|
حين يغدو اليساري طائفياً
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 18 - 08:46
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
إن الواقع هو الذي يوجه الأفكار، لهذا فإن انقسامَ الاشتراكية بين اشتراكيةٍ غربية ديمقراطية واشتراكية شرقية استبدادية، هو وليدُ التباين في تطورِ الحياة الاقتصادية الاجتماعية في كل من الجانبين.
فالأفكار تخضع لطبيعة الواقع، واليساري الشرقي حين يعيش في بيئةٍ تقليدية تقومُ هذه البيئة بتغييره تبعاً لظروفها وتبعاً لصمود موقف اليساري تجاه هذه البيئة وتقاليدها وأفكارها ومقاربته للعناصر الاستثنائية النضالية في تاريخها.
يعود ذلك للمجتمع إذا ما استطاع أن يطور أفكاره النهضوية الديمقراطية أم لا؟ وما هو موقف الدولة من تطوير أو تحجيم هذه الأفكار؟
إن الفئات الوسطى الصغيرة تتذبذب بين التيارات، ويحدد تطورها هذا الواقع الذي تعيش فيه، وحين لا يستطيع هذا الواقع والقوى المتنفذة تطوير العناصر الديمقراطية الصغيرة في المجتمع، ويغدو صراع المصالح المادية غير عقلاني وتتكرس المُلكيات والغنى في جهة ويتكرس الفقرُ والعوز في جهة أخرى، تضطربُ المقاييسُ وتعود الفئاتُ الوسطى الصغيرة بحكم تذبذبها واهتمامها المحوري بمصالحها، إلى ما قبل الحداثة، وإلى تقاليدها وارتباطها بطوائفها، فما تكرّس من تحديثٍ بسيط ومواقف مع الطبقات الشعبية أو الطبقة الوسطى ينهار، وتصبح أفكارُ الطائفة هي التي تستولي على العقول، وهي ليست أفكاراً عميقة بل ممارسات عبادية في الغالب تعكس الطوائف وتاريخها وسياساتها في العالم الإسلامي.
وأفكار الطوائف السياسية تعكس تذبذب حياة الشرقيين بين الإقطاع والرأسمالية، ومراوحتهم وعدم قدرتهم على التحول من نمط قديم إلى نمط حديث، ويتصلب ذلك في مواقف الدول الكبيرة التي أُقيمت على هذه الأسس التقليدية والتي تتحول لسياسات مؤثرة.
وهذا هو ذاته جرى حين توجهت الطوائف السنية للارتباط بالدول التقليدية بدءًا من الأموية فالعباسية، وارتباط الطوائف الشيعية بالدولة الفارسية، وتعمقت الاختلافاتُ والصراعات، ولم يُتح لدولةٍ نهضويةٍ ديمقراطية أن تظهر وتغير تلك العناصر الاجتماعية السياسية.
ولهذا فإن اليساري يتأثر بمدى صمود العناصر الوطنية التوحيدية في حزبه أولاً، وإذا ما حدث اختراق وتدهور لوعيها، ورجوعها لهيمنةِ القوى التقليدية التي تفاقم حضورُها نظراً لعدم قدرة مجتمعه على تطوير وإنضاج التحول الديمقراطي.
وهذا يظهرُ في تاريخيةِ الأزمة، ومحطاتُها هي في ظهور الأزمة بدءًا من التاريخ العالمي (الاشتراكية) والمناطقي (الدول القومية والدينية الاستبدادية)، وأخيراً في البلد المعني، وهل قاوم الحزبُ المعبرُ المفترض عن التوجه اليساري الدكتاتورياتَ سواءً تجلت في المعسكر الاشتراكي أو في الدول القومية والطائفية المحافظة التي نشأت على أنقاض ذلك أو في تطور بلده؟
وهذا يظهر في مواقف قيادييه وعناصره البارزة وأدبياته، ومدى تصديهم للاختراق الطائفي عبر نضالهم وارتباطهم بالعلوم وبالمعرفة العميقة، وهو ارتباط ضعيف محدود في بُنى هذه الأحزاب، وكذلك في مدى صمود العناصر الأخيرة وهل تحللتْ وذابت بين الجماعات والعناصر الطائفية والمحافظة، ولم تؤسسْ شيئاً ديمقراطياً معمّقاً بأدواتِ التحليل الاشتراكية الديمقراطية؟
وفي بيئةٍ شعبيةٍ أميةٍ وبتغلغلِ الأحزاب في بسطاء عاشوا على الشعارات وعلى سطوح الأديان والمذاهب والفلسفات، فإن الأمور تتجه مع الغالب العالمي أو الإقليمي المؤثر العاطفي وباستخدام المظاهر العبادية التي تغدو حادة مؤثرة عبر التوجهات غير العقلانية المليئة بالعواطف الحادة، حيث جرى على مدى قرون خداع الفقراء واستغلالهم واستخدامهم في المناورات والصراعات بين الأمم والطبقات والطوائف.
إن العناصر الاشتراكية الديمقراطية التي قَدمت من الغرب غدت شمولية في الشرق، والعناصر النهضوية المذهبية الإسلامية في الماضي تجمدتْ وغدتْ مناصرةً للشموليات الطائفية وصعدتْ معها بإرثها وبتخلفها أنفسهما في العصر الحديث، وهذه العناصر الشرقية من الحاضر غير المتطور وغير الديمقراطية التقت العناصرَ الماضوية الطائفية التي لم تتوهج بالأفكار الديمقراطية الإنسانية فغدت خليطاً مضطرباً.
غدت غير عقلانية على مستوى الماضي وعلى مستوى الحاضر، فكان يُفترض أن تغذي الوعي النقدي والاستنارة، فغذت العصبيةَ والحدة وصار لها طريقة القوى التقليدية نفسها في استغلالِ البسطاء بالشعائر والجمل المخطوفة من التراث والادعاءات عن النضال، ولم تتعاون مع قوى الوسط والعمال في تكوين تحالفات تحديثية ديمقراطية تصعد عناصر الاستنارة والنهوض.
توحدُ العناصر المحافظةِ من استعلاءٍ على البسطاء ووضع النساء في مؤخرة الحياة وهيمنة الأشكال السياسية والإدارية المتعالية هو الإرث الذي بقيَ وجمعَ المتنافرين شكلاً المتحدين مضموناً.
الموقف المطلوب هو نقد الدول والاتجاهات كافة في أخطائها وعدم الانتقاء والتمييز بينها حسب قربها القومي أو المذهبي أو الاجتماعي، بحيث تغدو مواقف الاشتراكيين الديمقراطيين متسقة، تؤيد الشعوب والاتجاهات الديمقراطية كافة وترفض الحركات الطائفية والقومية المتعصبة لأن الموقف من الناس هو ذاته في كل البلدان حسب أوضاعها.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القريةُ في المدينة
-
الفئاتُ الوسطى في حراكِها التداولي
-
كل شيءٍ من أجل السلام، كلّ شيءٍ ضد الحرب والفاشية
-
من تاريخِ الفرق
-
عناصر التفكك
-
لايزال الريفُ واعداً
-
العملياتُ الديمقراطيةُ الصعبة
-
تقييمٌ موضوعي للخصوم
-
فصيلٌ جديدٌ لا يعترفُ بالحداثة وقوانينها
-
العقلانية الدينية والديمقراطية
-
وحدة المصلحين الغائبة
-
القيادات التقليدية والمستقبل
-
الثورةُ السوريةُ.. وتطورُ الأمةِ العربية
-
المكوناتُ الديمقراطيةُ في التراث
-
تحدياتُ الحداثة
-
الربيعُ العربي والخريفُ الإيراني
-
الخيارُ الثالثُ الصعب
-
غموضُ خطابِ (الطبقةِ) الوسطى البحرينية (2-2)
-
غموضُ خطابِ (الطبقة) الوسطى البحرينية (1-2)
-
الليبراليون والطائفيون
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|