|
الطبقة العاملة العراقية ، وتراجع دورها التاريخي
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 3702 - 2012 / 4 / 19 - 19:50
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
منذ أن دخل العراق عقد الثمانينات ، والطبقة العاملة العراقية تواجه زخما هائلا من الإذابة والدفع الى مؤخرة الهرم الاجتماعي ، بحيث أضحت بعد حين ، مفتقدة لتوصيفاتها المعروفه بكونها قائدة لعملية التغيير الثوري ، وبدت وكأنها ضمن خليط غير متجانس من الفقراء والمعدمين ، وفاقدي ألأهلية للمساهمة في توجيه الحركة الاجتماعية وباتجاهات معلومه . ففي تلك الفترة ، بدأ العراق حربه مع ايران ، بما حملته تلك الحرب من ويلات أودت بمجمل ما حققته البلاد من استقرار اقتصادي ، وانفراج سياسي ، ولو بحدود ، ابان حكم البكر وما اعقبته من فترات امتدت فيها وبذات النهج ، سياسات الانظمة المتعاقبة ولحين قيام انقلاب عام 1968 وكحصيلة طبيعية لما جرى من تحالف ضد العراق بقيادة الولايات المتحدة الامريكيه ، كان يستهدف اضعافه واعادته الى مربع تأمن فيه الدول المتحالفة على مصالحها في المنطقه ، فقد أصيب الاقتصاد العراقي بالخراب ، واهتزت موازينه بعنف ، لينتج عن ذلك المزيد من حالات الافقار لعموم الشعب العراقي ما عدا سماسرة الحرب والمنتمين الى هيكل السلطه وافرادها المقربين ، وتراجعت وبشكل واضح مفاهيم الفرز الطبقي ، حيث تشضت تلك المفاهيم نتيجة التفتت الاجتماعي والاقتصادي ، واختفت جراء ذلك ، الطبقة الوسطى راعية التنمية الاقتصادية الحقيقية في البلاد ، لتظهر بدلا عنها طبقة جديدة احتلت مكانها ، هي عبارة عن طبقة الاغنياء والمستغلين ( بكسر الغين ) ، مضاف لها السماسرة والتجار الجدد ممن خلقتهم ظروف الحرب وما تبعها من حصار شامل على البلاد .. في حين ارتدت الباقي من جموع كانت تنتمي للطبقة الوسطى ، ولم تتحمل آثار الضربة العنيفة لهيكلية الاقتصاد المحلي الى غياهب ما دون خط الفقر ، مشكلة طبقة جديدة هي الاخرى تختفي في معالمها مواصفات الطبقية الواضحه ، انهم بسطاء التجار والحرفيين الذين هدتهم قوانين الحرب ، وغابت عنهم بوادر الاسناد ، فانهارت أسس تجارتهم واحترقت رؤوس اموالهم ليصابوا بالافلاس التدريجي . وهنا ، وخضوعا للظروف الصعبة المستجدة ذاتها ، وصلت شضايا الوضع الجديد الى جسد الطبقة العاملة العراقية ، لتفقد هي الاخرى الكثير من خلاياها والتي كانت تمدها بدماء الوجود وتؤهلها لأخذ زمام المبادرة في قيادة الجماهير المضطهدة وباتجاه احداث التغيير الايجابي المطلوب . ان الهرم الطبقي في داخل المجتمع العراقي اهتزت اركانه ابتداء من تلك الفتره ، بحيث انقلب في زمن ما لتكون قمته الى الاسفل وقاعدته الى الاعلى ، محدثا دويا هائلا ، لتكون نتائجه المنظورة ، هي زيادة حدة الاضطراب الحاصل في التكوين الاجتماعي وضياع ملامح التوزيع السكاني الضروري والكفيل بصنع الاستقرار المطلوب في البلاد ، الامر الذي أصاب المنابع الحقيقية للتقدم الاقتصادي في البلاد بالنضوب وخلق فراغات واسعة في تلك المنابع ، فالزراعة فقدت اهم عناصر ديمومتها مع الهجرة الجماعية من الريف الى المدينه ، أعقبها اصابة الاراضي الزراعية عموما بمظاهر التصحر، وفقدان السلطة الزراعية لقدرتها على متابعة الآفات الزراعية ومعالجة الأوبئة ، وتدني الامكانيات المتاحة للتصدي لموجات الجراد القادمه من دول الجوار ، والاهم من ذلك كله ، تعرض شبكات الري الى العطل نتيجة القدم وعدم التحديث ، وانحسار مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات ، وطمر الكثير من مبازل التصريف ، كل ذلك ساهم في اخلاء الريف وانتقال الفلاح العراقي للعيش في المدن منشغلا بممارسة اعمال لا تمت لطبيعته الاصليه ، محدثا ، وعن غير قصد ، خللا كبيرا في المنظومة الاجتماعية التي حل بها غير مرحب به ، وبذلك فقدت طبقة الفلاحين صفتها بانها الحليف الرئيسي لطبقة العمال خلال عملية النضال ، بل واصبح الفلاحون ( الباعة المتجولين ) الجدد في اسواق المدن وعلى ارصفة الشوارع ، أهم معوق يعرقل سبل الحياة العامه ، ويقف بالضد من تطبيق القوانين المدنية ، وبهذا فانهم وبالضروره ، ساهموا بازاحة الطبقة العاملة الى الخلف متضامنين مع السلطات القائمه لتدعيمها ومساندة حكامها المتسلطين . ان اهم سند لحكام العراق بعد عام 1968 ، ولحد هذه اللحظه ، هم من الفلاحين الوافدين من الريف ، وهم الشريحة الداعمة لهم في صناديق الاقتراع ، كونهم الاكثر قابلية للاختراق عن طريق الرشوة أو توفير جانب من الجاه الاجتماعي ولو بحدوده الدنيا ، وقد أضحى هؤلاء بعد ان تركزت حياتهم في المحيط الجديد ، الى هادم لحدود التمييز بينهم وبين العمال حينما تشارك الجميع في مهن متشابهة ، وممارسة حرف كانت مقتصرة من قبل على العمال فقط .. ومن يتجول اليوم حاملا وعيه الفاحص في المدن والاسواق العامة ، سيجد صورا من ذلك الاختلاط القسري في البدايه ، الطوعي في النهاية ، بين من كانوا ينتمون الى طبقة الفلاحين وبين من هم العمال ، بحيث اصبح التمييز صعبا في الوقت الحاضر بين الطبقتين . لقد ساهم ، ولا يزال ، انعدام التيار الكهربائي في البلاد خلال فترة الحصار الدولي على العراق ، واستمرار رداءة الكهرباء والى الان ، في اختفاء العديد من المهن الحرفية الصغيرة ، ناهيكم عن توقف الصناعة المحلية عن ممارسة أي نشاط مميز، واقتصار السوق العراقية على المستورد حتى بالنسبة لابسط المنتجات كالأجبان وعلب السردين ، واعتمادها تماما في سد احتياجاتها من قطع الغيار الصناعية والمكائن على الخارج وبشكل مطلق ، اذ ليس هناك معامل يشار لها بالاهمية عدا بعض الورش الصغيرة المتفرقه ، وفي ذات الوقت ، بدأت واضحة للعيان ، نشاطات اقتصادية هجينه ، راحت وبوتيرة حاده ، تستنزف جزء ضخم من ميزانية البلاد بحجة توفير الخدمات من خلال خطط اقتصادية تعوزها النزاهة الوطنية ، متخذة وجهة احدثت خللا بالغا في تشكيلة الهرم الاجتماعي والطبقي ، بحيث اصبحت تلك المشاريع وبمرور الوقت حيزا يتم فيه ومن خلاله نهب ثروات البلاد وبلا رحمه ، وبهذا فقد فقدت الطبقة العاملة أهم معاقلها الرئيسية والضرورية لمنحها صفات القيادة . وتأسيسا على هذه الحقائق ، أصبح من الضروري ، بل من الملح جدا ، ان تتحرك قوى اليسار في البلاد ، والتي تحمل ضمن برامجها السياسية نصرة أهداف الجماهير الكادحة ، صوب خلق المناخات الملائمة لتوحيد سبل النضال من أجل التغيير ، وبالتالي بناء القواعد الصناعية الكفيلة باعادة القدرة للطبقة العاملة بالظهور من جديد ..
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زمني توقف هنا في ليلة واحده
-
قول في الماء العربي
-
حال المرأة العربية .. بين الوهم والواقع
-
صهوة الشر
-
ألشعوب العربية لا تحسن الثوره
-
عصارة من خيال
-
مشروع اتفاق مع حكومة الصين
-
ألغرز في اللحم الميت
-
ثورات الربيع العربي ، ودور القوى اليسارية التقدميه .
-
مرافعة لا حضور للمحامين فيها
-
نعم .. نحن فعلا نتعرض لمؤامرة غربيه .
-
من وحي الحبة الزرقاء
-
حنطاوي
-
أسماك الزينة وصوت كوكب الشرق .. حينما يأتلفان .
-
ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. النهايه
-
ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و
...
-
ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و
...
-
ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و
...
-
ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و
...
-
ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و
...
المزيد.....
-
وزارة المالية العراقية : موعــد صرف رواتب المتقاعدين في العر
...
-
“اعرف الآن” وزارة المالية تكشف حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
تعرف على موعد صرف رواتب الموظفين شهر ديسمبر 2024 العراق
-
تغطية إعلامية: اليوم الأول من النسخة الأولى لأيام السينما ال
...
-
النقابة الحرة للفوسفاط: الامتداد الأصيل للحركة النقابية والع
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
وزارة المالية بالجزائر توضح حقيقة زيادة 15% على رواتب المتقا
...
-
اصابة مدير مستشفى كمال عدوان وعدد من العاملين بقصف مسيّرات ا
...
-
مراسلنا: إصابة مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية وعدد من
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|