حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1089 - 2005 / 1 / 25 - 11:32
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
لا أذكر متى سمعت لأول مرة عبارة" تستوي الأمور في نقائضها" و قد أسرتني العبارة , بعد ذلك عرفت مدى شيوعها في ثقافتنا وتراثنا, ما أوصلها إلى الابتذال, مرد إعجابي على الأرجح, ترافقه مع ارتقائي إلى المبدأ الثنائي. أقمت طويلا في حصون اليسار والثورة والصح والحقيقي,وبعدما تكشّف حلم العدالة عن متحف هائل للعذاب البشري, أظن اليوم أنني انتقلت إلى المبدأ التعددي, وصار بوسعي قراءة صديقنا بوذا بمتعة وفهم(الصح والخطأ معايير وهمية يضعها البشر لتخفيف حدّة الفقر الروحي والمعرفي, وما يرافقها من المعاناة المستمرّة), الثنائيات موجودة ويتعذر تجاوزها, وتحمل الإغراء الدائم للبسطاء أمثالنا. موقف الموت يتضح في ممارسة الحياة حصرا, والموقف الشخصي من الموت يحدد أسس العالم الداخلي للفرد.
جدّي بعدما جاوز التسعين صار يكرر عبارة واحدة" جميع من أعرفهم ماتوا" وكنت أسمع كلاما أجوف يخلو من المعنى, بعد موته بزمن وبعدما ابيضّ شعري أدرك الآن كم كان وحيدا وحزينا وغامضا. في طفولته كانت سوريا أحد الأقاليم التركية وفي شبابه المبكر تحولت سوريا إلى محميّة فرنسية, وعاش طويلا في كنف الحكومات الوطنية, حيث الجميع سوريون, القتلى والقتلة.
جدّي كان يكره الموت ويخافه ويبكي عند سماعه لموت أيّ كان, ولم أحضر جنازته ولم أبكي على موته, لأنه كان على النقيض من صورة الرجل النموذجي.
لست من أنصار أسطورة الأجداد, هم فعلوا ما يلائم حاجاتهم أو ظنوه كذلك.
مات كثيرون من أصدقائي ومعارفي, ثلاثة منهم انتحروا, قتلوا أنفسهم عمدا.ما زال الأحياء الذين أعرفهم أكثر من الأموات. وبدأت أكره الموت وأخافه وأحزن على الموتى, ببساطة لأن أحدا لم يعد.
بالأمس مات خالي وصديقي ولم يصل الخمسين, كان حزينا وغاضبا جدا ومات.
بقي اسم سهيل حمودة مجردا حتى لأرملته وأولاده, في ذاكرتي قلقه المبهم.
اقترب من التشرد واقترب من اليسار واقترب من العائلة واقترب من التجريب, ولا أظنه عمل شيئا كما يريد. حرصه على حمايتي ثم حماية من حوله أشغله عما يريد هو, بقي حتى آخر حياته "الخال" يشبه الجميع فقط, مات وبقي الجميع, في حياته وموته كان على الهامش.إنه يشبه بقية الأخوال والأعمام في بلادنا.
لم أحضر الجنازة ولم أذرف الدموع, لكني أشعر بمرارة الفقد, ولا أفهم كيف يهللون للموت في بلادنا, ورائحته تطبق على الهواء والبشر
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟