزية (the) إلى النص الإنجليزي لتمييز الاسم الرسمي للبلاد عن السودان الجغرافي الذي يشمل منطقة الساحل الأفريقي لا سيما وأن تلك المنطقة كانت تعرف ابان حقبة الاستعمار الغربي لأفريقيا بـالسودان الفرنسي، الذي شمل كلاً من تشاد والنيجر ومالي، وكانت هذه الأخيرة تعرف باسم الجمهورية السودانية في عام 1959 ولكنها غيرت اسمها في عام 1960 إلى اسم مالي تيمناً بـ إمبراطورية مالي التي تأسست في القرن الثامن الميلادي واستمرت حتى احتلها المغاربة الموحدين سنة 1078 م.
وبعد انفصال جنوب السودان في استفتاء عام أجري في عام 2011 تنفيذا لـ اتفاقية السلام الشامل التي وقعت في بلدة نيفاشا بكينيا بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان عام 2005، حافظ الجنوبيون على اسم السودان واطلقوا على دولتهم الوليدة اسم جمهورية جنوب السودان.
والسودان اسم لبلدة في مقاطعة لامب بغرب ولاية تكساس، في الولايات المتحدة، يبلغ عدد سكانها 1039 (تعداد عام 2000).
ويعود تاريخ إنسان السودان إلى العصر الحجري (8000ق م - 3200 ق م). واتضح من الجماجم التي وُجدت لهؤلاءالناس أنهم يختلفون عن أي جنس بشري يعيش اليوم. وكان سكان الخرطوم القديمة، يعيشون على صيد الأسماك والحيوانات بجانب جمع الثمار، أمـا سكان المنطقة التي تقع فيها حالياً (الشهيناب) الواقعة على الضفة الغربية للنيل فقد كانوا يختلفون عن سكان مدينة الخرطوم القديمة، ولهذا تختلف أدواتهم الحجرية والفخارية، وكانوا يمارسون حرفة الصيد وصناعة الفخار واستعمال المواقد والنار للطبخ. وكشف تحليل المستحثات القديمة على هيكل لجمجمة إنسان عثر عليها صدفة عام 1928 م، في سنجة بولاية النيل الأزرق، عرف بإنسان سنجة الأول Singa skull، بأنه عاش في العصر الحجري البلستوسيني Pleistocene وتزامن مع وجود إنسان نياندرتال[18] . ويوجد الهيكل حالياً في المتحف البريطاني.
الممالك النوبية : تعتبر مملكة كوش النوبية أقدم الممالك السودانية، حيث ظهرت فيها اللغة الكوشية كلغة تفاهم بين الكوشيين قبل ظهور الكتابة المروية (نسبة إلى مدينة مروي التي تقع علي الضفة الشرقية لنهر النيل شمال قرية البجراوية الحالية). وكانت مروي عاصمة للسودان في الفترة ما بين القرن السادس قبل الميلاد والقرن الرابع الميلادى، وازدهرت فيها تجارة الصمغ والعاج والبخور والذهب مع شبه الجزيرة العربية وبين موانئ السودان والحبشة. وكانت للكوشيين حضارة عرفت نظم الإدارة وشيدت الإهرامات (التي أدرجتها منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي)[19]، كما عرفت كوش تعدين الحديد والصناعات الحديدية في القرن الخامس قبل الميلاد. وهناك نظريات تأريخية ترجح أن من بين أسباب إنهيار المملكة هو تفشي الأمراض الناجمة من تلوث البيئة في مروي نتيجة الصناعات الحديدية المكثفة فيها. وكانت للسودان علاقات مع ليبيا والحبشة منذ القدم وبدا من الآثار السودانية بأن مملكة مروي كانت علي صلة بالحضارة الهندية في العصور القديمة.
الممالك المسيحية : إندثرت حضارة النوبة الفرعونية لتقوم مكانها عدة ممالك مسيحية بلغ عددها في القرن السادس الميلادي حوالي 60 مملكة، ابرزها مملكة نبتة (Nobatia باللغات اللاتينية) في الشمال وعاصمتها فرس، ومملكة المغرة (Makuria) في الوسط وعاصمتها دنقلا العجوز على بعد 13 ميل جنوب مدينة دنقلا الحالية، ومملكة علوة (Alodia) في الجنوب وعاصمتها سوبا (إحدى الضواحي الجنوبية للخرطوم الحالية) وحكمت الممالك الثلاث مجموعة من المحاربين الأرستقراطيين الذين برزوا كورثة لحضارة النوبة بألقاب إغريقية على غرار البلاط البيزنطي. دخلت المسيحية السودان في عهد الأمبراطور الروماني جستينيان الأول وزوجته ثيودورا، وأعتنقت مملكة المغرة المذهب الملكاني في حين اتبعت نبتة وعلوة المذهب اليعقوبي الذي تدعمه الأمبراطورة ثيودورا.
دخول العرب والإسلام دخل الإسلام إلى السودان بصورة رسمية في عهد الخليفة عثمان بن عفان، ووالي مصر عمرو بن العاص، كما تدل الوثائق القديمة ومن بينها اتفاقية البقط التي ابرمها المسلمون بقيادة عبد الله بن أبي السرح والي الصعيد مع النوبة في سنة 31 هجرية لتأمين التجارة بين مصر والسودان، والإعتناء بمسجد دنقلا، ومن المشهود أن جماعات عربية كثيرة هاجرت إلى السودان واستقرت في مناطق البداوة في أواسط السودان وغربه ونشرت معها الثقافة العربية الإسلامية. وإزدادت الهجرات العربية إبّان الفتوحات الإسلامية، كما تدل الآثار ومن بينها شواهد قبور تعود إلى أحقاب قديمة عُثر عليها في منطقة إريتريا الحالية وشرق السودان، بالإضافة إلى كتب قدماء المؤرخين العرب أمثال ابن خلدون واليعقوبي وغيرهم. وجاء إلى السودان العلماء المسلمين في مرحلة أزدهار الفكر الصوفي فدخلت البلاد طرق صوفية سنية مهمة تجاوز نفوذها السودان ليمتد إلى ما جاوره من أقطار. وقامت مختلف الدويلات والممالك السودانية على الشرعية الدينية. فقد كانت الدولة المهدية التي أعقبت نجاح ثورة المهدي دولة في إطار ديني.
ومن أقدم الهجرات العربية للسودان هي هجرة قبيلة بلي اليمنية القحطانية والتي جاءت إلى السودان قبل ألفي عام واستوطنت في شرق السودان واندمجت فيما بعد في مجتمع قبائل البجا عن طريق المصاهرة حتى أصبحت جزء من مملكة الحدارب (الحضارمة)التي قضي عليها الفونج قبل أربعمائة عام بعد أن استطاعت الدفاع عن سواحل البحر الأحمر ضد غارات الأساطيل الأوروبية لفترات طويلة وأخر الهجرات هي هجرة قبيلة الرشايدة في القرن السابع عشر
الممالك الإسلامية : بعد إضمحلال الممالك المسيحية وتراجع نفوذها السياسي أمام الهجرات العربية والمدّ الإسلامي قامت ممالك وسلطنات إسلامية العقيدة عربية الثقافة مثل السلطنة الزرقاء أو مملكة الفونج (1505- 1820)م، في الشرق الجنوبي والوسط وعاصمتها سنار، ومن أشهر ملوكها عبد الله جَمّاع وبادي أبو شلوخ، وسلطنة الفور في الغرب الأقصى(1637- 1875) م، واستقر حكمها في الفاشر، ومن سلاطينها المشهورين السلطان تيراب والسلطان علي دينار، ومملكة تقلي في جبال النوبة (حوالي 1570-إلى أواخر القرن التاسع عشر) م تقريباً.. إضافة إلى ممالك أخرى مثل مملكة المسبعات في الغرب الأوسط ومن أعيانها المقدوم مسلم، ومملكة الداجو ومقر حكمها كلوا في الغرب الأقصى ومملكة البجا وعاصمتها هجر في الشرق.
التاريخ الحديث للسودان : في سنة 1821 أرسل محمد علي باشا خديوي مصر العثماني حملة عسكرية لاحتلال السودان بهدف جمع المال والرجال لتوسيع رقعة ملكه في الشرق الأوسط وأفريقيا والقضاء على جيوب مقاومة المماليك الخارجين على حكمه والذين هرب بعضهم إلى السودان. نجحت الحملة في ضم مناطق الاستوائية جنوباً وكردفان غرباً حتى تخوم دارفور وسواحل البحر الاحمر وإريتريا شرقاُ. وكان لمحمد علي وخلفائه دور فاعل في تشكيل السودان ككيان سياسي على حدود مقاربة لحدوده الحالية، غير ان النظام الذي اعتمده محمد علي (وخلفاؤه) للسودان لم يؤسس قاعدة اجتماعية يمكن أن تبنى عليها الوحدة الوطنية بينما تسبب سوء الإدارة والفساد والتعسف في جباية الضرائب إلى تعريض حكمهم في السودان لمقاومة وطنية أبرزها الثورة المهدية التي حررت السودان وأقامت دولة المهدية العربية الإسلامية بزعامة محمد أحمد المهدي التي سرعان ما إنهارت في عام 1898 م، على يد القوات البريطانية المصرية في معركة كرري (أم درمان) ومقتل الخليفة عبد الله التعايشي في واقعة أم دبيكرات بكردفان لتنتهي بذلك صفحة الحكم الوطني وتبدأ مرحلة الاستعمار.
الحكم الثنائي الإنجليزي المصري في مارس / آذار 1896 م، زحفت الجيوش المصرية إلى السودان تحت قيادة القائد البريطاني لورد هربرت كتشنر لإعادة استعماره تحت التاجين المصري والبريطاني. وسقطت أم درمان عاصمة الدولة المهدية في سنة 1898 م، وأنهارت مقاومة الدراويش وتم وضع السودان تحت إدارة حكم ثنائي بموجب اتفاقية عام 1899 م ،بين إنجلترا ومصر التي نصت على أن يكون على رأس الإدارة العسكرية والمدنية في السودان حاكما عاما انجليزياً ترشحه حكومة إنجلترا ويعينه خديوي مصر. ويتمتع الحاكم العام بسلطات مطلقة في تنظيم الإدارة في السودان وغيرها من الأعمال التي يراها ضرورية لحكمه. ومع بداية الحكم الثنائي بدأت مرحلة جديدة في إدارة السودان تميزت بمركزية السلطة في بداية الأمر، ثم تدرجت إلى أسلوب الحكم غير المباشر (الحكم عن طريق الإدارة الأهلية) وعزز هذه الفكرة ما ساد الإدارةالاستعمارية من اعتقاد ارتكز علي ان الحكم البيروقراطي المركزي غير مناسب لحكم السودان. وصدر في عام 1951 م، قانون الحكم المحلي، الذي كان ايذاناً بتطبيق نظام للحكم المحلي.
أبرز ما تميز به الحكم الثنائي هو تبنيه لسياسات تهدف إلى تمزيق وحدة السودان، إذ عمدت إدارة الحكم الثنائي إلى إصدار ما عرف بقانون المناطق المقفولة والذي حددت بمقتضاه مناطق في السودان يحرم على الأجانب والسودانيين دخولها أو الإقامة فيها دون تصريح رسمي. وشمل القانون 7 مناطق متفرقة من السودان : دارفور وبحر الغزال ومنقلا والسوباط ومركز بيببور ـ وهي مناطق تقع في جنوب السودان بالإضافة إلى مناطق في كردفان وجبال النوبة وشمال السودان ومن مظاهر ذلك القانون حرمان السوداني الشمالي من إنشاء المدارس في الجنوب إذا سمح له بالإقامة فيها. وإذا تزوج بإمرأة جنوبية فلا يستطيع أخذ اطفاله عند عودته إلى شمال السودان.
وفي عام 1922 م، انحصر قانون المناطق المغلقة على جنوب السودان. وصدرت في عام 1930 م، توجيهات وأحكام هدفها منع التجار الشماليين من الاستيطان في الجنوب ووقف المد الثقافي العربي وا لدين الإسلامي من الانتشار في جنوب السودان، بل أن ارتداء الأزياء العربية التقليدية كالجلباب والعمامة كان محظورا على الجنوبيين. هذه السياسة التي وصفها أنتوني سايلفستر بالأبارتهيد Apartheid الجنوبي تم التخلي عنها فجأة بعد الحرب العالمية الثانية أي بنهاية عام 1946 م، وطلب من الجنوبيين أن يعدوا أنفسهم للعيش في السودان الموحد الذي لاح استقلاله في الأفق. وبحلول عام 1950 م، سمح للأداريين الشماليين ولأول مرة بدخول الجنوب وتم ادخال تعليم اللغة العربية في مدارس الجنوب ورفع الحظر عن الدعوة الإسلامية.
الإستقلال : شكل السودانيون في عام 1938 م، مؤتمر الخريجين الذي نادى بتصفية الاستعمار في السودان ومنح السودانيين حق تقرير مصيرهم. وفي عام 1955 م، بدأت المفاوضات بين حكومتي الحكم الثنائي إنجلترا ومصر بشأن تشكيل لجنة دولية تشرف على تقرير المصير في السودان. وضمت كل من باكستان والسويد والهند وتشكوسلوفاكيا (جمهورية التشيك وسلوفاكيا حالياً) وسويسرا والنرويج ويوغسلافيا السابقة. واجتمع البرلمان السوداني في عام 1955 م، وأجاز 4 مقترحات حددت مطالب البلاد وهي : الإستجابة لمطالب الجنوبيين بالفيدرالية، واعلان الاستقلال، وتشكيل لجنة السيادة، وتكوين جمعية تأسيسية.
تم تأجيل مطالب الجنوبيين تحت ذريعة أنه سيتم وضع الاعتبار لحكومة فيدرالية للمديريات الجنوبية الثلاث (بحر الغزال وأعالي النيل والإستوائية) بواسطة الجمعية التأسيسية. واجمع البرلمان على الاستقلال وعلى أن يصبح السودان دولة مستقلة ذات سيادة. وترتب على الرغبة في الحصول على إعترافات سريعة بالاستقلال إختيار لجنة من خمسة نواب أحدهم جنوبي بواسطة البرلمان لتمارس سلطات رأس الدولة بموجب احكام دستور مؤقت يقره البرلمان حتى يتم انتخاب رئيس للدولة بمقتضى احكام دستور دائم. وفي الساعة الحادية عشر صباحاً من يوم الأحد أول يناير / كانون الثاني 1956 م، تم إنزال علمي الحكم الثنائي البريطاني والمصري من سارية سراي الحاكم العام (القصر الجمهوري، لاحقاً) ليرتفع في اللحظة نفسها علم جمهورية السودان ويشهد بميلاد دولة جديدة، أمام حشد كبير من السودانيين.
الحرب الأهلية الأولى في جنوب السودان في عام 1955 م، بدأت شرارة الحرب الأهلية الأولى في السودان بعصيان كتيبة جنوبية تابعة لقوة دفاع السودان في توريت في جنوب السودان لأوامر قادتها بالانتقال إلى شمال السودان، فسادت الفوضى في الجنوب وانفلت الأمن وتعرض كثير من الشماليين بالجنوب للقتل والأذى على أسس عرقية.
الحكم المدني الأول : لم يتم الاتفاق في الفترة التي سبقت الاستقلال وما بعدها على نمط معين من الحكم وكانت الساحة السياسية تسودها عدة تيارات حزبية إبان الاستقلال:
الأزمة الدستورية وتدخل الجيش : بعد انتهاء الفترة الانتقالية حدث فراغ دستوري لأن الاستقلال ألغي دستور الحكم الذاتي المعمول به آنئذ. كما أن منصب رئيس البلاد الذي شغله الحاكم العام البريطاني أصبح شاغرا بعد الغائه مع الغاء اتفاقية الحكم الثنائي، ولذلك تم تعديل دستور الفترة الانتقالية ليوائم فترة ما بعد الاستقلال على أن يعمل به بشكل مؤقت لحين إقرار دستور جديد دائم. وكانت الحجة الرئيسية للتعجيل في ملء ذلك الفراغ هي الإسراع في الحصول على اعتراف الدول الأخرى باستقلال السودان وأن أقصر الطرق لذلك هي تعديل قانون الحكم الذاتي، أهم ما نص عليه الدستور المؤقت هو تكوين مجلس سيادة (مجلس رئاسي عالي) ليكون السلطة الدستورية العليا وتؤول اليه قيادة الجيش.
فشلت الأحزاب السودانية بتياراتها المختلفة في الاتفاق على أية صيغة توفيقية بينها حول نظام الحكم والدستور واستمر الخلاف لعدة سنوات بعد الاستقلال واخفقت في حل مشكلة جنوب السودان، أدى إلى تدخل الجيش لإقصائها من الحكم، مستغلاً السخط الجماهيري المتزايد بتأزم الأوضاع في البلاد.
الحكم العسكري الأول : كان استيلاءالجيش بقيادة الفريق إبراهيم عبود على السلطة في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1959 م، أول ضربة لنظام التعددية الحزبية في السودان. وبغض النظر عن كيفية مجيء الجيش، وفيما إذا كان ذلك بدعوة من أحد الأحزاب أو بمباركة منها أو بتأييدها له وابداء استعدادها للتعاون معه، فإن عملية حل الأحزاب في حد ذاتها والإعلان عن مجلس عسكري لحكم السودان يدل على مدى عمق أزمة الحكم في السودان منذ البداية، فضلا عن أن خطوة الفريق عبود تلك، ولدت إحساساً لدى الرأي العام السوداني وهو أنه كلما تأزم الوضع في البلاد تتجه الأنظار نحو الجيش طلباً للخلاص من الأزمة. وهذا الإحساس هو الذي بنى عليه الحكم العسكري التالي المدعوم بحكومة مدنية تكنوقراطية، شرعية الاستيلاء على السلطة، خاصة لاسيما وأنه وجد تأييدا من قطاعات واسعة من الشعب فور وصوله إلى الحكم. كما ضمت حكومة عبود إلى جانب العسكريين عدداً من الوزراء المدنيين منهم أحمد خير وزيراً للخارجية وعبد الماجد أحمد وزيراً للمالية إضافة إلى جنوبي واحد هو سانتينو دينق الذي أوكلت إليه حقيبة الثروة الحيوانية.
سياسات حكومة عبود : ووجهت الحكومة الانقلابية بالمشكلة الدستورية ومشكلة الجنوب، وتأخر التنمية الاقتصادية في كافة مناطق السودان.
المشكلة الدستورية : كانت البلاد عند الانقلاب تُحكم بدستور مؤقت، هو صورة معدلة لقانون الحكم الذاتي الذي وضعته الإدارة الاستعمارية ورأت الحكومة بأن مشكلة الدستور يمكن حلها بالاهتمام أولاً بالحكم المحلي. أي البدء بإرساء قواعد الديمقراطية على المستوى المحلي ونشرها بين الناس. فتم في أغسطس / آب 1959 م، تشكيل لجنة وزارية لدراسة نظام للحكم المحلي كخطوة أولى نحو صياغة نظام دستوري مناسب للسودان، وبناء على توصيتها صدرت ثلاث قوانين للحكم المحلي.
وتم تأجيل صياغة دستور دائم للبلاد لتجنب نقل السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يترأسه الفريق عبود إلى برلمان منتخب.
مشكلة الجنوب : وفيما يتعلق بمشكلة الجنوب فقد اعتمدت حكومة عبود الحل العسكري على نفس نهج الحكومة التي سبقتها،، وعينت بعض السياسيين الجنوبيين في مناصب قيادية كتعيين سانتينو دينق وزيراً للثروة الحيوانية - الذي حافظ على منصبه في كافة الحكومات المتعاقبة في تلك الفترة لمدة عشر سنوات وذلك بسبب الخط المتشدد الذي كان يتخذه ضد الحركات الإنفصالية في الجنوب.. ويرى البعض أن مشكلة الجنوب لم تكن ضمن أولويات حكومة عبود. ولهذا فأنه لم يتقدم بأي طرح لحلها، ويستدلون على ذلك بأن الفريق إبراهيم عبود لم يشر أبداً إلى المشكلة في بيانه الأول يوم الاستيلاء على السلطة. إلا أن حكومة ثورة 17 نوفمبر (كما كان يطلق عليها آنذاك)، تبنت سياسة قطع الدعم الأجنبي الذي كان يتلقاه المتمردين من خلال شن حملة منظمة لوقف أنشطة الإرساليات التبشيرية المسيحية التي تم أتهامها بتأجيج النزاع وتوسيع هوة الخلاف وتغذية الإختلافات من خلال عمليات التبشير والتنصير في الجنوب.
الحكم المدني الثاني : إنتهى الحكم العسكري في اكتوبر/ تشرين الأول 1964 م، وعادت الحياة الحزبية للمرة الثانية إلى السودان. وكان أهم هدف المرحلة هو إعادة البلاد إلى الحكم المدني وحل المشاكل التي تسببت في عدم الاستقرار. رفضت الأحزاب التطرق إلى مسألة الدستور في المرحلة الانتقالية قبل أجراء الانتخابات العامة.
مشكلة الجنوب : أبدت حكومة سر الختم الخليفة الانتقالية تسامحا في التعامل مع المعارضين الجنوبيين وضمت في عضويتها أثنين من أبناء الجنوب وأعلنت العفو العام عن المتمردين ودعت إلى مؤتمر حول المشكلة عرف بمؤتمر المائدة المستديرة الذي إنعقد في مارس/آذار 1965 م، بمدينة جوبا بجنوب السودان بهدف ايجاد حل لمشكلة الجنوب. وكان موقف الجنوبيين من القضية أثناء المؤتمر تتنازعه رؤيتان: الإتحاد federation والإنفصال separation.
كانت الرؤية الإتحادية تقوم على فكرة قيام دولتين: دولة شمالية وأخرى جنوبية. لكل منهما برلمانهاوسلطتها التنفيذية، إلى جانب كفالة حريتها في معالجة الأمور الاقتصادية والزراعية ومسائل التعليم والأمن، وأن يكون للجنوب جيش تحت قيادة موحدة للدولتين، وبذلك يصبح ما تدعو إليه هذه الرؤية أقرب إلى الكونفيدرالية، منه إلى الفيدرالية.
أما الجنوبيون الأكثر راديكالية في المؤتمر فقد كانوا يحبذون الحصول على حق تقرير المصير كتمهيد للاستقلال التام. وقاد هذا الإتجاه الزعيم الجنوبي أقري جادين رئيس حزب سانو في المنفى. أما الإتجاه الفيدرالي فكان بقيادة وليام دينق. لم يكن هناك أي حزب شمالي مستعد لمناقشة هذه الأفكار ولذلك لم تتخذ أية محاولات جادة في المؤتمر للتعامل معها بأي شكل كان. وكل ما كانت الأحزاب الشمالية تريد التفاوض حوله في ذلك الوقت هو الأعتراف بحق الجنوب في تشكيل إدارة إقليمية في إطار السودان الموحد. وهكذا وصل المؤتمر إلى طريق مسدود زاد من عدم الثقة بين الجنوب والشمال.
نظام مايو : حكومة نميري : في صبيحة يوم 25 مايو / أيار 1969 م، فوجيء الجميع ببيان بثته إذاعة أم درمان للعقيد أركان حرب جعفر محمد نميري معلناً استيلاء القوات المسلحة السودانية على السلطة مجدداً، وتم تكوين مجلسين هما : مجلس قيادة الثورة برئاسة العقيد جعفر نميري الذي ترقى في اليوم ذاته إلى رتبة لواء (ثم لاحقا إلى رتبة مشير).. ومجلس الوزراء تحت رئاسة بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق الذي استقال من منصبه في عام 1964 م، احتجاجاً على قرار حلّ الحزب الشيوعي السوداني.
ومثل المجلسان سوياُ السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. شمل مجلس قيادة الثورة تسعة ضباط كلهم تقريباً من رتبة رائد وضمت الحكومة الجديدة (21) وزيراً برئاسة جعفر نميري رئيس مجلس قيادة الثورة ووزير الدفاع. وكانت حكومة تكنوقراط فعلية يحمل أعضائها درجات علمية كبيرة ومؤهلات عليا. تعديل الدستور
وفي سعيه لحل مشكلة نظام الحكم قام جعفر نميري بحل مجلس قيادة الثورة وأجري استفتاء عام على رئاسة الجمهورية ليصبح النميري أول من حاز على لقب رئيس الجمهورية في السودان. وتم تشكيل لجنة حكومية لدراسة الهيكل الدستوري وكلف الدكتور جعفر محمد علي بخيت بوضع المسودة ،على أن يساعده كل من منصور خالد وبدر الدين سليمان (وكان الثلاثة من وزراء حكومة جعفر نميري ومنظريها في تلك الفترة). بينما حل الإتحاد الإشتراكي السوداني محل الأحزاب إلى جانب المنظمات والإتحادات الجماهيرية التابعة له، في إطار ما عرف آنذاك بفلسفة تحالف قوى الشعب العالم (المقتبسة من نظام الرئيس جمال عبد الناصر في مصر).
أجريت أول انتخابات لبرلمان اطلق عليه اسم مجلس الشعب، فاز فيها كثير من اعضاء البرلمانات السابقة. وكان من الطبيعي أن تصطدم وجهة نظر واضعي مسودة الدستور بأعضاء المجلس، خاصة فيما يتعلق بعلمانية النظام أو إسلاميته لأن مسألة شكل النظام الجمهوري قد تم حسمها بتنصيب جعفر نميري رئيساً للجمهورية.
واحتدم الجدل من جديد بين الفريقين العلماني والديني وكانت أول نقطة اثارها هذا الأخير هو خلو مسودة جعفر محمد بخيت من النص على دين الدولة الرسمي. وقال أحد النواب " إن الدستور قد نص على اللغة والعلم والأوسمة، فكيف يعقل أن يهمل الدين". أما الفريق العلماني وعلى رأسه جعفر محمد بخيت ،"صاحب المسودة"، وصف مسألة النص على الدين بأنها " مسألة مظهرية وليست جوهرية ولا دلالة علمية لها، لأن الدولة كائن معنوي لا دين لها، وهي لا تمارس العبادة التي يمارسها الفرد والدولة هي اساس المواطنة لا الدين". وذهب الجنوبيون هذا المذهب ذاته عندما أكدوا على أن السودان دولة علمانية وليست دينية.
نميري والإسلاميون : أكسبت المشاكل السياسية التي حلت بحكومة جعفر نميري والمحاولات الانقلابية المتعددة النميري خبرة ومراسا في كيفية التعايش والتعامل مع المشاكل السياسة التي واجهت حكومته. فأتقن تكتيك ضرب الحركات والأحزاب السياسية ببعضها وتغيير تحالفاته. فصديق اليوم يصبح عدو الغد، وعدو الغد يمسي صديقا بعد غد. فبعد أن كان النظام يعتبر في بداياته صنيعة لليسار، نكص على عاقبيه وتحرر من قبضة اليساريين ليضم إلى معسكره قيادات حزبية بارزة، ثم اتجه نحو الإسلاميين الذين منحهم السانحة لتصفية حساباتهم مع اليسار. وفي غضون ذلك ازدهرت الحركة الفكرية الإسلامية في السودان. واكتظت الساحة السياسية بالأفكار والأنشطة والجماعات الإسلامية، كل يبشر بأفكاره بدءا بالأخوان المسلمين وجماعة انصار السنة مرورا بالطرق الصوفية المختلفة وانتهاءا بالأحزاب التي دخلت الحلبة عن طريق طوائفها الدينية كالختمية والأنصار. وكانت هذه القوى كلها تدعو إلى تطبيق مبادئ إسلامية عامة.
قابل ذلك من الناحية الاقتصادية تدهور خطير في الإنتاج الزراعي والصناعي وتدني فظيع في عائدات الصادرات وعجز كبير في ميزان المدفوعات جعل البلاد تعيش في حالة أزمة اقتصادية حقيقية أدت إلى موجة من الأضرابات العامة هددت بإنهيار حكومة نميري.
وفي فبراير / شباط 1980 م، استقال عدد من القضاة احتجاجاً على تدخل الحكومة في شئون القضاء. وفي يونيو /حزيران 1983م، هاجم نميري القضاة ووصفهم "بالتسيب" و"إنعدام الأخلاق" وقام بطرد عدد منهم من الخدمة وجاء رد القضاة بتوقف جماعي عن العمل. وباءت محاولات الحكومة لسد الفراغ وملء الوظائف التي أُخليت بالفشل، بما في ذلك محاولة الإستعاضة عنهم بقضاة متقاعدين أو قضاة يتم استجلابهم من الخارج (مصر)، فأعلن نميري ما أسماه "بالثورة القضائية" و"العدالة الناجزة" وتمثل ذلك في اصدار عدد من القوانين الجديدة تم نشر نصوصها للعامة بالصحف المحلية ووصل عددها إلى 13 قانون ابرزها قانون العقوبات الذي اشتمل على العقوبات الحدية، وهكذا ولدت التشريعات الإسلامية التي عرفت بقوانين الشريعة الإسلامية عند مؤيديها، أو بقوانين سبتمبر / أيلول عند معارضيها.
مشكلة الجنوب : تمثلت أولى خطوات حكومة النميري لتسوية مشكلة جنوب السودان في إعلان التاسع من يونيو / حزيران 1969 الذي انطلق من الأعتراف بالتباين والفوارق بين شمال السودان وجنوبه، وحق الجنوبيين في أن يطوروا ثقافتهم وتقاليدهم في نطاق سودان "اشتراكي" موحد مما يشكل نقطة تحول كبرى في سياسات الشمال تجاه جنوب السودان حيث أن ذلك يعني التخلي عن أهم توجه الأحزاب الشمالية في تسوية إشكالية الجنوب عن طريق نشر الثقافة العربية والدين الإسلامي في الأقاليم الجنوبية، لكن ذلك لم يشفع للنظام إنتمائه الواضح لليسار في نظر المتمردين الجنوبيين الذين استغلوا هذا التوجه السياسي الجديد للشمال، فأعلنوا انهم يحاربون الشيوعية والتدخل السوفيتي في الجنوب. وبدأت حكومة نميري أولا بالاهتمام بالمسيحية، وجعلت العطلة الإسبوعية في الجنوب يوم الأحد بدلاً عن يوم الجمعة، وسعت إلى تحسين علاقتها مع الكنيسة وبالتالي تحسين علاقات السودان بالغرب ومع البلدان الأفريقية وفي مقدمتها إثيوبيا التي كانت تحتضن قادة التمرد الجنوبيين.
إتفاقية أديس أبابا : وفي ظل هذه التحولات السياسية تم التوقيع على إتفاقية أديس أبابا في 1972 م، بين حكومة السودان والمتمردين الجنوبيين تحت وساطة اثيوبية ومجلس الكنائس العالمي ومجلس عموم أفريقيا الكنسي.. وتمخضت الاتفاقية عن وقف لأطلاق النار واقرار لحكم ذاتي إقليمي تضمن إنشاء جمعية تشريعية ومجلس تنفيذي عال، ومؤسسات حكم إقليمي في جنوب السودان واستيعاب ستة آلاف فرد من قوات حركة الأنيانيا في القوات المسلحة السودانية. كما اعترفت الاتفاقية باللغة العربية كلغة رسمية للبلاد واللغة الإنجليزية كلغة عمل رئيسية في جنوب السودان وكفلت حرية العقيدة وحرية إقامة المؤسسات الدينية في حدود المصلحة المشتركة وفي إطار القوانين المحلية.
وجدت الاتفاقية معارضة من قبل بعض القوى السياسية ابرزها الإتحاد العام لجبال النوبة الذي وصفها وعلى لسان زعيمه الأب فيليب عباس غبوش بأنها تمثل خيانة لقضية السودانيين الأفارقة. كما انتقدها دعاة الإنفصال من الجنوبيين لأنها لا تلبي مطامحهم وانتقدها أيضا القوميون العرب من السودانيين. وأشار نقادها إلى وجود ثغرات بها مثل حق الفيتو الذي يتمتع به رئيس الجمهورية ضد أي مشروع قرار صادر عن حكومة جنوب السودان يرى بأنه يتعارض مع نصوص الدستور الوطني. وواقع الحال أن الغرض من وضع هذا النص هو لكي يكون صمام أمان لوحدة البلاد. ما أن تم وضع الاتفاقية موضع التنفيذ حتى دب الخلاف والصراع في جنوب السودان وأخذت الجمعية التشريعية الإقليمية صورة البرلمان الوطني نفسها من مشاهد لمنافسات حادة ذات ابعاد شخصية وخلافات عميقة ذات نعرة قبلية إلى جانب العجز في الكوادر الإدارية والنقص في الموارد البشرية والمادية وسوء الإدارة وانعدام الرقابة مما أدى إلى فشل كافة المشاريع التنموية في جنوب السودان.
وبحلول السبعينيات في القرن الماضي ساءت العلاقة بين أبيل الير رئيس المجلس التنفيذي الذي عينه الرئيس نميري دون توصية من المجلس التشريعي الإقليمي وزعيم المتمردين السابق جوزيف لاقو. أدت اتفاقية أديس أبابا إلى فتح الباب على مصراعيه أمام البعثات التبشيرية المسيحية الغربية ومنظمات الدعوة الإسلامية من الدول العربية والإسلامية في تنافس حاد إلى جانب تفشي الانقسامات القبلية بين السياسيين الجنوبيين وباعلان تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية ازداد التذمر وسط الجنوبيين بما في ذلك الكنيسة التي جاهرت بمعارضتها، ولم تفلح محاولات الحكومة لتهدئتهم من خلال تنظيم جولات للحوار معهم سعياً إلى إقناعهم بأن الشريعة الإسلامية لا تمس حقوقهم.
الحرب الأهلية الثانية وبحلول عام 1983 م، بلغ الإحتقان ذروته وتفجر الوضع في الجنوب عندما رفضت فرقة عسكرية في مدينة واو عاصمة إقليم بحر الغزال بالجنوب الأوامر الصادرة إليها بالانتقال إلى الشمال واغتالت الضباط الشماليين وفرت بعتادها إلى الغابة مطلقة على نفسها اسم حركة "انيانيا ـ 2 "، وهكذا بدأ التمرد الثاني. وأرسلت الحكومة ضابطاُ جنوبياً برتية عقيد هو جون قرنق دي مابيور لتثنية الفرقة المتمردة عن تمردها وحثّها على إلقاء السلاح، إلا أن العقيد جون قرنق إنضم الي المتمردين في الغابة بدلاً عن تهدئتهم واقناعهم بالعدول عن التمرد، منشئاً الجيش الشعبي لتحرير السودان وجناحها المدني الحركة الشعبية لتحرير السودان. وبدأ العد التنازلي لحكم جعفر نميري، والسودان بدون دستور دائم أو نظام للحكم متفق عليه مع حرب مستعرة في جنوبه وحالة من الأرتباك السياسي والضبابية لم يعهدها من قبل.
حكومة سوار الذهب العسكرية المدنية الإنتقالية : إذا كان استيلاء الجيش على الحكم بقيادة العقيد جعفر محمد نميري قد جاء مفاجئا، على الأقل للبعض، فإن مجيء الفريق عبد الرحمن سوار الذهب إلى سدة الحكم في 6 ابريل / نيسان 1985 م، لم يكن مفاجئاُ بل كان الحدث الذي توقعه كثيرون على الاقل منذ فترة قبل وقوعه. وتماما كما بدأت احتجاجات أكتوبر / تشرين الأول 1964 م، عفوية بسيطة سرعان ما تطورت إلى عصيان مدني شامل أجبر العسكر على التنازل عن السلطة، بدأت احتجاجات ابريل/ نيسان 1986 م، بمظاهرات بسيطة عفوية ضد التسعيرة الجديدة المرتفعة التي وضعتها الحكومة لبعض السلع ومن ضمنها السكر، إلا أن مظاهرات "السكر المر" كما أطلق عليها سرعان ما تطورت إلى إضرابات وإحتجاجات متواصلة رغم تراجع الحكومة عن التسعيرة الجديدة، حتى اضطرت القيادة العامة للجيش التدخل لتفادي تردي الأوضاع الأمنية وتفشى الفوضى أمام عجز الحكومة التي كان يرأسها نائب الرئيس عمر محمد الطيب ـ كان الرئيس نميري خارج البلاد في زيارة للولايات المتحدة ـ في احتواء الأزمة. وفي صباح يوم السبت 6 أبريل / نيسان 1985 م، أذاع الفريق أول عبد الرحمن سوار الذهب وزير الدفاع والقائد العام لقوات الشعب المسلحة بياناً أعلن فيه الاستيلاء على السلطة وإنهاء حكم الرئيس نميري.
الحكم المدني التعددي الثالث أنجز الفريق عبد الرحمن سوار الذهب وعده بعد انقضاء مهلة العام في سابقة فريدة من نوعها في أفريقيا والعالم العربي. ولأول مرة يتخلي قائد انقلاب عسكري عن السلطة طواعية وبعد وعد قطعه على مواطنيه دون أن أي مقابل سياسي أو مادي خاص. وجرت الانتخابات في موعدها وفاز فيها حزب الأمة الجديد بزعامة الصادق المهدي، متقدماً على غيره من الأحزاب وتولى رئاسة مجلس الوزراء، بينما جاء الحزب الإتحادي الديمقراطي في المرتبة الثانية الذي كان يتزعمه أحمد الميرغني وتولى رئاسة مجلس رأس الدولة (مجلس السيادة سابقا)، فيما خرج منها حزب الجبهة الإسلامية القومية وزعيمه حسن الترابي ليتصدر صفوف المعارضة في البرلمان.
وسلم سوار الذهب السلطة إلى الحكومة المدنية الجديدة. اتسمت فترة الديمقراطية الثالثة بعدم الاستقرار، إذ تم تشكيل خمس حكومات إئتلافية في ظرف أربع سنوات قام الحزب الإتحادي الديمقراطي الذي خرج من الحكومة الإئتلافية بتوقيع اتفاق سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي حققت انتصارات عسكرية نتيجة للمساعدات العسكرية والدعم السياسي الذي تلقته من اثيوبيا وبعض الدول الأفريقية المجاورة للسودان، والمنظمات الكنسية. ونصّ الأتفاق على وقف لإطلاق النار إلى جانب رفع حالة الطواريء بغية تمهيد الطريق أمام مؤتمر دستوري عام، على ان يسبقه تجميد العمل بالعقوبات الحدية (الشريعة الإسلامية أو قوانين سبتمبر كما كان يطلق عليها) أواستبدالها بقوانين جديدة مماثلة.
كانت الهزائم المتلاحقة التي منيت بها القوات الحكومية في جنوب السودان سبباً في تذمر القيادة العامة للجيش التي عقدت إجتماعاُ وتقديمها مذكرة لرئيس الحكومة الصادق المهدي، مطالبة أياه بالعمل على تزويد الجيش بالعتاد العسكري الضروري، أو وضع حد للحرب الدائرة في الجنوب. وأحدثت المذكرة بلبلة سياسية في البلاد لأنها تتضمن تهديداً مبطناً للحكومة أو على الأقل توبيخاً رسمياً لتقصيرها في إحدى مهامها الأساسية وهي الدفاع عن البلاد، بإهمالها التزاماتها تجاه الجيش. كما كانت تلك المذكرة مؤشراً خطيراً لتدخل الجيش في السياسة بشكل مباشر؛ بل كان من الغريب أن يقحم جيش - في نظام ديمقراطي- نفسه في السياسة مبتعدا عن المهنية، ويخطر رئيس الحكومة علناً وبشكل مباشر، وليس عن طريق وزير الدفاع، بما يجب أن يعمله لحل المشاكل الوطنية.
تدهورت العلاقة بين الجيش وحكومة الصادق المهدي بعد توجيه الفريق فتحي أحمد علي القائد العام إنذاراً إلى الحكومة وطالبها بالاعتدال في مواقفها السياسية ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين. رفض الصادق المهدي هذا التهديد واصدر حزب الأمة بيانا إدان فيه مسلك القائد العام وتدخل الجيش في السياسة.. لكن نتيجة تلك المذكرة كانت رضوخ حكومة المهدي في نهاية المطاف للضغوط وأعلانها قبول اتفاقية السلام التي أبرمها الحزب الإتحادي الديمقراطي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وبطبيعة الحال كانت تلك الخطوة بداية النهاية لحكومة الصادق المهدي الديمقراطية. ثورة الإنقاذ الوطني : في العام 1989 قامت الجبهة الإسلامية بانقلاب عسكري تحت اسم ثورة الإنقاذ الوطني، في بداية الانقلاب لم يكن معروفاً توجه الانقلابين السياسي ثم ظهرت الجبهة الإسلامية بزعامة حسن عبد الله الترابي من وراءه، وكنتيجة لسياسات الحكومة السودانية الجديدة فقد تردت علاقاتها الخارجية وتمت مقاطعةالسودان وإيقاف المعونات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتم إدراجه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب. ونجحت حكومة المؤتمر الوطني (كما عرفت لاحقا) باستخراجها وتصديرها للنفط الذي وفر دخلا كبيرا ومنتظما للحكومة حتى انفصال الجنوب.
في العام 1999 حيث قام البشير بتجريد حسن عبد الله الترابي من جميع صلاحياته كرئيس للمجلس الوطني واتهمه بمحاولة نزعه من السلطة وتم اعتقاله، وهكذا نشأ المؤتمر الشعبي وانقسم الحزب لفريقين، اندلعت في العام 2003م أزمة دارفور حيث اُتهمت الحكومة السودانية بتسليح قبائل من أهل دارفور (الجنجويد) لاستخدامهم في قمع التمرد مما أدى لتأسيس العديد من حركات التمرد منها حركة العدل والمسااواة التي يتزعمها خليل إبراهيم الذي اغتيل في العام 2011 وحركة تحرير السودان وحركات أخرى. على خلفية الأزمة المشتعلة في دارفور أصدر مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لويس مورينيو أوكامبو مذكرة اعتقال بحق الرئيس البشير (والتي تعتبر سابقة) متهماً إياه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنساتية.
مشكلة الجنوب : اتفاقية نيفاشا تم التوقيع على إتفاقية السلام الشامل في نيفاشا بين حكومة السودان ممثلة بنائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان الدكتورجون قرنق دي مبيور، والتي وضعت حداً للحرب الأهلية الثانية في جنوب السودان ومنحت إقليم جنوب السودان حكماً ذاتياً ومشاركة في الحكم المركزي ونصت على تنظيم استفتاء حول الوحدة أو الاستقلال في العام 2011. كما تم التوقيع على الدستور الانتقالي الجديد في عام 2005.
الانتخابات السودانية العامة (2010) آخر انتخابات تمت بموجب اتفاقية نيفاشا شارك فيها مليون ناخب و14 الف مرشح واتسمت بالتعقيد والتركيب. كانت مركبة لأنه تم انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء المجلس التشريعي المركزي والمجالس الإقليمية والولاة في وقت واحد. وكانت معقدة حيث تم العمل بنظام الأغلبية البسيطة (حددت بنسبة 60%) إذا كان المرشح برلمانياً والأغلبية المطلقة إذا كان ينافس في منصب رئيس الجمهورية(أي أكثر من نصف الأصوات) وإلا يتم تنظيم جولة ثانية من التصويت. كما تم العمل بنظام التمثيل النسبي في البرلمان بحيث تفوز الاحزاب بعدد من المقاعد يتناسب وعدد الاصوات التي حصلت عليها.
انفصال جنوب السودان اجري استفتاء عام بتاريخ َ9 يناير / كانون الثاني 2011 أدلى فيها سكان جنوب السودان بأصواتهم، واقترعوا بنسبة كبيرة لصالح الإنفصال. وفي الساعة الثامنة والخمسة واربعون دقيقة من صباح يوم السبت التاسع من شهر يوليو / تموز عام 2011 أنزل علم جمهورية السودان من مدينة جوبا، عاصمة الجنوب ورفع علم الحركة الشعبية لتحرير السودان - الذي اختير ليكون علم الدولة الجديدة- إيذاناً بمولد دولة جنوب السودان، وبذلك يكون قد تم انجاز آخر خطوة من خطوات تنفيذ بنود اتفاقية السلام الشامل المبرمة بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان. وكان السودان أول من أعترف بالدولة الجديدة.
أزمة دارفور : كثيرا ما عرف إقليم دارفور صراعات بين الرعاة والمزارعين تغذيها الانتماءات القبلية لكل طرف، فالتركيبة القبلية والنزاع على الموارد الطبيعية الشحيحة كانت وراء أغلب النزاعات، وغالبا ما يتم احتواؤها وتسويتها من خلال النظم والأعراف القبلية السائدة.
ويمثل إقليم دارفور نظرا لحدوده المفتوحة ولمساحته الشاسعة ولوجود قبائل عديدة لها امتدادات داخل دول أفريقية أخرى، منطقة صراع مستمر. وقد تأثرت المنطقة بالصراع التشادي-التشادي والصراع التشادي-الليبي حول شريط أوزو الحدودي، وبالصراعات الداخلية لأفريقيا الوسطى فراجت في إقليم دارفور تجارة السلاح، كما تفاعلت قبائل الإقليم مع تلك الأزمات.
ويعتبر إقليم دارفور قاعدة تشاد الخلفية فجميع الانقلابات التي حدثت في هذا البلد الأفريقي تم تدبيرها من دارفور ما عدا أول انقلاب أطاح بفرانسوا تمبلباي الذي كان أول رئيس لتشاد بعد استقلالها عن فرنسا. فالإطاحة بالرئيس فيليكس مالوم أو غوكوني عويدي ونزاع حسن هبرى مع الرئيس الحالي إدريس ديبي ارتبط بإقليم دارفور الذي كان القاعدة الخلفية للصراعات التشادية الداخلية.
ويشكل الإقليم نقطة تماس مع ما يعرف بالحزام الفرنكفوني (تشاد، النيجر، أفريقيا الوسطى، الكاميرون) وهي الدول التي كانت تحكمها فرنسا أثناء عهد الاستعمار، لذلك يسهل - حسب المراقبين- فهم الاهتمام الفرنسي بما يجري في الإقليم في الوقت الراهن.
حيث يعرف أن منطقة دارفور غنية بالمواد الخام كالبترول ويعتقد أن هنالك احتياطي نفط يبلغ 7 مليارات برميل، ووجود اليورانيوم وكثرة الثروة الحيوانية
إتفقت الحكومة السودانية مع الأمم المتحدة بنشر قوات دولية، وهي قوات إفريقية تحت قيادة الإتحاد الإفريقي وقوات دولية وتبحث الأمم المتحدة عن تمويل لهذه القوات. لكن من أكثر الأسباب عرقلة دخول القوات الدولية لدارفور هو اعتراض الحكومة السودانية على بعض الدول التي سيشكل جنودها جزءاً من تلك القوات كالولايات المتحدة الأمريكية ومن جهة أخرى تلويح الولايات المتحدة الأمريكية للحكومة السودانية بتطبيق عقوبات اقتصادية وغيره من الأسباب الكثيرة.
وإقليم دارفور في السودان، تقدر مساحته بخمس مساحة السودان وتبلغ 510 الف كيلومتر، وتحد الإقليم ثلاث دول: من الشمال الغربي ليبيا ومن الغرب تشاد ومن الجنوب الغربي أفريقيا الوسطى، فضلا عن متاخمته لبعض الولايات السودانية مثل بحر الغزال وكردفان والولاية الشمالية.
ويمتد الإقليم من الصحراء الكبري في شماله الي السافنا الفقيرة في وسطه الي السافنا الغنية في جنوبه. به بعض المرتفعات الجبلية وأهمها جبل مرة الذي يبلغ ارتفاعه 3088م حيث توجد أكثر الأراضي الدارفورية خصوبة.
التقسيم الإداري : ينقسم إقليم دارفور إلى ثلاث ولايات هى : شمال دارفور وعاصمتها مدينة الفاشر، وجنوب دارفور وعاصمتها مدينة نيالا، وغرب دارفور وعاصمتها مدينة الجنينة.
سبب التسمية : وترجع سبب تسمية دارفور بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة الفور ودارفور تعني موطن الفور وهي إحدى أكبر قبائل الإقليم.
وكانت دارفور مملكة إسلامية مستقلة حكمها عدد من السلاطين كان آخرهم وأشهرهم علي دينار. كان الإقليم يحكم في ظل حكومة فدرالية يحكم فيها زعماء القبائل مناطقهم حتى سقوط هذا النظام خلال الحكم العثمانى. وقد قاوم أهل درافور الحكم التركي الذي دام 10 سنوات، وقامت خلال هذه الفترة عدة ثورات من أشهرها ثورة هارون التي قضى عليها غردون باشا عام 1877م.
وعند قيام الثورة المهدية سارع الأمراء لمبايعة المهدي ومناصرته حتى نالت دافور استقلالها بعد نجاح الثورة المهدية. ولم يدم استقلال الإقليم طويلا حيث سقط مجدداً تحت حكم المهدية عام 1884م الذي وجد مقاومة عنيفة حتى سقطت المهدية عام 1898م، فعاد السلطان علي دينار ليحكم دارفور. وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى أيد سلطان دارفور الدولة العثمانية التي كانت تمثل مركز الخلافة الإسلامية؛ الأمر الذي أغضب حاكم عام السودان، وأشعل العداء بين السلطنة والسلطة المركزية، والذي كانت نتيجته الإطاحة بسلطنة دارفور وضمها للسودان عام 1917م.
السكان يبلغ عدد سكان دارفور ما يقارب 6 ملايين نسمة، يستخدمون لغات محلية إلي جانب اللغة العربية. ويسكن دارفور عدد كبير من القبائل التي تنقسم إلى مجموعتين "مجموعات القبائل المستقرة" في المناطق الريفية مثل: "الفور"، "المساليت"، "الزغاوة"، "الداجو"، "التنجر" و"التامة"، إضافة إلى مجموعات القبائل الرحل التي تتنقل من مكان لآخر مثل: "الأبالة"، "المحاميد"، "مهريه"، "بني حسين"، "الرزيقات"، "المعالية"والسلامات والبني هلبة والحيمات والترجم والقمر و"الميدوب". وغالبية القبائل المستقرة من الأفارقة، ويتكلمون لغات محلية بالإضافة للعربية، وبعضهم من العرب، أما غالبية قبائل الرحل فهم عرب ويتحدثون اللغة العربية، ومنهم أيضا أفارقة.
الاقتصاد يكثر في دارفور غابات الهشاب الذي يثمر الصمغ العربي فضلا عن حقول القطن والتبغ في الجنوب الغربي من الإقليم.كما تنمو اشجار الفاكهة المختلفة وتزرع الخضر في جبل مرة الذي يتميز بمناخ البحر الأبيض المتوسط.وتتم في بعض مناطق دارفور زراعة القمح والذرة والدخن وغيرها. ويمتاز دارفور بثروة حيوانية كبيرة قوامها الإبل والغنم والبقر. وقد تضررت هذه الثروة عندما ضرب الجفاف الإقليم في بداية السبعينات. وفضلا عن الحيوان والزراعة فإن بالإقليم معادن وبترولا.
ادعاء ممارسة العبودية : مع وصول عدد ضحايا نزاع دارفور منذ 2003 إلى 300 ألف قتيل وما لا يقل عن 2،7 مليون مشرد، ذكرت دراسة نشرت في ديسمبر 2008 عن منظمة أهلية هي "جمعية دارفور" عن وجود دلائل قوية بأن آلاف الأطفال والكبار تم إجبارهم على التحول إلى عبيد في الإقليم.
وتذكر منظمات أهلية أن الجيش السوداني وميليشيات الجنجويد شاركت في عمليات اختطاف استهدفت نساء وأطفالا من الناطقين بغير العربية سواء ممن يتم الاغارة على قراهم أو ممن يعثر عليهم مختبئين في البراري بسبب قصف قراهم، حيث يتم جمعهم وإرسال النساء والفتيات إلى الخرطوم حيث يوزعون على بيوت جنود سودانيين حيث يتعرضن للاغتصاب أو الزواج عنوة والعمل كخدم في المنازل نهارا، دون راحة. كما ذكرت الدراسة أن الرجال الذين اختطفوا تم إجبارهم على العمل في مزارع يملكها ويديرها الجنجويد.
كما أفادت عدة تقارير أن القرى التي يتم الإغارة عليها من قبل ميليشيات الجنجويد المدعومة من الحكومة السودانية، تتعرض للتطهير العرقي حيث يتم قتل عدد من المدنيين، ثم يجلب سكان ناطقين بالعربية للإقامة بتلك القرى وأن منهم قبائل في دول مجاورة مثل تشاد.. ورغم أن الحكومة السودانية تنفي "رسميا" وجود العبودية فيها إلا أنها اعترفت بوجود حوالي 14.000 حالة اختطاف بين الأعوام 1983 - 2005 بسبب الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب.
الاحتجاجات السودانية ( من30 يناير 2011 - 20 أبريل 2011) :
هي حملة احتجاجات شعبية انطلقت شرارتها منذ 30 يناير / كانون الثاني عام 2011 متأثرة بموجة الاحتجاجات العربية في الوطن العربي التي اندلعت مطلع عام 2011 م وبخاصة الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية اللتين أطاحتا بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك. وكانت هذه الاحتجاجات تطالب بالقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية كما نادى بعضها بتغيير النظام. بعض هذه الاحتجاجات دعا إليها طلبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مثل فيسبوك.
الأسباب السياسية : انفصال جنوب السودان ونزاع دارفور : حيث أراد المتظاهرون "إظهار غضبهم إزاء الأمور التي أدت إلى تقسيم البلاد، ولأن مستقبل الشمال غير واضح" بعد انفصال الجنوب. فقد ظهرت دعوات عبر الإنترنت لتنظيم مسيرات سلمية مناهضة للحكومة في جميع أنحاء السودان بالتزامن مع إعلان النتائج الأولية لاستفتاء تقرير المصير والتي تشير إلى رغبة نحو 99% من الجنوبيين بالانفصال عن الشمال. كما ندد الناشطون بانفصال جنوب السودان الذي نسبوه "لسياسة فرق تسد التي تنتهجها الحكومة"، ونزاع دارفور المتواصل منذ ثمانية أعوام (حتى تاريخه 2011). تضييق الحريات: كما دعت تلك المواقع (في استلهام من الثورتين التونسية والمصرية) للتظاهر احتجاجا على ما وصفوه بتضييق الحريات. انتهاك حقوق الإنسان: كما ندد الناشطون بما سمّوه انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الأمن. اعتقال حسن الترابي : هددت قوى المعارضة السودانية بإسقاط حكومة الرئيس عمر البشير عبر تعبئة جماهيرها والنزول إلى الشارع، وذلك بعد اعتقال جهاز الأمن السوداني زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي. وكان جهاز الأمن السوداني اعتقل الترابي من منزله مساء الاثنين 17/1/2011 م، وقال نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني، إن الأجهزة الأمنية حصلت على معلومات وصفها بالموثقة تثبت تورط الترابي بالسعي لإحداث ما سماها فتنة واغتيالات في الشارع العام. الدعوة إلى تغيير النظام : ظهرت دعوات على موقع فيسبوك للتظاهر سلمياً للمطالبة بإسقاط الحكومة وحتى تغيير النظام.
الأسباب الاقتصادية والاجتماعية : تفشي الغلاء والفقر والبطالة : ندد الناشطون الشبان عبر الإنترنت بالتضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والفقر والبطالة. وحسب أرقام نشرتها الحكومة نهاية 2010 م، بلغت نسبة البطالة 40% في السودان. كما اعتبر خبراء أن نصف سكان شمال السودان تقريبا يعيش تحت عتبة الفقر.. وكذلك انتشار ظاهرة الفساد حيث ندد أيضاً الناشطون عبر موقع فيسبوك بما وصفوه بالفساد.
اندلاع موجة الاحتجاجات العربية : اندلعت مطلع عام 2011 م موجة احتجاجات عارمة شملت كثير من الدول العربية, أشعل شرارتها المواطن التونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجاً على الأوضاع السيئة في تونس. وكان الشبان هم من يقودون تلك الاحتجاجات العربية خصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت كالفيسبوك وتويتر, للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. وحققت تلك الاحتجاجات نجاحات باهرة كالثورة التونسية والثورة المصرية اللتين أطاحتا برئيسي البلدين زين العابدين بن علي وحسني مبارك.
تسلسل الأحداث ظهرت دعوات للطلبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مثل فيسبوك لتنظيم مسيرات سلمية مناهضة للحكومة في جميع أنحاء السودان في يوم الأحد 30 يناير 2011 أي بعد خمسة أيام من انطلاق ثورة 25 يناير/ كانون الثاني المصرية عام 2011 التي طالبت بسقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك. كما دعت بعضها إلى التظاهر لتغيير النظام.[7] وتأتي هذه المظاهرات بالتزامن أيضاً مع إعلان النتائج الأولية لاستفتاء تقرير المصير لجنوب السودان والتي تشير إلى رغبة نحو 99% من الجنوبيين بالانفصال عن الشمال.
الثلاثاء 25 يناير 2011. الرئيس السوداني يؤكد أنه لن يهرب: أشاد الرئيس السوداني عمر البشير بانتفاضة الشعب التونسي التي قادت إلى خلع الرئيس زين العابدين بن علي وفراره من البلاد، مؤكداً أنه لن يهرب إن ثار السودانيون ضده، كما شدد على أنه لن يتخاذل بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال بعد انفصال الجنوب.
الأحد 30 يناير 2011 م (الاحتجاج الأول) المظاهرة الطلابية : اشتبكت الشرطة السودانية اليوم مع طلاب جامعيين أثناء محاولتهم الخروج في مسيرات للتنديد بارتفاع الأسعار والمطالبة باستقالة الحكومة وضربت واعتقلت بعضهم. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن شرطة مكافحة الشغب تصدت لنحو 1000 طالب من جامعة أم درمان الإسلامية أثناء خروجهم في مسيرة إلى الشارع مطلقين هتافات تنتقد الرئيس عمر حسن البشير. وأضافت الوكالة أن الاشتباكات اندلعت عندما بدأ المحتجون بإلقاء الحجارة على رجال الشرطة الذين أخذوا بدورهم يضربون الطلاب بالعصي. وذكرت وكالة رويترز أن عشرات من أفراد الشرطة بدؤوا يضربون الطلاب بالعصي في ميدان جاكسون وأن بعضهم اعتقل. وتظاهر كذلك نحو 500 طالب من الجامعة الأهلية في أم درمان مرددين هتافات تنتقد ارتفاع الأسعار وتطالب بالتغيير. وقد أطلقت شرطة مكافحة الشغب قذائف الغاز المسيل للدموع وحاصروا الطلاب في كلتا الجامعتين. أمام القصر : تظاهر نحو 100 شاب قرب القصر الجمهوري وسط الخرطوم هاتفين "نريد التغيير، لا لارتفاع الأسعار". وتصدى لهؤلاء كذلك حشد من الشرطة الذين طاردوا المحتجين واعتقلوا 5 منهم على الأقل. اعتقال صحفيين : كما أوقفت الشرطة نحو عشرة صحفيين يعملون لوسائل الإعلام المحلية والدولية وطلبت منهم عدم تغطية الاحتجاجات.
توقيت الاحتجاجات : تأتي هذه المظاهرات استجابة لدعوات عبر الإنترنت لتنظيم مسيرات سلمية مناهضة للحكومة في جميع أنحاء السودان بالتزامن مع إعلان النتائج الأولية لاستفتاء تقرير المصير والتي تشير إلى رغبة نحو 99% من الجنوبيين بالانفصال عن الشمال. كما تأتي كذلك بعد خمسة أيام من بدء اندلاع ثورة 25 يناير المصرية التي طالبت بسقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك. تحذير الشرطة : وكانت الشرطة السودانية حذرت أمس من مغبة التظاهر من أجل التغيير الشامل، وإسقاط النظام بطرق غير قانونية في حين وجه حزب المؤتمر الوطني الحاكم الاتهام لحزب المؤتمر الشعبي وحركات اليسار بالوقوف خلف دعوة التظاهر التي انتشرت عبر الإنترنت.
الجمعة 11 فبراير2011 اعتصمت العشرات من نساء أسر معتقلين سياسيين وناشطين في الخرطوم أمام مبنى جهاز الأمن والمخابرات السوداني وطالبن بإطلاق سراح ذويهن أو تقديمهم للمحاكمة. كما طالبت المعتصمات بالسماح لأسرهن بمعرفة مكان احتجاز ذويهم وزيارتهم للاطمئنان على أوضاعهم الصحية.
الأحد 13 فبراير 2011 تجمع للصحفيين : منعت قوات الأمن السودانية اليوم صحفيين من تنظيم تجمع احتجاجي ضد اعتقال زملائهم خلال مظاهرات قبل أسبوعين. كما ألقى الأمن السوداني القبض على خمسة مصورين تلفزيونيين وصحفيين كانوا يحاولون تغطية هذه الاحتجاجات. فيما انتشر عشرات من رجال الأمن وضباطا بزي مدني في محيط المجلس الوطني للصحافة -الهيئة المشرفة على قطاع الإعلام- بهدف منع تجمهر الإعلاميين. تجمع نسائي : من جهة أخرى انتظم تجمع نسوي (حوالي 20 امرأة) أمام مقر جهاز الأمن السوداني طالبت خلاله المتظاهرات بإطلاق سراح أبنائهن المعتقلين لدى جهاز الأمن خلال مظاهرات احتجاجية عاشتها البلاد. حيث تجمعن بهدوء أمام مقر الأمن بالخرطوم دون وقوع احتكاك مع عناصر الشرطة ورفعن صور أبنائهن المعتقلين.
الإثنين 21 مارس 2011 قال ربيع عبد العاطي المسؤول الرفيع في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان اليوم أن الرئيس السوداني عمر حسن البشير لن يسعى لترشيح نفسه ثانية في انتخابات الرئاسة. وفقا للدستور السوداني الحالي فإن انتخابات الرئاسة المقبلة من المقرر أن تجري خلال أربعة أعوام. كما قال أن الرئيس تعهد بتشكيل لجنة لمكافحة الفساد، وأنه ألمح إلى أنه قد يتقاعد، وهي خطوة يقول منتقدون أنها تستهدف تهدئة المعارضة في وقت تكتسح فيه الاضطرابات الوطن العربي.
الثلاثاء 8 مارس 2011 اعتقلت السلطات أكثر من خمسين امرأة بعد دقائق من بدئهن احتجاجا في منطقة أم درمان بالعاصمة ضد الانتهاكات الحقوقية واحتفالا بيوم المرأة العالمي، وقد أُعلن عن تقديمهن للمحاكمة.
الأحد 20 مارس 2011 الشبان السودانيون يتنادون للتظاهر: دعا شبان سودانيون إلى التظاهر غدا ضد نظام الرئيس عمر البشير في مختلف أنحاء السودان في استلهام على ما يبدو للمظاهرات في الوطن العربي. وقد قمعت الشرطة بعنف عدة مظاهرات منذ مطلع العام الجاري مستخدمة الغاز المسيل للدموع والهريّ لتفريق المتظاهرين واعتقلت العديد منهم. وكان البشير قد أعلن في فبراير 2011 عن إنشاء لجنة لمكافحة الفساد، وقال إنه لن يترشح لولاية جديدة، وفق ما أعلنه قيادي بالحزب الحاكم. غير أن الداعين إلى مظاهرة الاثنين يرون أن حزب المؤتمر الوطني فقد مصداقيته تماما ولم يبق سوى المظاهرات لإحداث التغيير رغم المخاطر المترتبة عنها. وأجمع المحللون على القول إن النقص في المواد الغذائية الأساسية والخدمات قد يكون عنصرا حاسما في تعبئة السودانيين.
الإثنين 21 مارس 2011 (الاحتجاج الثاني) تدخلت الشرطة السودانية مستخدمة الهري والغاز المدمع لتفريق احتجاجين صغيرين مناهضين للحكومة وذلك عندما بدأ شبان محاولة ثانية لمحاكاة انتفاضتي تونس ومصر. في مدينة الخرطوم : ردد مئات المتظاهرين هتافات "حرية.. حرية"، ورفعوا شعار "الشعب يريد إسقاط النظام". وحاصرت الشرطة المدججة بالسلاح الجامعات وانتشرت في جميع أنحاء العاصمة الخرطوم. ثم ضربت بالهري المتظاهرين, واستخدمت الغاز المسيل للدموع بالقرب من محطة حافلات رئيسة في الخرطوم. وفي مدينة ودمدني : تجمع نحو 250 متظاهرا في السوق وأخذوا يرددون هتافات مثل "الشعب يريد إسقاط النظام"، "ولا لارتفاع الأسعار". قبل أن تفرقهم الشرطة وتعتقل عددا من النشطاء. وذكر عشرات من الذين اعتقلوا منذ الاحتجاج الأول المناهض للحكومة في 30 من يناير / كانون الثاني 2011 أنهم تعرضوا للتعذيب والضرب. وقد أطلق سراحهم دون توجيه اتهامات.
الأربعاء 23 مارس 2011 توعد حزب المؤتمر الوطني الحاكم القوى السياسية المعارضة بسحقها و"محوها من على وجه الأرض" إن هي حاولت الخروج في مظاهرات للإطاحة بنظام الرئيس عمر حسن البشير. وسخر مندور المهدي القيادي بالحزب من شباب "فيسبوك" الذين يدعون لتغيير النظام، ووصفهم بأذيال الشيوعيين قائلا إن ما ينشرونه على صفحات الإنترنت لن يهز رمشا في أعين النظام. وكانت شباب فيسبوك نظموا بعض الاحتجاجات الصغيرة، كان أحدثها احتجاجين مناهضين للحكومة في الخرطوم يوم الاثنين، لكن قوات الشرطة فرقتها بإطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين. وفي مدينة ودمدني بوسط السودان تجمع نحو 250 متظاهرا في السوق قبل أن تفرقهم الشرطة وتعتقل عددا من النشطاء.
الأربعاء 6 أبريل 2011 دعا آلاف الشبان في حملة على فيسبوك ومواقع اجتماعية أخرى على الإنترنت، السودانيين للنزول إلى الشارع للتغيير وإسقاط نظام الرئيس عمر حسن البشير على غرار ما حدث في تونس ومصر، غير أن الحكومة لوّحت بردع هذه الحملة. وبينما لم تتضح طبيعة هذه الحملة الشبابية ولا شكل التظاهر الذي ستتخذه، تشير معلومات محلية إلى أن شبابا مستقلين وآخرين ينتمون لعدد من الأحزاب السياسية هم من يحرك الدعوة للتظاهر ضد الحكومة اقتداء بتجربتي تونس ومصر. وحدد الشباب السوداني في حملته على فيسبوك والمواقع الأخرى مجموعة من المطالب، منها الحرية ومحاربة الفساد والبطالة والجوع والقهر والفقر، كما يدعون إلى تشكيل حكومة انتقالية قومية تعقبها انتخابات حرة ونزيهة. ودعوا إلى الوقوف صفا بصف -برفقة أطفال بلادنا المشردين الفقراء الذين سرقت لقمة عيشهم– لمنع المزيد من الرعب ومصادرة المستقبل.
النتيجة : وكان من نتائج هذه الاحتجاجات الشعبية أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان أن الرئيس عمر البشير لن يسعى لترشيح نفسه ثانية في انتخابات الرئاسة, وأنه أنشأ لجنة لمكافحة الفساد[3] ضمن حزمة إصلاحات لإرساء الديمقراطية بالبلاد.
حسن الشامي رئيس تحرير مجلة (المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في الوطن العربي) الصادرة عن مركز ابن خلدون للدراسات الديمقراطية [email protected]
#حسن_الشامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقرير التحول الديمقراطي في الجزائر عام 2011
-
تقرير التحول الديمقراطي في سوريا عام 2011
-
من أجل تعزيز دور الإعلام الجماهيري في الدعوة لتطبيق اللامركز
...
-
سعد الدين ابراهيم : في كل دول العالم يطبقون نظاما لحماية الأ
...
-
قصيدة إلى مرشحي الرئاسة
-
الخبراء يتساءلون : اللجنة التأسيسية للدستور.. نعمة أم نقمة ع
...
-
مؤتمر استقلال القضاء بين الحماية الدستورية وقانون السلطة الق
...
-
وفاة البابا شنودة خسارة كبيرة للمصريين
-
إطلاق شبكة المساءلة الاجتماعية فى العالم العربى
-
مؤتمر -الربيع العربي والأزمة السودانية- بالقاهرة
-
منظمات المجتمع المدني : لن نرضخ لبيادة العسكر أو لعباءة الإخ
...
-
مؤتمر - رؤية لدستور مصري يحمى ويفعل الحقوق والحريات -
-
نداء الألف للتضامن مع شركاء الوطن
-
مؤتمر -الربيع العربي ومستقبل التحولات الراهنة-
-
أثر ربيع الثورات العربية على القضية الفلسطينية
-
المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى العربى
-
رؤية حول -استراتيجية تحديث مصر-
-
دور المرأة المصرية والعمل في المجال العام
-
أستعادة الأموال المصرية المهربة من الخارج
-
قراءة في مشكلة الأقليات في مصر.. النوبة نموذجا
المزيد.....
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم
...
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|