نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث
(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)
الحوار المتمدن-العدد: 3699 - 2012 / 4 / 15 - 23:05
المحور:
سيرة ذاتية
الكتاب الصادر عن دار الرواد بعنوان (قطار العمر) للكاتب والمناضل حكمت محمد فرحان الذي يحتوي على (576) صفحة من الحجم الكبير , يشير الكاتب إلى السيرة السياسية والفكرية والنضالية لحياته وما مرّ به البلد من أوضاع سياسية واقتصادية, فهو كتاب يحمل التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعصف بالعراق منذ العهد الملكي قبل ثورة 14 تموز 1958 ثم استيلاء البعث على السلطة عام1963 وما قامت به فصائل الحرس القومي من إعدامات واضطهاد بحق أفراد الشعب من القوى التقدمية , وصولاً إلى فترة سيطرة صدام حسين على السلطة عام 1979 وما بعدها من حروب مع دول الجوار والحصار الذي فرض على الشعب العراقي بسبب سياسة البعث الهمجية , ثم سقوط النظام بدخول الجيش الأمريكي عام2003.
الكتاب عبارة عن محطات عمرية للكاتب وحياتهُ النضالية والعمل المهني كما تتسم بالسيرة الذاتية للكاتب , وقد استطاع أن يقدم صورة تتسم بالموضوعية والواقعية والشفافية لحياته اليومية والنضالية ,ولكن الصورة الذاتية قد طغت في هذا الكتاب, ومن الممكن اتخاذه كمصدر تأريخي لواقع العراق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بسبب الصراحة الكبيرة التي يتمتع بها الكاتب دون رتوش أو تزويق كما ألفناها من قبل البعض في كتابة المذكرات.
يؤكد الكاتب في مذكراته في ص526 إنهُ تعلم من والده المبادئ منها" الإصرار وعدم التراجع أمام الشدائد وحب الناس وحب الوطن",كما يصف الكاتب مدينة عنه تلك المدينة ذات الأربعة آلاف نسمة , فقد كانت هذه المدينة مكان لنفي المعارضين من الحزب الشيوعي العراقي للحكم الملكي , وتعتبر أحد البؤر الثورية في العراق , وذات حراك فكري وثوري حاد ,فقد انتشر الفكر الشيوعي في هذه المدينة الشامخة فخراً أن يكون فيها من المناضلين والمثقفين منهم" ثابت حبيب العاني وعزيز الشيخ وشريف الشيخ وعامر عبد الله وسالم عبيد النعمان وعبد الجبار صالح والشاعر رشدي العامل" , كما اتسمت مدينة عنه بالزراعة ومناظر النواعير التي تنقل الماء لسقي الأراضي الزراعية, حيث صنعت النواعير من خشب وأغصان التوت لرفع المياه من النهر إلى البساتين , فهي من ابتكار الأكديين حسب قول المؤرخ أحمد سوسة , تميزت المدينة بمعايشة المسلمين واليهود دون وجود أي مشاكل دينية أو عرقية أو اجتماعية.
المذكرات فيها الكثير مما يستحق الوقوف عندهُ, منها التأريخ النضالي للكاتب والحكومات التي عاصرها , فقد أوضح في مذكراته الفترات الحرجة من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي والنواة الأولى لخلايا الحزب في مدينة عنه عبر مسيرة الحزب الطويلة, كما أشار الكاتب إلى المراحل الدراسية الأولى ,منها أكمالهُ الابتدائية في عنه ثم التحق في المرحلة الإعدادية في كلية الملك فيصل في الأعظمية في بغداد بسبب اختيار وزارة المعارف للطلبة المتفوقين لإكمال دراستهم في هذه المدرسة بعد حضور المقابلة واختيار المناسبين للقبول فيها, ويشير الكاتب إن كلية الملك فيصل كانت تدار من قبل الإنكليز وبنظام شبه عسكري صارم , مع هذا كانت المدرسة مركز تجمع التنظيم الشيوعي , فقد كان من ضمن مدرسيها الشهيد عبد الجبار وهبي ومن ضمن طلبتها " زاهد محمد وإبراهيم علاوي وباقر إبراهيم الموسوي ونوري عبد الرزاق وأياد سعيد ثابت وطالب حسين شبيب وعبد الرضا الحاج هويش وآخرين", فقد شارك طلبة هذه الكلية في أحداث وثبة كانون 1948 ضد معاهدة بورتسموث التي أجبرت هذه التظاهرات حكومة صالح جبر على التراجع عن عقدها للمعاهدة , لكن كان قرار الحكومة الملكية بحق الطلبة هو إصدار قرار غلق الكلية نهائياً وترحيل طلبتها إلى مدنهم مع شهادات النقل , وهكذا طويت صفحة الكلية التي كانت القلعة الوطنية للشيوعية.
و يشير الكاتب حكمت فرحان في ص39 إلى دور" المبعدين من الشيوعيين إلى عنه في تشكيل التنظيمات الحزبية منهم( خلوف أمين زكي وأنور محمد فرحان ومحمد عبد اللطيف العاني وحسين العامل ورشدي العامل) في نشر فكر الحزب وإيصال الجريدة المركزية (القاعدة) بواسطة خلوف أمين زكي " فقد اطلعوا على رأي الحزب في تقسيم فلسطين من خلال الجريدة وكذلك في إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود العراقيين وتهجيرهم إلى فلسطين , ثم يذكر الكاتب فرحان المعانات التي واجهها بعد التخرج من الإعدادية والقبول في كلية الهندسية وكيف تم فصله لأكثر من مرة من الكلية لنشاطه السياسي وقيادته التظاهرات ثم الفصل النهائي من الكلية وتسويقه مع الطلبة والأساتذة إلى معسكر تدريب السعدية , ثم محاولاته السفر إلى مصر لإكمال دراسته وقد تم لهُ ذلك ولكن تم الفصل مرة أخرى من الجامعة في القطر المصري بسبب دعمه لمرشحي الحزب الشيوعي المصري في الانتخابات أبان حكم عبد الناصر, وتم ترحيلة من دولة مصر الشقيقة بعد إلغاء إقامته إلى سوريا, وقد أكمل المرحلة الثالثة في سوريا ثم بعد قيام ثورة تموز 1958 عاد إلى العراق وأكمل الدراسة وتخرج بصفة مهندس مدني والعمل في القطاع الخاص والتنقل بين محافظات الجنوب بين الكوت وكربلاء والناصرية ومتابعة التنظيمات الحزبية في تلك المدن.
يشير الكاتب إلى الأحداث التي مر بها العراق والتفصيل المسهب لها حتى قيام انقلاب شباط 1963 ,ثم قيام حركة حسن سريع في تموز عام1963 ضد الانقلابيين من البعث والقوميين , و أسباب ونتائج هذه الحركة منها: انفراد قادة الحركة بساعة التنفيذ بمعزل عن تبليغ قيادة الحزب وسلوكهم سلوك مفرط بالحس الإنساني تجاه قادة البعث الملقى القبض عليهم من قبل أعضاء الحركة , وقد ذكر الكاتب بالتفصيل حالات الاعتقالات بصفوف الحزب الشيوعي العراقي وأوكار الاعتقالات والتعذيب من قبل الحرس القومي ويذكر الكاتب بالتفصيل حالات التعذيب لقيادات الحزب والمواقف البطولية لهم , إذ تعتبر هذه المذكرات عرض تأريخي لمسيرة الحزب , فهي معلومات تفيد الباحثين كحقائق في دراساتهم. ثم يشير الكاتب إلى مرحلة عهد الأخوين عارف والانشقاقات التي حصلت في صفوف الحزب أسبابها ونتائجها وكيف أثرت على مسيرة الحزب وأضرت به , حتى تصل محطات قطار العمر إلى انقلاب تموز عام1968 وتسلل حزب إلى السلطة من خلال أحمد حسن البكر والسيطرة على السلطة,و أشار الكاتب إلى التحالف بين الحزب الشيوعي وسلطة البعث في إقامة الجبهة الوطنية , ودور الكاتب في تلك الفترة في العمل في المكتب المهني المركزي للحزب وتمثيلهُ في نقابة المهندسين بعد فوزه بالانتخابات الإدارية, ثم ترشيحه كعضو لهيئة تحرير مجلة الثقافة الجديدة واللجنة الزراعية في المجلة مع عزيز سباهي لمدة ست سنوات , ثم ينتقل الكاتب إلى محطة العمل في ديوان وزارة الري كمستشار للوزير مكرم جمال الطالباني , ويشير الكاتب إلى دوره كعضو ارتباط في اللجان الفرعية في توقيع الاتفاقيات حول الأنهر المشتركة و الحدودية مع دول الجوار ومنها إيران بعد اتفاقية عام1975 .
يشير الكاتب إلى التفاصيل و بإسهاب لكل ما مر به من عمل حزبي ووظيفي حتى انفراط التحالف مع حزب السلطة والمعانات التي مر بها مع رفاقه من أعضاء الحزب والمضايقات والاعتقالات , ثم يذكر الكاتب مرحلة الحرب العراقية الإيرانية والحصار الذي مر به العراق حتى سقوط النظام عام 2003 .
يعتبر الكتاب عبارة عن تفاصيل لتأريخ نضال ومسيرة الحزب الشيوعي العراقي أبان الفترة منذ عام 1946 حتى عام 2010 , ولكن هنالك بعض النقاط من الممكن الإشارة إلها في هذا الكتاب لأهميتها منها:
1- إن تسلسل الأحداث في الكتاب لا ينسجم مع تواريخ الحدث حيث يذكر في ص227 أحداث فصل الأساتذة والطلبة لأسباب سياسية من كلية الملك فيصل الأول بعد وثبة كانون1948 ثم يعود لمحطة أخرى يتذكرها الكاتب , و يشير إلى حدث وقع عام 2003 والقصف الأمريكي لمدن العراق في محطات طارئة , حيث يعقب عن حركة حسن سريع وأسباب فشلها , مما يؤدي هذا إلى تشتت أفكار القارئ في متابعة الأحداث التاريخية .
2- هنالك الكثير من الأخطاء المطبعية والتي تقلل من قيمة المذكرات وقد تعطي للقارئ معلومات خاطئة ومغالطة للحقيقة التي يصفها الكاتب.
3- هنالك سرد لبعض الأحداث الشخصية والعائلية و من غير المبرر لذكرها.
4- عند المرور بحادثة معينة وفق التسلسل التاريخي , نلاحظ الكاتب يأخذنا لحدث آخر بعيد ونحن في منتصف سرد الحدث مما يقلل من أهمية المذكرات.
5- ذكر الكاتب في مذكراته الغث والسمين للكثير من المواقف منها سياسية ومنها ما تخص بعض الأصدقاء وحتى الأعداء . 6- هنالك طرح لبعض التفاصيل للحوادث وما حوتهُ بين طياتها لبعض المعلومات التي أفادتنا في تغيير بعض مواقفنا والآراء اتجاه بعض السياسيين والحوادث التاريخية بسبب صراحة الكاتب .
7- الكاتب ذكر كل ما يخص الفترة الزمنية التي عاشها وحتى الانتهاء من كتابة مذكراته عام2010 , فهي حافلة بالنشاط والحيوية وهي مزدحمة بالأحداث , وقد طرح الكاتب رأيهُ فيها سواء كانت سلبية أم إيجابية .
احتواء الكتاب على الكثير من العناوين الفرعية , نلاحظ هنالك تقاطع في الكثير من الأحداث ,لو تم إعادة صياغة المذكرات من جديد ووفق الترتيب الزمني بدون المحطات الطارئة لكانت أفضل ولم يجد المتلقي والقارئ ملل في قراءتها.
مع كل ما ذكرتهُ والتي تخص الكتاب إلا إن هنالك أهمية لهذه المذكرات بسبب تحليل الكاتب الواقعي للأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرّ بها العراق .
#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)
Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟