نبيل جعفر عبد الرضا
الحوار المتمدن-العدد: 3702 - 2012 / 4 / 19 - 22:37
المحور:
الادارة و الاقتصاد
حظيَ موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص باهتمام كبير من قبل الحكومات والمجتمعات في مختلف أنحاء العالم بعد إن أتضح إن عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تعتمد على الجمع بين دور الدولة ودور القطاع الخاص في البناء والتنمية وعلى حشد وجمع إمكانات المجتمع كافة بما فيها من طاقات وموارد وخبرات لدى كل من القطاع العام والخاص للتشارك في تنظيمات مؤسسية تتولى إنشاء وتشغيل المشاريع بمختلف أنواعها .
أولاً : مفهوم الشـراكـة بين القطاعين العام والخــاص وأساليبهــا
إن الشراكة تعني أوجه التفاعل والتعاون العديدة بين القطاعين العام والخاص المتعلقة بتوظيف إمكاناتها البشرية والمالية والإدارية والتنظيمية والتكنولوجية والمعرفية على أساس من المشاركة والالتزام بالأهداف وحرية الاختيار والمسؤولية المشتركة والمساءلة من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تهم العدد الأكبر من أفراد المجتمع ولها تأثير بعيد المدى على تطلعاتها حتى يتمكن المجتمع من مواكبة التطورات المعاصرة بطريقة فاعلة وتحقيق وضع تنافسي أفضل.
إن مفهوم الشراكة مفهوم حديث , متعدد الأوجه , ذو أهمية متزايدة وهو مرتبط بأبعاد جديدة منها , البعد الإداري والتنظيمي والتعاوني والاقتصادي والاجتماعي والقانوني , وفي هذا السياق نجد كثيراً مايحدث خلط بين مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص وبين مفهوم الخصخصة , إذ إن مشاركة القطاع الخاص هي ليست دائماً خصخصة , لكن الخصخصة هي دائما ًمشاركة القطاع الخاص , وإذا رجعنا إلى مفهوم الخصخصة فأننا نجدهُ في بعض جوانبه ينطوي على نقل الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص وهو الأمر الذي لايتحقق بموجب الشراكة بين القطاعين العام والخاص , إذ يحتفظ القطاع العام بملكية المنشأة ولا تتحول إلى القطاع الخاص ,كذلك فأن الخصخصة تسعى إلى تحرير الأسعار في السوق وتشجيع مشاركة القطاع الخاص ودخول الشركات الجديدة أي إزالة القيود كافة على الدخول إلى السوق , ويمكن في ظل هذا النظام إنشاء جهاز للإشراف على ضمان توازن المنافع بين المستهلكين والمنتجين , أما في الشراكة بين القطاعين العام والخاص فتترك الحكومة هيكل السوق القائم كما هو تحت ملكية الدولة وتقوم بتوقيع عقود فردية مع الشركات لإقامة مشروعات جديدة وتحدد العقود حقوق ومسؤوليات كلا الجهتين للقطاع العام والخاص معاً , وتتمثل أساليب الشراكة بين القطاعين العام والخاص والياتها الشائعة في الأتي:-
1- عقود الإدارة : وهي عقود تأجير خدمات إدارة يقوم بها القطاع الخاص ليضطلع بمسؤولية إدارة المنشأة لمدة محدودة , وطبقاً للعمل المستقر في هذا الإطار تتراوح مدة هذه العقود من ثلاثة إلى خمسـة أعوام وبذلك تتحول حقـوق الإدارة إلى الشركة الخاصة وتبقى حقوق الملكيـة لدى المنشآت العامـة كمـا تبقى مسؤولة عن النفقـات التشغيليـة والرأسماليـة وتحصـل الشركة الخاصة على رسوم مقابل خدماتها وعادة ما يكون جزء منْ التعويض المالي مرتبطاً بأداء المنشأة وبهذا تشارك الشركة الخاصة بجزء منْ المخاطر أو المنافع التجارية .
2- عقود الخدمات : وهو اتفاق تتعاقد من خلاله إحدى مؤسسات القطاع العام مع شركة من القطاع الخاص لتولي نشاط محدد مثل تشغيل أو صيانة في المنشأة العامة لفترة محدودة وعلى وفق هذا الأسلوب تضع المؤسسة الحكومية معايير أداء النشاط وأسس تقييم العطاءات والإشراف على العمل ودفع رسوم متفق عليها للخدمة .
3- عقود الإيجار : وهو عقد تقوم الدولة بمقتضاه بتأجير مرافقها إلى مستأجر من القطاع الخاص يقوم بتشغيلها مقابل دفعات مالية محددة يسددها إلى الجهة المؤجرة بغض النظر عن مستوى الأرباح التي يحققها المستأجر الذي تقع عليه مسؤولية تمويل نفقات التشغيل والصيانة بمعنى تحملهُ المخاطر التشغيلية في حين تبقى الجهة المؤجرة مسؤولة عن الاستثمار في الأصول الثابتة .
4- عقود الامتياز : وينطوي عقد الامتياز على كل سمات عقود التأجير غير أنهُ يتضمن مسؤولية إضافية على القطاع الخاص تتمثل في تمويل إحلال أصول ثابتة أو توسعات محددة في المنشأة العامة , بمقتضاه يعهد القطاع الخاص مهمة توفير سلعة أو خدمة معينة مقابل تقاضي قيمة مادية من المنتفعين تحت إشراف ورقابة الجهة الحكومية ويكون عقد الامتياز محددا" لمدة تتراوح بين (30-15) سنة يتم بعدها إعادة أصول المنشأة العامة إلى الجهة المالكة , وتكمن الميزة الأساسية لهذا الأسلوب في إن القطاع الخاص سيكون مسؤولاً عن تحمل النفقات التشغيلية والرأسمالية فضلاً عن دفع تعويض مالي متفق عليه إلى الجهة المالكة , الأمر الذي يخفف من الأعباء المالية التي تتحملها الدولة , وعلى وفق هذا الأسلوب استنبطت طرائق عديدة لتنظيم العلاقة بين الطرفين عُرفتْ باسم نظام BOT (البناء- التشغيل-نقل الملكية) وتفرعاتهُ , وتتمثل طبيعة هذا الأسلوب بأنهُ مدخل تمويلي وتشغيلي لمشاريع البنية الأساسية , إذ تعهد مؤسسة عامة إلى شركة خاصة محلية أو أجنبية لإنشاء مرفق عام كالطرق والمطارات والموانئ ومحطات الطاقة , ثم تقوم بإدارة وتشغيل المرفق لمدة معينة وبشرط محدد وتحت إشراف ورقابة المؤسسة العامة لتقوم بعد ذلك بنقل ملكية المشروع إلى المؤسسة العامة بانتهاء مدة العقد , وتضع الجمعية العالمية للامتيازInternational Franchise Association في تصنيفاتها أكثر من 75 أسلوباً لتصنيف الأعمال حسب أسلوب BOT (Build –Operate –Transfer) ومن أبرز الصيغ المعتمدة ما يلي :-
أ- نظام( البناء-التملك-التشغيل-نقل الملكية ) BOOT Build – Own - Operate –Transfer))
يقوم القطاع العام بموجب هذا النظام بمنح حق التملك خلال مدة الامتياز للقطاع الخاص بتمويل وبناء المشروع واستثمارهُ وتشغيله وصيانتهُ وتقاضي الرسوم المفروضة على الجمهور المستفيدين من خدمات المشروع وبعد انتهاء فترة الامتياز تنقل ملكية المشروع إلى القطاع العام.
ب- نظام ( البناء – التملك – التشغيل ) BOO Build – Own - Operate))
هذا النوع هو صورة مبسطة من مشروعات البنية الأساسية تكون الملكية فيها دائمة , إذ ينتهي المشروع ذاتياً بانتهاء فترة الامتياز وفي هذا النوع الوحيد يتم انتقال المشروع كاملاً إلى القطاع الخاص بعد بنـائه وتشييـده وتملكه إذ يقوم بتشغيلـه بمفرده ولا يعود مرة أخرى إلى الدولة مثل باقي الأنواع , لذلك يُعدْ هذا النوع أحد أساليب الخصخصة الكاملة والكلية لمشاريع القطاع العام
ت- نظام ( البناء – نقل الملكية – التشغيل ) BTO Build – Transfer - Operate))
حسب هذا النظام تقوم الدولة ببناء المشروع بنفسها وتتكفل بتمويلهُ , ثم تعهد بتشغيله إلـى القطاع الخاص وهي صورة من صور إدارة المشروعات العامة وأهم مجالاتها ألفنادق والمشروعات السياحية , وتعد هذه الصورة عقداً من عقود الخدمات .
ث- نظام ( التحديث - التملك - التشغيل - نقل الملكية ) MOOT Maintenance– Own -Operate))
يتم اعتماد هذا النظام في مشاريع قائمة ولكنها لاتعمل بكفاءة نظراً لتقادمها التكنولوجي أو عدم صلاحياتها ومن ثم تكون بحاجة لعملية تحديث يتم خلالها استخدام معدات تكنولوجية متقدمة ونظم عمل حديثة , فيقوم القطاع الخاص بهذه العملية , إلا انهُ بعد انتهاء فترة الامتياز تنقل ملكية المشروع إلى القطاع العام .
ج- نظام ( إعادة التأهيل – التملك - التشغيل ) ROO Rehabilitation – Own - Operate))
يصلح هذا النظام لمشاريع قائمة ولكنها عديمة الجدوى بسبب قدم وتهالك موجوداتها وحاجاتها إلى عمليات التجديد والتطوير لذلك تقوم الجهة المالكة بعرضها على القطاع الخاص للقيام بهذه العمليات مقابل امتياز يتيح للمستثمر التمالك والتشغيل .
ح- نظام ( الشراء – البناء – التشغيل ) PBO Purchase - Build - Operate))
يمثل هذا النظام أهمية خاصة للدول التي تنفذ برامج الإصلاح الاقتصادي وتعمل على تحويل بعض المشاريع المملوكة للدولة إلى القطاع الخاص حيث يمكن للمستثمر شراء أصول المشروع القائم ثم القيام ببناء أصول جديدة ملحقة به وتشغيله .
يتضح مما تقدم , وبموجب هذه الصيغ يستطيع القطاع العام توفير خدمة للإفراد دون إن يضطر إلى دفع تكاليف هذه الخدمة ,إذ يتكفل الطرف الذي تم التعاقد معه بتوفير رأس المال وإنشاء المرفق وتشغيله على وفق اتفاق يتيح للمستثمر إمكان استعادة رأس المال المدفوع في إنشاء المرفق وكذلك تحقيق ربح مجزٍ, وعلية يمكن الإقرار بعدم وجود أسلوب واحد يعد هو الأسلوب الأنسب لعملية الشراكة بين القطاعين العام والخاص وإنما الأمر يمتد إلى مزيج , منها حسب حالة كل مؤسسة وطبيعة نشاطها الاقتصادي وحسب حاجة الدولة إلى تلك الشراكة, ومن المشاريع المؤهلة لتطبيق صيغ أساليب الشراكة بين القطاعين العام والخاص في العراق المصافي النفطية , ومحطات التوليد الكهربائي,والمستشفيات, والمدارس, والطرق وشبكات الاتصال, ومحطات تنقية المياه وشبكات ومحطات الصرف الصحي ووسائل المواصلات ذات التكلفة العالية مثل السكك الحديدية .. الخ .
ثانياً : الشــراكـة بين القطاعين العام والخــاص فـي العــراق
ورث الاقتصاد العراقي الجديد تجربة قلقة غير مستقرة في العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص , بدأت مع قررات تأميم المنشآت الاقتصادية عام 1964 التي كانت نتيجتها ابتعاد القطاع الخاص عنْ أية عمليات استثمار متوسطة أو كبيرة وسيطرة شركات القطاع العام على جميع قطاعات الاقتصاد الوطني , وتحديداً خلال تلك المدة بداية ستينات القرن الماضي ظهرتْ تسمية القطاع المختلط كبداية لمفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص إذ صدرت القوانين الآتية :-
1- قانون رقم 103 لسنة 1964 الذي عرف شركات القطاع المختلط بأنها الشركات التي تسهم الدولة فيها بنسبة 51)%) من رأس مال الشركة .
2- قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 الذي سمح بتأسيس شركات مساهمة مختلطة تسهم فيها الدولة من خلال إحدى تشكيلاتها أو أكثر بنسبة لاتقل عن (25%) من رأس مال الشركة .
3- قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997 إذ نصتْ المادة 15 منهُ بأنهُ يحق للشركة العامة حق المشاركة مع الشركات والمؤسسات العربية والأجنبية بتنفيذ أعمال ذات علاقة بأهداف الشركة داخل العراق .
ويتضح من نص القانون (22) , أن المجال مفتوح للدخول في شراكات مع الشركات العربية أو الأجنبية , ولم يسمح القانون بالشراكة مع القطاع الخاص العراقي وهو قصور واضح في فهم أهداف الشراكة , فتشجيع الدولة للشراكة منْ شأنهُ أيضاً أن يحفز الشركاء على مزيد من توظيف الأموال والخبرات الحقيقية سواء على المستوى المعنوي أم المالي أم غيرهما . ولقد حاولت إستراتيجيات التنمية الوطنية للسنوات 2014-2010 , 2010-2007, 2007-2005 وكذلك في وثيقة العهد الدولي مع العراق على تفعيل دور القطاع الخاص , إذ أكدت على إيجاد بيئة ملائمة للقطاع الخاص لقيام شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ومشاركة المخاطر بينهما وأن تدار من قبل القادرين على ذلك إلا إن ذلك لم يعدُ إلا أهداف وتوجهاتْ بأهمية مشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية والدليل أنهُ لم يصدر حتى الآن قانونا" بخصوص هذا الموضوع , ومما لاشك فيه أن إصدار قانون خاص ينظم الشراكة بين القطاعين العام والخاص تبررهُ عدة اعتبارات منها على الخصوص :-
1- توفير الشفافية للمستثمرين المحليين أو الأجانب .
2- توضيح الوضعية القانونية للمتعاقدين على الإجراءات الواجب إتباعها لأختيار الشريك , فضلاً عن الالتزامات والحقوق المتعلقة بالأطراف المتعاقدة .
3- توضيح المقتضيات الواجب تطبيقها خلال انجاز المشروع بدءاً منْ اختيار المشروع ومروراً بتنفيذه وتشغيلهُ انتهـاء" بتحويل ونقـل أصول المشروع إلى الدولة عند نهاية مدة العقد.
وينبغي أن يتضمن الإطار القانوني مايلي :-
أ- إزالة القيود كافة المفروضة على مشاركة القطاع الخاص في تحويل وتشييد منشآت القطاع العام.
ب- تحديد القطاعات الصناعية والتجارية التي يجوز منح الترخيص بشأنها , الأمر الذي يعيد النظر في وظائف القطاع العام ويتيح المجال للقطاع الخاص في ممارسة أنشطتـهُ الاقتصادية .
ت- اختيار المشروع أو الشركة على وفق ضوابط المنافسة والشفافية , علما ً أن الإجراءات القانونية لاختيار الشريك تختلف حسب القطاع المعني وحسب كل اتفاقية للشراكة كما ينبغي للقانون أن يسمح للجمهور بالاطلاع على مقتضيات العقد بعد إبرامهُ .
ث- إنشاء أجهزة رقابية في كل قطاع تتمتع بالاستقلالية عن الهيئات العامة تراقب أسس ومعايير الجودة سواء كانت الخدمات مقدمة عن طريق القطاع العام أم الخاص , مع مراعاة التسعيرة على وفق ما تقتضيهُ متطلبات الصالح العام .
ج- يجب أن يحدد القانون الشروط الجوهرية الواجب توافرها في اتفاق الشراكة ومنها أن يحدد الحد الأدنى لرأس مال الشركة أو المشروع وتحديد الأموال العامة التي لايجوز التصرف فيها مقارنة بالأموال والممتلكات الخاصة التي يجوز الحجز عليها ورهنها والتصرف فيها .
ومن الناحية الشكلية الصرفة , تظهر في رحاب الشراكة بين القطاعين العام والخاص إشكالية تناقض المصالح المتمثلة في أهداف القطاع الخاص التي تسعى إلى تحقيق الربح السريع وفي غايات الحكومة في تحقيق منافع اقتصادية واجتماعية لتخدم التنمية المستدامة, وتفادياً لظهور مثل هذا التناقض يجب اعتبار عقود الشراكة من العقود الإدارية بما يتيح خضوعها للمبادئ العامة للدولة والتي تغلب فيها المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وتمنح الإدارة العديد من الامتيازات لضمان تحقيق هذه الغاية من جهة , وإقامة نوع من التوازن بين أهداف القطاع العام والقطاع الخاص من جهة أخرى .
ثالثاً : أنمــوذج الشراكــة فـي العــراق
يمتلك الاقتصاد العراقي قطاعاً عاماً كبيراً يهيمن على أغلبْ القطاعات الاقتصاديـة , وعلى أثر التغير السياسي عام 2003 تعرضت معظم تلك الشركات لأعمال النهب والتخريب مما أدى إلى توقفها بشكل كامل أو جزئي , ولم يكن بالإمكان تأهيل هذه الشركات لأسباب عديدة منْ أهمها عدم تخصيص الموارد المالية الكافية لهذا الغرض , وان ماتم تخصيصهُ لتأهيل وتشغيل هذه الشركات لم يسد إلا حاجة عدد محدود من الشركات ,لذلك أتجهتْ وزارة الصناعة والمعادن للبحث عن مصادر أخرى لتشغيل معاملها.
ففي منتصف 2004 تم تشكيل هيأة لدراسة خصخصة هذا القطاع , حيث قامت اللجنة بالإعداد لقاعدة معلومات عن شركات القطاع العام وأعدتْ مسودة مشروع قانون هيأة الخصخصة , إلا إن قراراً صُدِر ألغى هذه الهيأة في نيسان 2005 دون ذكر أسباب هذا الإجراء , ولكن مجلس الوزراء في جلستهُ المنعقدة 29-8-2005 أعاد دراسة مسيرة هيأة الخصخصة الملغاة بل أُعدتْ مسودة تشريع معدل لخصخصة الشركات المملوكة للدولة وبصيغ مختلفة كان أحدها المشاركة بين القطاعين العام والخاص ومازال منذ التشريع حتى الآن في مجلس شورى الدولة في طور الدراسة والصياغة , ونتيجة التلكؤ في إصدار هذا القانون المهم , لم يكن أمام وزارة الصناعة والمعادن , إلا اعتماد قانون 21 لسنة 1997 الذي يسمح كما أشرنا آنفا إلى حق المشاركة مع القطاع الخاص الأجنبي لتنفيذ أعمال ذات علاقة بأهداف الشراكة في العراق , لذا قامت وزارة الصناعة باختيار 13 شركة ومعمل لعرضها كفرص استثمارية على القطاع الخاص للمشاركة في إدارتها وتشغيلها لمدة 15 سنة ثم تبعتها مجموعة أخرى من الشركات والمعامل بلغت 36 شركة عرضتْ هذه ألفرص الاستثمارية على أساس المشاركة بالإنتاج , ويتلخص هذا الأسلوب بأن تعهد الشركة العامة إلى المستثمرين بتولي مسؤولية أعمال التأهيل والإدارة والتشغيل والصيانة لمدة محدودة وتحصل الشركة العامة على حصة من الإنتاج لغاية نهاية العقد , وتؤول ملكية معدات التأهيل والأعمال المنفذة إلى الشركة العامة التي تمت مشاركتها مع القطاع الخاص , وبالرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها العراق كان هناك إقبال ملحوظ للاستثمار في هذه الشركات إذ تم التعاقد على المشاركة في سبعة معامل منها خمسة معامل للاسمنت ومعمل للصناعات الكهربائية وأخرى للصناعات البتروكيمياوية في بيجي والتي تم تطويرها بأحدث التقنيات التكنولوجية ويتضمن مصفاة حديثة للنفط , فضلاً عن خطوط الإنتاج لموادبتروكيمياوية عديدة تتجاوز الأربعين منتجاً منْ خلال خطوط الاثلين والهيدروكربونات الحلقية. إذ لا يمكن للاقتصاد العراقي أن يعتمد على تصدير النفط الخام فقط , وإنما يجب تطوير صناعة النفط والغاز والعمل على تصفيتهُ بهدف تعظيم الموارد المالية بالنظر لحاجة البلد إلى تلك الموارد لمعالجة المشكلات الاقتصادية , وبهذا الصدد , فأن هناك مشاريع أخرى للقطاع العام متوقفة حالياً أو تعمل بأقل من طاقتها المتاحة لأسباب تتعلق بتقادمها أو لعدم توافر رؤوس أموال لتشغيلها أو غير ذلك , يمكن إدخال القطاع الخاص كشريك أساسي في إعادة تشغيلها ثانياً , ومن الأمثلة على ذلك مايأتي:-
1- مشروع الزيوت النباتية .
أ- موقع المشروع : محافظة البصرة/ خور الزبير/ أم قصر .
ب- المنتج والطاقة التصميمية: زيوت نباتية مصفاة ,الطاقة الإنتاجية المقترحة 250000طن سنويا".
ت- المواد الأولية :المادة الأولية تستورد من المصدرين والمنتجين لزيت النخيل , من جنوب شرق آسيا خصوصا" اندونيسيا وماليزيا .
ث- الكلفة المقدرة : 60 ملايين دولار أمريكي .
ج- الزبائن : وزارة التجارة ,السوق المحلية وللتصدير .
2- مشروع إنتاج الزجاج العائم .
أ- موقع المشروع : محافظة الانبار .
ب- المنتج والطاقة التصميمية : (100 ألف طن سنويا" ) زجاج عائم .
ت- المواد الأولية :إن المواد الأولية لصناعة الزجاج هي الرمال النقية الملائمة للزجاج ومادة كاربونات الصوديوم,أن المادة الرئيسة وهي الرمال المذكورة متوافرة في عدة مناطق غرب العراق
ث- الكلفة المقدرة : 150ملايين دولار أمريكي .
ج- الزبائن: السوق المحلية , تجهيز الطلب الكبير لإعادة إعمار العراق .
3- مشروع أنابيب الدكتايل
أ- موقع المشروع : محافظة بابل / الإسكندرية .
ب- المنتج والطاقة التصميمية : (55000 طن سنويا" ) أنابيب حديدية كرافيتية بإحجام معينة .
ت- المواد الأولية :جميع المواد الأولية مستوردة , لكن المواد المساعدة مثل الإسمنت والإسفلت والزنك متوافرة محليا" .
ث- الكلفة المقدرة : 64 ملايين دولار أمريكي .
ج- الزبائن: وزارة البلديات , وتجهيز الطلب الكبير للسوق المحلية .
4- مشروع الأنابيب الملحومة طوليا"
أ- موقع المشروع : محافظة محافظة البصرة/ خور الزبير.
ب- المنتج والطاقة التصميمية : (350 ألف طن سنويا") أنابيب (Erw –HFI) .
ت- المواد الأولية :المادة الأولية الرئيسة للإنتاج هي لفات الحديد المصنعة على الحار(HRC) , أما مواد التغليف فتستورد من الخارج بمواصفات محددة .
ث- الكلفة المقدرة : 300 ملايين دولار أمريكي .
ج- الزبائن: وزارة النفط .
5- ابن سينا للصناعات الكيماوية / مشروع المحاليل الوريدية .
أ- موقع المشروع : بغداد / التاجي .
ب- المنتج والطاقة التصميمية : 16ملايين قطعة .
ت- المواد الأولية :كلوريد الصوديوم ,كلوكوز .أكياس البولي بروبيلين .
ث- الكلفة المقدرة : 15ملايين دولار أمريكي .
ج- الزبائن : وزارة الصحة .
6- مشروع تنشيط البنتونايت بواسطة كاربونات الصوديوم .
أ- موقع المشروع : الأنبار.
ب- المنتج والطاقة التصميمية : 750 ألف طن سنويا"
ت- المواد الأولية : مادة البنتونايت .
ث- الكلفة المقدرة : 9ملايين دولار أمريكي .
ج- الزبائن : وزارة النفط .
7- مشروع كبريتات الصوديوم .
أ- موقع المشروع : صلاح الدين .
ب- المنتج والطاقة التصميمية :50 ألف طن سنويا" .
ت- المواد الأولية :أملاح الكلوبريات.
ث- الكلفة المقدرة : 19ملايين دولار أمريكي .
ج- الزبائن :صناعات الزيوت النباتية , وصناعة الزجاج والسيراميك.
8- مشروع إنتاج القرميد ومواد إنشائية أخرى .
أ- موقع المشروع :على المستثمر وبمساعدة الجهات المحلية المخولة اختيار الموقع المناسب لإنشاء هذا المشروع .
ب- المنتج والطاقة التصميمية :1-2 ملايين متر مربع سنويا" .
ت- المواد الأولية :طين الكاؤولين الأحمر.
ث- الكلفة المقدرة : 10ملايين دولار أمريكي .
ج- الزبائن :السوق المحلية , وقطاع الإنشاءات .
9- مشروع ترسبات رمال السليكا .
أ- موقع المشروع :محافظة الانبار.
ب- المنتج والطاقة التصميمية : 150 ألف طن سنويا" .
ت- المواد الأولية : أملاح السليكا.
ث- الكلفة المقدرة : 6ملايين دولار أمريكي .
ج- الزبائن : صناعة الزجاج والسيراميك , وصناعة الإسمنت والثرمستون .
10- مشروع معالجة الرمال الحاملة للفلدسبار
أ- موقع المشروع : على المستثمر وبمساعدة الجهات المحلية المخولة اختيار الموقع المناسب لإنشاء هذا المشروع .
ب- المنتج والطاقة التصميمية : 500 ألف طن سنويا" .
ت- المواد الأولية : الرمال الحاملة للفلدسبار.
ث- الكلفة المقدرة : 12مليون دولار أمريكي .
ج- الزبائن : صناعة الزجاج والسيراميك.
11- مشروع مجمع البتروكيماويات.
أ- موقع المشروع :من المقترح أن يقوم المستثمر بإنشاء المجمع في محافظة البصرة أو ذي قار اوبابل.
ب- المنتج والطاقة التصميمية : 1ملايين طن سنويا" من المنتجات البتروكيمياوية .
ت- المواد الأولية :الغاز الطبيعي ومتوافرة محليا".
ث- الكلفة المقدرة : 3000ملايين دولار أمريكي .
ج- الزبائن :وزارة النفط .
12- مشروع الأسمدة الجديدة .
أ- موقع المشروع : من المقترح إن يقوم المستثمر بإنشاء المجمع في محافظة البصرة أو ذي قار أوالانبار .
ب- المنتج والطاقة التصميمية : 1ملايين طن سماد اليوريا سنويا" لكل مصنع .
ت- المواد الأولية :الغاز الطبيعي ومتوافرة محليا".
ث- الكلفة المقدرة : 900ملايين دولار أمريكي لكل مصنع .
ج- الزبائن : وزارة الزراعة , السوق المحلية .
13- معامل الأدوية .
من الممكن إنشاء العديد من المصانع بمختلف المناطق لإنتاج أصناف من الأدوية التي لا تنتج من قبل الشركات العامة لصناعة الأدوية مثل أدوية لمعالجة السرطان ودواء الأنسولين وكل أنواع المضادات الحيوية .
14- مشاريع الإسمنت الجديدة .
من الممكن إنشاء العديد من المصانع الخاصة في محافظة المثنى , النجف , نينوى , لإنتاج الإسمنت باستغلال احتياطي مادة أحجار الكلس المتوافرة في عدة مناطق من العراق ,إن توافر أحجار الكلس لهذه الصناعة ووجود سوق كبير لمادة الإسمنت هي من النقاط المشجعة القوية لهذه ألفرصة الاستثمارية , فضلا عن وجود مقالع أحجار الكلس بقرب موقع المشروع الذي سيسهم في تقليص كلف الإنتاج .
15- مصنع الحديد والصلب الجديد .
من الممكن إنشاء المصنع في محافظة البصرة باستغلال الغاز الطبيعي والكميات الضخمة من مخلفات الحديد (السكراب) .
وفضلا" عن ذلك , يمكن تطوير موانئ محافظة البصرة وإدارتها وتشغيلها خصوصا" وان الأهداف المتوخاة من ذلك كثيرة ومتعددة وأهمها نقل واردات العراق وصادراته من البضائع وخاصة الحبوب والأغذية الرئيسة . وكذلك إعادة تشغيل مشروع ألفوسفات الثاني الذي توقف العمل به منذ التسعينات بسبب الحرب على الكويت إذ أن مشروع ألفوسفات الأول الذي أكمل إنشاؤه في أوائل الثمانينات كان يعد في حينه أكبر مجمع صناعي كيمياوي في منطقة الشرق الأوسط وقادر على إنتاج ملايين طن من الأسمدة ألفوسفاتية المركبة , إن العراق يعد البلد الوحيد باستثناء الولايات المتحدة وروسيا الذي تتوافر
فيه جميع المواد الأولية لصناعة الأسمدة الكيماوية إذ يحتوي على الخامات ألفوسفاتية باحتياطي يعادل 3500 ملايين طن بنوعية متوسطة , والكبريت الحر باحتياطي يتجاوز إل 150 ملايين طن , فضلاً عن النفط والغاز والكبريت , إلى جانب ذلك امتلاكهُ حصة في شركة البوتاس العربية في الأردن لإنتاج البوتاسيوم , وكان منْ المفروض أن يكون أكبر مصدر للبتروكيمياويات والأسمدة والمعادن في العالم في أوائل التسعينات لولا السياسات الاقتصادية الخاطئة للنظام السابق .
إن العراق بنفطه الوفير وغازه الرخيص يجب أن يحذو حذو الدول المجاورة كالمملكة العربية السعودية باستغلال مواردهُ الطبيعية لإنشاء صناعات بتروكيمياوية مزهرة , وبالمشاركة مع شركات عالمية متخصصة , إلا إن الواقع الحالي لايؤشر ذلك كقيام وزارة النفط بالاتفاق مع شركة شل من أجل استغلال غاز العراق في محافظة البصرة وبما يقارب 700 ملايين قدم مكعب قياسي (مقمق) باليوم من الغاز المصاحب المنتج, ولقد تضمن هذا الاتفاق تكوين شركة مشتركة (Joint venture) مملوكه بنسبة 51)%) من قبل شركة غاز الجنوب وبنسبة (49%) من قبل شركة شل ولمدة 25 سنة أو أكثر بمعالجة الغاز الخام وبيع المنتجات المعالجة مثل ( Methane Ethane, LPG, NGLs) إلى السوق المحلية أي المحطات الكهربائية ومعامل الإسمنت والبتروكيمياويات... الخ وبالأسعار العالمية مع تصدير الفائض النهائي إلى الأسواق الخارجية, ونتيجة لهذا الاتفاق فأن المنتجات العراقية ستفقد ميزتها النسبية بالأسواق العالمية نظراً لأن المادة الأولية (اللقيم) الذي تستعمله سيفقد صفتهُ الأساسية وهو رخص الثمن طالما أنهُ سيشتري هذا اللقيم بالأسعار العالمية, وبذلك ستفقد الصناعات العراقية القائمة على الغاز المرتفع الأسعار ميزتها التنافسية , إن الشراكة لما لها من أهمية للاقتصاد الوطني منْ حيث تشغيل معاملها بطاقتها التصميمية ومنْ ثم توفير المنتجات المحلية بدلاً منْ استيرادها , ونقل الميزة والتكنولوجيا الجديدة وتخفيف العبء المالي على موازنة الدولة , إلا إن أهم مايجدر القيام به قبل البدء بالمشاركة بالمشاريع الاستثمارية هو ضمان تكافؤ الشراكة للطرفين الدولة والقطاع الخاص سواء أكان وطنيا" أم أجنبيا" مع توفير الدراسة الاقتصادية السليمة للاستثمارات المزمع القيام بها , ومعرفة الأهداف المتوخاة من هذه الشراكة وآثارها المستقبلية للاقتصاد العراقي وعلى المدى الطويل .
نستنتج مما سبق , إن عملية التنمية ينبغي إن تعتمد على النشاط الحكومي في مجالات اختصاصها وتعتمد أيضاً على نشاط القطاع الخاص في مجالات اختصاصه , فالقطاع العام والقطاع الخاص هما ليسا خصمين بل هما دعامتان أساسيتان من دعائم الاقتصاد الوطني وأن تهيئة الأجواء الصحيحة ليتعايشا معاً على أساس التنافس والتكامل وليس على أساس التزاحم والتنافر , سيضمن قيادة التنمية المستدامة للبلد بنجاح .
#نبيل_جعفر_عبد_الرضا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟