|
صباحي وأبو الفتوح.. بيع الوهم
شريف صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3704 - 2012 / 4 / 21 - 17:18
المحور:
المجتمع المدني
1. برغم أنني لا أعيش في مصر، سألني أكثر من شخص عن مرشح الرئاسة الأفضل، فاقترحت أحد اثنين:عبد المنعم أبو الفتوح أو حمدين صباحي، دون مفاضلة. بكل المقاييس هما الأفضل بين كافة المرشحين، قبل أو بعد عملية الاستبعاد، فكلاهما يُعرف عنه النزاهة، والخبرة في العمل السياسي وإن كنتُ في قرارة نفسي لا أشعر بالحماس لهما، لكنه المأزق بين ما أتمناه لمنصب الرئيس، وما يفرضه واقع تم تجريفه سياسياً لستة عقود!
2. أبو الفتوح قادم محملا بإرث انتمائه لتنظيم سري عتيد، باعتباره حامياً للخطاب "الإسلامي"، وصباحي قادم محملاً بإرث عبد الناصر باعتباره حامي الخطاب "القومي". ومثلما لا يستطيع التنصل من إرثه الناصري الذي أتى به من ساحل بلطيم غازيا مجتمع النخبة في القاهرة، لا يستطيع أبو الفتوح التنكر لولائه للتنظيم السري، حتى بعد أن طرده قادة التنظيم أنفسهم.
3. على هذا المتصل يقف جميع المرشحين، مع فروق في درجات التشدد، حيث يتم الترويج ل "الديمقراطية" باستمرار، باعتبارها "خطابا" أو "إيديولوجيا" معادية للإسلام، لدى البعض على الأقل، وليس ك "آلية" لإدارة الصراع والهوس بالخطابات. هذا الهوس المبالغ فيه من "شعارات" و"بوسترات" و"برامج توك شو" لن يكون له سوى مردود هزيل جدا قي الواقع، ولن يطور الأداء السياسي، والدليل أن كل هذه الخطابات من يمينها إلى يسارها استهلكها مبارك نفسه طوال عقوده الثلاثة، بدءاً من الكلام عن "التركة الثقيلة" في بداية حكمه، مروراً بالانحياز لمحدودي الدخل، وتطبيق الشريعة بنسبة 99%، وإتاحة الفرصة للشباب.. إلخ، بينما واقع الناس كان يزداد بؤسا وانفصالا عن "كوكتيل" خطاباته. إننا إزاء فائض هائل من الكلام يعاد إنتاجه، بفروق طفيفة، بمسحة من القداسة كما تظهر بشكل هسيتري في حملة "أبو إسماعيل"! وهكذا تعتاش الميديا على حملات بيع الوهم المقدس. لقد أخفق "الخطاب القومي" على محك الواقع، وتجليات ذلك لا تحصى.. كما أخفق الخطاب الإسلامي دائماً في مصر وغيرها، لأنه لا يعدو مجرد "مسكنات" (عندما يكون أربابه في المعارضة)، وأنظمة متشددة وفاشية (عندما يصل أربابه إلى الحكم)
4. إن الخلل الجوهري في وهم "الخطاب الإسلامي" الذي يمثله أبو الفتوح، يكمن في إدعاء كماله، فكل النصوص والتأويلات التي يقوم بها المتأسلمون، هي محض تصورات وممارسات بشرية، بائسة في معظم الأحيان، فليس ثمة نص قرآني مثلاً بضرورة أن يكون لدينا "منصب المرشد العام" ولا حديث نبوي بأن من يقبل يد المرشد يدخل الجنة! وبينما "العلماء" دائما ما يضعون فرضيات لنماذج معرفية، ويجتهدون بأنفسهم في إظهار قصورها وثغراتها، لتطويرها إلى الأفضل.. يفعل المتأسلمون العكس حيث يصدرون نموذجهم الإسلامي باعتباره نموذجا إلهيا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. ويتحول خطابهم إلى زحلقة مستمرة، وتبرير لانهائي، لكل أوجه القصور البشري عند التنظير أو الممارسة.. فالمتأسلم قد يوافق على أن تقتله ولا تطلب منه أن يعتذر، فهو ينتمي إلى المقدس الذي لا يخطئ، ونموذجه صالح لكل زمان ومكان، تام ومنجز. لا يمكن ـ نظرياً ـ لدى أتباع هذا النموذج قبول آلية الديمقراطية، لأنها ببساطة تُفقد نموذجهم سلطته المتعالية على الجميع وتضعه على قدم المساواة مع نماذج بشرية غير مقدسة، روجها "كفرة" مثل كارل ماركس. وموقف "أبو إسماعيل" وأتباعه، المقدس المتعالي، عقب قرار استبعاده يكشف بوضوح حجم المأساة. وإذا سألنا أبو الفتوح نفسه عن أهمية تطبيق الشريعة في بلد يطبق الشريعة منذ 1400 سنة؟ وهل يرى المجتمع كافراً أم يعتبر نفسه مبعوث العناية الإلهية لتعليم الناس إسلاما غير إسلامهم؟ وكيف تطبق الشريعة إذا كان الإيمان قرار قلبي وفردي؟ وأي شريعة ستطبق.. مثل تركيا أو العراق أو السعودية أو ماليزيا؟ وهل الناس في المرحلة المقبلة في حاجة فعلا إلى "مزيد من الدين ومظاهره وطقوسه" أم إلى التعليم الجيد والتأمين الصحي والعمل الكريم والدخل المتناسب مع النفقات والإسكان الآدمي؟ إننا نهرب إلى الوراء، ونعيد بيع الوهم للناس، بدلا من مواجهة استحقاقات مصيرية ل 85 مليون إنسان.
5. في المقابل يقع خطاب صباحي في خلل مختلف، فهو لا يبيع للناس وهما مقدسا تاما، بل وهما توافقيا أكثر مما يجب، إلى درجة "التلفيق" بين أفكار متناقضة لا يمكن التوفيق بينها ـ غالباً ـ فهو يحاول أن يكون إسلاميا واشتراكيا ورأسماليا وقبطيا ـ حسب بوستراته ـ وبذلك يقفز فوق فجوات لا يمكن ملئها، ويتعامل مع صراع الخطابات كأنه وهم غير موجود.. والحقيقة أن الخطابات ذاتها قد تكون "وهماً" لكن الصراع نفسه فاعل وواقعي، وهو ما تجسد في عدد المنصات التي ظهرت في مليونية 20 أبريل.
6. من الصعب على أبو الفتوح وصباحي، التحلل من خطابات أوصلتهما إلى هذا الموضع:مرشح رئاسي.. خصوصا في مجتمع يعيش على "أفيون" الخطابات لتسكين آلامه وإخفاقاته، وإذا حدثت كارثة مثل العبارة يكفي بث عدد من الأدعية والأغاني الوطنية.. مجتمع يفضل من يضحكون عليه، ويتخلى سريعاً عن شخص مثل البرادعي رغم أنه كان ومازال الأكثر مصداقية والأقل ادعاء في "شعاراته" و"خطاباته"، لأنه ينظر نظرة بشرية بلا وهم القداسة ولا امتلاك الحقيقة ولا الحلول التوافقية السحرية.. هي نظرة بسيطة جداً: تضع يدها مباشرة على المشكلة والآلية الأفضل لمواجهتها. وكما شعر الناس بالفزع من أداء البرلمان المتناقض كلياً مع "قداسة خطابات الحملات الانتخابية".. سنكون على موعد مع فزع آخر، بعد انتخاب الرئيس، طالما استمرت حرب الخطابات المتهافتة، وبيع الوهم للناس.
#شريف_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خيرت الشاطر حامل -الحصالة-
-
الإخوان المسلمون وفلسفة القراميط
-
إيجى راجح.. أهلا وسهلا
-
من مواطن مصري إلى الرئيس الأسد
-
نهاية مأساوية لرجل متفاءل
-
عشر أمهات للبصق على وجه مبارك
-
وكل عاشق قلبي معاه (ليس رثاء لإبراهيم أصلان)
-
دفاعاً عن نجيب محفوظ ضد الشحات
-
اللص الهارب في أربع حكايات
-
صدور نجيب محفوظ وتحولات الحكاية بمناسبة مئويته
-
تفاحة الديمقراطية المسمومة
-
الثورة قامت.. ونامت
-
لا تخفي علاماتك
-
الدنيا على مقاس -سلفي-
-
مائة ألف شاعر في كل عالم افتراضي.. يهيمون
-
آن لك أن تتقيأ.. في دول اللاجئين
-
ملاحظات حول اللحى الخمس
-
نادراً ما يموت كاتب عربي حر.. هذا هو فاروق عبد القادر!
-
فتاة أوباما
-
أسامة أنور عكاشة.. مؤسس الرواية التلفزيونية
المزيد.....
-
جنوب إفريقيا: مذكرات المحكمة الجنائية الدولية خطوة نحو تحقيق
...
-
ماذا قالت حماس عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو.. كندا: عل
...
-
مدعي المحكمة الجنائية الدولية: نعول على تعاون الأطراف بشأن م
...
-
شاهد.. دول اوروبية تعلن امتثالها لحكم الجنائية الدولية باعتق
...
-
أول تعليق لكريم خان بعد مذكرة اعتقال نتانياهو
-
الرئيس الإسرائيلي: إصدار الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق
...
-
فلسطين تعلق على إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال
...
-
أول تعليق من جالانت على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار
...
-
فلسطين ترحب بقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|