أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - ريمون نجيب شكُّوري - رحلة ُ الصفر ِ عبر َ الزمكان















المزيد.....



رحلة ُ الصفر ِ عبر َ الزمكان


ريمون نجيب شكُّوري

الحوار المتمدن-العدد: 3705 - 2012 / 4 / 22 - 09:05
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


رحــلــةُ الــصــفــرِ عـــبــرً الــزمــكــان

يهدفُ هذا اللقاءُ الى عـرضٍ لمعاناةِ وكفاحِ الصفـرِ كفاحاً مستمـراً طوال آلافِ السنيـن وعبـرَ مناطقَ جغـرافيةٍ واسعةٍ في سبيـلِ قبولِ ه والإعتـرافِ به إعتـرافاً كاملاً.
يصـرُّ الصفـرُ أن يعـرضَ هو روايتَه لنا بموضوعيةٍ تامةٍ موجِـزاً معاناتِه بيـن مدٍّ وجـزرٍّ . فلندعه يتكلم:
يقول:
قصتي قصةٌ حـزينةٌ ــ مع الإعتذارِ الى المغني العـراقي هيثم يوسف ــ وهي أيضاً قصة ٌ طويلةٌ جداً . تمتدُ جذوري عبـرَ أزمنةِ ما قبـلَ فجـرِ الحضاراتِ وقبـلَ أن يتعلمَ الإنسانُ الكتابةَ والقـراءة .
وُلِدتُ في بلدٍ ما وحبوتُ في آخـرَ ونشأتُ في ثالثٍ وعدتُ الى مسقطِ رأسي وسافـرتُ الى ممالكَ عديدةٍ ومُنعتُ في البدايةِ مـن الدخولِ الى بعضِها وعبـرتُ البحارَ والمحيطات. وأخيـراً فـرضتُ وجودي مواطناً في جمهوريةِ الأعداد وتغيَّـرَ إسمي. وفي الحقيقةِ لم يكـنْ سكناي في البـيوتِ إنما في العقولِ وخاصةً في كبارِ العقول.
ينبغي على المـرءِ إدراكَ أن مفهومَ شيءٍ ما والتـرميـزَ اليه أمـران مختلفان. على سبيـلِ المثال: الجمالُ والعدلُ والحبُ مفاهيمٌ موجودةٌ على المستوى الإدراكي للإنسان، مـن المعتادِ أن يُـرمـزَ اليها بأشياءَ ملموسةٍ : بتمثالِ الإلهةِ فينوس وبميـزانٍ وبالملاكِ كيوپد علي التوالي. كذلك الأعدادُ ما هي إلا مفاهيمٌ . صحيح، أن ثلاثةَ أطفالٍ مجموعةٌ محسوسةٌ يمكـنُ أن تُـرى ويمكـنُ أن تُصَّور. أما العددُ ثلاثة فهو مفهومٌ مـوجـودٌ في الـمسـتـوى الإدراكـي للإنـسـانِ " وهو يسكـنُ " في العـقول. أمـا " 3 " و " 3 " و" III " فهي رموزٌ له معـروفةٌ ومختـلفة .
وكذلك أنا الصفـرُ مفهومٌ كبقيةِ المفاهيمِ ــ أسكـنُ كما قلتُ قبـلَ دقيقةٍ ــ في العقول. لكـن كنتُ أُعاني مـن مشكلةٍ صعبة . فقد كنتُ أمتلكُ طوالَ آلافٍ مـن سنيـنٍ نسيتُ تعدادَها بطاقةَهويةٍ صادرةٍ مـن بلادِ وادي الـرافديـن لكنها لم تكـنْ مثـل باقي البطاقاتِ إذ تعوزُها صورةً لي. والجميعُ يطالبونَ بوجوبِ إبـرازِ هويةٍ عليها صورة . يا تُـرى مـن أيـن وكيف أحصـلُ على صورةٍ وأنا ليس سوى مجـرد لا شيء ؟ هذا هو جوهـرُ مشكلتي.
ولهذا لم يضعْ الـرافدينيـيون *1* لي رمـزاً ضمـنَ قائمةِ أرقامِهم المُدلَّـلَةِ التسعةِ والخمسيـن المكوِّنةِ لنظامِهم ذي القيمةِ المكانيةِ لتـرميـزِ الأعدادِ *2* على أساسٍ ستيني. الأمـرُ الذي جعـلَ بعضَ الأوساطِ تتوهمُ أن السكنةَ القدامى لوادي الـرافديـن كانوا يجهلون وجودي . هذا غيـرُ صحيحٍ كما سأبيِّـنُ بعد توقفٍ قصيـرٍ أرجو أن يسمحَ به القارئ ُ لغـرضِ توضيحِ بعض المصطلحات .
ليس مـن الغـريبِ بـل مـن المؤكدِ أن إنسانَ ما قبـلَ الحضارةِ كان يستعمـلُ أجـزاءَ جسمِه لأغـراضِ العدِّ والقياس . إذ ما زلنا نسمعُ صدى إستعمالاتِه في عصـورِنا الحالية : مثـل الـقـدمِ والذراعِ والقامةِ والشبـر. ومـن المؤكدِ أيضاً أن الإنسانَ القديمَ (وحتى المعاصـر) كان يستعيـنُ بأصابعِه (بطـريقةٍ أو بأُخـرى) لغـرضِ عدِّ مجموعةٍ صغيـرةٍ مـن الأشياء ، ولابد أنه وضعَ ألفاظاً أو حـركاتٍ مـن جسمِه للدلالةِ على تلك الأعداد . هذه هي الأعدادُ التي أُطلقُ أنا عليها مصطلحُ الأعدادِ المدلَّـلةِ وعلى رموزِها مصطلحُ الأرقامِ المدلّـَلة . ولـما بـدأتْ شـمـسُ الـحضاراتِ بالبـزوغِ ورثَ إنسانُ الحضارةِ مـن أجدادِه القدماءِ ألفاظاً تدلُّ على تلك الأعدادِ وعند تعلمِه الكتابةَ وضعَ لها رموزاً . لكـن سـرعانَ ما إكتـشفَ أنها لا تكفي لسدِ حاجاتِه المتطورة . فالأشجارُ والماشيةُ والأثمارُ كثيـرةٌ لا يمكـنُ عدّ أيٍ منها بالأصابعِ أي أن أعدادَه المدلَّلةُ لا تفي بالحاجة . فتـفـتـقَ ذهــنُ إنسانِ حضارتَيْ واديَّ الـرافديـن والنيـل *3* عـن فكـرةٍ بارعةٍ جداً وذلك بأن يكتسبَ الـرقمُ قيمتَه مـن الخانةِ الموجودِ فيها ــ كما هو معـروفٌ عند القـراءِ بالنسبةِ الى النظامِ العَشـري. فمثلاً في هذا النظامِ أن الـرقمَ 4 في 141 هو أربعون والـرقمَ 1 على اليسار هو مئة، أما إذا كنا نتعامـلُ بالنظامِ الـرافديني الستيني فإن الـ 4 تدلُّ على مئتيـن وأربعيـن وأن الـ 1 على اليسارِ يدلُّ على تـربيعِ الستيـن أي ثلاثةِ آلافٍ وستمئة. إذن الـرقمُ 141( في النظامِ ذي القيمةِ المكانيةِ الستيني الأساس ) هو
1 + 4 X ستيـن + 1 X تـربيـع الستيـن .
وأما الـرمـزُ 10 فيمثـلُ العددَ ستيـن في النظامِ الستيني.
يُطلقُ على النظامِ الذي فكـرتُه الـرئيسيةُ هي إختيارُ مجموعةٍ صغيـرةٍ مـن رموزِ تكتسبُ قيمَها العدديةَ حسْبَ الخاناتِ الموجودةِ فيها مصطلحُ نظامٍ ذي القيمةِ المكانيةِ لتـرميـزِ الأعداد . يُعتبـرُ هذا النظامُ مـن أهمَّ إبداعاتِ الحضاراتِ القديمةِ إذ يمكـنُ بواسطتِه التعبـيـرُعـن أيِ عددٍ مهما كان بالإستعانةِ بمجموعةٍ صغيـرةٍ مـن رموز . إن روعةَ هذا الإبداعِ تكمـنُ في أنه سبـقَ بآلافِ السنيـنِ النظمَ الباليةَ والمعقدةَ الإغـريقيةَ والـرومانية والتي لا يمكنها أن تُمَثَـلَ بها جميعُ الأعداد .
والآن آنَ الأوانُ الى العودةِ الى قصتي .
قلتُ قبـلَ قليـلٍ إن مـن دون أيِّ شكٍ أن عدمَ ضمي الى قائمةِ أرقامِ الـرافدينيـيـن المدلَّلةِ يُشكِّـلُ بتـراً الى حدٍّ ما لنظامِهم، لكنه لم يكـنْ أبداً جهلاً بوجودي كما قد يتصورُ البعض . ورُغمَ أن هذا الأمـرَ يعنيني ويمسني شخصياً غيـرَ أني لا ألومُ الـرافدينيـيـنَ بـل بالعكسِ أتفهمُ خلفيتَهم العقليةَ وبوصلتَهم الفكـريةَ التي وجهتْهم الى ما توجهوا اليه .
وبما أني صفـرٌ فأجدُ نفسي أدرى مـن غيـري حولَ هذا الموضوع. فأعـرفُ حـقَّ المعـرفةِ أن تـرميـزَ اللاشيءِ يكادُ أن يناقضَ منطـقَ مجـرى الحياةِ ويخلـقُ عندَ الإنسانِ ــ خاصةًعندَ إنسانِ فجـرِ الحضارةِ ــ عقدةً نفسيةً ـ فلسفيةً تعيقُه وربما تمنعُه عـن التفكيــرِ في تمثيـلِ اللاشيءِ بـرمـز. ولا يُغفى عـن القارئِ أن الـرمـزَ مهما كان فهو شيءٌ ملموسٌ، فإما أن يكونَ حبـراً على ورقٍ وإما طباشيــرَ على سبورةٍ وإما حفـرةً على لوحٍ طيني وإما تمثالاً وإما لوحةً زيتية . فكيف يُـعقـلُ تمثيـلُ اللاشيءِ بشيءٍ ؟ إنها حقاً مشكلةٌ صعبةٌ ومعقدةٌ وخاصةً إذا تذكـرنا أن الكتابةَ المسماريةَ في بلادِ ما بيـن الـرافديـن قد تطورتْ بالأصـلِ ــ كما يعـرفُ القارئُ ــ مـن كتابةٍ صوريةٍ فمثلاً كان رمـزُهم للسمكةِ متطوراً مـن صورةِ سمكةٍ، وللطيـرِ مـن صورةِ طيـرٍ وللعددِ ثلاثةٍ مـن صورةِ ثلاثِ أصابعَ والى آخـرِه . أما بالنسبةِ لي أنا الصفـرُ فالـرافديني لم يـمتطِ صفـراً مـن الخيولِ ولم يشتـرِ صفـراً مـن التفاحِ ولم يوزِّعْ صفـراً مـن الحلوى على الأطفال. إذن ليس مـن غـرائبِ الأمورِ أن يستحـرمَ الإنسانُ الـرافديني وضْعَ رمـزٍ صـريحٍ لحضـرةِ جنابي الشبحيِّ اللاشيئيِّ الذي لا صورة له. وربما يحتاجُ ذلك الإنسانُ كي يفكـِّـرَ بأن يَـرمـزَ اليَّ بـرمـزٍ صـريحٍ الى صدمةٍ تـفيقُه مـن سباتِه وتـفكُّ له عقدتَه النفسيةِ ــ الفلسفية .
وأودُّ التأكيدَ مـرة ً ثانيةً على أن الـرافدينيـيـن لم يجهلوا وجودي أبداً ولا تجاهلوه على عكسِ ما يحلو لبعضِ المعاصـريـنَ الإدعاء . إذ كان سكنةُ وادي الـرافديـن يـردِّدونَ عني دائماً بعبارتِهم المشهورةِ " إن مكانَه خالٍ بيننا ".
وكانوا فعلاً يتـركون في ألواحِهم الطينيةِ فـراغاتٍ في الأمكنةِ أو الخاناتِ التي يجبُ أن أكونَ فيها بصحبةِ إخوتي الإرقام ( لو كان لي رمـزٌ صـريح ). فعندما كانوا يـريدونَ كتابةَ مثلاً 407 يتـركونُ فـراغاً بيـن الـ 4 والـ 7 فيحفـرون "7 4 " وكذلك " 7 4 " للدلالةِ على 4007.
وكان الـرافدينيون يـرمـزونَ أيضاً الى جميعِ أعدادٍ مثـل 35 ، 350، 3500 بـرمـزٍ واحدٍ هو "35 " . يثيـرُ هذا التـشبثُ بعقدتِهم الإستغـرابَ عند الإنسانِ المعاصـر . لكـن ينبغي أن لا يغيبَ عـن البالِ أن مفاهيمَ الأعدادِ لم تكـنْ آنذاك مجـردةً تماماً بـل كانت صفاتٍ مـرتبطةٍ بأشياءَ معينة . فعندما يكتبُ الـرافديني 35 وهو يقصد 350 شيئاً معيناً يفهمُه هو وزملاؤه ولا يمكـنَ أن يكونَ 35 شيئاً آخـر . بعبا رةٍ أخـرى كان يفهمُ الأمورَ مـن السياق . وينبغي أن نـتـذكـرَ أن ليس مـن النادرِ في مجتمعاتِـنا الـراهنةِ التعويـلَ على الفهمِ مـن السياقِ الى حدٍ ما، فمثلاً إذا قـرأتَ على غلافِ مجلةِ أن سعـرَها 2 فتفهمُ أن سعـرَها دولاران . أما إذا قيـلَ لك إن سعـرَ سيارةٍ هو إثنان فـتفهمُ أن سعـرَها عشـريـنَ ألفِ دولار وإذا سألتَ عـن سعـرِ قصـرٍ مـن قصورِ ممثـلي هوليوود وقيـلَ لك أن سعـرَه 2 أيخطـرُ على بالِك أنه بألفي دولارفقط !! ؟ أم تفهمَ أن سعـرَه مليونا دولار .
ويجبُ عليَّ الإقـرارَ أن تلك الفـراغاتِ شكـَّـلتْ نوعاً مـن الإعتـرافِ الضمني بوجودي. لكـن في الوقتِ نفسِه وكي أكونَ موضوعياً أُضيفُ قائلاً إنها مـن دون شكٍّ قد تؤدي الى بعضِ الغموضِ والإلتباسِ ولكن ما العمـلُ فالغموضُ والإلتباسُ هما الثمـنُ الذى يجبُ أن يدفعَه الـرافديني كي يتجنبَ الوقوعَ في مُحـرَّماتِ تـرميـز اللاشيءِ بشيءٍ ؟ أليس كذلك؟ وينبغي أن لا يغيبَ عـن بالِنا أن الإنسانَ الـرافديني عندما كان يكتبُ على ألواحِه كان يخاطبُ زملاءَه المتعايشيـنَ معه . ومـن المؤكدِ أنه لم يخطـرْ على فكـرِه أن تسجيلاتِه على تلك الألواحِ ستُفحصُ بدقةٍ وتُدرسُ بعنايةٍ في يومٍ ما بعد آلافِ السنيـن مـن قِبَـلِ ناسٍ ذوي ثـقافاتٍ وخلفياتٍ مختلفةِ تماماً عـن ثـقافتِه وخلفيتِه .
ويتوجبُ عليَّ الإقـرارَ أيضاً أن تلك الفـراغاتِ لم تكـنْ تؤثـرُ سلباً على دقةِ حساباتِهم العمليةِ والنظـريةِ مطلقا ً، كما قد يتصورُ البعض. فكانَ الـرافدينيـيونَ واعيـنَ تماماً بما يُجـرونَ مـن عملياتٍ حسابيةٍ وجبـرية. وهم الذيـن شيدوا المعابدَ العاليةَ ورصدوا الحـركاتِ المعقدةَ للكواكبِ وتـنبأوا بحدوثِ الخسوفاتِ والكسوفاتِ ووضعوا التقاويمَ وطوروا التجارةَ وإستعملوا النقودَ وغيـرَها مـن أمورٍ كثيـرةِ. وكـلٌ منها يحتاجُ الى معـرفةٍ رياضياتيةٍ واسعةٍ وحساباتٍ دقيقةٍ لم تكـنْ الفـراغاتُ تعيقُها .
إضافةً الى هذا فقد كان للـرافدينيـيـنَ ولعٌ شديدٌ في وضْعِ أنواعٍ وألوانٍ مـن الجداولِ الـرياضياتيةِ مـن أمثالِ: عملياتِ الجمعِ والضـربِ ومقلوبِ الأعدادِ وتـربيعِها وتكعيبِها وحسابِ الـربحِ المـركب . وإستطاعوا إجـراءَ حسابٍ تقـريبيٍ للجذرِ التـربيعي للعددِ 2 وحسابِ النسبةِ الثابتةِ مقـربةً الى مـرتبتيـنِ عشريتيـن.
ليس مـن المعقولِ كما يتوهمُ البعضُ أن يكونَ مفهومي ــ أنا الصفـرُ ــ غائباً عـن عقولِ الـرافدينيـيـن وهم قد حقـقوا كـلَّ تلك الإنجازاتِ .
قلتُ في بدايةِ حديثي أني كنتُ أمتلكُ بطاقةَ هويةٍ صادرةٍ مـن بلادِ وادي الـرافديـن خاليةٍ مـن صورةٍ لي مما أدى الى شيءٍ مـن غموضٍ في قـراءةِ الأعدادِ خاصة إذا قُـرِئتْ مـن قِبـلِ أقوامَ غــرباء عـن وادي الـرافديـن تواصلوا أو إحتكوا بالـرافدينيـيـن.
يبدو أن المملكةَ الكلدانيةَ في حوالي القـرنِ السابعِ ق.م. ــ بسببِ توسعِها الجغـرافيِ وإحتكاكاتِها بكثيـرٍ مـن أقوامِ أممٍ أجنبـيةٍ ــ بدأتْ تـشعـرُ بوطأةِ الإلتباساتِ الناتجةِ مـن الفـراغاتِ مما أدى الى تحـلحـلٍ (ولا أقولُ حلاً ) في تلك العقدةِ النفسيةِ ــ الفلسفيةِ المستعصية . فعندئذٍ بدأ الـرافدينيونَ يعالجونَ المشكلةَ بوضْعِ رمـزٍ متواضعٍ لي شبيهٍ بـ " ؛ " ووضعوه على بطاقـتي للهويةِ الشخصيةِ لأولِ مـرةٍ في التاريخ . وصار الـرافدينيونَ يستعيضونَ بها بدل الفـراغاتِ عندَ تـرميـزِ الأعداد . ولا أريدُ أن أنكـرَ أني شعـرتُ بنشوةٍ كبيـرةٍ عندما علمتُ أنهم بدأوا يكتبونَ مثلاً 7 ؛ 4 و 7 ؛ ؛ 4 للدلالةِ على 407 و 4007 كلما كنتُ محاطاً يميناً ويساراً بإخوتي الأرقام .
لكـن أقولُ الحقَ إن نشوتي لم تدمْ طويلاً إذ إكتـشفتُ أن الـرافدينيـيـنَ لم يتعافوا تماماً مـن عقدتِهم فبقوا يعانونَ مـن ذيولِها، إذ إستمـروا بعدمِ التعويـلِ على إستعمالِ رمـزي المتواضعِ " ؛ " عندما كانوا في حاجةٍ اليه في أقصى موقعِ اليميـنِ مـن الأرقامِ إذ لم أجدْهم أبداً يكتبونَ في ألواحِهم الطينيةِ الـرموزَ ؛35 ولا ؛؛35 ولا ؛؛؛35 كما كنتُ أتمنى أن أجدَه في ألواحِهم للدلالةِ على 350 و 3500 و35000 فقدْ خابَ ظني إذ وجدتُها جميعاً تُـرمـزُــ كما إعتادوا سابقاًــ بنفسِ الـرمـزِ 35 معتمديـن على الفهمِ مـن السياق ، كما ذكـرتُ قبـل قليـل . ولا أخفي سـراً إذا قلتُ إني شعـرتُ على أثـرِ ذلك بشيءٍ مـن الإحباط .
مـن المــرجَّحِ بــل مـن شبهِ المؤكدِ أنني كنتُ سأنالُ شــرفَ التـرميـزِ كاملاً دون إنتقاصٍ لو تُـرِكتُ بـرعايةِ أهلي الـرافدينيـيــن . لكـن مـن المؤسفِ مجيءَ الفُـرسِ عامَ 539 ق.م.لإغتيال أمي التي هي الحضارةُ الـرافدينيةُ العـريقةُ محطِّـميـنَ رُقيَّها شـرَّ تحطيمٍ ومهدميـنَ بإغتيالِـهم إياها تطلعاتي وآمالي .
لكـن تتابعتْ الحوادثُ بسـرعةٍ إذ لم يمضِ على الإحتلالِ الفارسيِ سوى أقـلَّ مـن قـرنيـن حيـن جاءَ الإسكندرالمقدوني ودحـرَ الفُرسَ وكان الإسكندرُ شديدَ الإعجابِ بكـلِّ جوانبِ الحضارةِ الـرافدينية . ونقلتـني عساكـرُه ككنـزٍ ثميـنٍ الى الهند ومعي النظامِ الـرافديني ذي القيمة المكانيةِ لتـرميـزِ الأعداد .
مـن حسـنِ الحظِّ لم يكـنْ الهنودُ يُعانونَ مـن تلك العقدةِ النفسيةِ الفلسفيةِ المتأتيةِ مـن اللاشيء. ربما أكسبَهم إلاهُهم شـيـفـا الذي يمثـلُ الفـراغَ اللاشيئي مناعةً ضدَّها . فلم أجدْ هناك صعوباتٍ تُذكـر. بـل بالعكس تـرعـرعتُ بسـرعة. وهناك غدوتُ مواطناً عددياً كاملاً في جمهوريةِ الأعداد، له مكانتُه المحتـرمةُ وأُمثَّـلُ بـرمـزٍ مُعتـرفٍ به . وصارَ الهنودُ يُجْـرونَ معي ومع إخوتي الأعدادِ كـلَّ العملياتِ الحسابيةِ " تقـريبا" مـن جمعٍ وطـرحٍ وضـربٍ وقسمةٍ (وإن كان هناك قليـلٌ مـن التخبطاتِ عند القسمة) .
ولما إكتشفَ الهنودُ مـزايا النظامِ ذي القيمةِ المكانيةِ الذي تعلـَّموه مـن الـرافدينيـيـن عـن طـريـقِ النقـلِ بواسطةِ العساكـرِ المقدونية ــ كما ذكـرتُ قبـلَ قليـلٍ ــ لم يتـرددوا في تـركِ نظامِهم الألفبائي العتيـقِ وتبنوا النظامَ الـرافدَيني الأفضـلَ بعد تغيـيـرٍ غيـرِ جوهـريٍ مـن الأساسِ الستيني الى الأساسِ العَشـري (المتوائمِ مع العدِّ بالأصابعِ العشـرةِ لليديـن) بإستعمالِ عشـرةِ رموزٍ مـن ضمنِها رمـزٌ خاصٌ واضحٌ وبيِّنٌ اليَّ . إذ كان يُـرمـزُ لي في بعضِ مناطقَ تلك البلادِ الهنديةِ الشاسعةِ بــرمـزٍ شبيهٍ بـِ " 0 " وفي مناطقَ أخـرى بالـرمـز"0" .
وبطبيعةِ الحالِ لم يتمْ ذلك التحولُ بيـن ليلةٍ وضحاها إنما جـرى ببطءٍ خلالَ عدةِ قـرونٍ ومـن المـرجَّحِ حسبَ علمي إستُـكِمـلَ التبني في القـرنِ الأولِ الميلادي (أو بالأصحَ القـرنَ الصفـري الميلادي ) .
وبعد إنتشارِ الحضارةِ العـربيةِ الإسلاميةِ أتى الى الهندِ في القـرنِ الثامـنِ الميلادي علماءٌ مـن البلادِ الإسلاميةِ مـن بينِهم الخوارزمي والكِندي فتعلموا فنونَ الحسابِ وعملوا على نقلِها الى العـراق . ومـن سخـرياتِ القدرِ أنهم نعتوا ما تعلموه بـِ " الحسابِ الهندي" غيـر مدركيـن أن أصولَه قد بُذِرتْ وزُرِعتْ قبـلَ آلافِ السنيـن في التـربةِ الـرافـدينيةِــ العـراقيةِ لكـن شاءتْ الظـروفُ قطفَ ثمارِها مـن الهند . ليس المقصودُ بهذا الكلامِ تعمدَّ أولئك العلماءُ طمسَ الحضارةِ الـرافديـنية ، فقد كانت تلك الحضارةُ آنذاك مجهولةً جهلاَ شبهَ كامـلٍ وبقيتْ هكذا حتى تمكَّـنَ العسكـريُ والدبلوماسيُ البـريطانيُ رولنسون في سنةِ 1839 مـن فكِّ طلاسمِ الكتابةِ المسمارية.
وهكذا تعـرّفََ سكانُ البلادِ الإسلاميةِ كافةً على قيمتي وأهميتي أنا الصفـرُ اللاشيئي. كما شاعَ إستعمالُ النظامِ ذي القيمةِ المكانيةِ لتـرميـزِ الأعدادِ العَـشـريِ الأساسِ في تلك البقاعِ الواسعةِ بحيث صارَ يُـدرَّسُ في المدارسِ وأُهملتْ نظمُ التـرميـزِ الأبجديةِ والـرومانيةُ الباليةِ التي كان معمولاً بها آنذاك.
وأصبحَ يتصورُ كثيـرٌ مـن الناسِ أن النظامَ المكاني العَشـريَ هو النطامُ الوحيدُ الممكـنُ للأعدادِ ولا يمكنُهم تصورَ وجو دَ غيـرِه وهم غيـرُ مدركيـنَ كم عانيتُ أنا وزملائي الأعدادُ مـن آلامِ ولادتِه.
كان بودِّي الآنَ أن أرويَ لكم كفاحي وكفاحَ إخوتي للدخولِ الى أوربا القـرونِ الوسطى ، لكـن مـن المؤسف أني نسيتُ التحدثَ عـن زيارتي لبلادِ الإغـريـقِ قبيـل الغـزوِ الفارسيِ فأرجو أن يسمحَ ليَ القـراءُ بالعودةِ الى الوراءِ لدقائقَ قليلة.
أُصِـبتُ بخيبةِ أمـلٍ كبيـرةٍ عند زيارتي تلك البلاد .
ليس السببُ أنه كان فيها "صفـرٌ " مـن عقولٍ مفكـرة . طبعاً لا ، فتلك البلادُ أنجبتْ عمالقةَ الفكـرِ العالميِ مـن أمثال أفلاطون وأرسطو وأرخميدس وفيثاغورس وسقـراط وإقليدس وغيـرِهم الذيـن تـركتْ أفكارُهم وقعاً كبيـراً في معظمِ حقولِ المعـرفةِ وعلى جميعِ العصورِ اللاحقة .
وليس لأنهم كانوا غيـرَ واعيـن الى وجودي أنا الصفـر ووجودِ النظامِ ذي القيمةِ المكانية . في الحقيقةِ كانت العلاقاتُ الفكـريةُ والتجاريةُ والسياحيةُ وطيدةً منذ تقـريباً سنةَ 1000 ق.م. بيـن الإغـريـقِ مـن جهةٍ والـرافدينيـيـن وقدامى المصـريـيـنَ مـن جهةٍ أخـرى . فليس مـن بدٍّ أن إطلَّعَ كبارُ المفكـريـن على نظامَيْ التـرميـزِ المتـشابهَيـن الـرافدينيِ والمصـري. ليس هذا فقط إنما كان الفلكيون على علمٍ بهما . فمثلاً الفلكي بطليموس الإغـريقي الإسكندراني كان يستعمـلُ في حساباتِه الفلكية النظامَ الـرافديني الستيني المستكمـلَ ( أي مع رمـزٍ صـريح لي يُستعمـلُ في كـلِّ الخانات ) .
إن سببَ خيبتي هو أن تلك العقولَ الكبييـرةَ كانت تعاني مـن عقدةٍ نفسيةٍ ـ فلسفيةٍ مـن نمطٍ مختلف . لم تؤدِّ عقدةُ الـرافدينيـيـن سوى الى شيءٍ مـن الإلتباسِ ، أما عقدةُ الإغـريقِ فقد أدتْ الى تجاهـلِ مواضيعَ تخصُّ الحسابَ تجاهلاً تاماً وبالتالي وكبحتْ تطورَ والنمو الطبيعي للجبـرِ قـرابةَ ألفِ سنة. فقد إستنكفَ جميعُ الـرياضياتيـيـن والفلاسفةِ الإغـريـقِ تقـريباً *4* مـن التفكيـرِ بخواصِ العملياتِ الحسابية والأعدادِ ونظمِ تـرميـزها . ولم يكونوا فقط غيـرَ مهتميـنَ بها إنما كانوا أيضاً ينظـرونَ اليها بشيءٍ مـن الإزدراءِ مثلما ينظـرُ العلماءُ المعاصـرونَ اليومَ على التـنجيمِ والسحـرِ، والخيمياء . فالأعدادُ ، مـن وجهةِ نظـرِ كبارِ المفكـريـنَ الإغـريـق ، لا تستحـقُ نَيْـلَ ولو لحظةً مـن تفكيـرِهم . لكـن الأمورَ الواقعيةَ للحياةِ مـن بَيعٍ وشـراءٍ ، لا بدَّ أن تـفـرضَ على تلك العقولِ مهما كانت كبيـرةً التعامـلَ مع الأعداد . فكان عليهم لأغــراضِ تمشيةِ مثـل تلك الأمورِالإكتفاءَ بإستعمالِ حـروفِ التهجِّي الإغـريقيةِ ،خاليةٍ مني أنا الصفـر، كـرموزٍ للأعدادِ أسوةً بمواطنيهم العاديـيـن .
وإستمـرَّ وضعُهم الى حوالي القـرنِ الـرابعِ عشـر الميلادي . السؤالُ الطبيعيُ الذي يطـرحُ نفسَه: ما هو العامـلُ الذي أدَّى الى نشأةِ تلك العقدةِ وديمومتِها لقـرونٍ طويلةٍ ؟ إنه إنهيارُ الفلسفةِ الفيثاغورية .
زارَ الشابُ فيثاغورس كلاً مـن بلادِ الـرافديـن ومصـرَ لينهـلَ العلمَ والحكمةَ مـن مصادرِها في ذلك الـزمان . وعادَ الى بلادِه فيلسوفاً يمكـنُ وصفَه بمتصوفٍ عددي أو بالأحـرى مـن عبدةِ الأعدادِ الصحيحة . إذ كان يعتـقدُ هو ومدرستُه أن بالإمكانِ تفسيـرَ أعمقَ مستوياتِ الواقعِ بالأعدادِ الصحيصةِ فقط . وكان لفلسفتِه وقعٌ كبيـرٌ على الفكـرِ الإغـريقيِ طوالَ حضارتِها . لكـن مـن سخـرياتِ القدرِ أن النظـريةَ المعـروفةَ اليومَ بإسمِه ( التي تخصُّ أطوالَ أضلاعِ مثلثٍ قائمِ الـزاويةِ، ومـن المـرجَّحِ أنه إقـتبسَها مـن الـرافيدينيـيـن أو المصـريـيـن ) هي التي هدَّمتْ فلسفتَه . كيف ؟ إذ يمـكـنُ لأيِ تلميذٍ في السنةِ الثالثةِ مـن المـرحلةِ الإبتدائيةِ رسْمَ مثلثٍ قائمِ الـزاويةِ طولُ كـلٍّ مـن ضلعيه القائميـن وحدةُ قياسٍ واحدة . لو كانت الفلسفةُ الفيثاغوريةُ صحيحةً لوُجِدَ عددٌ صحيحٌ يمكـنُ تكبيـرَ المثلثِ المـرسومِ بذلك العددِ مـن المـراتِ بحيث يكونُ طولُ وتـرِه عدداً صحيحاً مـن وحداتِ القياس . لكـن مـن السهـلِ جداً البـرهنةَ على إستحالة ذلك . هكذا إنهارتْ الفلسفةُ الفيثاغورية .
أدَّى إنهيارُ الفلسفةِ الفيثاغوريةِ الى تغيـيـرٍ جوهـريٍ في موقفِ الإغـريـقِ مـن الـرياضيات . كان ينبغي عليهم التخلي عـن إطارِهم الفلسفيِ الفكـري ومحاولةِ إصلاحِه كي يتواءمَ مع الواقعِ، لكنهم بدلاً مـن ذلك تخلوا عـن تطويـرِ نظامِهم العدديِ والحسابي . جميعُ المشاكـلِ الفكـريةِ تـنشأُ ــ مـن وجهةِ نظـرِ الـمفـكـريـنَ الإغـريــق ــ مــن الـتعـامـلِ مـع الأعـدادِ، فـالأعـدادُ " مشاغـبةٌ " فمـن الأفضـلِ إذن تجنبَ التعامـلِ معها . وبمثـلِ هذه البوصلةِ الفكـريةُ إتجهوا نحو الهندسةِ وركَّـزوا عليها فأصبحَ العددُ يُمثـَّ-لُ بقطعةِ مستقيمٍ وغدتْ العملياتُ الحسابيةُ مـن جمعٍ وطـرحٍ وضـربٍ وقسمةٍ وتجذيـرٍ إنشاءاتٍ هندسيةٍ تُمارسُ بالمسطـرةِ والفـرجارِ فقط لا غيـر . وتُفسَّرُ نتيجةُ عمليةِ الضـربِ على أنها مساحةُ مستطيـلٍ ونتيجةُ التـربيعِ مساحةَ مـربعٍ والتكعيبِ حجمَ مكعبٍ والى آخـر مـن عمليات . ونسوني وتناسوا إسمي إذ إنحللتُ الى نقطة . وكنتُ غالباً أشعـرُ بوخـزةٍ مؤلمةِ مـن إبـرةِ فـرجار .
نجحَ الـرياضياتيون الإغـريقُ نجاحاًمدهشاَ في سعيهم . فشيدوا مـن المعلوماتِ الهندسيةِ (التي كانت سابقاً منفـردةً ومبعثـرةً) بناءً منطقياً رائعاً في الجمال ومتماسكاً يشدُّ بعضُه بعضاً . وخلَّفتْ دراساتُهم مشاكـلَ صعبةً أشغلتْ العقولَ المفكِّـرةَ في الحضاراتِ اللاحقةِ ولم تـتمكـنْ مـن حلِها إلا في القـرنِ التاسعِ عشـر وعندئذٍ تفتحتْ آفاقٌ رياضياتيةٌ جديدةٌ حبلى بتطبيقاتٍ في علومِ قـرنِ العشـريـنِ كنظـريةِ النسبيةِ وغيـرِها .
الآن أعود الى قصة كفاحي للدخول الى أوربا في العصورِ الوسطى التي كانتْ آنذاك قابعةً تحت ظلامٍ دامسٍ مـن الجهـلِ وكان التـرقيمُ الإغـريقي والـروماني يُستعمـلُ في كـلِّ أنحائِها. ليس معلوماً بالضبطِ متى دخلتُ اليها للمـرةِ الأولى. مـن المـرجحِ أنه تمَّ تدريجياً مـن خلالِ عدةِ قنواتٍ فكنتُ أظهـرُ في بعضِ الأوساطِ الأوربيةِ ليُتخلى عني فأختفي بسـرعة . ويعودُ الفضـلُ في إدخالِ مفهومي أنا الصفـر والنظامِ ذي القيمةِ المكانية الى أوربا في القـرنِ الثاني عشـر الميلادي الى التاجـرِ الإيطالي فينوبوكسي . إذ كان مـن هواةِ الـرياضياتِ وملماً باللغةِ العـربيةِ وله علاقاتٌ تجاريةٌ مع العالمِ العـربي والإسلامي . وعند إطلاعِه على كتبِ الخوارزمي شعـرَ حالاً بأهميتِها فشـرعَ بتـرجمتِها الى اللاتينية . وكان لأفكارِه وقعٌ كبـيـرٌ عـن أهميتي على المصـرفيـيـن والتجارِ الإيطاليـيـن والألمان . أما الحكوماتُ فقد عارضتْ إدخالَ النظام الجديد بحجةِ سهولةِ القيامِ بعملياتِ غشٍ فيه مثلاً كان يقالُ إن بمجـردِ وضعِ "حـزامٍ" بجـرةِ قلمٍ حولَ "خصـري" فيتحولُ
" 0 " الى" 8 " !! .
وساهمتْ الكنيسةُ مـن ناحيةٍ أُخـرى بموقـفِها المذهبيِ المعادي للإسلامِ في محاولةِ منعِ إسستعمالِ النظامِ ذي القيمةِ المكانيةِ للأعدادِ وتبني رمـزي أنا فوصفتْـنا بالأعدادِ الكافـرةِ !! يا للجهلِ وسذاجةِ المنطق .
لكـن لم يكـنْ مـن السهـلِ الإستغناءُ عـن مـزاياي ومـزايا النظامِ ذي القيمةِ المكانيةِ فإستمـرَ التجارُ الإيطاليون بإستعمالِهما حتى أنهم كانوا يـرسلونَ بواسطةِ رمـزي رسائـلَ سـرية . فأشتُـقتْ مـن نشاطِـهم السـريِ كلمةُ الشفـرة
cipher
مـن لفظِ إسمي بالعـربية .
ليس مـن بُدٍّ أن تـرضخَ الحكوماتُ والكنيسةُ أخيـراَ أمامَ الضغوطِ التجاريةِ فشاعَ في القـرونِ التاليةِ الإستعانةَ بي أنا الصفـر وبالنظامِ ذي القيمة المكانية .
وبعد إكتشافِ كولومبس للقارةِ الأمـريكيةِ عبـرتُ المحيطَ وزرتُ أمـريكا الوسطى فوجدتُ هناك شعبَ المايا قد سبـقَ وأنشأ حضارةً راقيةً خلالَ السنواتِ 700 ق.م. الى 300 ب.م. بصورةٍ مستـقلةٍ تماماً عـن حضاراتِ العالمِ القديم. وقد طوَّرَ المايايون -- كالـرافدينيـيـن ــ نظامَ تـرميـزٍ ذي قيمةٍ مكانيةٍ لكنه كان عِشـرِيـنـي الأساس. ربما تأتى إختيارُهم الأساسَ العِشـرِيـنـي مـن إحتمالِ أنهم كانوا يُجـرْونَ العدَّ بإستعمالِ أصابعِ اليديـنِ والـرجليـن . وتتكونُ رموزُهم للأعدادِ مـن نقاطٍ وخطوطٍ ذات شبهٍ بإشاراتِ مورس التلغـرافية . ولم يبدو لي أنهم قد عانوا مـن عقدةِ اللاشيءِ الـرافدينيةِ إذ إحتوى نظامُهم التـرقيمي على رمـزٍ واضحٍ لي . وأشدُّ ما أعجبني بهم أنهم كانوا يبدأونَ بالعدِّ إبتداءً مــن الصفـر. وكان تقويمُ المايا يبدأ بسنةِ صفــر على عكسِ التقويمِ الميلادي الذي يبدأ بسنةِ واحد .
يثيـرُ الحديثُ عـن السنةِ الماياويةِ الصفـريةِ موضوعَ إحتـفالِ معظمِ سكانِ الأرضِ في الأولِ مـن ينايـر كانونِ الثاني سنة 2000 بقدومِ الألفية ِالثالثةِ الميلادية . أقولُ إذا كان لا بدَّ مـن الإحتـفالِ في ذلك اليومِ فكان بالأحـرى أن يكون على مـرورِ 1999 سنةٍ على إنشاءِ التقويمِ الميلادي وليس لإستـقبالِ الألفيةِ الثالثة . في الحقيقةِ أن الألفيةَ الثالثةَ بدأتْ في اليومِ الأولِ مـن ينايـر كانونِ الثاني سنة 2001. نجمتْ تلك البلبلةُ بسببِ مشاكسةِ واضعي التقويمِ الميلادي لي إذ بدؤوا العدَّ مـن الواحدِ وليس مـن الصفـر .
وفي القـرنِ التاسعِ عشـر وبعد أن فهمَ الـرياضياتيون فهماً دقيقاً لأنواعِ إلأعدادِ ( النسبيةِ والحقيقيةِ والعقديةِ) فتحوا فتحاً فكـرياً بمنحنى آخـر فتمحورَ إهتمامُهم حولَ إجتـثاثِ ما بقى عالِـقاً بالعملياتِ الحسابيةِ المعـروفةِ مـن تمثيـلٍ وتفسيـراتٍ على أنها عملياتٍ فعليةٍ على أشياءَ محسوسةٍ: فالجمعُ ما هوإلا ضمُّ الأشياء الى بعضِها والطـرحُ إقتطاعٌ منها والضـربُ مضاعفتِها والقسمةُ توزيعِها.
خلعَ الـرياضيتيونَ الضمَّ والإقتطاعَ والمضاعفةَ والتوزيعَ مـن العملياتِ الحسابيةِ ولم تغدُ سوى عمليات مجـردة تماما ًمتمتعة فقط بخواصَ يُنصُّ عليها صـراحةً وتـتـفاعـلُ فيما بينها وبواسطتِها.
لا أودُّ أن أُدخـلَ القارئَ في تفاصيـلَ أكثـرَ عـن مواضيعَ ذات عمقٍ رياضياتي. إن المهمَ بالنسبةِ لي أن الـرياضياتيـيـن وضعوا إصبعَهم على بضعةِ خواصٍ تميـزُني وعليها تـرتكـزُعلاقاتي مع باقي الأعداد . أهمُها:
أنا العددُ الوحيدُ الذي نتيجةُ جمعِه مع أيِّ عددٍ لا يغيـرُ ذلك العدد . بعبارةِ أدق
صفـر + عدد س = العدد س
وبناءً على هذه الصفةِ الفـريدةِ "عمَّـدَني " الـرياضياتيونَ بإسمٍ جديدٍ :
الــعــنــصـرُ الــمــحايــدُ لــلــجــمــعِ
ووضعوا الإسمَ الجديدَ على بطاقتي للهويةِ الشخصية . شكـراً لأهـلِ علمِ الــريـاضيـات . فـقـد حــررتْـني الحيـاديةُ التي نُعِـتُ بـها مـن صفـةِ الإنعتـاقِ " اللاشيـئـيةِ " ذات الـوقـعِ الـسلبي ومنحني الإسمُ الجديدُ أجنحةً أحـلـِّـقُ بها في " حلقاتٍ " و"حقولٍ " أوسعَ بكثيـرٍ من حقــلِ الأعداد .
ولابد مـن علاقةٍ لي مع عمليةِ الضـربِ في حالةِ توافـرِها تميـزُني عـن باقي الأعداد . فوجَدَ الـرياضياتيون فىَّ خاصيةَ الإمتصاصِ الضـربي . أي أنا العددُ الوحيدُ المــمــتــصُ الضـربي لجميع الأعداد .و كأنني ما يسميه الفيـزيائيون ثقباً أسودَ إنما في عالمِ الأعداد . بتعبيـر دقيـق:
صفـر x أي عدد = صفــراً
وبالمناسبةِ لا بدَّ مـن التـنويهِ أن زميلي العددَ 1 نالَ هو الآخـرُ قسطاً مـن رعايةِ الـرياضياتيـيـن فغدا مثليَ محايداً لكـن بالنسبةِ الى عمليةِ الضـرب. فأصبحَ
الــعــنــصـرَ الــمــحايــدَ لــلــضــربِ
أي أن 1 هو العددُ الوحيدُ الذي نتيجةُ ضـربِه في أيِّ عددٍ لا يغيـرُ ذلك العدد. بعبارةٍ أخـرى
1 x عدد س = العدد س
رُبَّ مَـنْ يعتـرضٌ قائلاً ليس في هذه الخواصِ شيءٌ جديدٌ فجميعُها معــروفةٌ مـنذُ قديمِ الـزمان. فلماذا إذن هذه الضجةُ الكبيـرةِ حولها ؟
صحيح، هذه العلاقاتُ معـروفةٌ منذ قــرونٍ عديدةٍ كحقائقَ بسيطةٍ منفـردةٍ ومنعـزلة . أما الآن فالجديدُ فيها أنها وأمثالَها قد أصبحتْ الدعاماتِ الأساسيةِ التي تـرتكـزُعليها وتُعـرَّفُ بها وتُشيدُ عليها أنواعٌ شتى مـن بُـنىً رياضياتيةٍ عدديةٍ أوغيـرِعدديةٍ لها تطبيقاتٌ في داخـل وخارج الـرياضيات.
ومــن الجديـرِ التأكيدِ عليه هو أنا وزميلي 1 هما العنصــران المتميـزان الوحيدان مـن بيـن جميعِ العناصـر. ولذا تُنشأ البنى الجبـريةُ جميعُها بالإرتكازِ علينا نحـن الإثنيـن مع وضعِ أو حذفِ خواص معينة .
ومـن المهمِ جداً التأكيدُ على أنه لا يجوزُ مطلقاً القسمةُ على الصفـرِ في أيِّ بُـنيةٍ تـتوافـرُ فيها عمليتا الجمعِ والضـربِ ( كبنيةِ الأعدادِ مثلاً ).
وهنا يقاطعُ أحدُ القـراءِ قائلاً : " إن موضوعَ القسمةِ على الصفـرِ قد حيَّـرني منذ مدةٍ طويلة . هـل يعني قولـُك إن الـرياضياتيـيـنَ لم يكتـشفوا الى الآن قيمةَ القسمةِ على الصفـر ؟ أم أنه غيـرُ معـرفٍ ؟ أم ماذا ؟ أرجو يا سيادةَ المحايدَ الجمعي توضيحَ هذه المشكلة ."
فأجابَ العنصـرُ المحايدُ: " بكـلِّ سـرور. لكـن ما يثيـرُ إستغـرابي هو الضبابُ الكثيفُ الذي يحيطُ بهذا الموضوع . فالأمـرُ في غايةِ البساطة . القسمةُ على الصفـرِ تؤدي الى تناقضٍ يمكـنُ لتلاميذِ السنةِ الـرابعةِ مـن المـرحلةِ الإبتدائيةِ التوصـلَ اليه بسهولةٍ . واليك البـرهانُ أيها القارئ العـزيـز :
لنفتـرضَ لحظةً لغـرضِ النقاشِ أن بالإمكانِ القسمةَ على صفـر . أي دعنا نـتـصورُ أن هنالك عددٌ ولنسميَه س مثلاً بحيث أن :
1 / صفـر = س
لنـرى ماذا يحدث . إنه يعني أن :
صفـر x س = 1
وبما أن مـن صفاتي ــ أنا الصفـرُ ــ إمتصاصَ جميعِ الأعدادِ بعمليةِ الضـرب ـ كما ذكـرتُ أعلاه ــ أذن الطـرفُ الأيمـنُ مـن المساواةِ هو صفـر. إذن
صفـر = 1
وهذا تـناقضٌ صارخٌ . ليس هذا فقط إنما أيضاً :
2 = 1 + 1 = 0 + 0 = 0
فـــيـــتـــعـــالـــى صـــراخُ الـــتـــنـــا قـــضِ
أي أن 2 يساوي صفـراً وكذلك 3 و 4 وجميعُ الأعداد تساوي الصفــر. وبالتالي لا يــوجــدُ عــددٌ ســوى الــصــفــر. فــيــنــهــارُ هــيــكــلُ الأعــداد !!
أتمنى أيها القارئُ الحائـرُ أن إتضحَ لك الآن موضوعَ عدمِ الجوازِ القسمةِ على الصفـرِ وزالَ عنك القلقُ والأرق .

والآن عندي بعضُ الملاحظاتِ تخصُـني عـن إنسان القـرنِ الحادي والعشـريـن . أجدُه وكأنه يـربطُني لا شعورياً مع الـرعب . فـتارةً يُـربطُ إسمي مع المؤامـراتِ والجـرائم فيقالُ عـن توقيتِها إنها " ساعةُ الصفـر " . وتارةً تُوصفُ مواقعَ إلقاءِ القنابـلِ وخاصةً الذريةِ منها وموقعَ بُـرجَيْ التجارةِ العالمي في نيويورك بـِ Ground Zero . أودُّ أن أكونَ صـريحاً فأقولُ إن مثـلَ هذه الأمور تشعـرني بالمرارة .
كما أشعـرٌ بمشاكساتِ الإنسانِ المعاصـرِ لي . فعند العدِّ التنازلي ( مثلاً عند إطلاقِ صاروخٍ ) يكونُ العدُّ : "……، تسعة، ثمانية، سبعة، …، ثلالة، إثنان، واحد، صفـر ". لكنه عند العدِّ التصاعدي يضعُني ذلك الإنسانُ نفسُه بعد التسعةِ على لوحةِ مفاتيحِ الحاسوبِ وعلي أقـراصِ الهواتف . مـن المعـروفِ أن مكاني الطبيعي يجبُ أن يكونَ قبـلَ الواحد . لماذا هذا التـناقض ؟ أيشعـرُ أن سوءَ الطالعِ سيلازمُه إذا إبتـدأ بإسمي !!! ؟ . ألا ينبغي إحتـرام مكانة الأرقام في هذا العصـر الـرقمي ؟
لذلك أقتـرحُ على جميعِ الـرياضياتيـيـن أن يبدأوا كتبَهم بفصـلٍ يحمـلُ الــرقـمَ صـفـر، كي يـقـتديَ بهم الآخـرونَ ويـزيلونَ عنهم الخشيةَ مني .
ليست لقصتي نهايةٌ فهي تـتطورُ مع الـزمـن. وأتمنى أن أستمـرَّ بها في الألفيةِ الـرابعةِ وأحكي قصةَ إنسانِها المتعلمِ شيئاً مـن حضارةِ المايا .
تتـراءى أمامي ــ وأنا أنظـرُ نحو المستـقبـلِ ــ سحابةٌ وكأنها عقدةٌ نفسيةٌ جديدةٌ آخذةً بالنشوء وفي الحقيقةِ أن أحدَ مغازى قصتي لإنسانِ القـرنِ الحادي والعشـريـن أنه لا يمتلك بالضـرورةِ مناعةً ضدَّ العقدِ النفسيةِ والفلسفية .
❊❊
يودُّ منظمُ اللقاءِ تقديمَ الشكـرِ الجـزيـلِ بإسمِه وبإسمِ القـراءِ للعنصـرِ المحايدِ الجمعي لـرحلتِه الممتعةِ والمثـريةِ عبـرَ الـزمكان . وأودُّ أوجـزَها بعبارةٍ واحدةٍ:
وُلِد العنصـرُ المحايدُ الجمعي في بلادِ وادي الـرافديـن ثم إنطلقَ ليثـريَ باقي أنحاءِ العالم .
________________________________________________________________________________________________

الــــهــــوامــــش

*1*إن المقصودَ في هذا المقالِ بـِ " الـرافدينييـن" جميعُ مَنْ سكــنُ وادي الـرافديـن الى سنةِ 539 ق.م. مـن سومريـيـنَ وبابليـيـنَ وأكديـيـنَ وكلدانيـيـنَ وآشوريـيـنَ وذلك تفادياً من تأجيج شوفينيات مقيتة.
*2*إن المقصودَ بكلمةِ " أعداد " في هذا المقالِ أنها الأعدادُ الطبيعةُ إلا إذا نُـصَّ على عكسِ ذلك صراحةً.
*3* على الأغلب بصورة مستـقلة ْعـن بعضِهما لكـن في أوقاتٍ متقاربة .
*4*ديوفنطس هو الإستـثـناءُ الوحيدُ . قد كان رياضياتياً إغـريقياً عاشً في القـرنِ الثالثِ الميلادي وكان يسكـنُ في إسكندريةَ مصـر. وكان إهتمامُه الـرئيسى إيجاد الحلولِ بالأعدادِ الصحيحةِ للمعادلاتِ الجبـرية .



#ريمون_نجيب_شكُّوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا بعد الموت ؟
- مقترحاتُ مختصٍ في الإزشادِ النفسي
- الإرهاب ُ والسياسة ُ الدوليةُ
- هل حمل المسيح سيفاً ً ؟
- مكانة المرأة في الأديان الختلفة
- يسوع الناصري
- إلتواءاتٌ لغويةٌ في النصوص الدينية
- ضرورة إعتماد الموضوعية عند الإنتقادات الدينية


المزيد.....




- دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك ...
- مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
- بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن ...
- ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
- بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
- لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
- المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة ...
- بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
- مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن ...
- إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - ريمون نجيب شكُّوري - رحلة ُ الصفر ِ عبر َ الزمكان