|
الفضائيات العربية - من مشهدية النقل الى أزمة العقل
طلال سيف
كاتب و روائي. عضو اتحاد كتاب مصر.
(Talal Seif)
الحوار المتمدن-العدد: 3699 - 2012 / 4 / 15 - 01:09
المحور:
الصحافة والاعلام
الفضائيات العربية من مشهدية النقل الى أزمة العقل تظل فكرة استدعاء الماضي للتذكر والحنين ، أو للبرهنة والمقارنة بين ماض وحاضر، بمثابة عائق يضع الفكرة فى وعاء التذكير لا التفكير ، فالأولى تثبيت للحالة ، والثانية انطلاق الى النهضة ، ومن زاوية ضيقة جدا " cup" اذا ما نظرنا الى المشهد الفضائي العربي ، وليس المشروع الاعلامي العربي ، لكونه لم يبدأ بعد سنرصد التخبط على المستويين " الفضائي الديني والعلماني التحرري " لكون الأول ، يعتمد فكرة استدعاء الموروث ، من باب " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين " وليس من باب " لعلهم يتفكرون " والفارق ما بين الذكرى والفكرة جوهري فى البناء والتنمية ، كجزء من النهضة الشاملة ، ونميل هنا الى رأي الأستاذ حسن حنفي ، فى كون الاستدعاء لمجرد التذكر معوق للعملية النهضوية ، على عكس الاستدعاء للتفكير والانطلاق ، وان كان هذا المشهد البائس هو المسيطر على القنوات المسماه بالدينية ، فإننا لا نخرج من هذا الرصد تلك القنوات التي أعلنت عن انتمائها للتيار العلماني ، والتي تبنت فكرة حرق المراحل ، والانطلاق من اللحظي كمنهج للنهضة المفترضة ، فقد سقطت دون قصد ، على افتراض حسن نوايا ملاك تلك القنوات ، فى عشوائية وفوضوية الخرائط البرامجية الغير ممنهجة ، والتى لم تعتمد المنهج العلمي فى عملية الاعداد للخريطة البرامجية والبرامج المقدمة ، وانجرفت رغما عنها نحو معطيات السوق فى تقديم برامج التشوه الفكري ، المسماة ب " التوك شو " ولكي نقدم رصدا علميا للمشهد الاعلامي العربي سنضطر للولوج الى تفاصيل ربما لا يعرفها ولا يهتم بها الا المتخصصين فى مجال الاعداد البرامجي ، هذا اذا ما افترضنا فنية وموهبة كل العاملين فى مجال الاعداد . ومنها حصرا ، ما نسميه نحن " ورقة الدراسة المبدئية " والتى تشتمل على عدة عناصر : أولا : اسم البرنامج ... وهو اسم مقترح يتناسب توافقيا ، أو من باب المفارقة مع طبيعة البرنامج ، ولادارة المحطة الحق فى تعديل الاسم تبعا لظروف سوق الاعلام . ثانيا : الفكرة .... ويستعرض فيها المعد الفكرة أو الأفكار الرئيسية التي سيتناولها البرنامج على مدار عرض الخريطة البرامجية ويشرح فيها باستفاضة ، فكرته الرئيسة والأفكار الفرعية وكيفية التناول ورؤيتة لخروجها فى قالب مصور ، أو أن يقدم الفكرة مختصرة ويرفق معها سيناريو تجريبي " سكريبت " ثالثا : الجمهور المستهدف ... ويعمل المعد على تحديد فئة الجمهور المعني بالتلقي ، كأن يكون الشباب . النساء. العمال. الأطفال .... أو غير ذلك من فئات الجماهير المستهدفة رابعا : الهدف ... تعد هذه النقطة أهم وأخطر النقاط فى عالم الاعداد البرامجي ، وهى لا تخص المعد المحترف وحده ، بل تخص المتلقي فى المقام الأول ، فعليها يحدد المتلقي قبول المنتج البرامجي " السلعة " أو رفضه ، كما يمكن للمشاهد العادي عدم السؤال أو الاهتمام بما سبق من عناصر فى ورقة الدراسة المبدئية والتركيز الكلي على تلك النقطة ، ليتسائل : ما الهدف وما الربحية العقلية أو الوجدانية التى أراد البرنامج تقديمها؟ نتوقف هنا لأهمية تلك النقطة ، ولن نكمل الاستفاضة فى تلك الورقة التى تستكمل بمدة العرض وأفضل توقيت للعرض ، ونلقي بأنفسنا كقراء وراصدين فى بحر الفضائيات العربية وبموضوعية تخلو من العاطفة تجاه تيار بعينه ، فالراصد للقنوات المسماه بالدينية ، يرى أن حوالي 95% من برامج تلك القنوات " لقاءات مباشرة " وهى نوعية برامجية تعتمد على وجود ضيف خبير ، يقدم رسالته للجمهور بشكل مباشر من خلال الصوت الواحد ، ثم نجحت تلك القنوات بعد حيز من الخبرة ، فى تجاوز مدة العشرة دقائق المقررة فى علم النفس كحد أقصى لبرنامج اللقاء المباشر ، وأنتجت تلك البرامج لمدة ساعة أو ساعتين كاملتين ، بكسر حيز الملل من خلال المداخلات الهاتفية والرسائل النصية على الشبكة العنكبوتية لكن السؤال المهم اذا ما نظرنا نظرة شمولية على برامج تلك القنوات التى قدمت للمتلقي العربي " حديث القردة الزانية . الجهاد والعودة بالنساء والسبايا والعبيد والمال . تحريم الطبخ بجوز الطيب . تغسيل الميت . التحريض على الرموز الوطنية . الدعاء للقيادات المستغلة . الاستهزاء بثقافات وحضارات الأخر .... وللموضوعية أيضا ، قدمت تلك القنوات سيرا للأنبياء والصالحين ، كفتح مكه ، وعدل عمر والرؤية والتخاطب عن بعد ... وما الى ذلك من رسائل بائسة على مستوى الفكرة والعرض ، أو على مستوى الهدف فى الرسالة النبيلة كسير الأنبياء والصالحين . فما الهدف اذا من تقديم حلقة عن قردة زنت وقام القرود برجمها ، وقد اختلف العلماء حول رجم الغير مكلف ، وقالوا أن القردة وعشيرتها كانت من الجن ؟ بالطبع لم يدرك مقدموا ومعدوا تلك الرسائل أن التلقي سيكون على ثلاثة مستويات ، الأول يشمل التلقي الوجداني من متلق سلبي ، يعتمد الرسالة كمسلمة وفرضية ، نتيجة الثقة فى المحطة أو المقدم ، لكن المجمل النهائي من الرسالة " الهدف " الترويج لأفكار لا تمت للتفكر الذي أمرنا به الله فى القرآن الكريم ومنافيا للأحاديث النبوية فى اعمال العقل للنهوض بالمجتمع الاسلامي ، وذلك اذا ما افترضنا أيضا صحة تلك الوقائع التى لم ولن تفيد المتلقي فى شيئ ، سوى تحري الخيال ومصمصة الشفاة للتدليل على عبقرية هذا الدين ، ثم يأتي المستوى الثاني للمتلقى العقلاني ، الذي يرفض استقبال تلك الرسائل ، كفرضيات لا تمت الى العقل بشيئ ، ويحدث الخلاف بين المهوسين دينيا والعقلانيين فى تلقى الرسائل الدينية ، وتبدأ المعطيات الساذجة فى التداول للبرهنة على قيمة التلقي النقلي بعيدا عن اعمال العقل ، كعدد ركعات صلاة العصر واختلافها عن المغرب مثلا ، وما الى ذلك من مسلمات لا تحتاج دليل عند العقلانيين أو الوجدانيين ، لتكون المحصلة النهائية لمثل هذه البرامج ، تثبيت حالة الجهل والتخلف والخنوع التى أصابت المشاهد العربي ، وتكون ثمرة البرنامج الدينى ، صراعات أيديولوجية ، لاتمت للنهضة بصلة ، أما المستوى الثالث من التلقي ، وهو تلقى الآخر الغير مسلم لتلك الرسائل ، التى تجعل من الدين سخرية أو التى تحول من بدأ فى التحول للاسلام تفكيرا الى الكفر الأبدي . ولم تخل الرسائل الهادفة والمحترمة فى تلك القنوات من هذا الكسل العقلي ، فعند تقديم حلقات عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أو واقعة رؤية عمر بن الخطاب لجيش سارية ، لا يتم التناول من خلال المتن ، بل يتم على هامش الهامش ، من ذكر الواقعة ، دون اللجوء الى التفكير فيها واعتمادها كنقطة تقدم ، كأن نناقش أهمية وضع قوانين صارمة للحد من الرشوة تأسيا بسيرة النبي الأكرم، أو كيفية اختراع أجهزة تنصت اقتداء بواقعة عمر . إن هذا النتاج البرامجي الذي خلط بين الرسالة والمرسل . المعد والمقدم ، وضعنا فى أزمة اعتماد مشهدية النقل فى ظل أزمة العقل العربي ، المستسهل لعملية التلقي ، ناهيك عن عدم الخبرة فى خلق فجوات داخل النص البرامجي ، لاحترام عقلية المتلقي واعتباره جزأ أصيلا فى البرنامج . أما عن تلك القنوات التى أعلنت نفسها قنوات تحررية ، فلم تختلف كثيرا عن القنوات المسماه بالدينية ، فيما قدمته من برامج خاليه تماما من الهدف ، اللهم الربحية والبحث عن الشهرة ، وتمرير رؤى مؤدلجة لصالح ملاك قنوات الاتصال ، فأنتجت كارثة " التوك شو " تلك البرامج التى اعتمدت الصدام بين وجهتي نظر ، دون تقديم رؤى موضوعية خادمة للمتلقي فانتهجت طرح التصادم والتشكيك ، فكان النتاج متلق مشوه عقليا . حائر بين المصداقية والكذب ، وربما نشفق على المتلقى العربي ، نظرا لانعدام النقد الموازي والمواكب لهذا الزخم الفضائي ، فكانت المحصلة النهائية لما تقدمه الفضائيات العربية باستثناء بعض البرامج الواعية ، محصلة بائسة ، تجعلنا نصرخ بعنف " الفضائيات العربية . مشهدية للنقل ، لا إعمال للعقل .
#طلال_سيف (هاشتاغ)
Talal_Seif#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|