|
على ذكر كتابة الدستور .. دستور منذ الزمن الفرعونى
رفعت السعيد
الحوار المتمدن-العدد: 3704 - 2012 / 4 / 21 - 09:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما كنت أعد رسالة الدكتوراه فى ألمانيا، قال لى أستاذى البروفيسور لوثر راتمان: «إن أستاذى هو أشهر عالم مصريات يريد أن يقابلك»، والتقيت برئيس قسم الحضارة المصرية أستاذ أستاذى، وتحدث الرجل بهدوء العالم العجوز الوقور، وبعد أن تحدث طويلاً عن مصر والمصريين صاح غاضباً: حتى أنت تدرس التاريخ الحديث فلماذا لا تدرس تاريخ حضارتكم العريقة؟! أنتم تنظرون إلى ما تبقى من الفراعنة على أنه مجرد كومة من الأحجار والتماثيل والمعابد، لكن هناك ما هو أهم، فحضارة الفراعنة ليست حضارة حجرية وإنما هى حضارة عقلانية وعلمية، ولولا العقل والعلم والعدل ما كانت هذه الآثار الحجرية. ولكننى إذ واصلت إعداد رسالتى فى التاريخ الحديث، انصعت فى نفس الوقت لأستاذ أستاذى وأخذت فى تجميع معلومات عن العمق الحضارى الفكرى والعلمى والعقلى للفراعنة القدامى. ومع إصرار تيار التأسلم السياسى على إعداد دستور على مقاسه متجاهلاً ثمار العلم والعقل والخبرة وحقوق الآخرين عدت إلى أوراقى القديمة، وأستاذن القارئ فى إيراد بعض منها، لعلها تكون إسهاماً فكرياً فى حث المصريين على رفض أى كتابة للدستور تتجاهل العقل والعلم والعدل واحترام حقوق الاعتقاد.
■ فى كتاب د. سيد كريم «لغز الحضارة المصرية» نجد قائمة بالأسئلة التى يواجهها المتوفى أمام محكمة الآخرة.. وهى أسئلة تصلح تماماً لأن نوجهها إلى من ينفردون بكتابة الدستور.. «هل حافظت على حسن سمعتك؟ هل رأيت خيالك وقد تبدى كبيراً على الجدار فأخذك الغرور، وظننت نفسك كبيراً وقوياً مثل خيالك؟ هل أخذك الغرور فعميت على الحكمة؟ هل رويت عطش المتعطشين إلى الصدق؟ هل استخدمت قوتك فى سبيل النور وليس الظلام والوقوف إلى جانب الحق والعدل؟ وهل تسببت فى تقييد حرية أحد أو سلبتها منه؟».
■ وفى كتاب د. محرم كمال والمعنون «الحكم والأمثال والنصائح عند قدماء المصريين» نقرأ دفاعاً للميت عند حسابه أمام قضاة الآخرة «لقد عشت بالعدل، ونشرت الإصلاح فى كل اتجاه حتى حمد الناس سيرتى، فكم أطعمت الجياع، وسقيت العطشى وكسوت العراة، وكنت أباً للأيتام وعيناً للأعمى، وأذناً للأصم وعصا للشيخ العجوز. إن قلبى نقى ويدىّ طاهرتان. كنت أتكلم بالخير وقد جمعت مالى بطرق عادلة».
■ وعن حقوق المرأة نقرأ فى كتاب برستيد «فجر الضمير»: «لقد أعطيت الأرملة نصيباً مثل الرجل، ولم أرفع الرجل العظيم فوق الرجل الفقير».
■ أما الدكتور محمد سلام زناتى فيعلمنا فى كتابه عن حقوق الإنسان فى عهد الفراعنة قائلاً: «عندما تصور المصرى القديم وجد أرباباً تصور معها وجود ربات، وكذلك ملوك وملكات، كهنة وكاهنات وحتى فى المهن المختلفة، ففى إحدى مصاطب الأسرة الرابعة «دفنت سيدة هى «بسشت» وكان لقبها رئيسة الطبيبات. وهناك السيدة «تشات» التى كانت وكيلة أملاك الحاكم. ويقول الحكيم آنى «لا تكن فظاً مع المرأة فى بيتها. ولا تقل لها أين هذا الشىء، لأنها بالضرورة تكون قد وضعته فى المكان المناسب. والآن ضع يدك فى يدها، فهناك كثير من الناس لا يعرف كيف يتصرف الرجل مع المرأة». وفى وصية نيكاو رع «ابن خوفو» أوصى للمرأة بنصيب يفوق نصيب كل ولد من أولاده.
أما ماسبيرو فيقول فى كتابه «الحياة فى مصر القديمة»: «المرأة المصرية كانت أكثر احتراماً وأكثر استقلالية من أى امرأة أخرى فى العالم».
■ أما الباحث الفرنسى فى علم المصريات البروفيسور ديون فيقول: «لم تكن سلطة المرأة تستند إلى فكرة الأم وإنما تستند إلى فكرة المرأة ذاتها، وكانت متساوية الحقوق تماماً مع الرجل، سواء فى الأسرة أو فى المجتمع بمجرد بلوغها سن الرشد. وكان للملكة من القوة والمجد أكثر مما للملك. ويتعهد العريس عند الزواج بأن يستمع دوماً إلى رأى زوجته فى جميع الأمور».
■ كذلك احترم المصريون القدامى حرية الاعتقاد الدينى، وعندما توحدت البلاد تحت حكومة واحدة لم يسع أحد لتوحيد المعتقدات أو فرض معتقد بذاته، بل تركت كل مقاطعة محتفظة بمعتقداتها ومعبوداتها الخاصة، ولم يحدث أى ضغط فى ذلك إلا فى عهد إخناتون وانتهى هذا الأمر بنهايته. ولم يكن الأمر مقصوراً على المصريين بل سمح للغرباء بممارسة معتقداتهم وطقوسهم الدينية. ويروى هيرودوت أن الملك أمازيس سمح لليونانيين بإقامة هياكل ومعابد لآلهتهم، وكان أشهر هذه المعابد يسمى الهيلونيون. «عن كتاب (هيرودوت يتحدث عن مصر)- صـ٣١٠».
■ وكان العقل هو أساس كل القوانين والقواعد، يقول برستيد. «كان العقل هو القيمة الأساسية عند الفراعنة، فكان القلب هو العقل، والعقل هو القوة المنشئة للكلمة التى تعلن الفكرة فتلبسها تتوب الحقيقة».
■ وهكذا فإن: العقل- العلم- العدل- حقوق المرأة- حرية الاعتقاد الدينى كانت معاً الأسس التى بنى عليها المصريون القدماء حضارتهم بما مكنهم من أن يتركوا لنا هذا التراث الحضارى العظيم. فهل بإمكاننا وبعد كل هذا الزمان أن نسعى كى نرتقى إلى مستواهم العقلى والفكرى والحضارى؟ هذا السؤال نقدمه إلى من ينفردون بكتابة الدستور.
ويبقى أن نستعير مقولة لتولستوى. «هناك كثيرون يقولون ويؤكدون أنهم يريدون تغيير العالم، لكنهم لا يستطيعون، بل لا يريدون تغيير أنفسهم». أليس كذلك؟
#رفعت_السعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف صنعوا دستورهم؟ .. تركيا .. العلمانية (٢)
-
كيف صنعوا دستورهم .. الهند - جنوب أفريقيا؟
-
عن المادة ٢٨
-
رجل هذا الزمان
-
عن الدستور.. رسالة من شباب ١٨٧٩ (
...
-
عن الدستور.. رسالة من شباب ١٨٧٩ (
...
-
عن نفى الأقباط من ديارهم
-
عن الدستور.. رسالة من شباب ١٨٧٩ (
...
-
أوامر سلفية فى ٢٥ يناير
-
الملك فؤاد.. وأوهام الخلافة
-
عن الخلافة وأوهامها (٣)
-
عن الخلافة وأوهامها (٢)
-
٢٥ يناير.. الشعب.. الحكومة.. الجيش
-
عن الخلافة وأوهامها (١)
-
هل هى الفوضوية؟
-
لماذا تخلّفنا؟
-
عيده المئوى .. نجيب محفوظ والمسيحيون
-
بيزنس الإفتاء
-
مرة أخرى.. هل الليبرالية كفر؟
-
الإخوان - الجهاديون - السلفيون .. العلاقات المتشابكة
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|