سامي عبالقادر ريكاني
الحوار المتمدن-العدد: 3699 - 2012 / 4 / 15 - 23:03
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
كما ذكرنا في الجزئين السابقين بان النظام العالمي او الدولي والمنطقة الشرق اوسطية مقبلتان على تغييرات كبيرة وجذرية ستغيران الملامح الجيو سياسية والاقتصادية للمنطقة وستتبلور ملامح نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب ومتشابكة مع بعضها البعض في المصالح والايديولوجيات والسياسات من حيث التعارض والتوافق ولكنها لن تكون عائقا اذا كانت العقيدة الجديدة والتي تفرق وتعزز تلك العلاقات مبنية على الهدف الاوحد والوحيد وهو الاقتصاد والمصالح المتبادلة القائمة على اساسها . والتي لن تكون للمصطلحات الاخرى أي قيمة مالم تصب في مصلحة الغاية الكبرى وهي الاقتصاد , فالايديولوجيات والديمقراطية وحقوق الشعوب والارهاب والاسلام والعلمانية والقومية والوطنية وسيادة الدولة وحقوق الانسان والدكتاتورية وحق تقرير المصير وغيرها من المصطلحات ماهي الا وسائل سوف تروج لها وستدخل في المزايدات السياسية الدولية والاقليمية والمحلية ولكن الغاية الاقتصادية ستكون هي الفيصل والمبتغى من وراء ترويجها وتحريكها خاصة وان الاقتصاد العالمي في هذه الايام تمر بمرحلة الانتكاس وان الشرق الاوسط والسيطرة على مواردها بصورة غير مباشرة عن طريق مساعدة جهات متحالفة ودفعها الى سدة الحكم او بمساعدة جهات في الحكم وتكوين تكتلات متحالفة, بعد فشل السيطرة المباشرة على تلك الموارد كما في العراق وافغانستان , ستكون هي المنفذ والمعول الذي سيراهن عليه اصحاب المصالح الكبرى في رسم خارطة الشرق الاوسط الجديد وستتبلور من خلاله الملامح الحقيقة للنظام العالمي الجديد والجهات المتحكمة فيها .
فبعد ان كان الجهاد هو المعول الذي اعتمد عليه امريكا في محاربته للاتحاد السوفيتي وبمساعدة من الدول العربية والاسلامية والذي استطاع من خلاله استنزاف الاقتصاد السوفيتي بعد جره الى المستنقع الافغاني والذي اجبرته على الاستسلام وانهيار هذا الاتحاد الى دويلات ,واستطاع مرة اخرى من استعمال نفس العناصر الجهادية ومصطلح الجهاد ذريعة بعد ان بدلها بمصطلح الارهاب من اجل الوصول الى ماربها في الشرق الاوسط واسيا الوسطى والسيطرة على اهم الموارد التي تمتاز بها تلك المنطقة الا وهي النفط والغاز, ومن جهة اخرى لسد الطريق امام روسيا والدول الاوروبية والصين واليابان من الوصول الى تلك الموارد ودعم اقتصادها ومنافسة امريكا في قيادة العالم وتكوين اقطاب منافسة لها على الساحة الدولية ,ولكن ذلك التصرف الذي كان نابعا من الثقة المطلقة من قبل امريكا عبر تدخلها العسكري الانفرادي في المنطقة ما ان لبس طموحها وعنجهيتها ان اصطدمت بصخرة الواقع الذي استنزفت طاقتها البشرية والاقتصادية وجرت اذيال الخيبة والامل بعد ان سلمت العراق للايرانيين وحلفائها وحلت الفوضى في الشرق الاوسط وافغانستان , وتركت حلفائها الدكتاتوريين من حكام الشرق الاوسط بعد ان اصبحوا عالة عليها وعلى اقتصادها ودبت فيهم الفساد الى حد ان عزمت شعوبها التخلص منهم .فعاودة امريكا الكرة هذه المرة بعد ان استفادة من التجارب السابقة بان الانفراد بالموارد الشرق الاوسطية ليست بتلك السهولة وليست من ورائها الى الخذلان لذلك جاءة هذه المرة مع اتفاقات ومعاهداة وتكتلات دولية للوصول او الحصول على موارد هذه المنطقة وبعد التقرب من الشعوب المظلومة فيها ومحاربة الدكتاتوريات التي كانت لحد امد قريب هم الحلفاء المعتمد عليهم ولكن هذه المرة كانت الصداقة والتقارب والتحالف مع الاسلاميين المعتدلين وبعد اثارة النعرة الطائفية تحت شعار السنة والشيعة ليكونوا وقود هذه المرحلة والتي سيربت امريكا وحلفائها على اكتافهم هذه المرة منتهزة فرصة ثوراة الشعوب العربية التي تجتاح المنطقة للوصول الى ماربهم ولابعاد اعدائهم او منافسيهم التقليديين في المنطقة والتي تمثلهم ايران ومن ورائهم كل من روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب افريقيا وسوريا وحزب الله والمد الشيعي في الدول العربية ,فكانت النتيجه الربيع العربي الانطلاقة الاولى نحو تنفيذ هذه الخطوة او المرحلة .
ان تازم الاوضاع في سوريا في الايام الاخيرة زادة من وتيرة الاحداث في المنطقة وجعلت الربيع العربي في هذا البلد تدور في حلقة مفرغة ضمن سلسلة حلقاة هذاالربيع التي بداة حلقاتها من تونس وبعدها مصر وبمباركة امريكية وتدخلها غير المباشر في التحكم بمجرياة انتقال السلطة عبر التحالف مع الجنرالات العسكرية في كلا البلدين , وبعد ان اكتشفت لروسيا وحلفائها بان التدخل الغربي في ليبيا جرت عبر صفقة سرية بينها وبين المجلس الوطني الليبي المعارض اقتضى بموجبها توزيع عقود النفط بين الدول المشاركة في الحرب على النظام الليبي واسقاطه فكانت النتيجة ان استحوذت فرنسا ب30% من هذه العقود وبريطانيا 20% والباقي لامريكا وفيه جزء لايطاليا والعقود الخدمية او اللوجستية فكانت من نصيب تركيا ,كل هذا دفعت بروسيا وحلفائها لان تتخذ هذا الموقف المتصلب من سوريا بعد ان اظهرت لهم هذه الحرب حجم المؤامرة الامريكية وحليفاتها وكيفية ركوبهم على اكتاف الثورات العربية للوصول الى مئاربهم وابعاد الاطراف الاخرى من الساحة الشرق الاوسطية وكانت النتيجة ان دفع الشعب السوري ثمن هذه السياسات والمزايدات والصراعات الدولية على المنطقة ودفعت بهم الى مذبحة نظامها الهمجي بعد ان وقفت روسيا وحلفائها وايران في صف هذا النظام لافشال المخططات الامريكية في المنطقة.
وانسحبت اثار هذا الصراع على الساحة العراقية والكوردستانية وتسببت بازمة سياسية وفوضى ادارية وساحة لتصفية الحسابات وبضاعة تجرى عليها المزايدات السياسية والاقتصادية وعلى حساب الشعب العراقي وموارده الطبيعية .
واول نتيجه لهذا الصراع على الساحة العراقية بعد الازمة السورية كان الانسحاب الامريكي من العراق بعد التهديدات المعلنة من الاطراف المسلحة الشيعية الموالية لايران باستهدافهم, هذا من جانب , ومن جانب اخر كان الانسحاب الامريكي تكتيكا استراتيجيا واتفاقا سريا مع حلفائهم في المنطقة المتمثلين بكل من السعودية وتركيا وقطر وسنة العراق وبعد ان سلمتهم امريكا راية هذا التحالف وكانت الخطة تقتضي اعلان الفدراليات في المناطق السنية في العراق بعد الانسحاب الامريكي كخطوة اولى ليقفوا في وجه التحالف المضاد الذي يمثله ويرفع رايته كل من ايران وسوريا والشيعة في العراق ,وليمنعوا الجيش العراقي الخاضع للكتلة الشيعية من احكام السيطرة على المناطق السنية ,وليس ادل على ذلك من التحرك الايراني على الساحة العراقية ومحاولتها من خلال الخلايا السرية الايرانية والمليشياة المتعاونة والمدعمة لها وبمباركة عراقية وتحت امرة القياداة العسكرية العراقية من اجل السيطرة على المناطق السنية وملء الفراغ الذي تركته القواة الامريكية في تلك المناطق وذلك لضرب الخط العربي السني الغربي التركي والذي يمر عبر المناطق السنية العراقية مستهدفة المصالح الايرانية عبر ازاحة النظام السوري والاتيان بحكومة من الاغلبية السنية على سدة الحكم وبذلك كان سيكتمل الخط السني العازل للمد الايراني الشيعي ,وما كان اعلان الفدرالية في ديالى الا محاولة من قبل السنة العراقيين لصد هذا المد الشيعي ولاحساسهم بحجم المؤامرة التى تحيكها ايران ضد العراق وشعبه واصدقت نواياهم عند ما حاول مليشيات متكونة من جيش المهدي المدعم من ايران ومعها جيش القدس التابع للحرس الثوري الايراني من دخول ديالى من اجل القضاء على هذه الولادة الفدرالية قبل ان تنتشر حما هذه الخطوة الى باقي المحافظات السنية .
اما على الصعيد السياسي , ضغطت ايران والكتل الشيعية في العراق على الاكراد لسحب تواقيع اعضائهم في ادارة المحافظة المذكورة والمؤيدة للفدرالية ,مهددين الاكراد في حال لم يسحبوا تواقيعهم فانها ستقف ضد تحقيق بنود المادة 140 من الدستور وضد استرجاع المناطق الكردية المستقطعة الى المحافظات الكوردية, ومما اربك الكتلة الكوردية وزادة من مخاوفهم المواقف السنية السابقة المهددة والمانعة لاسترجاع تلك المناطق والحاقها باقليم كوردستان مما اجبرتهم لسحب تواقيعهم , وهذه الخطوة اتبعتها خطوة سنية للذهاب الى الاقليم للالتقاء بالقادة الاكراد وعلى الاغلب كان لاقناع الاكراد واطمئنانهم على انهم سيكونون متعاونين ومستعدين لاعطائهم ضمانات على حل مشكلة المناطق المتنازع عليها وبما يرضي الاكراد , ولكن الكتلة الشيعية ادركت هذه المخاوف واقدمت على خطوة استباقية عبر محاولتها افشال هذا اللقاء المرتقب واقدمت على القبض على الحراس الشخصيين للهاشمي في مطار بغداد ولكن لم يلحقوا او بالاحرى لم يرغبوا من القبض على الهاشمي والمطلك وكما اقدمو على خطوة قانونية عبر فبركة تهمة جنائية ضدهم من خلال دفع احد الحراس الشخصيين للهاشمي وعلى شاشة الفضائياة العراقية للاعتراف والاستشهاد على تورط الهاشمي بالارهاب وبانه وراء بعض العملياة الارهابية في العراق وخاصة التفجير الاخير الذي حدث على باب البرلمان العراقي مستهدفا رئيس الوزراء نوري المالكي وبهذا يكون قد سد الطريق امام الاكراد والسنة من التوصل الى أي اتفاق لكون مفاوض الاخير قد نزع عنه الصفة الشرعية بعد هذه التهمة ولايمكن التفاوض معه ,ليس هذا فقط بل بهذه المؤامرة استطاعة الحكومة العراقية ان تحمل الاكراد اعباء تسليم الهاشمي للعدالة العراقية وسيحملهم مسؤلية عدم تسليمهم له في حال رفضوا ذلك , ومن جهة اخرى اذا اقدم الاكراد على هذه الخطوة وقاموا بتسليم الهاشمي سيكونوا قد ابتلعوا الطعم ,ووقعت القطيعة بين الاكراد والسنة وحققت الغاية والهدف الذي كان من وراء عدم القبض على الهاشمي في المطار والذي كان بمقدور الحكومة العراقية ذلك لو كانوا يريدون . وقد سبقت هذه الخطوة لعبة مشابهة في اقليم كوردستان لتشير الى حجم الصراع بين الكتلتين الامريكية الاوروبية والتي تمثلهم الدول العربية السنية وتركيا اضافة الى السنة في كل من سورية والعراق والكتلة الاخرى الروسية الصينية والتي تمثلهم ايران والنظام السوري وشيعة المنطقة اضافة الى شيعة العراق المسيطرين على دفة الحكم فيها ,والتي اسفرت عن ازمة سياسية عبر اشعال مؤامرة بادينان والتي انطلقت شرارتها من جامع في زاخو عقب صلات الجمعة لتتحول الى فوضى اسفرت عن حرق محلات المساج ومحلات لبيع الخمور وانتهت بحرق المقرات الحزبية للاتحاد الاسلامي الكوردستاني ,وادة الى افشال مخططات المجموعة الامريكية ومحاولاتهم لربط اقليم كوردستان عبر الحكومة المرتقبة التي سيتزعمها نيجيرفان بارزاني بالكتلة الامريكية الاوروبية السنية التركية ,والتي كانت قد هياة الارضية لذلك قبل سنتين وماكان التقارب السني الكوردي خلال المدة الاخيرة التي سبقت احداث بادينان والزيارات المتبادلة المكثفة للدبلوماسيين الامريكيين والاتراك والاكراد والعرب والاوروبين بين الاقليم وعواصم تلك الدول وكذلك محاولات نيجيرفان بارزاني من التحاور والتشاور مع المعارضة في الاقليم واظهار الرغبة الجدية عبر القنواة الفضائية ومنافذ التواصل الاجتماعي من حل المشاكل العالقة داخل الاقليم وخاصة المتعلقة بمكافحة الفساد الادراي والسياسي والعمل على تفعيل دور المؤسسات الحكومية واستقلاليتها وتحريرها من التدخلات الحزبية وتوحيد الادارتين والعمل على تفعيل دور المواطن للقيام بهذا المهام والمشاركة في صنع القرار السياسي ,كل هذا جاءة من باب تهيئة الارضية المناسبة داخليا وخارجيا كمطلب خارجي ورغبة داخلية للمباشرة بالعمل من اجل دفع عجلة التغيير في المنطقة والتي بقيت مرهونة بالاوضاع في سوريا ولكن هذه الخطوات جوبهت برد سريع من قبل الطرف الايراني وبضغوطات منه وعبر خطها المتحالف معه على الساحة الكوردستانية والعراقية والتي نتجت عنها مؤامرة بادينان.ولكن نعود مرة اخرى لنقول اين الاكراد (منجزاتهم دورهم موقعهم مصيرهم مستقبلهم )في هذه المعادلة ,هذا ماسنجيب عليه في الجزء الرابع ان شاء الله.
#سامي_عبالقادر_ريكاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟