أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حيدر نواف المسعودي - دراسة - بانتظار المنقذ هل هي فكرة لتأجيل الثورة ؟















المزيد.....


دراسة - بانتظار المنقذ هل هي فكرة لتأجيل الثورة ؟


حيدر نواف المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 3699 - 2012 / 4 / 15 - 15:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دراسة
بانتظار المنقذ
هل هي فكرة لتأجيل الثورة ؟
حيدر نواف المسعودي
تعالَ يا غودو
وخلّصنا من الطغاةِ والطغيانْ
ومن أبي جهلٍ ، ومن ظُلمِ أبي سُفيانْ
فنحنُ محبوسونَ في محطّةِ التاريخِ كالخرفانْ
أولادُنا ناموا على أكتافِنا
رئاتُنا .. تسمّمَتْ بالفحمِ والدخانْ
والعَرْضَحَالاتُ التي نحملُها
عن قلَّةِ الدواءْ
والغلاء
والحِرمان
صادَرَها مرافقو السلطانْ
تعالَ يا غودو .. وجفِّفْ دمعَنا
وأنقذِ الإنسانَ من مخالبِ الإنسانْ

نزار قباني
من قصيدة بانتظار غودو

حين وقف الانسان عاجزا مستضعفا ازاء بعض القوى والظواهر العظمى او الخارقة المتفوقة على قدراته والعصية على فهمه وتفسيره فانه ورغبة منه في اتقاء شر هذه القوى وتجنب قدراتها وسخطها المدمر ، ورضوخا امام جبروتها الرهيب والمرعب اضطر الى الانصياع والانقياد اليها الى حد وصل الى عبادتها وتقديسها وتأليهها ومن هنا كان عبادة الانسان البدائي للطواطم والظواهر الطبيعية من مثل الرعد والرياح والنار وحتى عبادة الشيطان اعتقادا ان هذه الاشياء هي مصدر الشر والأذى ولكي يتجنب شرها فانه قام بعبادتها واتخذها الهة وقدم القرابين اليها ومع تقدم البشرية بقيت بعض الشعوب محتفظة بهذه العبادات بينما استجدت عبودية اخرى لدى بعض الشعوب تمثلت في عبودية الحاكم والسلطان باعتباره خليفة الله وممثله وذلك الاعتقاد اتاح للحكام والسلطات ممارسة ابشع انواع القهر والاستبعاد والظلم ضد الشعوب وعاثوا في الارض فسادا وخرابا وتدميرا يملكون وكل شيء ويستعبدون كل شيء ، بعض الشعوب رفضت هذا الواقع وتمردت عليه وثارت ضده وأسقطت الحكام والسلطات الظالمة المستبدة وتحررت نهائيا من سطوتها ، اما اكثر الشعوب فقد بقيت تنتظر مجهول او غيب ما يحررها وينفذها ولذلك تراها تستسلم لواقعها المرير والفاسد والمأساوي وتفويض امرها الى حين نهاية العالم والانتقال الى العالم الاخر لينال كل واحد حسابه او عقابه ، والبعض الاخر ينتظر ظهور منقذ ما يحررهم من العبودية والقهر والاستبداد وجور الحكام والسلطات القمعية ويقيم دولة او حكومة او مجتمعا ينعم بالحرية والعدالة ، فالمنتظر هو (عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري، أدرك الناس من خلاله ـ على الرغم من تنوع عقائدهم إلى الغيب ـ إن للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض، تحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير وهدفها النهائي وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مر التاريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل ). (1) وهذا المنتظر هو شخص له عمق تاريخي بعيد جدا وموغل في بطن التاريخ وهو فارس وبطل يتمتع بالشجاعة والقوة والعدالة ومحب للخير ومن نسل بشري نبيل و متميز ومعروف عنه كل الصفات الايجابية والخيرة ، وهو مختفي في مكان ما وسيظهر في زمن غير معلوم ، ولكن الجميع يتفقون انه سيظهر بعد ازدياد وتفاقم الفساد والظلم وهو يظهر للقضاء على الشر والباطل والفساد وقد يكون ظهوره هو نهاية الفساد والشر الى الابد وقيام عالم العدالة والسلام والحرية والمحبة او ان ظهوره يسبق نهاية العالم للقضاء على الظالمين والأخذ بالحق والثأر للمظلومين والمستضعفين .
* عالمية الفكرة
لم تختص فكرة ظهور المنقذ على حضارة او امة او شعب او ديانة بعينها ، فلا نكاد نجد شعبا من الشعوب لا يؤمن بوجود منقذ ما يظهر في زمن غير معلوم للقضاء على الشر والظلم وينشر العدالة والخير ، فكان العراقيون القدماء ينتظرون البطل تموز المنقذ و متى يبعث لذلك ومن اجل ذلك كانوا يضحون له بالنذور والقرابين . اما الفينيقيون فكانوا ينتظرون الآلهة البطل بعل ، وفي بلاد فارس القديمة كانوا ينتظرون زرادشت (2) وأهل إيران من الفرس لديهم معتقد بمنقذ ومخلص فارسي الأصل اسمه الـشاه بهرام. يعيد الحضارة و الإمبراطورية الفارسية للصدارة العالمية .. وأول ما يفعله هو ان يطرد العرب من ايران
وفي مصر القديمة كانوا ينتظرون اوزيرس وفي بلاد اليونان كانوا ينتظرون أدونيس وفي البلدان الأسكندنافية ينتظرون أودين وفي الهند ينتظرون بوذا.
وقد تملكت هذه الفكرة مخيلة بعض الشعوب الى درجة ظهر في الهند اكثر من شخص ادعى انه بوذا ولم يصدقهم احد في حياتهم ولكن بعد مضي سنين طويلة على وفاتهم اختار الناس احدهم على اساس انه بوذا الحقيقي و يؤمنون بأنه في اخر الزمان سوف يظهر بوذا مرة اخرى و ينشر العدل والسلام والخير والمحبة. اما عند الديانة الهندوسية فتمثل في( كرشنا وراما)
اما بعض أهل أفغانستان من ذوي الأصول اليونانية و المقدونية من بقايا و احفاد جيش إسكندر المقدوني أو اسكنـدر الكبير كما يسمونه .. يعتقـون و مازالوا بان ابن اسكندر في طريقه إليهم .. ولا يعترفون بمنقـذ أو مخـلص و منتـظر غير ابن اسكندر
و حتى الشعب اليمني لديه معتقد قديم بشخص خارق من نسل الملكة الراحلة بلقيس يكون له دور و شأن عظيم يقود اليمن لمكانه عظيمة مثل ما كانت في قديم الزمن !!
أما الديانات السماويه من اليهود والمسيحية فهي أيضا تؤمن بالمنقذ في أحر الزمان فاليهودية تقول ان المنقذ هو نبي الله عزيز والمسيحية تقول ان المنقذ هو نبي الله عيسى ؟ اما بعض المسلمين فيعتقدون ان المنقذ هو المهدي المنتظر من نسل النبي محمد .
وظهرت فكرة المنقذ حتى عند العلماء و الفلاسفة القدامى والمتأخرين مثل أفلاطون في جمهوريته والفارابي في مدينته الفاضلة و الفيلسوف الإنجليزي توماس مور في يوتوبيا أو جزيرة طوبي بينما تتمثل في طبقة البروليتاريا عند بعض المفكرين والفلاسفة وأحيانا هي ( الاشتراكية ).
و اشتهرت المدن الفاضلة المثالية عند الحكماء والفلاسفة القدامى والمحدثين، مثل ( أفلاطون في الجمهورية ) و(الفارابي في المدينة الفاضلة) و(الفيلسوف الإنجليزي توماس مور في اليوطوبيا طوبي)، وهناك ايضا ( إتلانتا الجديدة لفرنسيس بيكون ) و)المدينة المسيحية ليوهان) ، و( مدينة الشمس لتوماس كامبلا) و(جزيرة كونفيسشيوس لحكيم الصين) وغيرها (3).
وهي ليست خيالية بشكل كامل بل هي نتيجة لتصورات تؤيدها المعرفة و الآثار، ولكنهم اختلفوا في شخص القائد الموعود على مرّ التاريخ من يكون
* العذابات اولا
يجب اولا وقوع الجريمة ويجب ان كون هناك مجرم وضحية ليصل الشرطي بعد ذلك ويلقي القبض على المجرم وقد لا يتمكن من القاء القبض عليه من اول مرة ، فتكون هناك جرائم اخرى ومزيد من الضحايا والدماء .
ولابد من وقوع الحريق اولا ووقوع خسائر وخراب ودمار ليصل الاطفائي بعد ذلك وقد يصل متأخرا فيجد ان كل شيئا قد احترق واستحال رمادا وقد لا يجد حتى ثمة ما يطفئه !!!
ان مسالة الموعود المخلص تنتشر في 35 ديانة ومعظم هذه الديانات تؤكد على ان ظهور المنقذ هو نتيجة تفشي وانتشار الظلم والفساد والقهر والحرمان في العالم وتفشي الصراعات والحروب والفقر وسلب ونهب وانتهاك حقوق وحريات وكرامة المستضعفين من قبل الطغاة والأثرياء والجشعين والسراق والمرابين :
فعلى سبيل المثال إن انتظار منقذ ومخلص لدى اليهود كان يأخذ أبعاداً وتيارات عديدة، فهناك تيار من يفسر انتظار المنقذ لظروف قاسية التي عاشها الشعب اليهودي أثناء وبعد السبي البابلي والذي أدى إلى اضطهادهم من الشعوب الأخرى.
اما الديانة المسيحية فإنها تؤمن بأن مجيء المنتظر قد تم على يد المسيح عيسى ابن مريم لكن الذي ظهر بعد ذلك اعتقاد بأن مجيء المسيح المنتظر سوف يكون المجيء الثاني، وعليه فإن الديانة المسيحية تعتقد أن المسيح هو )المخلص) للشعب والمصحح لمسيرة اليهودية، وقد أطلق على هذا المخلص اسم )يسوع المسيح) أو ابن الله.
اما المسلمين فيقولون : ان المهدي المنتظر يظهر ليملا الارض قسطا وعدلا بعد ان ملئت ظلما وجورا .
اما الشيوعيون فيرون في الشيوعية هي المنقذ الموعود ، وإنها المرحلة التي تصبح فيها الارض جنة كما يعبرون عنها.مع الاختلاف العقائدي والفكري، ان (الغلاء.. الفساد.. التضخم.. البطالة.. كلمات تتناولها ألسنة الناس باستمرار وفي كل مكان.. بعد أن طال ضنك الحياة للأغلبية الساحقة من الأفراد في كل البلاد تقريباً.. سواء تلك التي تُحسب في خانة الدول الغنية أو الدول محدودة الموارد اصبح هم الإنسان اليوم هو البحث عن الأموال بكل الطرق والوسائل، التي تقع أغلبها في إطار السرقة المشروعة أو غير المشروعة قانوناً. لقد ابتدعت الرأسمالية آليات معقدة لسرقة الأموال وتوليدها وزيادتها، كما أوجدت طرقاً ناجعة لغسلها وتنظيفها من أية شوائب قد تلحق بها أو تشكك في مصادرها السؤال الملح الذي يطرحه الجميع إلى أين نحن متجهين؟.. أي مصير يواجه الحياة البشرية فوق الأرض، قلة تكدس الثروة فتزداد غنى.. وكثرة تعاني الفقر وتزداد فقراً.. منظرو الرأسمالية يدّعون أنهم يوزعون الغنى بين الناس، لكن الواقع غير ذلك بكل تأكيد... فوجود أغنياء يتطلب وجود فقراء لو استمر الحال على ما هو عليه فإن الإنسانية تتجه إلى موت جماعي محقق بشكل مباشر ولأسباب مختلفة. ربما أهمها انتشار المجاعات الناتجة عن تزايد حالات الفقر، فبالتأكيد أعداد الجوعى أكثر بكثير من أعداد الأغنياء في العالم الذي تشكل أغلب سكانه طبقة وسطى بالكاد توفر لقمة العيش، إضافة إلى الإرتفاع المضطرد للأسعار بسبب الندرة المتزايدة في توفير المواد الغذائية والأشياء الضرورية، ناهيك عن طابور العاطلين عن العمل الذي يتوسع يومياً ليشمل نسبة مخيفة بين سكان العالم القادرين على الإنتاج، واختلال منظومات الحماية الإجتماعية في كل دول العالم تقريباً…. ان المال العالمي يتركز بيد 10% من سكان العالم والباقي هم عاملين لدى هذه الشركات و كلما زادت الشركات غنى زادت نسبة الفقر وكلمة خسرت الشركات زادت نسبة الفقر أي ان الفقر في الحالتين من نصيب الطبقات العاملة وان الشركات لا تعطي سوى سد قوت العامل لكي يأتي غدا في الصباح الباكر لكي يعمل من جديد و ان العمال يصنعون اشياء بدولارات وتباع بالألف الدولارات حيث هذا العامل لا يستطيع شراءها) (4)
بسبب ماتقدم فان الشيوعيين يرون ان الشيوعية هي مرحلة حتمية في تاريخ البشرية، تأتي بعد مرحلة الاشتراكية التي تقوم على أنقاض المرحلة اللا قومية، ويرى ماركس أن الصراع التنافسي للبرجوازية يولد العهد الكوسموبوليتي الذي يعتقد البعض انه ( مرحلة العولمة ) الحالية وهو العهد الذي يغلب عليه الطابع الاحتكاري، وتحول الربح التنافسي للربح الاحتكاري سيؤدي إلى ثورات تفرض النظم الاشتراكية ويتقاضى كل فرد في المجتمع حسب عمله، حيث يتم القضاء على الملكية الخاصة، وتأتي الشيوعية كتطور تاريخي للاشتراكية، ومن ميزات العهد الشيوعي أنه عهد أممي، وتزول الدولة تلقائياً وتضمحل بحيث يتلاشى وجود الدولة.
اما الرأسماليون : فيرون ان الرأسمالية والديمقراطية هي المنقذ بحسب نظرية ( نهاية التاريخ) التي وضعها المفكر الامريكي فو كوياما ، ففي عام 1989 كتب مقالة في دورية ناشونال انترست( National Interest) اصبحت فيما بعد احدى النظريات السياسية الحديثة، كانت بعنوان " نهاية التاريخ ) :قائلا إن نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية). وقد أضاف وشرح فوكوياما نظريته المثيرة للجدل في كتاب أصدره عام 1992 بعنوان "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"
وقد قصد فوكوياما أن يعارض فكرة نهاية التاريخ في نظرية كارل ماركس الشهيرة "المادية التاريخية"، والتي اعتبر فيها أن نهاية تاريخ الاضطهاد الإنساني سينتهي عندما تزول الفروق بين الطبقات. كما تأثر فوكوياما في بناء نظريته بآراء الفيلسوف الشهير هيغل وأستاذه الفيلسوف ألن بلوم، حيث ربط كلاهما بين نهاية تاريخ الاضطهاد الإنساني واستقرار نظام السوق الحرة في الديمقراطيات الغربية.(5)
وتقوم نظرية فو كوياما على ثلاثة عناصر أساسية. العنصر الأول، هو أن الديمقراطية المعاصرة قد بدأت في النمو منذ بداية القرن التاسع عشر، وانتشرت بالتدرج كبديل حضاري في مختلف أنحاء العالم للأنظمة الديكتاتورية. العنصر الثاني في نظرية نهابة التاريخ، هو أن فكرة الصراع التاريخي المتكرر بين " السادة" و"العبيد" لا يمكن أن يجد له نهاية واقعية سوى في الديمقراطيات الغربية واقتصاد السوق الحر. العنصر الثالث في نظرية فوكوياما، هو أن الاشتراكية الراديكالية أو الشيوعية لا يمكنها لأسباب عدة أن تتنافس مع الديمقراطية الحديثة، وبالتالي فإن المستقبل سيكون للرأسمالية أو الاشتراكية الديمقراطية.
مما تقدم يتبين ان كل الذين يعتقدون بوجود منقذ ، سواء كانوا وثنيين او مؤمنين او من اصحاب النظريات الوضعية والمادية ، يعتقدون مسبقا بضرورة وجود ظلم وعذابات وألام وفساد يجب وقوعه على البشر ويجب تزايد شدته وقساوته ووتيرته ، وانه يجب على البشرية نزف دماء ودموع غزيرة ، وتقديم تضحيات وقرابين وأرواح كثيرة جدا ، وتذوق مرارات ومعاناة وماسي جمة ، قبل ظهور المنقذ الفارس الذي يقاتل الشر بكل اشكاله ويقضي على الظلم والقهر وينشر الخير والأمان والسلام والعدالة والحرية .
* الانتظار .. طاعة الحكام .. التقية :
استغلت فكرة انتظار ظهور المنقذ من البعض استغلال سيئا في اتجاهات متوازية سلبية جدا وهي:
1. عدم مقاومة الظلم والفساد والانحراف والسكوت والقبول بتفشيهم في الحياة والمجتمعات لان ذلك احد الاسباب الممهدة لظهور المنقذ .
2. الاستسلام وعدم مقاومة الحكام والسلطات الجائرة والطغاة والفاسدين والصبر عليهم وطاعتهم ( مبدا طاعة الحاكم وعدم الخروج عليه ) حتى ظهور المنقذ .
3. الوصول الى حد التقية ومداهنة ومحاباة والقبول بالظلم والفساد وموافقة الظالمين والفاسدين على تصرفاتهم وسلوكياتهم ونهجهم وتأييدهم ولو ظاهرا دون التصدي لهم او مقاومتهم والثورة عليهم ، بانتظار ظهور المنقذ وقيام دولته .(6)
وعلى سبيل المثال، ظهرت في عام 1953 جماعة في ايران في مدينة مشهد تسمي نفسها ( الحجتية ) اسسها ( محمود ذاكر زادة تولايي) الذي يشار اليه بـ (( محمود الحلبي في (( مشهد بعد نجاح انقلاب الجنرال زاهدي على الحكومة الوطنية التي كان يترأسها الدكتور مصدق , وكان الشاه محمد رضا بهلوي يستخدمها اداة لأستئصال اتباع البهائية , وهو هدف دعا بعض علماء الحوزة الى تأييد الجمعية بسبب قلقهم من انتشار البهائية في المدارس الدينية .
اسمها مشتق من ( الحجّة ) الامام الثاني عشر لدى الشيعة الأمامية.
وهي بالأصل جماعة سياسية عقائدية اجتذبت الكثير من الشباب فترة الكبت الديني التي استمرت حتى عام 1979،تقوم عقيدتها على الايمان الراسخ بان اشاعة الفوضى والفساد والظلم والقسوة في الارض تعجل في ظهور صاحب الزمان المهدي المنتظر , وتنفي أي ظهور سابق للمهدي بل تنتظره في المستقبل وترفع شعار ( لا دولة شيعية قبل المهدي ) وهو شعار استفاد منه الشاه لانه محبط لأية ثورة تقوم قبل الظهور ! .
واتهمت النظام الايراني الذي اعقب حكم الشاه , بأنه اغتصب ولاية المهدي واسهم في تأخير ظهوره , وهم في دعوتهم لإشاعة الفواحش تمهيداً للظهور , اجتذبوا اعداداً غفيرة من الشباب , وفي الوقت نفسه كسبوا الى صفهم شخصيات ذات وزن , بسبب من نفوذهم الذي ازداد وأسهم في نجاحه (اسلوب العمل السري الذي يتبعونه ), اسلوب نشاطهم اشبه بالجمعيات الماسونيّة , فاجتذبوا الكوادر والنخب وتغلغلت من خلالهم في مؤسسات الدولة الحساسة , وتقدم لهم بالمقابل فرصاً ومنافع تجارية واقتصادية وسياسية .
انتشرت الجماعة الى خارج ايران وفي العراق خصوصا اذ انتشرت جماعات ترفع شعارات الحجتيّة نفسها وتمارس ممارساتها , فيها جماعة السلوكيين في النجف وجماعة روح الله وجماعة المرسومي وجماعة النبأ في مدينة الصدر الذين يعتقدون ان مقتدى الصدر هو النبأ .(7)
* متى سيأتي غودو ...
في الفترة ما بين (تشرين الأول – أكتوبر 1949 وكانون الثاني – يناير1950 ) كتب الروائي الايرلندي صموئيل بيكيت رواية عنوانها ( في انتظار غودو( ، ولا تزال المسرحية إلى يومنا هذا، تفسّر بأقاويل عديدة ومختلفة, وكل حسب خلفيته العقائدية والفكرية، وعندما كتب بيكيت هذه المسرحية فكر أن يكون عنوانها (انتظار) ، لصرف انتباه القارئ عن شخصية غودو، لينشغل بموضوع الانتظار، آملا أن لا ينهمك القارئ في التركيز على أية شخصية في المسرحية ويهمل في الوقت نفسه التفكير في كيفية أن وجود البشرية كله هو عبارة عن انتظار. وأصبحت شخصية غودو بمثابة كلمة سر يتبادلها الناس فيما بينهم للتعبير عن حالات كثيرة مثل: والآن، هل ستأتي أم أنك تنتظر غودو؟
وعندما سئل بيكيت من هو (غودو)؟ أجاب : لا اعرف عن هذه المسرحية أكثر مما يعرف هذا أو ذاك من الذين يقرؤون المسرحية بيقظة وانتباه؛ لا أعرف عن الشخصيات أكثر مما تقوله هي، أكثر مما تفعله وماذا حدث لها ومعها؛ لا أعرف من هو غودو ومن يكون؛ لا أعرف حتى إذا كان موجودا أم غير موجود؟
من خلال قراءة هذه الرواية بتمعن يتبين للقارئ ان الحدث الاهم الذي تدور حوله هو الانتظار المجرد عن العمل أي ان المنتظر ينتظر المنقذ فقط دون ان يعمل شيئا آخر ليحيي هذا الانتظار ويقرب مجيئه ولذلك فأن (بيكيت) يحاول هنا أن يوصل خطاباً مفاده إن التفكير في الأسئلة التي يصعب الإجابة عنها والتي تبرز كمحّصلة لفعل الانتظار يُنتج الألم والقلق وتعطيل فعالية الإنسان وتحطيمه من الداخل، وإن شخصياته ينبغي عليها أن تواصل إنتظارها للشيء الذي لن يأتِ مطلقاً، إلا أنها مع ذلك تظل تنتظر وتنتظر حتى اللحظة الأخيرة للسقوط في هوة الشيخوخة والخرف، المرحلة التي تقزّم تلك الشخصيات وتضاعف من بؤسها وعجزها وتبعيتها في الآخِر.
وفي حوار بين بطلي المسرحية المشردان اللذان كانا يجلسايعرفانه: من شجرة جرداء في شارع ريفي أحدهما يدعى فلاديمير (ديدي) والآخر إيستراغون (غوغو) بإنتظار شخص يدعى غودو. وهما لا يعرفانه و لم يريانه من قبل وحتى لو رأياه فلن يعرفانه :
ستراجون : يجب أن يأتى إلى هنا
فلاديمير : إنه لم يقل أنه سوف يأتى على وجه اليقين
استراجون : وإذا لم يأت ؟
فلاديمير : سوف نحضر إلى هنا فى الغد
استراجون : ثم بعد غد
فلاديمير : ربما
استراجون : وهكذا باستمرار
فلاديمير : المسألة هى
استراجون : متى يأتى ..(8)
ويبقى السؤال الاخير والمهم ،وهو متى سيظهر هذا المنقذ ؟ وهل ستقدم البشرية خسائر وتضحيات ودماء اكثر ؟ وماهو السر في تأخر ظهور هذا المنقذ حتى الان ؟
وهل ان البشرية ستحتمل المزيد من المعاناة وتؤجل ثورتها ورفضها للقهر والفساد حتى ظهور المخلص الموعود كما يقول ويعتقد ويدعو اليه البعض من ضرورة الرضوخ والقبول بالواقع مهما كان مريرا ومأساويا بانتظار المنقذ ولان تفشي الفساد والظلم ضرورة لابد منها وتمهيد بغيره لا ظهور للمنقذ او المخلص مطلقا ؟!!!


نيسان / 2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1. العولمة والعالمية المهدوية - عماد جميل خليف
2. البحث عن البطل المنقذ- عبد الجبار منديل
3. الطور المهدوي - فرقان محمد تقي مهدي الوائلي
4. الاشتراكية هي الحل - بقلم: أ.د مصطفى الزائدي
5. ويكيبديا الموسوعة الحرة : فوكوياما
6 . ويكيبديا الموسوعة الحرة- التقية : في الإسلام وأيضا في اليهودية بصفة عامة مجازة على العكس من المسيحية التي لا تبيح تصرفات مثل التقية مطلقا. وارتبطت التقية في تاريخ الأديان بصفة عامة بمراحل الاضطهاد أو التمييز القائم على العقيدة بل إن المسيحيين الأوائل في عصر دقلديانوس اضطروا لاستخدامها في مصر وبلاد الشام. واستخدمها اليهود في أوروبا في العصور الوسطى.
وفي الإسلام أباحها الإسلام بصفة عامة لحماية المسلم من أي ضرر في عقيدته أو دنياه ولكن توسع الشيعة خصوصا بكل طوائفهم في استخدامها واعتبروها من أساسيات الدين ويعزو البعض هذا إلى اضطهاد الشيعة العام عبر التاريخ خصوصا في العصر الأموي والعباسي مما جعل التقية أمرا ضروريا لحياة الشيعي.
التقية هي الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير ، كما يمكن القول بأن التقية عند أهل السنة بأنها إظهار المسلم لبعض الأقوال والفعال الموافقة لأهل الكفر أو الجارية على سبلهم إذا اضطر المسلم إلى ذلك من أجل اجتناب شرهم مع ثبات القلب على إنكار موافقتهم وبغضها والسعي لدفع الحاجة إليها، كما يمكن القول بأن التقية هي إظهار الكفر وإبطان الإيمان وذلك عند خوف المسلم على نفسه من الكفار والمشركين.
7. ويكيبديا الموسوعة الحرة – الحجتية
8. مشهد من مسرحية في انتظار غودو للكاتب الايرلندي صموئيل بيكيت (1906 – 1989).



#حيدر_نواف_المسعودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقة بين القمة العربية والأفلام الهندية
- دراسة - نهضة المجتمعات والأمم وسقوطها
- التصعيد الإسرائيلي في القدس .. التوقيت والنوايا والدلالات
- دراسة - المخاوف من حكم الإسلاميين و فشل التجربة او نجاحها
- المزيد من دماء العراقيين من اجل المزيد من تحقيق الاهداف
- خطاب بشار الجعفري تناقضات .. وفضائح..ومؤشرات على انهيار النظ ...
- ستنتصرون أيها السوريون برغم كل شيء ( الحلقة2)
- ستنتصرون أيها السوريون برغم كل شيء ( الحلقة 1)
- لن يصلح الصالحي ما أفسده المالكي
- الدعوة الى ثورة لتطهير دواخلنا وتصحيح وعينا قبل الثورة على ا ...
- وثائق ويكيليكس تكشف عن فوضى أمريكية لا خلاقة ونظام عالمي إجر ...
- لماذا تصر إيران وأمريكا على إبقاء المالكي ؟
- بوادر هزيمة الاحتلال الأمريكي إزاء الاحتلال الايراني
- الديمقراطية في العراق الجديد والاصابة بانفلونزا السلطة المزم ...
- (حكومة بالريموت كنترول ) إلى أين تريد إيران الوصول بالعراق
- يا لثارات كسرى ...! الإمبراطورية الحالمة بشروق شمسها ثانية(1 ...
- يا لثارات كسرى ...!الإمبراطورية الحالمة بشروق شمسها ثانية (2 ...
- يا لثارات كسرى ...! الإمبراطورية الحالمة بشروق شمسها ثانية ( ...


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حيدر نواف المسعودي - دراسة - بانتظار المنقذ هل هي فكرة لتأجيل الثورة ؟