|
الشخصية اليهودية والروح العدوانية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3699 - 2012 / 4 / 15 - 10:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اسم الكتاب : الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية تأليــــــــف : د. رشاد عبد الله الشامى صادر عـن : سلسلة عالم المعرفة الكويتية – عدد 102 – يونيو1986 عــــــرض : طلعت رضوان ــــــــــــــــ ساعدت بريطانيا ثم أميركا الصهيونية فى إحتلال فلسطين. ولم يكتف اليهود بذلك وإنما مارسوا أبشع أنواع العنف والقتل وتشريد الفلسطينيين. وشنوا الحروب ضد شعوب لبنان ومصر والأردن وسوريا. إزاء هذه الاستراتيجية الدموية ، كان لابد من دراسة الشخصية اليهودية ، ولماذا تميل الى العنف وترفض السلام ؟ للإجابة عن هذا السؤال كان كتاب د.رشاد الشامى . بدأ المؤلف كتابه بتأصيل مرجعية اليهود العقلية والنفسية المستمدة من التوراة. ويضرب مثالا بموقف العبرانيين من المصريين القدماء ، وفقًا لما جاء فى سفر التكوين 47 عندما جاء يوسف الى مصر، حيث استقبله الفرعون وقال له : أبوك وأخوتك جاءوا اليك . أرض مصر قدامك. فى أفضل الأرض أسكن أباك وأخوتك. ليسكنوا فى أرض جاسان (الشرقية حاليًا) ماذا حدث بعد أن حصل يوسف والعبرانيون على هذا الكرم ؟ كتب المؤلف إن الفرعون كلّفهم ((بالعمل كسائر المصريين فى الزراعة وصناعة البناء اللتين كانتا الصناعتين الرئيسيتين ، فاعتبروا هذا التكليف عبودية. وجعلوا يهوه إلههم يُنكّل بالمصريين فى صورة عمليات انتقامية بشعة ردًا على جميل الإقامة لخمسة قرون نعموا خلالها بخيرات مصر. وهى الخيرات التى ندموا على تركها عندما عانوا الأهوال والجوع والتشرد فى التيه)) (ص12) . إن هذا الندم جاء فى اعتراف اليهود الصريح ، حيث ورد فى العهد القديم ((فعاد بنو إسرائيل وبكوا وقالوا من يُطعمنا لحمًا. قد تذكرنا السمك الذى كنا نأكله فى مصر مجانًا والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم)) بل إن بنى إسرائيل يعاتبون إلههم وقالوا له لماذا خرجنا من مصر؟ وقالوا أيضًا ((أليس خيرًا لنا أن نرجع الى مصر؟)) (عدد11 : 4-6 ،20 ، خروج 14) . أما الجرائم التى ارتكبها اليهود الصهاينة ضد الشعب الفلسطينى ، فهى مستمدة أيضًا من كتابهم الذى يُقدّسونه وأن ((رب اليهود لايكتفى بالقرابين من الحيوانات. ويُلزم اليهود بالقرابين البشرية لإرضائه. ومن هنا كانت العادة اليهودية بذبح الأطفال واستنزاف دمائهم لعجين فطائر عيد الفصح)) (150) ويضرب المؤلف مثالا بما ورد فى سفر الخروج 12 : 29 حيث جاء فيه ((فحدث فى نصف الليل أن الرب ضرب كل بكر فى أرض مصر. من بكر فرعون الى بكر الأسير. وكل بكر بهيمة)) وقال المؤلف أن شهوة القتل (حتى قتل الأطفال) مستمدة من التوراة ، فكتب ((حينما انتصر جند موسى على المديانيين وجاءوا بالسبايا والغنائم قال لهم موسى ((فالآن أقتلوا كل ذكر من الأطفال)) (عدد31 :17) ويخلص المؤلف من قراءة العهد القديم الى أن إله العبرانيين هو ((الذى كان يوحى الى موسى بخطط الحرب والخديعة. فيأمره بالتجسس وجمع المعلومات قبل الهجوم على أرض كنعان. وهو الأمر الذى ورد فى سفر العدد 13 حيث نص على ((ثم كلّم الرب موسى قائلا إرسل رجالا ليتجسسوا أرض كنعان التى أنا مُعطيها لبنى إسرائيل)) والتحريض على قتل الأطفال وسبى النساء وحرق المدن والسرقة والوعد بإحتلال أراضى الغير. مثل أراضى المصريين والكنعانيين. كل ذلك ورد بالتفصيل فى معظم أسفار العهد القديم. وأضاف د. رشاد ((إن التوراة تطبع العقيدة الإسرائيلية برباط وثيق بين (حرب إسرائيل) و (رب إسرائيل) حيث يُصبح هذا الرب هو (رب الجنود) الذى يُمهد لبنى إسرائيل السبيل لتحقيق مآربهم فى الغزو والإحتلال وطرد الشعوب)) (168 ، 169) . هذا الموقف العدائى من الشعوب المتحضرة المستقرة ، كان الدافع الى نقد التراث العبرانى. فيرى توينبى أن ((اليهودية هى أقبح أمثلة عبادة الذات)) وبعد مذبحة دير ياسين وجّه نقدًا شديدًا ضد الإسرائيليين وقال ((إن الدرس الذى استخلصه اليهود من مواجهتهم مع النازى قادهم ، لا الى تجنب الجرائم التى ارتكبها النازيون ضد اليهود ، بل الى تقليدها)) (21 ، 188) أما العالم الكبير فرويد فقد وصف (رغم أنه موسوى الديانة) إدعاء اليهود بأنهم شعب الله المختار بأنه خرافة. وأن اليهود أخذوا عن المصريين عادتين كانوا يتميّزون بهما ونسبهما اليهود لأنفسهم وهما عادة الختان وتحريم تناول لحم الخنزير)) (37) أما فولتير، أحد رواد التنوير الكبار، فقال عنهم ((إنك لتجد فيهم مجرد شعب جاهل ومتوحش. زاول لمدة طويلة أبغض أنواع الخرافات. ويحمل كراهية لاتعادلها كراهية لكافة الشعوب التى تسامحت معه)) (40). فى فصل شيق عرض د. رشاد حركة التنوير اليهودية (الهسكالاه) الى استهدف مؤسسوها القضاء على نظام الجيتو. أى القضاء على العزلة التى فرضها اليهود على أنفسهم فى المجتمعات التى عاشوا فيها. وأن الحل هو الاندماج ،بحيث يكون التركيز على صفة المواطنة وليس على أساس الانتماء الدينى. وبالفعل حققت هذه الحركة نجاحًا ملحوظًا فى البداية لدرجة أنْ ((تفجّرت فى كل ناحية هتافات مثل ((لنخرج من الجيتو. لنقترب من الشعوب)) ورأوا أن النجاح الحقيقى لن يتحقق إلاّ(( اذا تمكّن اليهود من اكتساب مقومات الحضارة الغربية العلمانية)) ولذلك ((وجّهوا سهام نقدهم الى التراث الدينى اليهودى المغرق فى الغيبية واللاتاريخية. فهاجموا فكرة (المسيح المخلص) وأسطورة العودة. وهاجموا التلمود . وحذفوا كل الصلوات التى تدعو للعودة الى صهيون أو إحياء مملكة إسرائيل. ووصل كثيرون من دعاة الاستنارة اليهودية ، ليس الى حد إنكار القومية اليهودية فحسب ، بل الى حد إنكار الدين اليهودى ذاته)) (41 - 43) . وبكل أسف فإن حركة التنوير اليهودية الى حققت نجاحًا كبيرًا فى غرب أوروبا ، جوبهت بمقاومة شديدة فى شرق أوروبا. وانتهت الحركة بالفشل. وبالتالى فشل الحل الاندماجى. بمعنى أن يُصبح اليهودى الهولندى (مثلا) مواطنًا هولنديًا يهودى الديانة ، مثله مثل المواطن مسيحى الديانة. ويكون الولاء للوطن قبل الولاء للدين. أى يندمج فى الوطن الذى يعيش فيه. وتكون له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات. وقد امتلأ أدب حركة التنوير اليهودية بالعبيرات التى تعاملت مع الدين اليهودى بصرامته وقيوده المتزمتة باعتباره حائلا دون سعادة الإنسان. وكتب الأديب (يهودا ليف) : ((كن يهوديًا فى بيتك وإنسانًا خارج بيتك)) ورغم كل هذه الجهود فشلت حركة التنوير اليهودية ، بسبب يهود شرق أوروبا. بالاضافة الى عوامل أخرى مثل ((ازدياد موجة معاداة السامية. وحادثة اغتيال القيصر الكسندر الثانى فى مارس 1881 وإتهام أحد اليهود بقتله. ونشوب موجة من الاضطهاد ضد اليهود فى روسيا)) (39 – 49) ثم جاءت الحركة الصهيونية التى وظّفت الدين من أجل العودة الى أرض الميعاد. وقاومت فكرة الاندماج. وروّجت وموّلت تهجير اليهود من أوطانهم ، ليحتلوا أرض الشعب الفلسطينى . رصد المؤلف هجرات اليهود الى فلسطين. فذكر أن الهجرة الأولى بدأت واستمرت من عام 1882 – 1903 وأن الكاتب الصهيونى (آحاد ها عام) كتب فى عام 1891 ((نحن فى الخارج نظن أن فلسطين صحراء برية غير مزروعة. وأن أى شخص يستطيع أن يشترى من الأرض حسب رغبته)) وبعد عشرين عامًا قال (( إن كثيرين من أهالى فلسطين الذين أخذ وعيهم القومى فى النمو، ينظرون شزرًا الى بيع الأراضى (للغرباء) ويعملون جهدهم لوقف هذا الإثم)) (179) وذكر د. رشاد أن ((الصهيونيين حاولوا مساندة الحكم البريطانى لمدة تكفى لزيادة عددهم ولشراء المزيد من الأرض)) (227) وأن ((أول إحتجاج فلسطينى رسمى ضد التدخل الصهيونى كان فى 24/6/1891 عندما بعث بعض وجهاء القدس عريضة الى القسطنطينية يُطالبون فيها بمنع اليهود من دخول فلسطين وشراء الأراضى فيها. فما كان من الحكومة العثمانية إلاّ أن أصدرت قوانين تمنع الهجرة اليهودية. ولكن إحتجاجات الدول الأوروبية حدّت من تلك القوانين)) (258). وعن الموازيك الذى يحكم الشخصية اليهودية ، وبالتالى الخريطة السكانية للمجتع الإسرائيلى تحدث المؤلف عن تقسيمات اليهود داخل إسرائيل : القسم الأول هم مجموعة اليهود (الاشكنازيم) التى هاجرت من أوروبا الى فلسطين. وهذه المجموعة ((تحتل قمةالهرم الاقتصادى والاجتماعى. وتسيطر على كل مراكز القوة السياسية والعسكرية. وترى ضرورة أن يرتبط تاريخ إسرائيل بتاريخ وثقافة وتراث اليهود فى أوروبا. بحيث يسود الطابع الحضارى الغربى ، باعتبار أن المؤسسين ينتمون الى هذا الطابع الحضارى. ويحرصون على استمراره (89 ، 101) . المجموعة الثانية هم اليهود (السفارديم) الشرقيين من عرب ومغاربة الخ وهم لم يعانوا الاضطهاد كما حدث ليهود أوروبا. وهاجروا الى فلسطين تحت تأثير الحركة الصهيونية. وأملا فى مستوى معيشى أفضل من الذى كانوا يعيشون فيه فى بلادهم. والملفت للانتباه كما يقول المؤلف أن هؤلاء اليهود (ومعظمهم عرب) تحوّلوا ، نظرًا لثقلهم النسبى فى العملية الانتخابية منذ عام 1977 الى التصويت لصالح اليمين المتطرف الذى يُمثله حزب (ليكود) وأتاحوا الفرصة لليمين الإسرائيلى أن يتولى الحكم لأول مرة فى تاريخ إسرائيل ولفترتين متتاليتين (77 ،1981) وأعطوا الليكود 73% من أصواتهم فى يوليو 1984. وعن شخصية اليهود العرب كتب د. رشاد ((لقد ترتّب على الظروف التى غادر بها اليهود البلاد العربية ، فى إطار من التضخيم الإعلامى الصهيونى للكراهية العربية لهؤلاء اليهود من ناحية ، ولعدم وجود خطة استراتيجية عربية واضحة بشأن مستقبل اليهود فى المنطقة من ناحية أخرى ، ترتّب على هذه الظروف أن تولّد الإحساس لدى اليهود السفارديم بأن الاختيار المفروض عليهم هو بين الاندماج فى المجتمع الإسرائيلى وقبول قيمه ومفاهيمه كما هى ، أو الذبح والطرد على يد العرب فى حالة انتصارهم على إسرائيل. ولذلك فهم أكثر استعدادًا لقبول النظرة الفاشية التى تجعل من الفلسطينيين والعرب عمومًا كبش فداء. وقد أصبح من الشائع أن السلوك السفاردى يُجسّد الحقد العميق ضد العرب. وأنهم أكثر من كافة الإسرائيليين تزمتًا وحبًا للحرب وأشرسهم مساندة لمبدأ ضم الأراضى العربية المحتلة. وردّدوا أكثر من مرة بأنهم أتوا بمناحم بيجين للسلطة فى مايو1977 لأنه هو وجيله يُجسّدون العداء للعرب بأشد ما يكون التصلب والعناد (90 ، 99) . ولأن د. رشاد عالم كبير ومتمكن من مادته عن الشخصة اليهودية ، لذلك وجدته يربط ما سبق عن شخصية اليهود السفارديم بموقف اليهود الاشكناز منهم ، فى تطور دراماتيكى عن هذا المجتمع الموازيكى ، فكتب أن الاشكناز ينظرون الى اليهود العرب ((باعتبارهم إسفين الحضارة العربية المتخلفة المزروع داخل المجتمع الإسرائيلى. وأنهم سيكونون ، فى حالة حدوث سلام مع العرب ، أقدر الفئات الإسرائيلية قدرة على فهم العرب والتعايش معهم.وأن هذا الأمريُهدد أساس الوجود الإسرائيلى كدولة تُعتبر إمتدادًا طبيعيًا للحضارة الغربية)) (ص99) . المجموعة الثالثة هى اليهود (الصباريم) أى الذين وُلدوا على أرض فلسطين. ولايعرفون لهم وطن آخر سوى إسرائيل بعد قيامها. وأن ارتباطهم بإسرائيل ليس نتيجة اعتقاد أيديولوجى أو إيمان بالصهيونية ، ولكن ببساطة لأنهم وُلدوا على هذه الأرض. وليس لديهم عقدة اضطهاد مثل آبائهم. وأنهم يضعون إسرائيل قبل يهوديتهم. حيث يعتقدون أنهم وُجدوا ، ليس على أرض يهودية وإنما إسرائيلية. وهذه الشخصية العبرية الجديدة تحتقر يهود الجيتو، كوصمة عار ليهود أوروبا ((الذين ساروا كالشاة الى المذبحة)) أما أدب الأطفال فهو يمتلىء بأوصاف كل من (الصبار) و (اليهودى الجيتوى) حيث صورة الصبار(الراقى) والجيتوى (المنحط) وأن الصبار يعتبر نفسه (ابن البلد) وأنه عبرى وليس يهوديًا. والشخصية الصبارية تضيق ذرعًا بتدخل الحاخامات فى حياة الناس الخاصة . لذلك يأكلون لحم الخنزير علانية (91 ، 105 ، 109 ، 121) . وعن الفرق بين اليهود الشرقيين والغربيين كتب د. رشاد ((لقد كانت هناك تناقضات هامة بين الإثنين. فاليهود الشرقيون كانت حياتهم الجديدة فى إسرائيل تُمثل إنجازًا لتراثهم اليهودى . لكنها بالنسبة لمعظم اليهود الغربيين تُمثل نبذًا لماضيهم اليهودى)) (198) ولعلّ ذلك ما جعل المهتمين بدراسة الشخصية اليهودية داخل إسرائيل ، أن يُفرّقوا بين اليهودى المتمسك بالدين ، واليهودى المتمسك بإسرائيل. وهو ما عبّر عنه المؤلف قائلا (( اليهود يريدون العيش وفقًا للتوراة. أما الإسرائيليون فهم يؤمنون بالتراث اليهودى اسمًا. ولكنهم فى داخل أعماقهم يريدون أن يُصبحوا شعبًا جديدًا مختلفًا. أن يكونوا تابعين للحضارة الغربية. وتصبح (أرض الميعاد) مجرد صدفة تاريخية. وعن اليهودى الغربى المؤمن بإسرائيل الرافض للديانة العبرية ، كتب يسرائيل هارل ((لقد أصبحت مشكلة الإسرائيليين أنهم لايؤمنون بأية حقيقة مطلقة.والأيديولوجية التى لاتحتوى على الإيمان بالمطلق سيكون مصيرها الزوال. والإسرائيلى المتأثر بالحضارة الغربية ، يؤمن بنسبية الحقيقة. وأن لكل عملة وجهين (122 ، 123) . فى داخل هذا الموازيك الذى يُشكّل الشخصية اليهودية فى إسرائيل نشأت جماعة (الكنعانيين) الذين يرون أن الجنسية الإسرائيلية ليست مرتبطة بالتصور الصهيونى. ويُطابقون بين الجنسية والمواطنة. ويرون ضرورة تحرير العبرانيين من يهوديتهم والعرب من إسلامهم. وإقامة دولة علمانية واحدة فى كافة منطقة الهلال الخصيب دون فرق بين اليهود والعرب. بالعودة الى الأصل الثقافى العبرى القديم. استنادًا الى أن العرب سكان البلاد هم أحفاد اليهود القدماء. وأعضاء هذه الجماعة لايشعرون أنهم يهود. وأن الجيل السابق عليهم جعل الدين مكروهًا لديهم. وأن التاريخ اليهودى عبر 2500 سنة غير مُلزم لهم. ويرون أن اليهود ليسوا شعبًا متجانسًا. إذْ فيهم الآسيوى والإفريقى وما بينهما من اختلاف عن اليهودى الأوروبى. واذا كانوا يرفضون الدين العبرى ، فإنهم يرفضون أيضًا أن يكونوا صهاينة (93 ، 115 ، 116) . فى فصل ممتع يتحدث المؤلف عن افتقاد الشخصية اليهودية للجذور. لذلك حدث ولع لديهم بالآثار. والسبب أن ((علماء الآثار فى إسرائيل محترفون وهواة لايحفرون من أجل الخبرة الفنية والاكتشافات. بل ليقروا من جديد جذورهم التى يرونها فى المخلفات العتيقة. ولاغرابة فى أن يكون أشهر الهواة هو موشيه ديان . وقال يجال يادين رئيس الأركان الإسرائيلى الأسبق (( لقد أصبح الإيمان بالتاريخ لدى الشباب الإسرائيلى بديلا عن الدين . إن علم الآثار الوطنى يُكرّس جهوده لتحقيق الماضى العبرى للبلاد)) وذكر د. رشاد أن الإهتمام بعلم الآثار بدأ عام 1920. وفى عام 1947 كان علم الآثار قد نما تمامًا. إذْ بفضل راعى شاب كان يبحث عن معزة شاردة ، تم اكتشاف برديات بحر الميت. وأن هذه البرديات تم شراؤها من تجار عرب. وهى تشتمل على كتابات خطية لسفر أشعيا. وفى الفترة من 63- 1965 قام البروفيسور يجال يادين بحفائر شاملة فى (متسادا) وقام بمعاونته آلاف المتطوعين من إسرائيل ومن خارجها. وكان هؤلاء يحسّون أنهم يقومون بعمل مقدس . وكتب يادين ((إننا لم ننجح فى تنفيذ هذه المهمة الصعبة إلاّ عندما تقدّمتْ جموع المتطوعين من البلاد)) وقامت إسرائيل بترميم المكان وإعادة بناء (المتسادا) جزئيًا. وأصبح من السهل الوصول الى المكان بالقطار المعلق (التلفريك) وتزوره جموع السائحين كل سنة. وتقام حفلات دائمة تُمثل الترابط بين السياسة وعلم الآثار فى التاريخ الإسرائيلى الحديث. ويصل الأمر الى درجة أن يستعير يادين عبارة نابليون عندما وقف أمام الأهرام فى مصر وقال يُخاطب جنوده ((إن أربعين قرنًا من التاريخ تتطلع اليكم)) يستعير يادين هذه العبارة وهو يتمنى لو أن نابليون قالها فى إسرائيل ( من 126- 132 ، 160) . ولكن هذا الولع بالآثار الذى وحّد الإسرائيليين ، لم يمنع التمزق داخل الشخصية اليهودية ، خاصة وأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تتمكن من تحقيق السلام. لامع الفلسطينيين ولا مع الدول المجاورة. لذلك يشعر المواطن الإسرائيلى أنه فى حالة حرب دائمة. وأن نظام التجنيد تسبّب فى (عسكرة المجتمع الإسرائيلى) بل إن التوراة بصفتها المرجعية الدينية للإحتلال وتبرير شريعة العنف ، تُدرّس فى المدارس بوصفها مادة تاريخ قومى(199) كما أن الكثيرين تأثروا بمقولات الزعماء أمثال بن جوريون الذى قال ((لايهم ما تقوله الشعوب الأخرى. بل المهم هو ما يفعله اليهود)) (144) وقال أيضًا ((بالدم والنارسقطت يهودا. وبالدم والنارستقوم يهودا)) (206) أما زائيف جابوتنسكى فقال ((السيف والتوراة قد نزلا علينا من السماء)) (182) . وقد عبّرت عالمة النفس الإسرائيلية (عاميا ليبليخ) عن هذا الواقع بقولها ((إن الحرب فى إسرائيل جزء من الماضى ومن الحاضرومن المستقبل. ويسأل الإسرائيلى نفسه : هل يُسعدنى الحظ فى الحرب القادمة وأنجو كما نجوت فى الحروب السابقة ؟)) أما الأديب الإسرائيلى ساميخ يزهارفيقول (( كان الإحساس التراجيدى لأبناء هذه الأجيال ، هو أن الحروب قد فُرضت عليهم دون أن يُعطى لهم خيار أو سيُعطى لهم)) وعن هذا الكابوس الوجودى الذى حوّل المجتمع الإسرائيلى الى ثكنة عسكرية ، كتب الشاعر الإسرائيلى يعقوب باسار((الحرب المقبلة.. نُنشئها.. نُربيها.. ما بين حجرات النوم.. وحجرات الأولاد)) أما الأغنية التى شاعت بعد حرب1967فهى التى كتبها الشاعر الإسرائيلى حانوخ لفين ((حين نتنزه نكون ثلاثة : أنا وأنت والحرب القادمة. . وحينما ننام نكون ثلاثة : أنا وأنت والحرب القادمة)) (من 242 – 246) . وسط هذا المناخ المؤسس على شريعة القتال والطمع فى أراضى الشعوب المستقرة منذ آلاف السنين ، تبرز أصوات إسرائيلية راغبة فى تحقيق سلام يضمن الاستقرار. وأن هذا الاستقرار لن يتم إلاّ بعد الاعتراف بالشعب الفلسطينى. وتمكينه من إقامة دولته المستقلة بعيدًا عن أى تحرش إسرائيلى. من بين هؤلاء من يمتلك ضميرًا حيًا فيكتب مؤكدًا أن ((الوطن الإسرائيلى لم يقم لا بالحق ولابالتاريخ ولابالهرب من الاضطهاد ، بل بالعنف وحده. نعم بالعنف والدم)) وكتب آخر عن جرائم الجيش الإسرائيلى ضد المدنيين أثناء الاعتداء على لبنان عام 1982 فقال إن التركيب النفسى للشخصية اليهودية غير عادى. وما حدث فى لبنان أبعد ما يكون عن البطولة. هل البطولة العسكرية هى صورة هذا الرجل الذى يبحث فى الأنقاض عن حفيده ؟ أو هذا الرجل الذى يفر هاربًا من الجحيم حاملا بين ذراعيه ابنته ذات العشر سنوات ؟ حرام علينا أن نعقد المقارنات بين ما يحدث لهؤلاء العرب وبين ما حدث لنا فى الماضى. لأننا لو عقدنا هذه المقارنات لإتضح أن الجرائم التى أُرتكبت فى حقنا بالأمس هى نفس الجرائم التى نرتكبها اليوم)) (154) . وبعد حرب 67 صدر كتاب (أحاديث المقاتلين) ورد فيه اعترافات الجنود الإسرائليين وانطباعاتهم عن الحرب. وقال أحد الجنود ((اذا كنت فى هذه الحرب قد تذكّرتُ نكبة اليهود فى أوروبا ، فلقد حدث هذا الأمر فى لحظة معينة حينما كنتُ فى طريق القدس. كان اللاجئون يتدفقون أمامنا فى إتجاه الأردن. لقد شعرتُ على الفوربالتعاطف معهم. حينما رأيتُ الأطفال على أذرع آبائهم. رأيتُ فيهم نفسى محمولا بين ذراعىْ والدى)) وذكر جندى آخر أنه حينما دخل معسكر اللاجئين كى يقوم بعملية تفتيش شعر بأنه ((رجل جستابو)) وعلّق د. رشاد قائلا ((وهذا يُذكّرنا بقول الفيلسوف الألمانى هيجل ((أن تقتل فإنما نفسك تقتل)) ففعل القتل ، بقدر ما هو حماية للذات من خطر، لامفر للقاتل من أن يرى نفسه مقتولا فى ذات القتيل (155) وينقل المؤلف عن أحد اليهود قوله ((إن القومية اليهودية فى فلسطين مبنية على أنانية عسكرية من العنف وبعيدة كل البعد عن الإنسانية)) (157) . واذا كان تاريخ قيام الدولة الإسرائيلية عام 1948 ، فإن اليهود استعدوا لذلك اليوم بزمن طويل. حيث يتبين من مصادر المؤلف الاعتماد على عدد من صحيفة (ها آرتس) الصادر فى 8/9/1922 ورد فيه خطاب مفتوح بعث به (آحاد ها عام) إحتجاجًا على مقتل طفل عربى على يد أحد الصهاينة (181) وعلى الإهتمام بعلم الآثار منذ عام 1920. بل إن اليهود وصل بهم الأمر الى درجة تأسيس (إتحاد للعمال العبريين) قبل إنشاء إسرائيل بثمانية وعشرين عامًا ، حيث تأسس إتحاد العمال (الهستدروت) فى ديسمبر 1920 (ص 208) . رغم كل هذه الاستعدادات. ورغم المستوى المعيشى المرتفع. ورغم جهود العلمانيين ودعاة السلام الإسرائيليين للاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته ، حتى يتحقق الاستقرار لكل سكان المنطقة ، رغم كل هذا فإن الإسرائليين ((يعيشون تناقضًا حادًا بين فرضيات العقيدة الصهيونية وبين إفرازات المجتمع الإسرائيلى فى صراعه مع الواقع العربى الرافض لوجوده)) (236) ويُشير المؤلف الى عامل آخر يزيد من حدة التناقضات ، وهو أن الإسرائيليين يُشكّلون مجتمعًا غير متجانس ، حيث أتوا من بلاد عديدة ويتحدثون سبعين لغة. ولهم خلفيات حضارية مختلفة (247) ولكن هذا التعدد فى اللغات جعل الإسرائيليين يتخلون عن التحية العبرية التى كانت سائدة بينهم (شالوم عليخم) وأصبحوا يُفضلون استخدام تحيات حضارية مثل (بوكر طوف) أى صباح الخير، (عيرف طوف) أى مساء الخير. وغيرها من التحيات المتعددة (117) فهل التخلى عن التحية الأحادية الشمولية (شالوم عليخم) ستجعلهم متحضرين وبالتالى ينبذون العنف؟ واذا كان اليهود قد تجرّعوا الذل على يد النازى ، فإنهم أعادوا إنتاج الذل ومارسوه على غيرهم. وهو الأمر الذى أكّده المؤلف قائلا ((اذا جاز لنا القول بأن أولئك الذين كانوا عبيدًا فى أرض مصر، وفق رواية التوراة ، قد تحوّلوا الى غزاة محتلين لأرض كنعان ، بعد فترة التيه أو الاختيار الطبيعى ، فإن أولئك الذين كانوا عبيدًا فى الجيتو فى العصرالحديث ، قد تحوّلوا هم الآخرون الى غزاة محتلين لأرض فلسطين ، بعد أن تعرّضوا لسلسلة من الاضطهاد بلغت ذروتها فى اللاسامية النازية ، التى تركت أثرًا واضحًا على السمات السلوكية للنمط الصهيونى ، ثم على الشخصية اليهودية الإسرائيلية)) وأن اليهود (بعد تجربتهم مع النازى) نراهم ((عندما يجدون الأشخاص الأخرين أضعف منهم ، يُمارسون معهم نفس القسوة التى احتملوها فيما مضى. وهذه الظاهرة معروفة فى علم النفس ب ((التوحد فى المعتدى)) (141) . *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثروت عكاشة : دراما العلاقة بين الثقافة والسياسة
-
الجذور التاريخية لمأساة الشعب الفلسطينى
-
درس من خبرة الحركة الوطنية
-
صياغة التعصب الدينى بالإبداع
-
دستور وطنى دائم أم شخص الرئيس
-
شواطىء العدل والحرية عند رمسيس لبيب
-
السفر الأخير - قصة قصيرة
-
مجابهة التخلف الحضارى
-
الإبداع بين الدراما والسياسة
-
أوديسا التعددية الثقافية
-
مباراة عصرية فى شد الحبل بين الحرية والدكتاتورية
-
دستور سنة 23 وموقف الليبراليين المصريين
-
قصة (بعد صلاة الجمعة) والفكر الأصولى
-
إبراهيم أصلان والكتابة بلغة فن الهمس
-
محجوب عمر والترانسفير الصهيونى
-
نداء الحرية فى مواجهة بطش العسكر
-
العلاقة بين التدين والإبداع الشعبى
-
الروائى الأيرلندى جيمس جويس واليهود
-
الصحافة المصرية وحجب المعلومات
-
الدبلوماسية المصرية بعد يوليو52
المزيد.....
-
لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
-
“هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024
...
-
“شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال
...
-
قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
-
بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
-
السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
-
مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول
...
-
المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي
...
-
المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
-
بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|