سعيد رمضان على
الحوار المتمدن-العدد: 3699 - 2012 / 4 / 15 - 15:32
المحور:
حقوق الانسان
مصر .. الخسارات !!
سنوات في التشرد .. أتنقل من مكان لمكان .. أمكنه يصعب تسميتها .. ليست بيتا ولا زنزانة .. كان جحرا من ذلك النوع الذي يشعرك بالخوف ويصيبك بالإهانة ..
وكانت القضية وقتها ليست الخوف .. أو كيف تحمى نفسك من النصابين و القتلة .. بل كيف يكون لك كرامة .. وكان في هذا عذاب لم أحسب له حساباً .
أنا الذي لم ابتعد عن بلدي واختار المنافي..
بلدي التي لا يفصلني عنها القهر ولا العذاب ولا الخوف ..
بلدي التي اعشق فيها كل شيء ..
المطر والشمس والريح والصحراء والخضرة والنيل والبحر..
أنا الذي اخترت القهر لأعيش في حضنها ..
واحتمى بتاريخها اصنع منه بابا يحميني من النهابين والقتلة.. وسريرا يريحني من إرهاق العذاب ..
وكانت مصر قد أصبحت جريمة .. مصر تلك التي تحتوى نهرا وبحرا .. مصر تلك التي تحتوى خضرة وناسا يكافحون.. وكلما رميت شبكة في بحرها أو نهرها أخرجت جثة تعلن عن جريمة .. !!
وكانت السهرات، تلك السهرات التي كانت مجتمعا للجمال ..
تحولت لتأملات عندي في هؤلاء الذين خرجوا من بيوتهم لمشاويرهم الأخيرة .. وما توقعوا يوما إنهم لن يعودا لبيوتهم ولا أهاليهم ..
حتى هؤلاء الغرقى في الدنيا والذين انتهكت إنسانيتهم ..
يمشون مسافات مقهورة في الحياة بلا أحلام..
غير أن الدنيا التي هي دائما بلا ذاكرة .. لا تعرف عدد المقتولين فيها .. ولا تعرف عدد المقهورين الذين يعيشون في قلبها ..
ملايين.. ملايين .. يحملون أمالا بسيطة.. لكنها أمال مع زيادة البؤس تحولت لأمالا خالية من الرجاء..
وكنت أنا البعيد والمنسي ..
أقف طويلا أمام بلدي ، ابحث فيها عما عرفته فيها محملا بشحنة عاطفية ، تسحقني تحت وطأتها ..
كان كل شيء موجودا .. البحر والنهر والخضرة والناس والمدن ..
وكان كل شيء غير موجود .. لا البحر ولا الخضرة ولا النهر ولا الناس ولا المدن .. كأن ما أراه أمامي صورة فوتوغرافيه لما كان موجودا .. صورة تنطق البرود و أتأملها بوجع ..
اخرج كثيرا للحياة ، انتظر بلدي بوحشية والشوق يكويني.. لكن الانتظار يطول
فأذهب إلى النوم, ممنيا نفسي بأحلام جميلة ، اختلسها في غفلة من القهر والحرامية ..
كل شيء يأخذ لونا قاتما .. تخفت البهجة وينتابني شعور بالفقدان .. فقدان شيء امتلكته وخسرته .. يجتاحني الأسى في غياب مريع لحياة كنت اعرفها ..
حياة أصبحت كالموسيقى التي أغلفت نفسها بالصمت ..
أما ضجيج القهر فقد أحتل المكان ..
اشعر بأنني مبعثر ومتناثر .. كغيوم في السماء تحجب الشمس ولا تسقط أي قطرة مطر .
-----------
#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟