أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - حسان خالد شاتيلا - -واجب الكراهية- للطغيان والتسلط - في العنف والعنف الثوري*















المزيد.....



-واجب الكراهية- للطغيان والتسلط - في العنف والعنف الثوري*


حسان خالد شاتيلا

الحوار المتمدن-العدد: 3703 - 2012 / 4 / 20 - 23:37
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    




فات زمان الوصل في الأندلس وولَّى. فالعالَم، ما بعد سقوط حائط برلين ونهاية الحرب الباردة، لم يعد هو نفسه. العولمة النيوليبرالية عَسكَرت السياسة، وشيَّأت الانسان الاجتماعي، وحَوَّلت البضاعة من حاجة حياتية إلى عبادة لها في نظام التيميَّة للأشياء والمُنتجات، ودمَّرّت الحدود القومية، واتَّهَمَت كل مقاوم حر لها بأنه إرهابي. حتى إذا ما جاء دور من لا يملكون سوى قوة عملهم، فإنها سَلَّطت قوتها البنكية عليهم لتنتزع منهم نقاباتهم وتنظيماتهم السياسية. بل وإنها حكمت عليهم، بحجة أنها تكافح البطالة، بقوانين للعمل تجعل من العامل مجهول المصير، هو وأولاده العشرة وأسرته ومستقبله. إنها دَمَّرَت العراق عن بكرة أبيه، وراحت تدُكُّ الأبرياء من الأطفال والشيوخ في أفغانستان بكل ما تملكه من أسلحة غليظة، وهي جاسمة فوق رؤوس الخَلَق في جميع أرجاء العالم، تُهَدِّدهم بالموت الزؤام إذا ما هم رفعوا أعينهم إليها ليندِّدوا بالمجازر التي تَرتَكبها في المصانع والحقول والمحلات التجارية والسوق والمدارس، في كل مكان، كل يوم، وكل ساعة. هذا زمان العنف في ما كان تبقى من جنان الأندلس المشِّعة بالعلم وأنوار المعرفة والآداب والفنون. إن إعلامها، من وسائط افتراضية للتواصل الاجتماعي، وأفلام الشرطة والحرامية، والعهر بأنواعه المختلفة، حلَّ محل التجمهر الشعبي في الأحياء، وألغى توزيع المناشير، ونقل السياسة من الساحة الاجتماعية إلى ميدان الصراع الافتراضي للشاشة التلفزيونية، وحال دون الترابط الحيِّ، الملموس والخلاق بين أبناء الطبقة الواحدة، لينتهي الأمر بالإعلام المعولَم الى ما كانت العولمة تريده، ألا وهو انتشار عادة البصبصة على ما يجري في العالم من هول الجوع والقتل والمرض والعطش والبطالة والأزمات الاقتصادية، دون أن يحرك المشاهد وهو جالس في مقعده وراء الشاشة الافتراضية ساكنا. لذا، فإن القبول على مضض بهيمنة الدولة وسلطاتها الأمنية مقابل ما تمنحه للمساكين من ذرات قليلة من الأمن والاستقرار، والذي كان سائدا ما قبل العولمة النيوليبرالية وانتصار الإمبريالية، لم يعد صائغا بعدما ارتقى عنف الدولة الكونية والقومية إلى مرتبة الرعب والإرهاب، وساد عنفها وجبروتها وسحقِها لطبقة من لا يملكون سوى قوة عملهم، إلى حدِّ أن قصيدة شعر من شاعر يعاني من الظلم الذي يسيطر على البشرية، باتت تستدعي تسليط فوهات الأسلحة الميكانيكية عليه. ناهيكم وان والمظاهرات وحركات الاحتجاج في الشارع، والتي تحوَّلت بأنظار السلطات إلى "شغب عنيف" بعدما كانت تُرَخِّص لها على مضض منها باسم ديمقراطية السوق. فإذا كان الخلط المشبوه بين "الضربات الوقائية والاحترازية، والقوانين الدولية التي تجيز للأقوى عسكريا أن يتدخل بجيوشه في النزاعات ل/"أسباب إنسانية"، هو الذي كان سائدا حتى وقت قريب، فإن العولمة النيوليبرالية التي استباحت لنفسها العالم في جميع المجالات، إنما تضع بالرغم عنها حدَّا نهائيا للتنازلات والمقارنات والمعايير المُشَوَّشَة، وتُلزِم طبقة من لا يملكون سوى قوة عملهم وحلفاءها، على تغيير معاييرهم في محاسبة خصومهم، مُستَغِلِّيهم ومضطَهِديهم.
آن أوان الحسم القاطع ما بين سلبية الهيمنة وإيجابية الأمن، ما بين الاستخفاف ب/"الضربات الوقائية الاحترازية" وال/"تدخُّل الإنساني"، ما بين "الاعتداء على ليبيا" لسلب ثورتها الشعبية ونزول الحلفاء في النورماندي لتحرير فرنسا وأوروبا من النازية، ما بين ثورة الشعوب العربية والثورة المضادة للطبقات الحاكمة، وأخيرا وليس آخرا، ما بين الإرهاب والمقاومة، ما بين إرهاب الدولة والعنف الثوري.

مقدمة لا بد منها: العنف واللاعنف، غاندي، لينين والعولمة
العنف واللاعنف، العنف الثوري والثورة السلمية، الديمقراطية البورجوازية وديكتاتورية البروليتاريا. إن القاسم المشترك بين "هذين النمطين" النقيضين، أن كل منهما يدعو الجماهير إلى انتهاك الشرعية السياسية المجسَّدة بالدولة، لينين عن طريق "ديكتاتورية البروليتاريا"، وغاندي عبر "العصيان المدني"، وذلك في سياقين تاريخيين غير متشابهين إلى حد بعيد. فالغاية التي تبرِّر الواسطة تُقْحم لينين طالما يعجز عن الالتفاف على العنف أو الحؤول دونه. هذه المعادلة المستحيلة ما بين الغاية والواسطة تَفشَل أيضا لدى غاندي في احتواء العنف. ففي الحالتين، يبقى العنف واللاعنف، شبه مُعدَمين من الأجوبة أمام الحركات الجماهيرية، وما تتضمنه الثورات، الناجح منها والفاشل، من "مسالة سياسية معقَّدة". فالأول كالثاني يعجز عن العثور على المعادلة، المعضلة المستعصية، بين الغاية والواسطة. الأول كالثاني يعجز عن احتواء العنف. إن من أوجه التبسيط المفرط أن نَرجع بمشكلة العنف واللاعنف إلى لينين وغاندي من حيث أن كل منهما يُمثِّل نمطاً أو نموذجاً لهذا المذهب وذاك، وأن نُقْصٍر المسألة على هذين الزوجين. لاهوت التحرر يؤرِّق اللاعنف لدى غاندي، والثورة الشعبية التي ترفض السيطرة على سلطة الدولة تُلغي الغاية من وراء كل ثورة، طالما هي تستغني عن ديكتاتورية البروليتاريا والإرث البلشفي، وتُرجِّح عليها الثورة الدائمة.
إن إشكالية العنف/اللاعنف هي الشغل الشاغل لعصرنا الراهن. ومن الأمثلة على ذلك أن أمين عام حزب "إعادة البناء الشيوعي فاوستو بيرتينوتي يُدين كل لجوء إلى العنف. "إن أعداءنا – يَكتب هذا الأخير– هما الحرب والإرهاب كونهما نِتاج العولمة". ويضيف في المنحى نفسه: "إن الجواب، إذا ما اقتصر على الرد الانتقامي الذي يأخذ بمقولة العنف مقابل العنف، ليس برأينا جوابا فعالا (...) يجب قطع العنف من جذوره بفضل ممارسة أنشطة تنشر اللاعنف". وغير خاف أن الغاندية ماثلة على أرضيةٍ من هذه الأفكار.
إن أنصار نظرية اللاعنف ، من اليسار واليمين على حد سواء، يُقرُّون أن نظريتهم هي نتيجة للَّوحة السوداء للعولمة وما يرافقها من عنف وخراب، آخذين بعين الاعتبار الطبيعة الطبقية للعولمة، وانعدام التعايش بين الرأسمالية والديمقراطية أو التعايش غير الممكن بينهما، والاشتراكية كبديل عن البربرية، ودور الولايات المتحدة في حالة الحرب والسيطرة الإمبريالية، وضرورة فتح آفاق ثورية. وكان الشيوعيون في إيطاليا ألحوا على العلاقة ما بين العولمة والحرب، منددين ب/"أُصولية السوق والأصولية الدينية" على حد سواء. إن النفور من العنف ليس سوى الدرس المُستقى من تراكم الحروب والاستبداد في القرن الماضي تحت شتى أنواع العقائد، من "الغد الأفضل" إلى العقوبات والحرب الاحترازية، إلخ.
السبب الأول وراء رفض العنف أن أنصار نظرية اللاعنف ، من اليسار واليمين على حد سواء، يُقرُّون أن نظريتهم هي نتيجة للَّوحة السوداء للعولمة وما يرافقها من عنف وخراب، آخذين بعين الاعتبار الطبيعة الطبقية للعولمة، وانعدام التعايش بين الرأسمالية والديمقراطية أو التعايش غير الممكن بينهما، والاشتراكية كبديل عن البربرية، ودور الولايات المتحدة في حالة الحرب والسيطرة الإمبريالية، وضرورة فتح آفاق ثورية. وكان الشيوعيون في إيطاليا ألحوا على العلاقة ما بين العولمة والحرب، منددين ب/"أُصولية السوق والأصولية الدينية" على حد سواء. إن النفور من العنف ليس سوى الدرس المُستقى من تراكم الحروب والاستبداد في القرن الماضي تحت شتى أنواع العقائد، من "الغد الأفضل" إلى العقوبات والحرب الاحترازية، إلخ. السبب الثاني وراء رفض كل نظرية للعنف هي: إن العنف ليس مفهوما واضح التعريف. فالعنف، من حيث هو اصطلاح أو حد، يحيلنا إلى كثرة من الأشكال، من أكثرها دموية، إلى أكثرها وداعة، من القنبلة إلى نظام الانضباط في المصنع، من جريمة قاتل مجنون إلى النظام والعلاقات الرأسمالية للإنتاج. الواقع أن العنف لا وجود له إلا عبر وضع معيَّن. سياق تاريخي مُحدَّد، تحليل ملموس لواقع ملموس، وما يتمخَّض عن ذلك بالنتيجة من مقاربات متنوعة ومتباينة للعنف بجميع أنماطه، وما أكثرها.
المقاربة الأولى تذهب إلى القول إن معارضة العنف باللاعنف يقود إما إلى السباحة في عالم الميتافيزيقا، أو إلى إثبات الطهارة. وما تعريف العنف بأنه "القوة" سوى إزاحة للمشكلة من مكان إلى آخر مع الإبقاء عليها بعيدا عن التعريف. وإن القواميس التي تُعَرِّف العنف تكتفي بتعداد حالاته، كلً منها حسب مجالها الخاص بها، وتَسْتَبْعد منه بنيته ونظامه وذلك عملا بالقول المأثور: إن الروح الجميلة معدومة اليدين. والمقاربة الثانية تقول إن العنف ليس خياراً. فالدعاوى الكريمة والفاضلة التي تَنهى عن العنف حسب الموروث عن غاندي، عاجزة عن تجاوز عتبة النوايا الحميدة. إذ إن المغلوبين والمُتَسَلّط عليهم ليسوا أبدا أمام خيار العنف أم اللاعنف. فالعنف المُنَظَم والبنيوي سواء أكان عسكريا أم سلميا يحكمهم ويسيطر عليهم، شاءوا ذلك أم أبوا. "إن الفقر هو أقصى حالات العنف". وكان أبونا سقراط يقول قبل ما يزيد عن عشرين قرن :"إننا لسنا شريرون طواعيةً". ولا يشكوا معذبو الأرض،على حد قول فرانس فانون، من أي مرض نفساني، فمرضهم سلاسلهم وسيتخلَّصون منها، ومعها عبوديتهم. وفيما كان لينين يكتشف في العام 1917 الثورة عن طريق العنف، كان غاندي يكتشف الثورة بدون عنف. لكن الهندي العاص الذي كان يخاطب الجنتلمان البريطاني، فرَّغ اللاعنف من أي معنى طالما هو لم يأت على ذكر للثورة بكلمة واحدة. والمصيب، في نهاية الأمر، هو جون لوكاريه عندما يقول : "إن العنف الممارس عن سابق إصرار بحق مدنيين عزَّل من السلاح ليس مقبولا مهما كان السبب. وإذا كنتم أنتم يا جنود الاحتلال الإسرائيلي وأسيادكم الأمريكيين تمطرون القنابل المفخَّخة المحظورة دوليا وغيرها من الأسلحة النجسة على سكان عراقيين 60 بالمائة منهم أطفال وهم بدون دفاع، فإن هذه الأعمال تخبرني بأن الحق يقف إلى جانبي، (صداقة مطلقة Une amitié absolue, Paris,Seui.2003,p 329 ).
إن هذه المقاربة تعقد صلة وثيقة ما بين العنف وسياقه التاريخي وترفض بالتالي المساواة ما بين العنف الإمبريالي وعنف المضطّهَدين. فما هو سياق الإرهاب؟ لقد لحق بمصطلح الإرهاب شبهات تشبه تلك التي تزن بثقلها على العنف. ولا مفر هنا من التسجيل لحالة الكسر التي تفصل العنف عن الإرهاب. إن الأمين العام بيرتونوتي قد لا يخالف الحقيقة عندما يقول إن الموالي لبوش والإسلامي وجهان لعملة واحدة، إلا أن هذه الملاحظة لا تبرِّر ما لحق بكلمة الإرهاب من عار. إذ كما أن التمييز بين العنف المُتَسَلِّط والعنف المتسَلَّط عليه يفرض نفسه، فإن إرهاب الدولة ليس هو نفسه الإرهاب المقاتِل والذي يُطلَق عليه تسمية إرهاب. إن الانتفاضة الفلسطينية بجميع أشكالها هي، من حيث الجوهر، رد انتقامي ضد الاحتلال، وهي التي تسمح للشعب الفلسطيني أن يبقى واقفا على قدميه. وإن المقاومة العراقية تضع الإمبريالية في موقع الفشل. هذه هي المراكز المتقدِّمة للعنف الوحيد المشروع. ولتقل الأخلاق ما بعد ذلك ما يحلو لها. أي إن علاقات القوى هي التي تقرِّر طبيعة حالات الصراع، سياسية أحيانا، اقتصادية أو اجتماعية ، إن لم تكن عسكرية. وعينا الاستراتجي موجَّهة دوما صوب الظروف، أو كما يقول لينين: "التحليل الملموس للحالة الملموسة". وليس له أي خيار بين العنف، "قانون البهيمة"، واللاعنف "قانون الإنسان" حسب مفاهيم غاندي.

تعريف العنف:
التمييز بين أنماط من العنف لكل سياقه
/الظروف والبنى هي التي تميِّز بين المقاومة والإرهاب/
ثمة علاقة وثيقة ما بين حالات لا تحصى من العنف السائد في عالمنا اليوم على الصعد كلها، من جيهة، ومع العولمة، من جهة ثانية. فالرأسمالية، وقد بَلَغَت مرحلة العولمة تحت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية جعلت من العالم حقلا من الدمار. وإن الوقت الذي كنا نستطيع فيه أن نُمَيِّز بعض الملامح الإيجابية في هذه العولمة الرأسمالية قد ولَّى. إذ إن مسارات التدمير لم تعد لتوفِّر أي مجال، من مفهوم البضاعة الذي يُعمَّم على كل الأنشطة الإنسانية، إلى الخدمات، وبوجه خاص العامة منها التي أصبحت نهبا لمصالح القطاع الخاص، إلى الأنظمة السياسية التي تُسمِّي نفسها ديمقراطية، وهي نفسها التي تفرِّغ الديمقراطية من مضمونها وتَنهب من المواطنين حقوقهم. إن تعميم مفهوم البضاعة على كل أنشطة الإنسان، غريب عن الحاجات الحقيقية للإنسان وفائضة عنها، وما هذه البضاعة المعولمة سوى رؤوس أموال تغلَّبت فيها المضاربة والأوهام المختَلَقَة.. تَغَلَّبَت على الإنتاج نفسه بعدما حلَّت المضاربة وأوهامها محل الحاجات.
لقد أصبحت أوضاع النساء والرجال أصعب مما كانت عليه في الماضي طالما أن الاستغلال والأحكام التعسفية بأشكالها كلها هي التي تسود اليوم. وإن البحث بدون أي رادع عن الربح، يُفَرِّغ العمل من أية قيمة له ويتركه نهبا للصدف. فالأفراد، ومعهم أمم كثرٌ، أصبحوا تحت تأثير الاعتداءات العسكرية للإمبريالية كميات زائدة عن اللزوم. هذا هو حال العاطلين عن العمل، والمهاجرين، والشعب الفلسطيني. إن البؤس والفقر بعدما جاء وقت الجوع، ما انفك يتَّسع على الصعيد العالمي، بما في ذلك في البلدان التي يسمُّونها "متطورة. ومع ذلك، فإن الأمل بالمقابل ما انفك يتعاظم. إنه محمولُ على حالات من الغضب والصراع والانتفاضات التي تنفجر في كل أنحاء العالم، في الشمال كما في الجنوب، في الشرق والغرب، لدى الأمم موفورة الحال كما الأمم المحرومة. ففي كل مكان ثمة وعي بما تمارسه الليبرالية الاقتصادية والحربية من إيذاء، وذلك فيما يزداد العداء حيال الولايات المتحدة الأمريكية. إن أيديولوجية مكافحة الإرهاب لا تستطيع مع العولمة أن تخفي حقيقتها بوصفها أيديولوجية السيطرة. الثورة، ليس ثمة حل آخر غير الثورة.
والعنف بحد ذاته يشذ عن أي تعريف. فلنلاحظ المفارقات التي تكتنف حالات العنف:
1- إن للعنف امتدادات لا متناهية ولكنهن يفتقد لأي تعريف.
2- لعنف ليس واقعة طبيعية، وإنما هو واقعة ثقافية. (الوحش أو الرعد ليس عنيفا، والإنسان لا يولد عنيفا، لا المجرم مجرما، ولا المعادي للإمبريالية معديا لها ).
3- إن العنف باق ومستمر رغم كل المتغيِّرات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأنماط الإنتاج).
4- إن الإجماع على إدانة العنف لم تقلِّص منه.(الإحيائية، الدين، الأخلاق، الفلسفة، القانون، السياسية، تعجز عن تبديده، بل وإنها تبرِّره أيديولوجيا).
5- إن التشخيص النقدي للعولمة هو نفسه تشخيص للعنف.

العنف من حيث هو حالات:
العنف اليوم، حالات وأشكال العنف، الشغل الشاغل الرئيس للإنسانية. ويعاش اليوم وكأنه قدر لا بد منه، ويقود إلى الاستسلام للنظام السائد، إن لم يكن، وفي الوقت نفسه، إلى حالة من البصبصة الجماهيرية. لكن ما هو العنف من حيث هو عنف؟ بالرغم من حضوره الدائم في كل مكان وزمان في الوقت الراهن، فإنه يفتقد للتعريف. إنه متَّسع بصورة خطيرة حتى أنه يتحدَّى كل حصر أو إحصاء. من اللا إجتماعي وغير المدني، إلى المجازر والمذابح وحمامات الدم، ومن الشتائم الغليظة إلى الإرهاب، ومن الجريمة العاطفية إلى التعذيب، ومن الاعتداء الجنسي على الأطفال إلى الثورة، ناهيكم ما يسمُّونه "العنف الناعم"، إلخ. إن العنف يفتقد إلى التعريف افتقادَ الحالات المتعدِّدة للعنف، بجميع أشكاله وألوانه، إلى قاسم مشترك واحد يجمع بينها. النتيجة، هي أن العنف متَّسِع إلى حد شبه لانهائي، وأن استيعاب الفهم له في مفهوم أو مقولة واحدة تشمل كل حلاته معدومٌ. فإذا كان كل شيء يقابله فكرة، إلا أن العنف غير حائز على مثل هذا الحظ . ولا بد لنا، عندما نتحدَّث عن العنف أن ننطلق من معاينة ما هو بديهي. ويَتَرَتَّب مثل هذه المعاينة عدد من النتائج:
أول هذه النتائج يتساءل عما تعنيه معالجة العنف إذا كانت كل أشكاله محشوة في كيس واحدة؟ وهل نُعرِّف العنف واسع الاتساع اليوم، بالرجوع إلى تعبيراته، ومجالاته، وأنظمته، وأساطيره، ودياناته، وفلسفاته، وتشريعاته القانونية، وتعبيراته الأدبية والفنية والسينمائية، والتي تحاول كلها استنتاج معنى للعنف بترجيح أحد أشكال العنف على الآخر، وبوجه خاص ما كان منها مكشوفا أو إجراميا بوصفه مرئي ومكشوف أكثر من غيره؟ إن من الصعوبة بمكان أن نَمنح العنف، أو هذا الشكل وتلك الحالة منه، تعريفا شموليا. يبدو وكأن موضوع العنف مفقود أو لم يُعثَر عليه.
والنتيجة الثانية هي أن المزاعم التي تَحْكُمُ أنها تملك تعريفا شموليا عاما للعنف، ولكل عنف، تراها تأمر بأن يرفض العنف باسم مسلَّمة بديهية تقول إن كل عنف هو بصورة جوهرية مدان، سواء أكان الأمر يتعلق بالطفل الذي يشتم معلمته في المدرسة، أو سارق التفاح، أو الانتحاري الفلسطيني.
والنتيجة الثالثة وليدة العولمة: إن الحيز المركزي للإرهاب في عهد العولمة، من حيث هو – حسب العولمة – "تهديدٌ متطرفٌ،"، يخلو من أي تمييز بين حالاته. إذ إن هذا "التهديد المتطرِّف" كما يُسمُّونه، ولما كان يُوَجِّه ضرباته في كل مكان، فإنه يمحو كل تمييز قديم بين عنف مشروع، وآخر غير مشروع. بين حرب عادلة وأخرى ظالمة. إنه يشوَّهَ مفهوم المقاومة، ليس غير. وبموجب هذا المفهوم السائد، وبوجه خاص لدى قادة السياسة الدولية ما بعد سقوط حائط برلين، فإن الحيلولة دون وقوع صدامات بين طرفين متنازعين يَحمل الدبلوماسية - على سبيل المثال - على رفض التمييز، باسم السلام، بين الطرفين المتنازعين،. إنها، على هذا النحو، تَحكُم على الضحايا والجلادين بالمصير نفسه. إنهم يمنحون جائزة نوبل للسلام مناصفة بين دوكليرك ومانديلا، بيريز وعرفات. وإلى ذلك، فإن كل أنماط العنف بدون أي تمييز محرَّمة، كل أنماط العنف لأسباب شخصية بدون أي تمييز، وجميع أنماط العنف السياسي في كلٍ واحد بدون تمييز. وإلى ذلك مرة ثانية، فإن الحدود ما بين العنف الفردي والعنف العام أو السياسي تَضيع عن أنظارنا، بالرغم من أنها أمامنا، طالما يُحكم على هذين النمطين من العنف، الغزاة والمقاومة، المجرم والضجية، بالحظر والتحريم.
والدرس المُستَنتَج، الرابع والأخير، يقول إن العنف أصبح أكثر من أي وقت مضى اختصاصاً تنفرد به الدولة وحدها، كل حالات وأنماط العنف، بموجب المزاعم التي تدَّعي بأن التمييز بين كل هذه الحالات من العنف منعدم، وأن الدولة تملك تعريفا واحدا له. إن الدولة هي التي تَكتب القانون، بما في ذلك ما كان يتعلق بالإرهاب الذي يتبخر تارة، أو يصبح تارة أخرى منعدم التعريف، وذلك حسب الحالات والأفراد ذات الصلة.

العنف والألم ضمن السياق الموضوعي مترابطان متتابعان:
ما هي المعاني التي تختفي وراء هذا الضباب الذي يحيط بأشكال وأنماط العنف؟ ثمة مُمَيِّزين اثنين. الأول يقول إن العنف نِتاج سياق وظروف. والثاني يقول إن العنف والألم مترابطان بصورة وثيقة. إن وضعا ما عنيفا هو وضع مؤلم. ويَلحق بهذه المُمَيِّزين أن العنف معادلة تجمع بين العنف/ الألم / العنف المضاد. وهذه المعادلة موجودة بصورة عامة في كل الحالات التي يُنظر إليها من حيث هي حالات عنيفة. قضلا عن ذلك، فإن العنف، إذا ما نُظر إليه خارج سياقه والظروف المحيطة به، يَستند إلى نظريتين. الأولى تدافع عن العنف "الأصيل". إنها ترفض التمييز بين حالاته، وتَخلط بين كل حالات العنف من حيث هي أصيلة في الإنسان منذ أيام قابيل وهابيلن، وذلك على غرار ما نراه مع المبدأ الأساسي القائل: "إن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان". ثم عَرِفَ هذا المبدأ عبر "العقد الاجتماعي" لروسو، و"الملكية" لدى برودون، تحوُّلا بفضل نشأة الدولة التي توسَّطت ما بين هذين المبدأين. الدولة من حيث هي ضرورية لتوفير الانسجام داخل المجتمع، ومن أجل الحضارة.
أما النظرية الثانية، فإنها تقول ب/"العنف النسبي". فالقضاء يَعترف بصورة مبتذلة بنسبية العنف عندما يأخذ في أحكامه القضائية بعين الاعتبار ما يسمِّيه "الأسباب المخفِّفَة". وما هو نسبي في ما يتعلق بالعنف لا ينحصر بنظام المكان أو المجتمع، وإنما يتعداه إلى الزمان، على نحو ما يبيِّنه ميشيل الذي بوضِّح أن العدالة تُنتِج إلى حدٍّ عظيم نقيضها، أي الظلم. السحن، حسب ميشيل فوكو، يُعْتَبَر من أوجه الظلم. السجنُ عقابٌ ل/"طبقة البرابرة" أو "لانعدام أي شرعية عمالية وفلاحية". فإذا ما تضافر السجين بحكم العدالة، و"طبقة البرابرة"، فإنهما يواجهان في آن واحد "القانون والطبقة التي فَرَضَت ظلم السجن". هيجل، بدوره، قَدِّم لنا هنا قاعدة: "إن الضرورة الراهنة هي وحدها التي تستطيع أن تبرِّر عملا منافيا للقانون. ذلك أن الامتناع عن ممارسة عمل منافٍ للقانون، يُعْتَبَرُ بمثابة ارتكاب ظلمٍ أعظم، ألا وهو النفي الكامل للوجود التجريبي للحرية. فالعنف إذن، والأصح أن يقال كل حالات العنف، لا تندرج في "نظام" واحد، سواء أكان نظام الآلهة، أو نمط الوجود، أو العلاقات السياسية، أو النظام السياسي.

العنف: ماركس، أنجلز ولينين
الملكية من حيث هي منشأ العنف:
العنف إذن حالات وأنماط متعدِّدة. وهو ذو خاصية اشتقاقية وثانوية كما بيَّن ذلك ماركس بقوة وجلاء. إن ماركس في اللوحة التي يرسمها انطلاقا من تجربة بريطانيا من حيث هي أول بلد بدأ الانتقال من نمط للإنتاج إلى آخر، يستعير مفردات كثيرة للغاية: الانقياد، الجريمة، النهب، الحريق، السرقة، الخيانة، الفساد، الجريمة، العمل الشائن أو العار، كي يبيِّن أن العنف هو (معلِّم الصنعة) في التراكم الرأسمالي، وعنه ينشأ الصِدام المستديم بين العمال المأجورين، "الأحرار"، وبين "الذئاب المضاربين في البورصة"، أو أصحاب "الفائض". يَكتُب ماركس: "لقد كُتِبَ هذا التملُّك في حوليات الإنسانية بحروف من دم ونار". وفي هذه الأثناء، فإن هذا العنف ليس أصيلا، وإن كانت مظاهره تدلُّ على ذلك. هذا من جهة. وليس للعنف أيضا دورا مؤسِّسا، من جهة ثانية. فالتاريخ هو الحيِّز لظهوره وممارسته. لذا، فإن العنف ينتمي إلى الظروف والسياق. ففي الإنتاج الرأسمالي الذي يميِّز التراكم البدائي، يحوز العنف على مظهرين ووظيفتين. إن التعبير الدموي للعنف، حسب ما يُتكشَّف بصورة واضحة عبر العدوان الاستعماري، يمارس الدور الجزئي والمؤقَّت لوحشية الغازي، هذا من جهة. أما الوظيفة الثانية للعنف ومظهرها، فإنها النظام "المُرَكَّز والمُنظَّم" للعنف، ألا وهو الدولة. عنف الدولة مستديمٌ، طالما هي مكلَّفة بضمان حفظ النظام الذي كانت الطبقة السائدة شيَّدَته. وعندما يقال إن العنف هو الذي "أَنجب كل مجتمع في حالة العمل"، فإن العنف يُوصَف في الوقت نفسه بأنه "مقدرة اقتصادية". فالملكية الخاصة والفقر زوجان: إن التملُّك بوصفه نِتاج لنزع الملكية أو للتملُّك بالقوة، يَمنح نفسه شرعية قضائية تُنظِّم بدورها إجراءات العمل في إطار الاستغلال، وذلك من حيث هي التي تسنُّ لهذه الإجراءات، شرعية قانونية. شرعية قانونية تَضع، أيضا، العمَّال في حالة منافسة في ما بينهم، بفضل تأسيس "جيش احتياطي" أو اكتظاظ سكاني هو بمثابة أناس زائدين عن اللزوم على حد قول ماركس (مشكلة الهوية الاجتماعية الإنسانية للعامل المُستَغَل تعود إلى أنه فاقدٌ الهوية، طالما أن فائض القيمة يَسلب منه قوة عمله، ومادام رب العمل أيضا هو الذي يمنحه العمل أو يحرمه منه). إن العنف ماثل في كل مرحلة من هذه السيرورة.
والعنف لدى إنجلز يختلف عما كان سائدا في أوساط الاشتراكيين الميتافيزيقيين في عهده، ممن كانوا يعتقدون أن العنف هو الذي يؤسِّس التاريخ والاقتصاد. إلا أن أنجلز يرجع إلى مثال الرق في الإمبراطورية اليونانية من أجل تبيان أن العامل (العنصر) المحدِّد الأول هو الظروف الاقتصادية في اليونان، والمهن اليدوية والتجارة في الولايات المتحدة الأمريكية في عهدها الفتي، وصناعة القطن في بريطانيا. وكان إنجلز يلاحظ أن الثروة التي تتيح تملُّك الرق قد تأتي، حسب الحالات والاحتمالات، من العمل، والسرقة، والتجارة، والنَصْب، أي إن الثروة أو الملكية ليست نِتاجٌ للعنف دوما. إن أنجلز يؤكِّد أن الملكية الخاصة ليست وليدة السرقة والعنف بصورة مستديمة. ذلك أن تدمير الاقتصاد المنزلي متأتٍ من المنافسة التي تُمارس من قِبَل الصناعة الكبرى. إذ إن الإنتاج الاقتصادي هو الذي يمدُّ بالأسلحة الضرورية للُّجوء إلى العنف الذي "يَعجز عن كسب المال"، ولا يستطيع أن ينشل ما هو موجود. وكان إنجلز يختتم بقوله: " إن الشروط والوسائل المتوفِّرة للقوة الاقتصادية هي ، باختصار، التي تساعد في كل مكان ودوما العنف على إحراز النصر الذي لولا القوة الاقتصادية لما كان مرادفا للعنف". إن "العنف مجنَّد بالقوة في خدمة الوضع الاقتصادي".
إن العنف بأنظار ماركس وإنجلز لا يمارس دور العامل المقرِّر، وذلك على نقيض ما كان يذهب إليه برودون وبلانكي وباكونين والفوضويين. إن العامل الاقتصادي من حيث هو العامل المقرِّر هو الذي يشد خيوط العنف. إننا، هنا، أمام نمطين من العنف يَظهَران، من جهة، عبر الجمع بين الإنتاج الاقتصادي وقوة الدولة (السلاح على سبيل المثال)، ومن جهة ثانية، في الحرب (استخدام السلاح).

نمطــان مــن العــنف:
الملكية سرقة، وهي نفسها "المُوَلِّدة" التي يتحدث عنها "البيان الشيوعي" عندما يوصي الشيوعيين في صفحاته الأخيرة بقلب النظام المجتمعي السابق برمته انقلابا عنيفا. إن التغيير المجتمعي، وبالأحرى الثورات، وليدةٌ لحالة اقتصادية بلغت مرحلة من النضج تَفرض على الحالة الاقتصادية تحوُّلها. في مثل هذه الحالة، فإن العنف المرئي الذي يصاحب الثورة، ليس أكثر من فعل لتيسير النجاح في اللحظة الأخيرة بحيث ينقلب الكل رأسا على عقب. إن المتغيِّرات المجتمعية، في مثل هذه الحالة، متأتية بصورة كاملة عن عنف جذري. بيد أن التكوين الاقتصادي الاجتماعي قد يولِّد العنف ونقيضه حسب الظروف أو السياق التاريخي السياسي. إن ما أحرزته الاشتراكية الديمقراطية في ألمانيا من نجاح في الانتخابات التشريعية، حَمَلَت أنجلز، في نهاية حياته، على الحديث عن إمكانية الانتقال السلمي. الأمر الذي يؤكِّد، بالتالي، على الوظيفة الاشتقاقية التابعة التي تَعزا للعنف. غير أن بعضهم يزعم أن ديكتاتورية البروليتاريا ليست ضرورية، وإنها على نقيض من مرحلة الرعب في الثورة الفرنسية تَستغني عن الدعوة إلى العنف.
إلى ذلك، فإن أنجلز ينتهى به الأمر إلى التخفيف من أهمية الدور المُؤَسِّس للعنف الثوري، وذلك لسببين اثنين. الأول يعود إلى الثقة التي مُنِحَت للخاصيَّات التقدمية للتطور الاقتصادي، والتي ثُبِّتَت منذ "البيان الشيوعي" أن البرجوازية هي التي قلبت بصورة ثورية العلاقات الإقطاعية. وكان ماركس في وقت متأخِّر من عمله أقرَّ بأن اقتطاع الولايات المتحدة الأمريكية لأراضٍ من المكسيك، يسير في منحى الخاصيات التقدُّمية للتطور الاقتصادي، وأن مرحلة أعلى من التطور تبرِّر الغزو الاستعماري. والسبب الثاني يُعزا إلى الخوف المبرَّر من أن تدفَع البروليتاريا، هي وأكثر من البورجوازية، الثمن الباهظ للعنف. لذا، فإن أيديولوجية التقدم، من جهة، والانحراف الاقتصادي المحض الذي يفسِّر كل التكوين السياسي الاجتماعي بالعودة إلى العامل الاقتصادي، من جهة ثانية، ينتهيان، كما يَظهَر لدى أنجلز، وفي نهاية المطاف، الى التعويل على الانتخابات العامة، ما دامت صناديق الاقتراع – حسب هذا المنحى من مقاربة العنف - تستطيع أن تَحل محل حواجز القتال في الشوارع. إن المفكِّرين المتنورين شغفون بالتقدُّم، وقد مَنحوا العامل الاقتصادي قيمة مبالغ فيها، حتى أن الشجرة التي تُمثِّل التكوين الاقتصادي الاجتماعي لم تعد – حسب هذا الرأي – تَحمِل ثمار العنف، بل ثمارا ناعمة وناضجة، إن لم تسقط من تلقاء نفسها، فإنها تنتظر القطف.

لينين:التفاحة الرأسمالية الناضجة لـن تسقط من تلقاء نفسها.
تَحمل علاقات الإنتاج، وبوجه خاص الرأسمالية منها، معها، العنف. لقد اشتقَّت الحركة العمالية ما بعد ماركس وأنجلز، درسين اثنين متناقضين ومتسابقين، أحد هما يبرّرِ نفسه بنمط العنف المرئي، والثاني يبرّرِ نفسه بنمط العنف الأخرس أو المخفي، وإن كان التداخل ما بين هذين النمطين من العنف ليس موضعا للشك في الجوابين على حد سواء. الأول مضى بالعنف المفتوح والمرئي إلى حد التقديس، حسب ما نراه لدى القائد العمالي سوريل ، أو لدى كل من فرانس فانون و ماو تسي تونغ . بالمقابل، فإن النزعة الاقتصادية الغالبة منذ كاوتسكي في حركة الاشتراكية الدولية، وهي بمثابة أرضية للجواب من النمط الثاني، تُعبِّر عن الرفض البليد لكل عنف.
إن لينين يرفض، على حد سواء، إغراءات العقلية المغامرة التي تريد أن تدفع بالحركة الثورية إلى الأمام بالقوة أو بالرغم عنها، ويدحض أيضا القَدَرِية التي تَنتظر ذوبان السكر من تلقاء نفسه. لينين يلمس أن السيرورة الثورية تتوقف على علاقات القوى السياسية بين "أهل الأسفل" وبين "أهل الأعلى". فالتاريخ لم يُسَجِّل أبدا ثورةً سقطت كالفاكهة، ما إن توفَّرَت الشروط الموضوعية (التكوين الاقتصادي الاجتماعي) والذاتية (الوعي) لإنجازها. ولا يقل عن ذلك أهمية أن ثقل السيطرة غير القابل للتحمُّل، لم يَنجَح أبدا، بالرغم من أن وزنها المؤلم لا يطاق، في إثارة انتفاضةٍ للمضطَهَدين بصورة آلية. فإذا لم يرافق الشعور بالظلم إرادة أو رغبة بالعصيان، وما يحتاج إليه العصيان من أدوات للتعبير عن نفسه، فإن الشعور بالظلم يبقى عاجزا عن الخروج من حالة الخضوع والتبعية؛ سواء أكان الشعور بالظلم مسكوتا عليه عن إكراه أم مصدرا للعذاب. إن العلاقة ما بين العنف/العذاب، في هذه الحالة، لن تنجح في تخطي نفسها إلا بالعنف المضاد الذي يقضي على العذاب.
إلى ذلك، فإن الخلاصة تنتهي إلى نتيجة مؤداها أن أصل العنف أو الدافع إليه، وهذا الدافع غير أصيل وليس واحدا وأحاديا، يستدعي العودة بالعنف، كل عنف، إلى الوضع الذي يُنتِجه، ويحيلنا بالضرورة إلى نظام من الأحداث والوقائع والشروط، هي سياق يأخذ فيه العنف شكلا. هذا السياق هو اليوم نمط الإنتاج الرأسمالي الذي وصل إلى مرحلة العولمة. نظام العولمة يحمل معه عددا من السمات قوية الظهور وذات خصوصية. منها أن العنف "الدامي" يَتبع "العنف الأخرس". أي إن العنف الدامي مرتبط بالعنف الأخرس والُمعذَّب. العنف الدامي هو الحالة الواعية والمعذَّبَة للعنف الأخرس. إذ إن المعادلة عنف/إخضاع/ عنف، تَبْلُغ تحت تأثير نمط الإنتاج الرأسمالي أكثر حالاتها وضوحا عبر تجلِّياتها، وذلك على النحو التالي:
آ - على الصعيد الاقتصادي: الاستغلال وقد أصبح عالميا، فإنه لا يوفر جهدا كي يحتوي في شبكة واحدة سائر الأمم. إن التحالف الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، قد شيَّد حكومة عالمية جعلت من منظمة الأمم المتحدة مجرد شريط للنقل، كان مرصوداً، ما قبل سقوط حائط برلين ونهاية الحرب الباردة، لنشر أيديولوجية العلاقات الدولية. ثم فَقَدَت، ما بعد ذلك، هذه الأيديولوجية، مع ظهور العولمة واتساعها، كل مصداقية لها. أيديولوجيات الدفاع عن حقوق الإنسان، السلام العالمي، والمؤسسات التي تمخَّضت عن الحرب العالمية الثانية، وهي: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والمنظمة العالمية للتجارة، كل ذلك تكشَّف عن غول العولمة. إن البورصة هي الروح التي تفرض تحويل كل شيء إلى بضاعة ومال. وهي، لما كانت لا تعرف زمانا غير اللحظة الحالية، فإنها تَرمي بكل العمليات إلى الفوضى، وتَحكم على كل مشروع أيا كانت طبيعته بأن يبقى مجهول المصير. ومن هنا خرجت علينا نظرية نهاية التاريخ، ونهاية الإيديولوجية، والمعاصرة، ومعها نهاية المشمش..
ب - على صعيد المجتمع والممارسة: إن السياسة الإمبريالية، وهي في خدمة الأقلِّيات السياسية، تبرهن كل يوم عن ممارسات تسير في اتجاهين. فمن جهة، العنف العادي "المستمر" كما يقول ماركس. ومن جهة ثانية، العنف "الأخرس" و "السلمي" بجميع أشكاله، العنف الاقتصادي وعنف الدولة. في الاتجاه الأول، يلجأ العنف "الثرثار" أو "الدامي" إلى الحرب التي أصبحت بدورها دائمة. ذلك أن العولمة قلبت رأسا على عقب الصيغة ذائعة الصيت لكلاوسفيتس. فالسياسة أضحت استمرارا للحرب بعدما كانت الحرب استمرارا للسياسة. إن السيطرة على ثروات ومصادر الطاقة هو القانون السائد للعولمة النيوليبرالية. لذا، فإن العنف انتقل من الصالات الخلفية للمقهى إلى مجالس الإدارة، إلى قيادات الأركان ومكاتب الوزارات. إن صندوق النقد الدولي، برئاسة لاشتراكي الفرنسي دومينيك ستروس كاهن، ليس شيئا آخر سوى جمعية للحرامية تعتديعلى ملايين الضحايا.
ج - العنف الفردي: العنف الجماعي ليس هو النمط الوحيد للعنف، ذلك أن العنف المعولَم يحتوي أيضا على العنف الفردي. فالسياسات الليبرالية وما فوق الليبرالية تعتدي على الهيئة المجتمعية وتفسخها. انظر إلى الحالة الصحية المتردية للطلاب في للمدرسة، وانتحار الشبان، وتحرُّش الرئيس في العمل بمرؤوسه، وانتشار المخدِّرات، هكذا دواليك..
د- أيديولوجية مكافحة الإرهاب: تؤدي أيديولوجية "مكافحة الإرهاب" التي تَعتمد على الخطاب الأمني، وهو أحد مكوِّناتها، وظيفتها على خير وجه، ألا وهي تبرير ممارسات العنف في كل أنماطه. إن هذه الأيديولوجية التي تسجِّل لأزمة النظام السائد، وتؤكِّد على سياسة الحرب، قد وَضَعت برنامجا جديدا يُسمِّى "صراع الحضارات" محل جدار من الدخان كان يُسمَّى بأيديولوجية حقوق الإنسان ودولة القانون. وهو نفسه مزيَّن بالفكرة المعتوهة التي تقول بالصراع بين النور والظلام (المانوية)، بين الخير والشر. وكانت اعتداءات 11 سبتمبر2001، بالإضافة إلى "صواريخ الدمار الشامل العراقية" المزعومة ، حجة عسكرية للاعتداء على العراق من جهة، ولتشييد ائتلاف دولي من أجل هذا الهدف مدعوما بالحجة القانونية للصواريخ إياها، من جهة ثانية. فإذا كان الائتلاف الدولي لقي الفشل، فإن الجانب القانوني قد أحرز ، بالمقابل،النجاح، طالما أنه يُحدث اعوجاجا في سائر التشريعات الغربية، ويُستُخدم ككفالة بين أيدي السلطات التي تُسمَّى "ديمقراطية" لممارسة القمع. أي إن القانون يُعَلِّق القانون. إن جرائم الطبقة السائدة، والتي تبقى بدون عقاب، تَشمل، على هذا النحو، كل جرائم الطبقات المسَيْطِرَة. لكن أقل مقاومة مسلَّحة أو مجتمعية للمسيطَر عليهم، فإنها تُجرَّم وتَلْقى إجراءات بوليسية. وإن ما يزعمون أنه "مكافحة للإرهاب" هو في الحقيقة عودة إلى ممارسات همجية.
ه – العنف والإرهاب متناقضان: إن أفضل وسيلة للتقدم في الإجابة هي الاقتصار على مظهر من خطاب الإرهاب، وهو ما كان منه متعلقاً بأحداث الساعة. هنا، يُلاحَظُ أن الإرهاب الذي يَأخذ في متن هذا الخطاب السائد شكلا من العنف المتطرف، لا يرتفع إلى مستوى المفهوم واضح التعريف والحدّ. ذلك أن حالاته المتعدِّدة والمتنوعة لا تندرج في تعريف واحد شامل يجمع بينها. إن أشكاله من التنوع بمكان حتى أن الجمع بينها في قاسم مشترك واحد هو ضرب من الخيار التعسفي. فأنماط العنف ليست كلها دموية أو جسدية، وإن أشد أنواع العنف ما كان منه متعلقا بالاستغلال في العمل. لذا، فإن جوهر العنف أو ماهيته يشذُّ عن أي مفهوم للتعريف به. وإن مصطلح الإرهاب يواجه الصعوبات نفسها.

الإرهاب الإمبريالي:
آ - الإرهاب الإمبريالي المُرهِب: يَلْقى خطاب العنف الإرهابي بمنطق الأيديولوجية السائدة قبولا بدون مناقشة، كما يحظى الإرهاب تحت تأثير هذه الأيديولوجية بتنديد دولي لا تراجع عنه. هذا التنديد الأيديولوجي السائد، يسير جنبا إلى جنب مع تعريف للإرهاب ذي أهمية سياسية كبرى في أحداث الساعة. إن الإرهاب – حسب هذا التعريف – جريمة عمياء ونكراء تنال من المدنيين الأبرياء. هذا التعريف يُعْتَبَر، برأي الخطاب السائد، مسلما به، وإن كانت كل عبارة فيه موضعاً للدحض. وكان مصطلح الإرهاب ظهر ما بعد الثورة الفرنسية، في العام 1794، حيث كان الإرهاب يشير إلى المرحلة التي تُوْصَف بأنها مرحلة الرعب في الثورة الفرنسية من جراء اقتران العمل السياسي بالرعب. إن الرعب كما يقول روبسبيير، وهو لم يكن من أنصاره أو من أشد مستخدميه قسوة، يأتي في خدمة الفضيلة من أجل إنقاذ الثورة التي انتهت بأيدي الرعب المضاد في "السنة الأخيرة من عمر جمهورية الثورة". وفي الوقت الراهن، فإن الحركات غير المتكافئة من حيث أهميتها، والتي يُطلَق عليها تسمية الحركات "الإرهابية"، يُقصد بها مجموعات قليلة العدد، وتُعَرِّف نفسها بأنها "طليعية"، وتمارس أشكالا من النضال المسلَّح ضد السلطات الحاكمة. وعلى الصعيد العملي، فإن الحكم على أعمالها لتثمينها، يتوقف على حظ هذه الحركات من النجاح أو الفشل. ومنها على سبيل المثال النضال المعادي للاستعمار، كالفييتكونغ في جنوب شرقي آسيا، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، والمؤتمر الوطني الأفريقي في أفريقيا الجنوبية. وفي وقت متأخر، يأتي ذكر الفدائيين الفلسطينيين في الستينات، وفي العواصم الأوروبية الكبرى حيث يَظهر النضال المناهض للبورجوازية عبر فصائل الجيش الثوري في ألمانيا، والخلايا الشيوعية المقاتلة في بلجيكا، والعمل المباشر في فرنسا، و17 نوفمبر في اليونان، وغرابو في أسبانيا Grupo de Resistencia Antifascista Primero de Octubre ،أو فصائل الجيش الثوري اللبناني (من رموزها جورج إبراهيم عبد الله الذي كان وما يزال مسجوناً في فرنسا منذ 28 سنة، بالرغم من أنه أمضي محكوميته منذ أربع سنوات) . فهل يصح إطلاق مصطلح الإرهاب على كل هذه التعبيرات؟
ب – مسح الاختلاف بين المقاومة والإرهاب: الحال، إن الإرهاب اليوم يُقصد به شكل من أشكال العنف ذي طموح شمولي محمول على خطاب ذي خصوصية. إن أيديولوجية الإرهاب السائد تؤكِّد بلا حرج "أن الحدود ما بين الإرهاب والمقاومة المسلَّحة للمُضطَهَدين لم تعد في أغلب الأحيان واضحة". هذا خطاب شمولي يوحدِّ ولا يميِّز، محدودُ المعرفة طالما يُسقط من أيديولوجيته حدود المعرفة، وطالما تَفتَقد كل أيديولوجية إلى الحد المعرفي للتعريف والتمييز بين حدث وآخر مختلف عنه، أو فاعلِ الحدث وآخر نقيض له. لذا، فإن الخطاب الأيديولوجي للإرهاب يفشل في تعريف من هم الإرهابيون"، مادام لا يميِّز بين الإرهاب وضحايا الإرهاب. فمنذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، يخوض الخطاب المسيطِر الذي شُيِّد منذ ذلك التاريخ، معركةً بدعمٍ من تعبئةٍ دولية تزعم أنها لا تريد سوى اجتثاث الإرهاب من جذوره. هذا الخطاب الإيديولوجي يَزعم لنفسه أنه شمولي. إنه، بالفعل، يُوَحِّد، من حيث التعريف، بين الإرهاب و"القاعدة"، وبين هذا وذاك، و ما (الإسلام الجذري) الذي يُطلّق عليه تسمية "الإسلام السياسي" سوى رديفٌ للشر. هذا هو الخطاب المانوي بعينه طالما هو يَعْتَبِر هذه الحضارة "شيطانية" (لاحظ استخدام المصطلح الديني)، ويحيط كل من يحيط بهذه الحضارة بالشكوك. والمقابل، فإن هذه الأيديولوجية المسيطِرَة هي التي تَعمل من أجل الخير، وهي حامية القيم الإنسانية والديمقراطية. اعتبارا من ذلك، فإننا نجد أنفسنا أمام حرب صليبية، والمقولة القائلة: إنك إما أن تكون معنا أو ضدنا. إدوارد سعيد فضح هذه المفارقة عندما كتب: "إن أيديولوجية الإرهاب قد اكتَسَبَت حياةَ ذات استقلال ذاتي، فهي تنال شرعيتها من نفسها، ثم تعود مجدَّدا لتنال شرعيتها بدون أي برهان أو توثيق منطقي وعقلاني... إن الإرهاب والحرب المهووسة ضده أصبح نوعا من الدائرة محكمة الإغلاق، والتي تَحتكر القتل الذي يَستمد مبرراته من ذاته، وتُنْزِل الموت البطيء بأعداء معدومي الخيار ومحرومين من حق إبداء الرأي. فلنلاحظ أن الولايات المتحدة استغلَّت واستَثمَرت أحداث 11 أيلول/سبتمبر إلى أبعد مدى، واستفادت من هذا الرصيد بفضل ما تسميه (مكافحة الإرهاب)، والذي وَضَعَت يدها عليه لتفرض هيمنتها العالمية على حلفائها الإمبريالييِّن وغيرهم في أوروبا وروسيا والصين والعالم العربي. إنها تستثمره أيضا للحؤول دون أن ينجح أي شعب في إنجاز أي تطوير قومي بصورة ذاتية، على نحو ما يتبيَّن لنا من حرب الخليج، واعتداء الحلف الأطلسي على يوغسلافيا. إن حق الاختلاف والتباين محظور في عهد النيوليبرالية التي تُفرَض على كل الشعوب كنمط واحد من قِبَل أسياد العالم، وذلك من أجل السيطرة على مصادر الطاقة، ولتخطي الصعوبات السياسية والاقتصادية لأنظمة الحكم التي تشمل، في ما تشمله، البورصة والسوق العقارية وفضائح البنوك والديون وشتى أنواع التمييز من عنصرية وغيرها.
ج – الهنود الحمر، الشيوعيون والإسلاميون، الإرهابيون والإرهابيون والإرهابيون إلى ما لانهاية. المُحصِّلة مؤدَّاها أن خطاب الإرهاب هو نفسه الذي يُرهِب أو ينتهي إلى إرهاب العالم من أجل فرض الانقياد على المُسْتَبَد بهم، وذلك لصالح القوة العظمى وحدها. إنه يعمل عن طريق التلاعب بالدلالة اللغوية التي تُمَوِّه إرهاب الدولة بفضل صفة الإرهاب التي يُلحقها هذا الخطاب بكل مقاومة لإرهاب الدولة، ومنها على سبيل المثال ما يُسَمُّونه ب/"الإرهاب الإسلامي"، وما يَلحق به من علاقات الترابط والاشتقاق، ومنها "الإرهاب العربي"، ثم ما يتبع بها ويرتبط بها، ومنها "المسلم إرهابي، والعربي/ إرهابي". الأمر الذي لم يفت على جان جونيه التنبيه إليه عندما ميِّز بين العنف التحرُّري الذي يجد أفضل مثال له – حسب ما كان يقوله قبل نحو ثلاثين سنة – في الشعب الفلسطيني، والقسوة القمعية التي تمارسها السلطة الإسرائيلية المُحتَلَّة. والواقع، إن إرهاب الدولة الذي يَعفي نفسه من أي دفاع عن النفس ينتمي إلى ممارسة كل دولة أيا كانت طبيعتها، في ما هي تزعم لنفسها حق احتكار العنف الشرعي، وارتكاب كل أنوع الانتهاك.
إن الإمبريالية الأمريكية مصدرٌ ومركز للرعب المعولم. وإن الخطاب الذي تنشره ليس أمرا آخر سوى خطاب القهر. والنتائج المترتبة عن هذا الخطاب من نوعين اثنين. إنها على الصعيد المرئي سياسية. فهذا الخطاب يعمل بدون هوادة على نشر جو من الرعب على الصعيد الدولي، جو من الريبة والشبهات، جو حربي، ويعَتمد على وسائط الإعلام لتغذية حالة من الذهان. أما النوع الثاني من النتائج، فإنه أيديولوجي. اللائحة هنا طويلة. فلنقتصر، هنا، على الخطاب الذي يُزَيِّف الحقائق من أجل الإقناع بالحرب الصليبية، أسسها وأهدافها الشمولية. فالخطاب يصف أشكال المقاومة (العنف) ب"الإرهاب" الذي يَستهدف في المقام الأول الضحايا المدنيين والأبرياء. هذان التعبيران، العنف والإرهاب، هما، هنا، موضع لتلاعب مكشوف بالرأي العام. فمن هي الحرب التي لم تُخَلِّف بين المدنيين والأبرياء عددا أكبر مما خلَّفته بين العسكر؟!! وماذا أيضا عن "صِدام الحضارات "الذي لا يوفِّر أحدا بما في ذلك العلمانيين في بلاد الإسلام. هذا كله في ما يعمل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بكامل طاقته ليدر أرباحا طائلة...
د – إرهاب ما فوق الدولة: إن حق الدفاع عن النفس على لسان الولايات المتحدة ضد "الإرهاب الدولي"، وما تسميه إسرائيل ب"الردود الانتقامية"، ما هو سوى قلب للأدوار. ومن الأمثلة الحية على ذلك تجده في قنا بجنوب لبنان، حيث يزعم الجلاد أنه الضحية. أما في ما يتعلق بالكشف عن هوية الخصم، فإن "القاعدة" هي العدو المُبْتَكَر. فلنلاحظ أن "الإسلامي" من حيث هو عدو لإنسانيتهم، حسب الأيديولوجية السائدة، يَخْلُفُ الشيوعي، وإن راعي البقر لا وجود له بدون الهندي الميِّت إذا أمكن ذلك. وابن لادن، إذا ما كان موجودا من دم ولحم، فإنه زراعة أمريكية من صنع ال/سي.أي.إيه (يعود تاريخ الكتابة إلى العام 2007). إن طالبان شأنهم شأن نورييغا هم بمثابة ارتكاس للضربة التي عادت من حيث كانت انطلقت لتخبط وجها لوجه من كان أطلقها. إن الإسلام السياسي الذي يُستخدم كرديف للأصولية أو الإسلامية هو نتاج واقعي موجود، من دم ولحم، للسياسات الإمبريالية التي مورست منذ باندونغ، وما رافقها من اغتيالات لقادة مناهضة الاستعمار والإمبريالية، من المهدى بنبركة، إلى هنري كورييل وشي غيفارا، مرورا بلومومبا ومُصَدِّق، فضلاً عن تصفية حركات المعارضة الوطنية والتقدُّمية، وما قدَّمه الاستعمار والإمبريالية من دعم مالي ومعنوي واقتصادي ودبلوماسي لأعداء الثورة وللثورة المضادة في سائر أنحاء العالم العربي والإسلامي. إذن، في مواجهة إرهاب الدولة العظمى أو إرهاب ما فوق الدولة، والذي يَشغْل حيِّزا مركزيا في عالمنا، فإن "قاعدة" ابن لادن ما هي، من حيث موقعها في مركز الإرهاب، إلا انعكاسٌ لهذه الدولة في المرآة، حيث تَظهر فيها أشكالٌ من المقاومة في كل مكان من العالم. أشكال ٌمن المقاومة، وإن كانت ضعيفة، فإنها تتحدى هذا المركز وتبدأ بتفكيكه.
ه - العنف المعولَم والمُعمَّم: العولمة ذات البريق الكاذب تنجح حتى الآن، وعبر الثورة المعلوماتية، في إخفاء مظاهر العنف المنتشرة والمستمرة والمتسعة. "الواقعي في السياسة ليس ما نراه" كما يقول مؤسِّس الحزب الثوري الكوبي خوزي مارتي (1853- 1895). التحليل الملموس للواقع الملموس في عالمنا الراهن يؤكد أن العولمة ليست أمرا آخر غير ما وصلت إليه الرأسمالية في أعلى مراحلها. مرحلة مطابقة لطبيعتها حسب ما يُبيِّنه ماركس وإنجلز في مطلع "البيان الشيوعي". وكان حَدَثَ أن الآمال التي وُلِدَت غداة انهيار حائط برلين، والتي كانت تحلم بعالم من نمط آخر بديل للبلدان "الاشتراكية"، قد تبخَّرت.
1- العنف المعولَم، هذه المعطيات تشير إلى أطروحة مؤدَّاها أن العالم بدل أن يرى بديلا يحل محل اسطورة "العولمة السعيدة" الموعودة من قِبَل الأيديولوجية السائدة، فإن ما نواجَه به هو "عنف معولَم" تعجز أية إجراءات وتدابير للإنقاذ أن تنجو بنا منه، بما في ذلك تلك التي تنادي بها "العولمة الأخرى. إن اللجوء إلى النزاعات المسلحة واستخدام القوة العسكرية اليوم، لا مثيل له في الماضي. وهو نوع من "العنف الدامي"، ومن نتاج إمبريالية الولايات المتحدة الأمريكية التي فَرَضَت سيطرتها على شركائها في الإمبريالية، والتي تتميَّز بأن أداءها هو- من حيث التعريف - عدواني منذ ولادتها. إنها، حُكما وأبدا، عدوانية، ولن تكون غير ذلك. إنها بحاجة دوما إلى عفريت، هندي، مكسيكي، بولشفيكي، إسلامي. وقد لمَّت وراءها ائتلافا واسعا من الدول. حتى أن الكوكب اليوم يقع بكامله تحت رقابة البينتاغون الذي يجنِّد مئات ألوف العسكر، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المرتزقة. هذا هو الشكل الأول للعنف في عهد العولمة النيوليبرالية.
2- 2والشكل الثاني للعنف اقتصاديٌ، وهو "العنف الأخرس". فالنظام الاقتصادي يَتْيَع اليوم للنظام السياسي لسيطرة رأس المال المالي. وهو الأمر الذي يعبِّر عن نفسه بتعميق الاستغلال، وحالة من انعدام المساواة أفظع وأشد مما كان عليه الظلم في الماضي، وديمقراطيات مريضة، وحالات من التمييز في كل المجالات. نحن اليوم أمام تعديل خطير لقانون العمل، وفقدان العمل الآمن من البطالة في المستقبل، وقد حلَّت الإثنيات بجميع أشكالها وألوانها محل بنى ومنظمات الطبقة والأمة. واتَّسع تعميم البضاعة وامتد ليطال كل مناحي الحياة بصورة لا مثيل لها، فشمل السلاح والمخدرات و الدعارة. حتى أن المظلومين المعدمين باتوا يتاجرون بأجسامهم وهم أحياء. هذه البضاعة في ما هي في حالة التعميم، فإنها تَنهب اليوم أفريقيا، حتى أن القارة السوداء باتت في حالة النزع الأخير، وهي تلفظ أنفاسها. ناهيكم وما تلحقه العولمة من أضرار بالبيئة.
3- هذا، ويصعب التمييز بين هذين الشكلين من العنف، العولمة العسكرية، والعولمة الاقتصادية، وما يرافق الأولي والثانية من حالات عنف. فالعنف "الأخرس" يتمخَّض عن نتائج مجتمعية ثرثارة – إن صح التعبير - تتحدَّث وتَفضح النظام النيوليبرالي السائد، حيث التمرد والعصيان في "الضواحي" كما يحلو لهم أن يقولوا، أو في "الأراضي" للإشارة إلى انتفاضات الشعب الفلسطيني، ناهيكم وارتفاع نسبة الانتحار بين الشبان وسلك الشرطة وقادة المؤسسات وفي المعامل، واغتصاب النساء، وانتشار عصابات الجريمة المنظَّمة، والموت بسبب التبغ والكحول، والتنكيد الأخلاقي، وذلك كله فيما تَمَّحي الحدود ما بين المافيات ورجال السياسة والمضاربين في البورصة. الخلاصة مما تقدَّم، هي أن العنف "السلمي" لا يقل ضررا، أذىً وتدميرا، عن العنف الحربي. إن أي تدمير عسكري تحت أي عَلَم كان، لن يصل إلى أقدام الجرائم الواسعة التي تُرتِكب بحق الجماهير من قِبَل عصابات المجرمين وجمعياتهم، من أمثال المجموعة متعددة الجنسيات للمواد الغذائية "مونسانتو"، أو صاحبة الاحترام العظيم المؤسسة التي تحكم العالم والتي يسمُّونها صندوق النقد الدولي.
و - من الناحية الأيديولوجية: لما كانت الانتهاكات كثيرة الأشكال وليست مخفية على أحد، وكانت تقع تحت إشراف الولايات المتحدة، فإن شرعية النظام القائم، وحقوق الإنسان، وحق الشعوب بتقرير مصيرها، والقانون الدولي، ودولة القانون، لم تعد تجد رواجاً. فها هي التعبئة العامة، تحت شعار مكافحة الإرهاب، قد أَعلَنت عن نفسها وتَغَلَّبت على كل ما سواها بعدما استُخدِمت اعتدءات 11 سبتمبر 2001 ذريعة لتشييد نظام من الأدلة يؤَسِّس لتوسيع أجهزة الأمن بصورة لا مثيل لها في الماضي، وما يرافق ذلك من ارتفاع في النفقات العسكرية بنسبة 50 بالمائة، وازدهار غير مسبوق للصناعات الأمنية ومنتجاتها. في ما وَحَّدث كثرٌ من البلدان تشريعاتها القضائية، وإجراءاتها، لحيازة مزيد من الأدوات لسياستها ما فوق الليبرالية، من الاعتقال الاحترازي إلى التصنت على الهواتف، إلى شبكات التصوير والكاميرات المنتشرة في كل مكان. إن انعدام أي تعريف لمفهوم "الإرهاب" - عن قصد وبصورة مستمرة - يُخفي الابتزاز الأمني و"خطاب الأمن"، ويفتح المجال أيضا أمام إجراءات معادية للمجتمع، لاسيما وأن كل حركة معارضة أو حركة مقاومة هي – حسب الإيديولوجية السائدة – مجرمة بموجب قانون عام أعمى، لا يَسمع ولا يذوق، معدوم الحواس والعقل، ما دام يخلط الحابل بالنابل، ولا يُمَيِّز أو يُفَرِّق ما بين المقاومة ودولة العولمة، حرب التحرير والمافيات الحاكمة، الحصانة القضائية لرئيس الدولة والسجن للفقير المُعْدَم بتهمة التسوُّل، جيش التحرير الشعبي وكارتل المخدرات. هذا القانون اسمه قانون مكافحة الإرهاب.
1- حق التدخل الإنساني: إن هذه الإيديولوجية ت في دهاليز الدبلوماسية الدولية تُخفي نفسها عبر مزاعمٍ ديمقراطيةٍ إنسانية تزعم أنها تؤيِّد العدوان المسلح أو ما يسمُّونه "حق التدخل". إن تكاثر "الثورات" التي يسمُّونها "برتقالية" – بين أدوات غيرها لحيازة السياسة ما فوق الليبرالية على سيطرة أشد، ضروريٌ، حسب منطق هذه الأيديولوجية، من أجل تشييد نظام عالمي جديد، يؤدِّي إلى إطلاق يد السلطات في ارتكابها لكل الانتهاكات والاغتصابات. وإن مبدأ "فَرِّق تسد"، هو عصب السياسة الإمبريالية التي تشجِّع انفجار الأمة الواحدة إلى أمم. والأمثلة أمامنا كثيرة: يوغوسلافيا، الاتحاد السوفياتي، العراق، بوليفيا، والصين. والانحسار السياسي للمجتمع يمتد ويتَّسع إلى مجالات غيرها، في الإعلام، والثقافة، والعادات، حيث يُعاد قولبتها وترقيمها بحيث تستجيب لنواهي ومُلزَمات السياسة الأمريكية. بمثل هذا الخطاب الأيديولوجي تصبح الولايات المتحدة الأمريكية هي "الأمة الوحيدة الضرورية"، كما يقول بوقاحة وكبرياء الديمقراطي الأمريكي وليم كلينتون.
2- رفض العنف،: هو الآخر بدوره، عملية أيديولوجية سرعان ما تتعرى أمام بصيرة نقدية. إن رفض العنف يشكِّل نقطة التلاقي في أيديولوجية مكافحة الإرهاب التي تكرِّس احتكار الدولة لممارسة العنف، وتمنحها، كما يقول ماكس فيبر، قيمة مطلقة. إن رفض العنف وإدانة كل حالة عنف، من المواطن غير المتقيِّد بما هو مواطن، إلى الشغب والاضطرابات، مِن هذا الذي يدَفع بالآخر بيده أو قدمه لرميه أرضا، إلى التعذيب، إن كل هذه الأشكال من العنف تحظى بإجماع توافقي كامل ضمن الأسر السياسية الحاكمة وغير الحاكمة على اختلافها، متوافقة على تصنيفها وإدانتها تحت عنوان واحد أحد كبير هو العنف، نقطة على السطر. ثم جاءت اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 لتقدِّس إدانة العنف. هنا، تَصُبُّ مراسم المآتم على أرضية من الشعور بالذنب، في محرمَّات الطبقة القائدة، وتعزِّز شعارها القائل إن المجتمع يقوم على الوفاق وليس النزاع. وإن هذا الرفض للعنف يؤدي وظيفتين اثنتين. إنه يجسِّد صوتا داخليا يأمر بالانحراف بالمطالب الاجتماعية أو تحجيمها أياً كانت الجماعة العمالية التي تأتي بها. ويُسجِّد أيضا صوتا خارجيا يوجِّه النزاعات الراهنة بإطلاق تسمية الدول "المارقة" والمجموعات "الإرهابية" التي يُحكم عليها بأنها تستحق العنف الإمبريالي. والحال، أن "إرهاب الدولة" يمارس حالة من العدوى الحقيقية، إذ إنه يُحَرِّض بصورة مستديمة على أعمال "إرهابية"، ويَخلق "الإرهابيين" حيث هو يريد مقاتلتهم، وذلك على غرار ما تفعل الولايات المتحدة وإسرائيل. هذا، وإن نقد العولمة لا يجد طريقه بصورة كافية إلى الرأي العام من جراء ستائر من الشرعيات الكاذبة التي تروج وتدافع، من جهة، عن مجادلات فارغة لاهوتية وإثنية، كالحملة الصليبية من أجل الخير وضد الشر، والحضارة ضد البربرية، والتي تروِّج وتدافع، من جهة ثانية، عن جدل سياسي ومجتمعي فارغ يٌطِلق العنان أمام الإعلانات المستقبلية حول المستقبل الأفضل. على هذا النحو، فإن حالة من الخلط تشوب برنامج دافوس من جهة، والمشروع الخيري للقس بيير Abbé Pierre من جهة ثانية. فيما يرى كزافييه فيرسشافي Xavier Verschave في الفردوس الضريبي الذي يدُّر نصف التحويلات المالية العالمية "عولمة للجريمة المالية". ويذهب محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد إلى أن 94 بالمائة من الدخل العالمي مُحتَكَر من قِبَل 40 بالمائة من السكان، وأن 6 بالمائة مما تبقى يتوازعه 60 بالمائة من السكان، وأن نصف عدد سكان العالم محكوم عليهم بدخل يومي يساوي 2 دولار، وأن مليارا من سكان الأرض يكتفي بدولار واحد.

الإرهاب، الرعب، الألم، العذاب والاستغلال، المقاومة، العنف والعنف الثوري
إن نزع الأقنعة التي تغطي العنف وتفكيكها يُشكِّل خطوة ضرورية للكشف عن العنف الثوري الذي يُدفَن كل يوم، وهو حي، ما تحت الإيديولوجيات التي تَرفع الدولة والقانون والأخلاق إلى مرتبة عليا من القمع والظلم لا تطالها ثورة.
آ - رفض العنف لا تَنقَك صلاته بحالات الإكراه المفروضة من النظام الحالي، ومنها في المقام الأول "العبودية الطوعية"، والانقياد للأيديولوجية السائدة بمختلف مكوِّناتها، قانونا، وإعلاما، واقتصادا، إلخ، بالإضافة إلى فرض الأيديولوجيا السائدة على طبقات المجتمع لحالة من الاستسلام والتسليم أمام آلاتها ضمن نمط الإنتاج الرأسمالي. إن هذه الحالات المُلزِمة هي التي تُفَسِّر كيف يَختلط العنف بصورة مقصودة بغيره من الموضوعات. هذا الخلط يتجدَّد عن سابق تصميم كل يوم. إن رد الفعل الهجومي المعادي للعنف، أو ضد العنف، بليدٌ إلى حدٍّ عظيم. إنه يُترجِم عن عدد من الظواهر. فالإجماع على إدانة اللجوء إلى العنف لا يقتصر على الديمقراطيين "المتطورين"، ويتمخض عنه ليس فقط الدفاع عن الإجماع الذي يرُجِّح الحوار والنقاش والوفاق، وإنما هو مُوَجَّه ومسيَّر من قِبَل شكل حديث من العبودية الطوعية. إن هذا الانقياد الطوعي، إذ هو يَقبل بكل ما ترمي به السلطات من تشنيع بحق أي خيار ثوري، من اتهامات تزعم بأن الثورة مفهوم قديم، متخلِّف، وانتهي زمانه، يَنتهي به الأمر، في نهاية المطاف، إلى امتناع هذا الانقياد الطوعي عن المساس بالنظام السائد. ها هنا تَظهَر الرقابة ويَتكشَّف الحظر والإلزام والسيطرة والهيمنة عن أيديولوجيا سائدة تمس كل الظواهر بما في ذلك الكلمة: إن الإمبريالية كلمة صائغة، أما الاستغلال فلا. والعولمة تُخفي الرأسمالية وقد حلَّت محلها، والظلم حل محل الاستلاب، والمواطنون محل الشعب، والجماعات محل الطبقات.
ب - لقد أصبحت النزعة السلمية وحسن الجوار معياراً للاحتجاج والرفض، وهما يسهران على تجزئة كل ما يمت إلى الاحتجاج والرفض من تعبيرات بصلة، من الإضرابات إلى الاعتصام إلى مظاهرات الشوارع. فلقد حل تعبير الجمعيات محل لجان التعاضد والتعاون والنقابة والمجالس. ناهيكم وأن اللازمة التي تردِّد كالمزمار إن الطبقة العاملة انتهت، وفَقدت كل مركزية لها، إنما هي تريد أن تمحو في الوقت نفسه مصطلح الإضراب العام. نحن اليوم أمام تعبيرات من أمثال المنظمات غير الحكومية، والتدخل الإنساني، والمساعدة، والتصدُّق، في ما غاب مصطلح السلطات المضادة ليفسح المجال أمام الأدوات المساعدة للدولة البورجوازية. إن َ العولمة تَمنَح، لأول مرة، للمُسَيطِرين القدرة على التمكن من آلة كلية ، كونية، وفي نظام شمولي واحد يمتد ويتَّسع ليطال السيطرة الاقتصادية والأيديولوجية والمالية و العسكرية والدبلوماسية والمعلوماتية، فضلا عن ثقافة القمع، في ما المُسَيطَر عليهم يُخْتَصَرون إلى اختصاص جزئي في القطاع الضيق لحدوهم. الأدوار هنا موزَّعة بعناية. فهاهنا كل ما هو نظيف أو بالأحرى طاهر، و هناك كل ما هو قذر ومثير للاشمئزاز. وفي جميع الأحوال، فإن للسيطرة قاعدتين اثنتين. أولهما تقول بتحطيم كل ما هو جماعي، أيا كانت طبيعته، عامة أم خاصة، لصالح ما هو فردي. القاعدة الثانية قوامها إلحاق ما هو سياسي بما هو اقتصادي، وبالأحرى ما هو مالي، علما أن ما هو اقتصادي، من وجهة نظر المادية التاريخية، هو نفسه السياسي بالمعنى العام للتكوين الاقتصادي الاجتماعي، وما هو اقتصادي هو نفسه الاستراتيجية السياسية، من وجهة نظر الثورة ضد نمط الإنتاج الرأسمالي.
ج - ليست الأرضية المأساوية لثالوث العبودية/ الانقياد/التبعية، أمرا آخر سوى العنف "الأخرس" الذي يَبقى غير مرئي رغم أنه ذا حضور فوري. وإنهم بعد ذلك يزعمون أن هذا النوع من العنف نسبيٌ، طالما أن الرأي العام يَعْرِف بصورة مستمرة كل ما يجري في المؤسسات الاقتصادية. وعليه، فإن الفقراء، حسب أيديولوجيتهم - ليسوا البضاعة الكاسدة لعالم التطور، وإنما هم النتاج الضروري لرقيِّه، وليسوا ضحاياً للظلم الاجتماعي، والصحي، والبيئي، والجوي. إلا أن أولئك الذين يبيعون أعضائهم، هم أنفسهم الذين يصابون بوباء فقدان المناعة المكتسبة، على حد قول مانديلا في دحضه للأيديولوجية السائدة، أو هم أنفسهم المتضررون من إعصار، زوبعة وعاصفة.
إن العنف الحقيقي، بهذا المعنى الأيديولوجي، ليس بصورة حصرية رديفاً للأفريقي الذي يرى العالم بصورة مغايرة لغيره، أو المُشَوّه في حادث عمل وراء آلة المصنع، أو المرأة المغتصبة، أو الفلسطيني الذي يعاني من كل أشكال الإهانات، أو العراقي المعذَّب بأيدي جلاديه. كلا، إن العنف، كل العنف، وكل عنف هو، من وجهة نظر الاستراتيجية الثورية في السياق التاريخي، ليس رديفا فقط للائحة كاملة بأنواع الآلام الإنسانية، إنما العنف، بما يَستمده من معنى من السياق التاريخي، من سياقه التاريخي، يمتد ويتِّسع ليدخل إلى المعمل المتقدِّم تكنولوجيا، أو إلى ما سجلَّته الحداثة في عهدنا من آلاف التعبيرات عن الانتصارات التي كانت اكتُسِبَت عبر زماننا. إن العنف يسود في الحكومة العالمية، في قيادة الحلف الأطلسي، في قيادات الأركان، في الشركات متعددة الجنسيات الغذائية، في طعامنا، في الأدوية وعالم الأزياء الفاخرة. إنه أرض يمشي عليها النظام الانتقامي للدولة التي تحتفظ للسجناء السياسيين بمصير أشد قسوة مما يناله سجين الحق العام، وفي القرارات المتعلقة بخصم الراتب. العنف مرسوم فوق وجوه نجوم الشاشة التلفزيونية ومخرجي الاستعراضات الذين يبيعون ويروِّجون لثقافة ديزني لاند وكأنها حلم، فوق وجه مذيع نشرات الأخبار الذي يشوِّه الحقائق ويُفسِد العقول. ولا ننسى أيضا ما يسمُّونه بحالات العنف العفوي التي لا دافع لها سوى الغضب. وإن ردود الفعل هذه كلها، ومنها ما يشبهها أيضا، ألا وهو حالات كثر من تمرد الفلاحين عبر القرون الوسطى، يجب إدراجها في أنماط وأشكال العنف. إن تسلطهم يجعل من الضرورة بمكان التخلُّص بسرعة فائقة من الخضوع الأعمى والاستسلام، سواء كان عن تواطىء أم عن يأس. بتعبير آخر: إن من الضرورة بمكان أن نعي الأضرار المعولَمة، وأن نعيد لمفهوم الثورة مصداقيتها. فهل هذا يعني أن الدعوة إلى العنف هي ترياق التحرُّر.
د - كي نفهم ما هو المقصود بالعنف الثوري، لا بد من أن نعرِّي إدانة العنف. إن رفض العنف، كل عنف، أيا كان، وبدون أية صفة توَصِّفه، إن هذا العنف غير الموصوف يحتل حيِّزا مرموقاً في الأيديولوجية السائدة. هذا الحيِّز كان محتلا ما قبل العنف، من قِبَل الخطاب الحقوقي، حقوق الإنسان، والحقوق الدولية، ودولة القانون. ثم جاء العنف ليحتل المركز الأول محمولا من الخطاب الأمني الذي يقوم على مرتكزين اثنين: مكافحة الإرهاب، والدفاع عن الديمقراطية إن لم يكن تمجيدها.
1- تُلْزِم الأيديولوجية السائدة حكومات العالم والهيئات الدولية بأن تضع نهاية للعنف، علما أنه منتشر اليوم في كل مكان. هذه الأيديولوجيات هي نفسها التي تروِّج للعنف، مادام هذا الموقف الأيديولوجي هو من خواص الإمبريالية في مرحلتها الراهنة، والتي تُسَمِّى عولمة، ومعناها عولمة العنف. إن أول خواص العولمة يَظهر عبر أسبقية الحرب على السياسة بعدما كانت الحرب امتدادا مسلّحا للسياسة. ونحن نشاهد اليوم كيف أن الولايات المتحدة التي تقود الإمبرياليات قد أَعلَنَت "الحرب إلى ما لا نهاية". وإن هذا العنف، وهذه الحرب، وهي ذات مستوى تكنولوجي بلغ أعلى مراحله، يكشف عن نفسه عبر التشريع للتعذيب والقتل والسجن والقمع والظلم، وعبر مراكز الاعتقال الخارجة عن القانون. لكنه ينفي عن نفسه حقيقته، من حيث هو عنف إمبريالي، بحجة مؤداها أن الهدف من التعذيب والاعتقالات احترازي، وقائي، ويَستَمد شرعيته من محاربته ل/"محور الشر". إن أيديولوجية العولمة تَعْتَبر هذا العنف إحسانا أو عملا باراً، ويقتصر عل ردود انتقامية. أما العنف الأخرس لنمط الإنتاج الرأسمالي، وما يثيره لدى المُسْتَغَلِّين والمُعتدى عليهم من قِبَل الإمبريالية العسكرية وغير العسكرية، من ردود فعل عنيفة، فإن أيديولوجية العولمة تَصِفُه بأنه مجرم و"أعمى"، وهو من عمل "الآخر" الذي كان يُسَمِّى في الماضي ب/الشيوعي الأحمر" والذي يُسَمَّى اليوم ب/"المسلم الأخضر".
2- فإذا كانت العولمة تسمية أُطلقت كقناع أيديولوجي لإخفاء الرأسمالية وخاصياتها الراهنة، من سيطرة المؤسَّسات المالية الدولية التي فَرضت نفسها كحاكم للاقتصاد العالمي، إلى تمركُّز الاقتصاد، واتساع مستمر للعدالة المفقودة بجميع أشكالها وأنماطها، ووزن الديون، إلخ..إلخ، فإن هذه الخاصِّيات للعولمة قد اشتدت خطورة تحت تأثير نظام من الإجراءات الأمنية كانت أُقِرَّت في كل البلدان "الغنية"، على غرار وعلى نمط مثيلاتها في الولايات المتحدة الأمريكية. هذا النمط الأمني الأمريكي الذي فَتح الباب واسعا أمام التجسُّس على المواطنين، والتراجع عن المكتسبات الاجتماعية وقانون العمل، حسب ما يحدث في فرنسا حاليا، والضغط على الأجور، والانقياد للمؤسَّسات ما فوق الوطنية، كالحلف الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، ومنطقة التجارة الحرة في القارة الأمريكية ALCA. . بتعبير آخر، فإن التدابير الأمنية التي ترافق خاصيات الرأسمالية أو العولمة قد فَرَضَت في نهاية المطاف انتصار الليبرالية. حتى أن كل ما يخالف هذا النظام الرأسمالي الأمني المعولم، ويأتي من "الآخر" الذي يرفض الانسياق أو الاندماج فيه، يُعْتَبَر إرهابا صريحا أو من حيث الممكن، من ابن لادن، إلى حزب الله، إلى حماس، حتى "ابن الزقاق" في ضواحي المدن الصناعية الكبرى، والطالب المحتج أصبح اليوم إرهابيا بأعين الدولة، الدول.

العنف الثوري:
إلى ذلك، فإن العنف التحرري والثوري مبرَّرٌ. على الصعيد النظري، فإن نظرية العنف عند أنجلز تصطدم بحدودها الضيقة، طالما تحظى الظاهرة الاقتصادية بأولوية ذات طبيعة ميكانيكية من جهة، وتنفي غيرها من الأولويات من جهة ثانية. وعلى الصعيد النظري، فإن موضوعات الماركسية ما تزال هي البوصلة التي تَرسم الطريق إلى مناهضة كل أشكال الاستغلال، وتكشف عن شروط الثورة وانهيار الأنظمة المنحرفة، وامتداد حالات من صراع العمال واتساعها باتجاه يشمل كل المسيطَر عليهم، وتبيِّن أيضا حيوية علاقات الإنتاج الرأسمالية التي تنجح في تخطِّي الأزمات، وتحكم على مناهضيها بالعجز أو بالاستسلام لها. إن موضوعات الماركسية ترشدنا إلى وعي ظاهرة التبعية الطوعية التي تسود في عالمنا:
آ - على صعيد الممارسة السياسية، فإن من الضروري تفكيك الخطاب الأمني، ومعه خطاب الإرهاب الذي يمدُّ الخطاب الأمني بالمبرِّرات. منظمة الأمم المتحدة، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، لا تُعرِّفان ،عن قصد وتصميم، ما يسمونه الإرهاب. الأمر الذي ينطوي على معانٍ ومدلولات.
ب - إن رفض"اليسار" للعنف يعني أنه يوافق على إسدال قناع على عنف الدول والقوى الاقتصادية. إنه إذ يمحوه، فإنه يتجاهل، على هذا النحو وفي الوقت نفسه، أشد أنواع العنف قسوة، ألا وهو علاقات الإنتاج الرأسمالية التي تُحرِّض على أنماط من العنف الثائر وتنتجه. هذه العلاقات الإنتاجية العنيفة للرأسمالية هي التي تبرِّر العنف الثائر، أيا كان وجهه، ومن أي مصدر أتى. إن خواص الحرب في عهد العولمة، عسكريةٌ، واقتصادية (الليبرالية)، وسياسية (تصدير الديمقراطية). العنف الأخرس - كما يقول ماركس - للعلاقات المجتمعية الرأسمالية أشد قسوة من العنف المرئي الدامي. فصندوق النقد الدولي، بين غيره من مؤسَّسات "الحكومة العالمية" أو المجموعات متعددة الجنسيات، كموسانتو، وإيلف، ونستلة، هي جمعيات للصوص، ومسؤولة عن ملايين الضحايا. وما الفقر في أمريكا اللاتينية سوى أشد أشكال العنف الأخرس.
ج - إن الكبت أو السكوت المفروض على حظر كل عنف باستثناء عنف السلطة، والذي يزيد من وطأته أن "أحزاب اليسار" لا تعتزم الشروع بالثورة، يَفرض بدوره على مجتمعاتنا حالة من الانصياع الطوعي. وإن التدابير الأمريكية التي كانت أَعقبت عمليات 11 سبتمبر 2001 ، وَجَدت أنصاراً لها في جميع تشريعات العالم، بما في ذلك أقلَّها ديمقراطية، وذلك باسم سياسة "مكافحة الإرهاب"، بل وإنها أيديولوجية "مكافحة الإرهاب" وقد نُصِّبَت بوصفها الإيديولوجية السائدة. استنادا إلى ذلك، تُعطي الحكومات لنفسها الحق بقمع أقل أشكال التظاهر الاحتجاجي، وسلب الحقوق المجتمعية المُكتَسَبة.
د - إن التضامن مع حالات من النضال المناهض للأنظمة، ومنها في المقام الأول نضال الشعوب في المواقع المتقدِّمة من المعركة، الفلسطينيون والعراقيون، والتضامن مع أولئك الذين يريدون بقوة التحرًّر من النفوذ الأمريكي، والحركات الاجتماعية المعبأة في كل البلدان لمناهضة الاستغلال، إن هذا التضامن شرط ضروري للعثور مجدَّدا على طريق الأمل بتشييد عالم من نمط آخر مختلف عن عالمنا بصورة جذرية. الأمر الذي يَفترض، ليس اللجوء إلى الدفاع عن النفس، وإنما الاعتماد على العنف التحرُّري. إننا نعرف ما الذي يُلْزِم باللجوء إلى العنف، وإن كنا نجهل دوما ما إذا كنا نختاره حقا. فأمام العنف في حالة العولمة، يجد المُسَيطَر عليهم أنفسهم مُلْزَمين بأن يردُّوا بالعنف الذي يَحمل إليهم الحرية.
فإذا كان العنف، بمنطق الأيديولوجية السائدة، مرفوضاً بأي ثمن بحجة أن النظام الدولي يكافح الإرهاب، فإن الجمع ما بين كل حالات العنف على تنوع أنماطها تحت قانون واحد سائد اليوم هو قانون مكافحة الإرهاب، فإن تعريف الإرهاب بأنه العنف، يُفقِد الإرهاب كل تعريف. ذلك أن للعنف أنماط لا حد لها. وكل عنف يندرج في سياقه، أو إن لكل عنف وضعه، وهو يقاس بمقياس هذا الوضع. والعنف المرفوض في عالمنا اليوم لأسباب إيديولوجية هو بوجه التحديد العنف الثوري. هذا النمط من العنف يشكِّل جواب المسيطَر عليهم والمَسُوْدِين على ما يمارَس عليهم من عنف. لقد أشبعونا خطابات عن الإرهاب، والأمن، حتى بات فعل التدخين جريمة. الإجراءات القانونية التي تُعتَمَد لقمع العنف لا نهاية لها. والحال أن هذا وذاك من أنماط العنف هي نِتاج لعلاقات الإنتاج الرأسمالية، كل أنماطه على اختلافها وبدون استثناء، وليس فقط العنف الثوري وما يسمُّونه إرهاباً. بل وإن الطبقة السائدة لا توفِّر جهدا في ممارستها للعنف من أجل إخفاء العنف غير المرئي، العنف بدون لكمات، العنف غير الدامي، هذا العنف المسجَّل في علاقات الإنتاج الرأسمالية. الطبقة السائدة هي صاحبة العنف بجميع أشكاله وأنماطه. انظر إلى إمتوسط عمر المواطن في اليابان والذي يصل إلى سبعين سنة، وفي أوروبا ثمانين سنة، ويتقلص في أفريقيا وأمريكا اللاتينية ليهبط إلى ما بين 35 إلى 45 سنة. هذا هو العنف على حقيقته. إن الأهالي في أفريقيا مضطرة إلى بيع أعضاء حية من أجسامها إلى مخابر أمريكية من أجل إطعام عائلاتها. هذا هو العنف كما يتجلَّى على حقيقته. منظمة الأمم المتحدة، عندما ترفض أن تَنقُلَ إلى حيز التنفيذ ما تفرضه من عقوبات ضد إسرائيل التي تُعْتَبَر دولة ما فوق القانون، وهي تبيد الفلسطينيين تحت أنظار العالم أجمع دون أن يحرك هذا الأخير ساكنا (عقوبات وغيرها)، بل وإنه يتفرج ويبصبص على ما نزل على المعتدى عليهم من ظلم، هذا هو العنف. إن الإيديولوجية السائدة، لما كانت تُروِّج لعقيدة مؤدَّاها أن العنف مكروه بالقوة، إلا ما كان منه مرتبطا بعلاقات الإنتاج الرأسمالية، فإن هذه الإيديولوجية تضع في مصاف واحد المُعْتَدي والمُعْتَدى عليه، وتراها تتحدَّث عن لولب العنف، والعنف الذي يَسْتَدرِج العنف. وما ذلك كله إلا من أجل إخفاء وتمويه العنف الثوري. هذا العنف هو الملاذ الوحيد الذي يتبقى في نهاية المطاف للمستَغَلِّين في العالم أجمع. وليس لهم من ملجأ غيره. والإيديولوجية السائدة لا توفِّر جهدا من أجل سحب هذه الأداة من أيدي المستَغَلِّين المَسُودِيْن.
ه - إن المقاومة الشعبية لا تنقلب إلى إرهاب إلا عبر الدعاية الإمبريالية، دعاية المغتَصِبين الذين يصفون بالضرورة المقاومة الشعبية بالإرهاب كي ما يقمعونها. وما يَحْدُثُ أن بعض أعمال المقاومة تبدو وكأنها كما يقولون "إرهابا"، من جراء ما يرافقها من شعور ب"الرعب" الذي يُسْنَد إلى روبسبيير ورفاقه الذين أَعدموا خصومهم وحَملوا القنابل. إلا أن هذه الأفعال إذا كانت "إرهابية"، عنيفة، إلا أنها تنتمي للمقاومة، وهي تعبيرات سليمة. إذ ها هنا، كما في غيرها من الحالات، إن الذين يُسْدُون النصائح ليس هم أنفسهم الذين يسدِّدون الثمن. فلنتذكر الوصية التي يسديها "البيان الشيوعي"، وهي ما تزال سارية المفعول: "إن الشيوعيين يَدعمون في كل البلدان الحركات الثورية ضد النظام المجتمعي والسياسي القائم".
و – العنف والاستراتيجية الثورية: إن كل مَخرَج من حالة أو وضع معاش، من حيث هو حالة عنف لا تطاق ولا تُحتَمَل، وتبحث لنفسها عن مخرج، هو المعادل الموضوعي لعلاقات قوى ماثلة في الحاضر، أو للصراع الطبقي. فإذا لم يَأخذ التمرد طريقه إلى الثورة، فإنه لن يلبث أن يُتلف ويتحوَّل إلى حالات من الشغب التي تشتعل هنا وهناك مبعثرةً، عفوية وجزئية، ولن تلبث حالات الشغب هذه أن تٌقمع، فتفقد الحركة في مثل هذه الفرضية مصداقيتها. إن المسيطَر عليهم ليس بوسعهم أبدا أن يعوِّلوا الآمال على اللجوء إلى العنف، طالما هم لو خُيِّروا لما اختاروا إلا العمل السلمي. لكن عولمة العنف المفروضة من الطبقات السائدة فَرَضَت بدورها، كردٍ هجومي مفروض وبالمقابل، عنفَ الطبقات المسحوقة. إذ إن ما تعاني منه الطبقات المُسَيطَر عليها من عنف الاستغلال، وما يرافق هذا العنف من عذاب، يُوَلِّد لدى الطبقات المُسْتَغَلَّة الثورة، والعنف الثوري. هذا العنف الثوري من حيث هو انتقال من العنف الأخرس إلى العنف المُنَظَّم الواعي، يستحق اسمه طالما يندرج في سياقه التاريخي، وما دام يستجيب لاستراتيجية ثورية، ولأنه يَستمد مبرِّراته من التكوين الاقتصادي الاجتماعي.
ز – العنف الثوري مفروض على المُستَغَلِّين: إن الموقف السلمي واللاعنف، ليس فقط موقفا غريبا عن واقع عالمنا الراهن، طالما أن العدوان الإمبريالي هو هذا الواقع الراهن، وهو عدوان عسكري واقتصادي ومجتمعي وسياسي وثقافي، وإنما هو أيضا عين البلادة التي كانت فُقِعَت بأيدي لاهوتية التحرِّر. فإذا كان الموقف السلمي هو المطلوب أخلاقيا بدون أية مساومات، إلا أن الوقائع والأحداث تبيِّن أن لا مناص من رد الاعتبار للعنف في مواجهة المِحدلة الإمبريالية. يقول جورج لابيكا: "إني، بخلاف اليسار الذي يدين حتى من حيث المبدأ الانتحاريين الفلسطينيين، أعتقد من جهتي أن الانتحار هو الإمكانية الوحيدة للاحتجاج على الاحتلال الإسرائيلي. ففي مواجهة تقنيات سلطات الاحتلال، من سيارات مصفَّحة ومدرَّعات، وطائرات هجومية، وحصار، وجدار العار، ومصادرة الأراضي، وحظر التجول والتنقل، وبناء المستعمرات، وتهجير السكان، والاغتيالات المُختارة، والاعتقالات التعسفية بما في ذلك اعتقال الأطفال، ناهيكم والتقنيات المتطورة للحرب الإلكترونية، فضلا عن التواطؤ النشط للأسرة الدولية كلها تقريبا.. في مواجهة ذلك كله، فإن الفلسطينيين لا يَملكون تقنية أخرى غير أجسادهم".
ح - وعلى هذا الصعيد، فإنه لا بد من تشييد أممية جديدة هي الآن في حال من الكمون تحت حالات من المقاومة المبعثرة، لتكون أداة في خدمة المعالم الجديدة لصراع الطبقات المعولَم. وبتعبير آخر، فإنه لا بد من أن يُمنَحَ العنف وظيفته التحرُّرية، وأن يَستعيد مفهوم الثورة بصره النفَّاذ بعيد المدى، ويُرَدُ، بالتالي، الاعتبار للعنف الثوري.
ط – الثورة المسلَّحَة: يكون العنف ثوريا عندما تتوفر الظروف الموضوعية لتغيير السلطة، وعندما يحين الوقت، من حيث الممكن الاستراتيجي، للاستيلاء على السلطة. ومع ذلك، وبالرغم من أن الإمبريالية وحشية وفظة في جميع أنحاء العالم، وهي تهدِّد كوكبنا بالدمار، وتَقمع كل حركة احتجاج، عمَّالية كانت أم شبابية، فإن مسألة العنف الثوري قد سَقَطَت من الاهتمامات ومن برامج أحزاب اليسار، تحت تأثير شعور بالذنب نتيجةً لسقوط حائط برلين. إلا أن مسألة العنف تعود مجدَّدا لتحتل حيزا مركزيا في أحداث الساعة لأن الإمبريالية تَفرض علينا اللجوء إلى العنف للنضال ضد عدوانها وتهديدها. هذا أمر في غاية الخطورة، لأن الشعوب والمضطَهَدين، عندما يلجأ هؤلاء إلى العنف، فإنهم لا يفعلون ذلك عن خيار حر. فالمُضطَهَدون لا يختارون العنف أبدا. إنهم يَعرفون حق المعرفة، ومن التجربة عبر التاريخ، أنهم هم الذين يَدفعون الثمن غاليا في كل نزاع عنيف. وبالرغم من ذلك، فإن اللجوء إلى العنف حالة مفروضة مِن قِبَل الطبقة المُسَيطِرَة على المُسَيطَر عليهم من جراء عنفها هي، بما في ذلك ما كان يبدو من عنفها بأنه سلمي بدون دماء، كما هو الحال في المصانع حيث أشكال متنوعة من استغلال العمل. التخلي، إذن، عن النضال المسلَّح لا يستجيب بصورة ملائمة للوضع الراهن. وثمة حالات في الواقع الراهن هي من الخطورة بمكان، حتى أن الرد الهجومي بدون عنف لا معنى له. إن العنف حالة مفروضة في العالم أجمع، لأن التهديد في الوقت الراهن مُوَجَّه للشعوب، وللمُضطَهَدين بصورة عامة، وللطبيعة. فإذا كنا لا نستطيع أن نتحرِّك في مواجهة هذا التهديد، فإن ذلك يكشف عن الانقسام الكامل الذي يفصل ما بين القوى المُنتِجَة وقوى اليسار. إن التغيير المجتمعي والانتقال إلى البديل ممتنعٌ امتناعا تاما ما لم يَستلم المُستَغَلُّون السلطة. هذا التغيير لا خلط فيه مع المسارات الانتخابية. تلك المسارات التي تقع تحت تزييف البورجوازية ولصالحها. فالسلطة لا تسقط أبدا كالأجاصة الناضجة. والوضع اليوم أكثر خطورة مما كان عليه بالأمس.
ك - العنف الثوري استراتيجيةٌ سياسية لتغيير النظام السائد. يَصدُرُ هذا العنف عن آلام وظلم وعذاب المُسْتغلين، والمُضطَهَدين، ويندرج في سياق تاريخي للتكوين الاقتصادي الاجتماعي، وهو، بالتالي، مُنَظَمُ وواع، ويهدف إلى تغيير العالم. فإذا كان نمط الإنتاج الرأسمالي وأيديولوجيته هو مصدر العنف والعنف المضاد له، فإن العامل الاقتصادي هو نفسه مجبولٌ بالاستراتيجية السياسية الثورية التي تَجْمع، في حالة بعينها وذات خصوصية وطنية، ما بين أزمنة التاريخ، المجتمعية والسياسية والاقتصادية. لذا، فإن العنف الثوري نقيضٌ للعنف الفردي، ومُقَيَّد بموازين القوى والزمان الاستراتيجي السياسي للثورة. أما العنف بصورة عامة، فإنه حالات لا تحصى، وما العنف الثوري إلا حالة منها. إن العنف حالات لا تُحصى من العنف في عالم العولمة الراهن، حالات ما انفكت تتَّسع وتتنوع وتستمر وتشتد. العنف حالات لكل منها صفة أو مضافً إليه، إنه يَفتَقد إلى أي تعريف وحدٍّ شمولي ونظرية، طالما تحتاج كل حالة من حالات العنف إلى صفة أو مضاف إليه كي ما تظهر خاصيته النوعية أو النمطية في عالم يسوده العنف في كل مكان.


واجب الكراهية:
كانت حتى وقت قريب الوظيفة الأساس للقانون وفلسفته أن تخفي، باسم شرعية لا أساس لها غير الملكية الفردية، ما تمارسه "دولة القانون" المزعومة من قمع واستغلال لطبقةِ من لا يملكون سوى قوة عملهم وحلفائها في العمل الإنتاجي المنهوب من أصحابه، فضلا عن الشعوب المستعمَرَة. الأمر الذي يُشكِّل دوما في النظام الرأسمالي نواة الأيديولوجية السائدة. لكن الطبقات الحاكمة في عالم السياسة والاقتصاد، وإن كانت ما تزال، عهدها ما قبل العولمة، تقدِّس أيديولوجيتَّها تقديسا أعمى دفاعا عن الملكية الفردية وسلطاتها المُهَيمِنة بمختلف أنواعها، إلا أنها لم تعد ترى بدا، في عهد العولمة الذي يُرسِّخ من جبروتها وقوتها الأيديولوجية القمعية، ويَمْنَح الإمبريالية كل ما تريده من مشروعية للممارسة العنف والإرهاب والرعب في العالم، من انتهاك القوانين التي تحميها وتحمي غيرها من الطبقات بحكم مؤسستها الدستورية، وذلك حيث تستطيع أن تفتك بالمُسْتَغل المُضطَهَد المعذّب المظلوم دون أن ينال هذ ا الانتهاك من الشرعية الأيديولوجية للقانون والدستور الذي يحميها. أي، دون أن تنفضح انتهاكاتها التي لا تحصى للقانون والدستور على الملأ، ودون أن تُخِلَ سياساتها بالنظام الإعلامي الأمني المكرَّس لحمايتها، والذي يَخطف، من حيث هو إرهابي، من قطار الأحداث، كل خبر يهدّد مصالحها الطبقية. إن قوانينها الأمنية والدولية والاجتماعية تَقتَلِع اليوم، بحيل إعلامية من نِتاج أيديولوجيتها، إن كانت ذكية وماهرة، إلا أن عنفها القمعي لم يعد خافيا على أحد، أو، وبأقل تقدير، على المُستَغلِّين المُضطَهدين في كل أنحاء العالم، ومنهم بوجه خاص في فلسطين، والعراق، وبلدان الثورة المضادة، حيث سُرَقت الثورات الشعبية في تونس ومصر واليمن والبحرين من الطبقات الحاكمة، والتي تتأهب الثورة المضادة في ما حضر لسرقتها في سورية، ناهيكم والقوميات المعاصرة للعرب عبر التاريخ من أكراد وبربر، والتي تَكشُف كل يوم عن تلاعبات جديدة بمصيرها القومي. إن سلطة "الأمير" هي السائدة في الواقع، وليس القانون من حيث هو ايديولوجية الطبقات المسيطِرَة الحاكمة.
للعنف الثوري دافعٌ موضوعيٌ يلازمه ملازمة الظلم والقهر والألم والعذاب للاستغلال والاضطهاد والسيطرة، ألا وهو "واجب الكراهية" للعولمة، والمُستَغِلِّين، والدولة من حيث هي مصدر الإرهاب وراعيته. واجبُ وحقُ الكراهية حيال أعداء الحرية والعدالة ومصاصي دماء الشعوب. إنه واجبٌ، ليس بالمعنى الميتافيزيقي لدى الفيلسوف كانط، وإنما، من حيث هو نفسه هذا الألم والعذاب الذي يتحول من معاناةٍ للعنف الأخرس، إلى عنف ثوري يهدف، ليس إلى القضاء فقط على العنف الأخرس، وإنما إلى تغيِّير المجتمع والدولة. "واجبُ الكراهيةِ" حقٌ مُكتسَب، وليس غريزة موروثة، يَفرُضُه النظام الاستغلالي القاهر لقوة العمل، على المُسْتَغَلِّين المقهورين. واجبٌ أو حقٌ مصدره سياقٌ تاريخيٌ من الظلم، والبؤس، والاستبداد، والغزو الإمبريالي، والعدوان على الشعوب. "واجب الكراهية"، في معرض التكريس للمقاومة والعنف الثوري، دافع ٌ موضوعيٌ طالما يَدخُل ضمن التكوين الاقتصادي الاجتماعي، وهو ليس حالة نفسانية، ولا علاقة له بالواجب الديني والفلسفي، المثالي الميتافيزيقي، ناهيكم والبسيكولوجيا. الكراهية واجبٌ حقٌ، أو هي تَستمد شرعيتها وحقها، ليس من القانون من حيث هو تابع لإيديولوجية الدولة، إنما هو واجبٌ ذو حقٍ مستمدٍ من الصراع الطبقي عبر التاريخ. إن "واجب الكراهية"، من حيث هو حقٌ، شأنه شأن "الحقد الطبقي"، لا يأخذ شرعيته من الإحيائية، والدين، والأخلاق، والفلسفة، وسياسة الأمير، لاسيما وأن المادية التاريخية كانت قَطعت صلاتها بهذه الأنظمة المعرفية كلِّها عندما ظهرت الطبقة العاملة وحلفاؤها المثقفين، كقوة معرفية جديدة ثَوَّرت العمل المعرفي الواعي، ودحضت ذلك النظام المعرفي، الميتافيزيقي والتجريبي والمثالي، تحت عنوان تفنيد الأيديولوجيا ونقدها. لكن "الحقد الطبقي"، شأنه شأن "واجب الكراهية"، لا يحوز على حدِّه وتعريفه ما لم يرتبط باستراتيجية ثورية، ويضحى أحد مكوِّناتها الموضوعية. العنف الثوري لبنة واحدة من مادة قوامها "العنف الأخرس"، و"الحقد الطبقي". بيد أن العنف الثوري لا يحوز على شرعيته كحق وواجب ما لم يَندرج ضمن مكوِّنات خطةٍ استراتيجية ثورية. "واجب الكراهية" وجهٌ للصراع الطبقي ومقاومة الإمبريالية، بين أوجه كثُرٍ غيره، يشارك في إشعال الثورة ويغذي العنف الثوري، في حال ما إذا سَلَّمَت الكراهية واجبها وحقها للاستراتيجية الثورية، وشرط أن ينقاد واجب وحق الكراهية للاستراتيجية الثورية، ولا يقودها.

باريس، نيسان/أبريل 2012

*) بين أيدي القارئ مقتطفات مختارة من أعمال الشيوعي الفرنسي جورج لابيكا حول العنف والعنف الثوري. وإذا كان كاتب هذه الأسطر جَمَع، من جهة، بين العمل الأخير لجورج لابيكا "نظرية العنف" الصادر في فرنسا في العام 2006، وما تبع نشره من محاضرات ألقاها في الندوات الثورية والجامعات في فرنسا وغيرها من البلدان، فإنه زاد عليها، من جهة ثانية، نصوصا مختارة من حوار مطوَّل كان أجراه مع الرفيق الفرنسي في نهاية العام 2007، ومطلع العام 2008، وتَصدر في وقت لاحق بعنوان "حوأر مع جورج لابيكا: في العلم والتاريخ من أجل تغيير العالم". بيد أن إن المقال التالي يتسع أيضا لما أضافه كاتبه من تفسير وشرح وإيضاح لأعمال جورج لابيكا حول العنف. هذا المقال خال من المراجع لأن محتوياته من كتابات أستاذ الفلسفة في كل من "جامعة باريس العاشرة" و"المدرسة العليا لتخريج الأساتذة" في باريس، حول العنف، ليس من المتيسر توثيقها هنا متن هذا المقال لضيق حيِّزه، لاسيما وأن مراجعه واسعة، ولا تتَّسِع كلها في مقال، ليس المقصود منه دراسة أفكار الفيلسوف الماركسي بقدر ما هو استعراض لها.



#حسان_خالد_شاتيلا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاريخ غير المرئي للثورة المستمرة
- .../... ثورة الخامس عشر من آذار: تهافت السياسة الليبرالية وب ...
- ثورة الخامس عشر من آذار: تهافت السياسة الليبرالية وبؤس اليسا ...
- ثورة 15 آذار السورية: اليسار في سورية تائه في رقعة ألعاب الس ...
- ثورة 15 آذار/مارس في سورية: الخطاب السياسي أولا وأخيرا
- -ميدانية القاهرة- (مقدمة)
- إيديولوجية تجمع اليسار الماركسي (تيم): مقاربة نقدية ومادية
- جورج لابيكا أو تغيير العالم بلا معلِّم
- يمين ويسار، نهاية الاستعصاء
- اليمين واليسار في عهد -الإعلان- والخلاص-*
- الضفة الجنوبية لحوض المتوسط مطالبة بانقاذ المنتدى الاجتماعي ...
- لبنان*
- المقاومة كمصدر للديمقراطية
- عن معاني المقاومة العربية في زمن العولمة النيوليبرالية
- بيان من شيوعي يدعو إلى المقاومة
- إعلان دمشق تكتيك دفاعي يفتقد إلى جيش مجتمعي
- من أجل حملة مناهضة للشراكة الأوروبية المتوسطية
- النداء والأجندة الصادرين عن مجلس الحركات الاجتماعية لبلدان ح ...
- حركة مناهضة العولمة تنصب أول حاجز لها في حوض المتوسط لمقاومة ...
- سورية في زمن الأمبراطورية الأمريكية والنيوليبرالية الجديدة:م ...


المزيد.....




- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
- تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو ...
- التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل ...
- السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي ...
- الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو ...
- بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
- محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان ...
- المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
- القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟ ...


المزيد.....

- محاضرة عن الحزب الماركسي / الحزب الشيوعي السوداني
- نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2 / عبد الرحمان النوضة
- اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض ... / سعيد العليمى
- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - حسان خالد شاتيلا - -واجب الكراهية- للطغيان والتسلط - في العنف والعنف الثوري*