|
جدلية الإسلام السياسي مع ثورات الشرق - الجزء الأول
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 17 - 08:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يشكك البعض من المثقفين في ماهية ثورات الشرق هذه، ولا يتجرؤون في دمجها في الجدلية التاريخية وديمومة التغيير، كما ويتحفظ آخرين بتسميتها بالثورة، أو إدراجها في خانة الثورات، يسألون عن أسباب غياب فلاسفتها وإيديولوجييها، يتيهون بين التيارات الإنتهازية والمتسلقين على الثورة من الإسلاميين والحركات القومية، العروبية خاصة، المختفية وراء الدين أو الوطنية المموهة، وبين شباب الثورة، روادها وأصحابها الحقيقيين. ثورة فلاسفتها وإيديولوجييها من الأرض قاطبة، مفكرين ومنورين مغمورين في أروقة مخفية أو معتمة، طوت صفحات التاريخ البعض منهم، ثورات شبابية لا تحتاج إلى فلاسفة يقفون في المقدمة لإلقاء الخطب والمفاهيم والأفكار اليومية. في الماضي كانت الأمية تجتاح الأغلبية من المجتمع، لسان حالهم وفكرهم وثقافتهم كانت تفرض وجود فلاسفة وإيديولوجيون لديمومة الثورة، كروبسبيير و جان جاك روسو أو ماركس ولينين وتروتسكي أو ماو تسي تونغ، ليلهموا الجماهير على الموجود المأساوي، ويبينوا للمجتمع أسباب الشقاء والتعاسة الذي هم فيه، وينوروا الطريق للشعب، ويظهروا الجهات أو الأشخاص المسؤولة عنها. في الثورات الحالية الكل مدرك للمفاهيم، والأفكار التنويرية في متناول الجميع، متى ما أرادوا. فلسفة الثورات والمفاهيم ملقاة في زوايا النت، وسائل التلاقي والتلقين أختلفت وتنوعت، والقائد الملهم لا يتطلب حضوره. ما بين التيارات الإسلامية ورواد الثورات، الشباب منهم، هوة مترامية الأطراف، المسيرة معاً شكلية في النضال، بحكم الضرورة، إجتمعا ضد الطغاة في ساحات الوطن، غطاء لمصلحة آنية مشتركة، إلى حد ما، بين جميع القوى التي ترفض الموجود سلطة، وأكثرهم تكالباً على التغييرات الآنية هم التيارات الإسلامية، باحثين عن إشباع ذاتي، بالطغي على السلطة، والتحكم بشمولية إلهية، سوف لن تقل عن الحاضر دكتاتورية. الخلاف والإختلاف كامن في كل الجوانب، الثورة تعتنق المفاهيم الإنسانية الحضارية، من ثنايا الإنترنيت، والحركات الإسلامية يعتنقون المطلق الديني الذي قلما يسمحون بالتأويل مجازاً. الصراع كان طامراً بينهما، حتى قبل بداية الثورة السورية، لذلك استطاعت القوى الدينية الإسلامية أن يبينوا للبشرية بشكل ما بأنهم أصحابها وروادها، بهتاناً، وهم سارقوها لزمن ما، بينهم وبين الرواد الشباب، صراع خفي، سينبثق ويتفاقم في القادم من الزمن، بدايتها هي بداية الثورة الحقيقية، تنطلق منذ لحظة سقوط السلطة، كما هي الآن في مصر وتونس وليبيا واليمن، بروز الصراع بينهما سيكون بدايات سقوط النظام بكليته، الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية، هكذا ستكون سوريا القادمة. نقاط الإختلاف عديدة، ونقطة التغييرات في المنظومة الفكرية والتعامل مع التقنية إحدى أهم المرتكزات التي يعتمد عليها الثوار، وستقف في وجهها يوماً، وبشكل صارخ، الحركات الدينية، كما وقفت الأنظمة الشمولية أمام الحريات بأنواعها، وتحت شعارات متنوعة. إنهما يتبنيان العقليتين اللتين يقبلان أو يرفضان التعامل مع الحضارة الإنسانية، ومع التكنلوجية، والتطور البشري العام. صراع يتجاوز المدارك الإيديولوجية، كما ويتجاوز العلمانية والروحانية، إنه صراع بين التجسيد المطلق للقوة الإلهية، وفرض الروحانيات بدون تأويل بشري، وبين مدارك لا تكل عن البحث في التغييرات والتأويلات من الماضي إلى الآفاق العلمية القادمة، التي تؤثر في تغيير الإنسان بكليته على الأرض، منعزلاً عن القوة الإلهية، باحثين عن الذات الإنسانية، ونسبية الوجود في المفاهيم البشرية، والتي أدت إلى خلق الإله جدلاً. لا شك، نحن أمام موجة دينية، فيها قوى لا ترى قيمة ووجود للحراك الإجتماعي إلا من خلال سيطرة الفكر المطلق لمبادئ الدين الإسلامي التجسيدي، المدبلج على مدى قرون ليتلائم والطغيان السياسي، والذي يتساوى في كثيره الطغيان الأيديولوجي للأحزاب القومية الشوفينية كالبعث أو الحزب الناصري، والشمولية كالأحزاب الشيوعية. هذا هو المنطلق الخاطئ الذي تعتمد عليه القوى اليسارية والتيارات الإشتراكية والطوائف الدينية الأخرى، لخلق هوة بينهم وبين الثورات، إما لإدراك متلكئ لماهية الثورات الجوهرية حتى اللحظة، وإما لقصر نظر في التأويلات، أو أنهم يرضخون للقوى الإنتهازية السياسية التي تشترك في بعضها مع السلطة الحالية... تفرض هذه الجدلية سؤالها التأويلي على المجتمع " من يجرنا إلى عالم مليء بالشكوك، حول القادم، بعد سقوط السلطات الحالية، ومستقبل الثورات التي تجتاح ساحات الشرق؟ من هم هؤلاء الذين سيقبلون بالرحيل من طغيان شمولي إلى طغيان شمولي آخر؟ هل هم القوى الإسلامية التي تود العودة بالأوطان قرون إلى الوراء؟ وهل هناك قوى أخرى ستنافسهم في هذه المرحلة الإنتقالية، ومن يمثلون؟ هذه الأسئلة وغيرها يجرفنا إلى أسئلة أخرى، لماذا التيارات الإسلامية تملك هذه القوة، ولها هذه السيطرة على الشارع؟ ونحن نعلم بأن عواصف التيارات اليسارية المتعددة أجتاحت أوطانناً وعلى مدى أكثر من نصف قرن، ماذا كانت النتيجة؟ ظهور الفكر المعاكس! ما هي الأسباب؟ هل الخطأ في الفكر اليساري، أم الخطأ في الرواد الذين أفسدوا الأفكار بأساليبهم الخاطئة؟ لكن ويبقى السؤال لماذا التيار السلامي هو الذي يسيطر ويحاول أمتطاء هذه الثورات؟ هل السلطات الفاشية التي سيطرت على الوطن هم من دعموهم، أم بسبب الفراغ الفكري الناتج عن ثقافة مشوهة نشرتها السلطات الشمولية بين المجتمع؟ أم كانت بسبب الخلفية الإقتصادية للمجتمع الذي دمر ونهب وترك يعاني الضياع المادي إلى جانب الضياع الثقافي؟ ربما كل هذا شاركت في خلق الإشمئزاز من التيارات القومية والإشتراكية، وأدت لأن تجد التيارات الإسلامية البيئة الملائمة لإنتشارها وتملئ الفقر والفراغ الإيديولوجي؟!. يتبع ...
د. محمود عباس الولايات المتحدة الأمريكية [email protected]
#محمود_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العدالة في قفص إلإتهام لدى السلطة السورية
-
ثورة الشعب السوري تدفع ضريبة الثورات ...- الجزء الثاني -
-
ثورة الشعب السوري تدفع ضريبة الثورات... - الجزء الأول -
-
الأبعاد المختلفة في ثورتي آذار كردياً وسورياً - الجزء الثاني
-
ثوار سوريا يحتاجون لزيارة - الناتو - لا - كوفي عنان -
-
الأبعاد المختلفة في ثورتي آذار كردياً وسورياً- الجزء الأول
-
نبيل العربي والظواهري يرجحان كفة النظام السوري
-
الهوية الوطنية والديمقراطية في الدستور السوري
-
الأستاذ غسان المفلح، تحليل متلكأ
-
مستقبل الكتل الكردية، بين المعارضة السورية والثورة
-
ربيع المجالس الوطنية الكردية
-
طغاة الشرق وشرعنة الإرهاب الإسلامي
-
متاهة حقوق الكرد مابين الخطابين الكلي والجزئي
-
الخطوات العملية ما بعد المؤتمر الوطني الكردي
-
آراء حول المؤتمر الوطني الكردي
-
السروك - مسعود البرزاني - وسمو الإلتفاتة
-
- أسيا الصغرى - الاسم البديل لتركيا
-
معارضون سوريون بلا ضمير
-
صدى تساقط قطرات دم الشهيد
-
القضية الكردية همشت في المجلس الوطني السوري - الأخير-
المزيد.....
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|