قاسيون
الحوار المتمدن-العدد: 1088 - 2005 / 1 / 24 - 10:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كثرت التصريحات الحكومية في الفترة الماضية حول انتقال الاقتصاد السوري إلى اقتصاد السوق، وخاصة بعد التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية الشراكة الأوروبية، ويجري نقاش شديد وصراع حاد حول محتوى هذا المفهوم وأشكاله التطبيقية الملموسة في الظروف الحالية.
فهناك من يرى أن شكل هذا الاقتصاد يجب أن يكون – حراً – دون أية ضوابط، مما يترك الحرية المطلقة لحركة الرساميل باتجاه جني أعلى الأرباح ولو على حساب الشعب والوطن، وصولاً إلى من يرى أن هذا الاقتصاد في الظروف الحالية يجب أن يرتبط بصياغة دور جديد للدولة بعيداً عن الشكل الوصائي الذي استنفذ دوره دون الوقوع في مطب الليبرالية الجديدة صاحبة شعار «دعه يعمل، دعه يمر» المجّسد في ظروفنا الحالية بشعار آخر على الأرض نحو الدولة وقطاعها:«دعه يخسر، دعه يموت».
إن الحرية المزعومة في اقتصاد السوق ما هي إلا تكبيل للقوى المنتجة في الاقتصاد بسبب زيادة درجة التطفل عليه من قبل قوى وأوساط مرتبطة بالرأسمال المعولم، وما هي إلا تقييد للحريات السياسية في المجتمع من أجل السماح «لصاحب الجلالة» الرأسمال المعولم بأن يسرح ويمرح على حساب لقمة الشعب دون السماح للشعب بأدنى إمكانية كي يعبر عن احتجاجه واستيائه إذا تطلب الأمر ذلك.
وإذا كنا ضد اقتصاد السوق الحر الذي تكتوي بناره الآن الشعوب التي خدعت ببريقه، حينما جرى التسويق له، لتكتشف بالتجربة الذاتية أن ظاهره رحمة وباطنه عذاب، فإن ذلك لا يدعونا للانكفاء على الشكل السابق الذي أنتج برجوازية طفيلية وبرجوازية بيروقراطية، بل أن استمرار نموذجيهما هو أفضل ترويج لخدعة اقتصاد السوق الحر، وهذا ما يدعونا للبحث عن شكل بديل يحافظ على كل ما هو إيجابي في التجربة السابقة ويزيل كل ما هو سلبي فيها، ويضيف إليها الحلول الجديدة التي تفرضها الخصوصيات الوطنية.
وإذا كانت عملية البحث هذه تتطلب وقتاً وجهداً وتراكماً معرفياً وتاريخياً معيناً، فذلك يجب أن لا يعني بتاتاً أن الإجراءات الحكومية المختلفة والتي تعاني من التخبط، وتقدم المزيد من التنازلات لجماعة اقتصاد السوق الحر، بانتظار صياغة ما لدور الدولة الجديد، هي قدر لا مفر منه، ومطلوب من المجتمع تحملها صامتاً منصاعاً دون احتجاج، بل أن إطلاق طاقات المجتمع وتفعيل الحراك فيه خلال هذه العملية المعقدة، هو الذي سيسمح بالوصول إلى أفضل الحلول في نهاية المطاف.
من هنا بالذات يصبح ما يقال عن الضرورات الآنية للحكومة، والتي يغلب عليها طابع التجريب والمتأثر في أكثر الأحيان بضغط مراكز النفوذ المختلفة والتي لا علاقة لها بمصالح المجتمع الحقيقية، ليست حتماً خيارات الشعب الذي يدافع عن مصالحه، وسيصوب خطوات الدولة التي يجب أن تكون صياغاتها النهائية للقضايا الاقتصادية – الاجتماعية المطروحة هي محصلة التوازنات الحقيقية الموجودة في المجتمع والتي تشكل مصالح الشعب مركز ثقلها الأساسي.
■■
#قاسيون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟