|
القرآن والواقع الاجتماعى (21):(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ )(الشورى 39 )
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 3698 - 2012 / 4 / 14 - 01:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
القرآن والواقع الاجتماعى (21):(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ )(الشورى 39 ) القرآن الكريم لغة الحياة ، وما يقوله القرآن عن البشر يتجسد واقعا في حياة الناس ولا تملك إلا أن تقول ، صدق الله العظيم ". أوّلا : جاء فى تاريخ المنتظم للمؤرخ ابن الجوزى ( جزء 14 ) فى أحداث عام 362 : ( ثم دخلت سنة اثنتين وستين وثلثمائة : فمن الحوادث فيها دخول جموع الروم إلى بلاد الإسلام ؛ فإنهم دخلوا نصيبين واستباحوا وقتلوا كثيرًا من رجالها وسبوا من نسائها وصبيانها ، وأقاموا بها نيفًا وعشرين يومًا ، وغلبوا على ديار ربيعة بأسرها . وورد إلى بغداد خلق كثير من أهل تلك البلاد فاستقروا في الجوامع وكسروا المنابر ومنعوا الخطبة ، وحاولوا الهجوم على دار المطيع لله واقتلعوا بعض شبابيكها حتى غلقت أبوابها ، ورماهم الغلمان بالنشاب من رواشنها وحيطانها ، وخاطبوه بما نسبوه فيه إلى العجز عن ما أوجبه الله على الأئمة، وأفحشوا القول ، ووافق ذلك شخوص عز الدولة من واسط للزيارة فخرج إليه أهل الستر والصيانة من أهل بغداد منهم: أبو بكر الرازي الفقيه وأبو الحسن علي بن عيسى النحوي وأبو القاسم الداركي وابن الدقاق الفقيهان ، وشكوا إليه ما طرق المسلمين من هذه الحادثة فوعدهم بالغزو واستنفر الناس ، فخرج العوام عدد الرمل ، ثم أنفذ جشًا فهزم الروم ، وقتل منهم خلق كثير وأسر أميرهم وجماعة من بطارقته ، وأنفذت رؤس القتلى إلى بغداد ، وكتب معهم كتابا إلى المطيع يبشربالفتح. ). ثانيا : 1 ـ نحن ننقل قطعة تاريخية من عصر انقسم فيه العالم الى معسكرى الاسلام والحرب ، أو دار الاسلام ودار الحرب ، وفيه تبادلت الدولة العباسية والدولة البيزنطية الرومية المعارك فى آسيا الصغرى ، أو ما يعرف الآن بتركيا . وكانت الغلبة للدولة العباسية فى أوج عظمتها فى العصر العباسى الأول ، وكررت انتصارات الدولة الأموية على البيزنطيين ، ولكن لحق الضعف بالدولة العباسية فبدأ البيزنطيون فى استعادة بعض أجزاء من آسيا الصغرى لتكون عمقا لعاصمتهم القسطنطينية ، ثم بدءوا فى غارات على المناطق التابعة للدولة العباسية فى آسيا الصغرى ، والتى كانت قبل الفتوحات العربية تتبع الامبراطورية البيزنطية مع الشام ومصر . وفى الفترة الزمنية التى حدثت فيها هذه الواقعة عام 362 كان بنو بويه يسيطرون على الخلافة العباسية وليس للخليفة العباسى ( الطائع ) سوى النفوذ الاسمى . وفى هذه السنة أغار الروم البيزنطيون على المناطق التابعة للدولة العباسية ، أو بتعبير ابن الجوزى (دخول جموع الروم إلى بلاد الإسلام ) حيث يعتبر العالم منقسما الى معسكر الاسلام ومعسكر الكفر . وكالعادة فهم حين إحتلّوا مدينة حدودية وهى ( نصيبين )على التخوم فقد ( استباحوا وقتلوا كثيرًا من رجالها وسبوا من نسائها وصبيانها ، وأقاموا بها نيفًا وعشرين يومًا ) ثم جاوزوها الى منطقة ديار ربيعة بأسرها . وكان ردّ الفعل هائلا :. 2 ـ على مستوى العوام ، أو ( ما يعرف عندنا بالأغلبية الصامتة ) ، جاءوا الى بغداد ، أى قطعوا المسافة من آسيا الصغرى الى بغداد ، فى مظاهرات غاضبة على تخاذل الخليفة العباسى ( الطائع ) فاحتلوا الجوامع وكسروا المنابر ومنعوا الخطبة ، ولم يتعرض لهم ( البوليس وأمن الدولة وميليشيات الحزب الحاكم و بلطجيته ) . بل هجموا على قصر الخليفة المطيع وحطّموا بعض شبابيكه فأغلق أصحاب القصر أبوابه ، وتدخل أفراد الحرس فقاوموا المهاجمين بالنبل من وراء ستار .وارتفعت صيحات المتظاهرين بالسّب والشتم للخليفة الطائع،أو بتعبير إبن الجوزى:(وخاطبوه بما نسبوه فيه إلى العجز عن ما أوجبه الله على الأئمة، وأفحشوا القول ). 3 ـ وكان رد الفعل حكيما على مستوى القادة من العلماء والأئمة ،هم يعرفون عجز الخليفة الطائع ، وأن مقاليد السلطة والجيش بيد السلطان البويهى عزّ الدولة . فذهبوا اليه فى مقرّه فى واسط ، وقابلوه،يقول ابن الجوزى:(ووافق ذلك شخوص عز الدولة من واسط للزيارة فخرج إليه أهل الستر والصيانة من أهل بغداد منهم: أبو بكر الرازي الفقيه وأبو الحسن علي بن عيسى النحوي وأبو القاسم الداركي وابن الدقاق الفقيهان ، وشكوا إليه ما طرق المسلمين من هذه الحادثة، فوعدهم بالغزو واستنفر الناس ) أى إستجاب اليهم فى إرسال جيش للثأر ، وكان عزّ الدولة حصيفا فرآها فرصة ليستغل حماس الناس الناقمين ، فاستنفرهم للغزو فاستجابوا له بأعداد مهولة ، أو بتعبير إبن الجوزى :( فخرج العوام عدد الرمل )، وعندما رأى صدق عزيمتهم خاف التباطؤ فأرسل جيشه المدرّب ، الذى هزم الروم ، وقتل منهم خلقا كثيرا ( وأسر أميرهم وجماعة من بطارقته ، وأنفذت رؤس القتلى إلى بغداد ) لتهدئة الناقمين ( وكتب معهم كتابا إلى المطيع يبشربالفتح.). ثالثا : 1 ـ العالم الثالث فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجمهوريات الموز يتقدم للأمام نحو الديمقراطية وحقوق الانسان ونحن نتقدم الى الخلف . فى عام 362 فى العصور الوسطى كان الاستبداد السياسى شريعة متفقا عليها ، وكان منتهى الوعى وقتها وجود عقد غير مكتوب بين الحاكم المستبد ( الراعى ) والرعية بتسليم الأمور لولى الأمر مقابل قيامه بواجب الدفاع عن (الملّة والدين ) ، وكان الفقهاء وعلماء الدين ممثلين ( للرعية ). أصبح العالم الآن يعيش ثقافة الديمقراطية ويطوى صفحة الطغيان السياسى بعد أن قامت ثورات التحرير ضد الاحتلال والاستعمار الأجنبى ثم ضد الاستبداد المحلّى . وبها تحرر الوطن من المستعم الغريب ثم تحرّر المواطن من المستبد . بدأت مصر بالتحرر من الاستعمار الأجنبى وقادت دول العالم ( الثالث ) ضد الاستعمار مع وجود مستبد محلى هو عبد الناصر . كان المفروض أن تأتى المرحلة التالية وهى التحرر من الاستبداد المحلى العسكرى ، ولكن جاءت الرّدة بثقافة الوهابية التى تسعى لاستعادة الاستبداد الذى كان فى العصور الوسطى لتحكم به العرب والمسلمين فى عصرنا اليوم . وبدلا من قيام ثورات ضد الطغيان لتأسيس ديمقراطية حديثة ظهرت أشباح السلفية لتعيد إنتاج القرون الوسطى باسم الاسلام ، ولترث الاستبداد العسكرى ، وهى أسوأ منه . وحين قامت ثورات الشباب فى الربيع العربى إختطفت الوهابية هذه الثورات وأحالت الحلم الى كابوس . وبالتالى ضاع منا الحاضر ، بل حتى لم نصل الى عظمة الماضى الذى يعبّر عنه هذا الخبر فى أحداث عام 362 . 2 ـ فى تحليل الخبر السابق نرى الأغلبية من العوام ليست صامتة بل متفاعلة ، ولديها من الوعى ما تدرك به مسئولية الخليفة والحاكم عن حماية الناس حتى فى أقصى البلاد ، ولديها من الشجاعة بحيث تسير فى مظاهرات تقطع فيها مئات الأميال ، ثم تهاجم قصر الخليفة والمساجد الرسمية التى تسبّح بحمده وتدعو له بالنصر ، بل تكسر منابرها . ونرى وعيا آخر على مستوى حرّاس الخليفة. إذ إكتفوا بالمقاومة اليسيرة من الشرفات ، وكان بإمكانهم هزيمة المتظاهرين . ثم نأتى للعلماء الذين قاموا بواجب القيادة فأوصلوا الصوت الغاضب للسلطان صاحب النفوذ والسلطان ، وأفهموه واجبه فكان لا بد أن يستجيب وإلاّ فقد مشروعيته فى الحكم . ولأنه يضنّ بجنده فقد استنفر الجماهير للخروج للحرب ، وربما كان يأمل أن يتقاعسوا ويتثاقلوا عن الحرب ففوجىء بهم يتسابقون للخروج للحرب بعدد الرمل ، عندها تحتم عليه أن يحارب وإلّا ضاع سلطانه . فبعث جيشه المدرب ومعه المتطوعون من العوام .. فكان النصر ورد الاعتبار ، ولا حرج فى هذا طبقا لما نفهمه من قوله جلّ وعلا :( وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ )( الشورى 39 ) رابعا : هيا بنا نقارن واقعنا التعس بما حدث عام 362 هجرية . المقارنة تثبت أن أحطّ الكائنات واحقرها هو المستبد العربى وأعوانه من رجال الدين والاعلام والأمن والعسكر والأغلبية الصامتة التى إذا نطقت فتنطق كفرا بالهتاف للمستبد الذى يقهرها ويظلمها . ونلاحظ الآتى : 1 ـ : شريعة تقسيم العالم الى معسكرى الايمان والكفر بعثها من مرقدها الوهابيون بزعامة السعوديين ، وبها يؤلبون العوام ضد الغرب واسرائيل ، ليوجّهوا السخط والاحباط بعيدا عنهم ليتجه ضد اسرائيل والغرب الكافر ( وأمريكا بالذات التى تعيش ليل نهار فى التآمر على الاسلام والمسلمين ..ياعينى .!!). هذا بينما يحرص المستبد على الركوع للغرب ، أو الجانب الشّرير من الغرب ، يستورد منه الأسلحة وآلات التعذيب لقهر الشعب . فى نفس الوقت الذى يقوم فيه الجانب الطيب من الغرب بالدفاع عن حقوق الانسان العربى المقهور ونشر ثقافة الديمقراطية . وعندما إزداد طغيان وظلم المستبد العربى وثار شباب العرب سلميا وعانوا من وحشية المستبد العربى تحالف الجانبان الطيب والشرير معا فى حماية الثورات العربية . ثم إذا اختطف الوهابيون العرب تلك الثورات فى مصر وليبيا وتونس أصبح الغرب الطيب والشرير مترددا فى المساعدة خوفا من مجىء حكم أشد وحشية وأكثر طغيانا . 2 ـ : الأغلبية الصامتة التى لا تنطق إلا (بالروح .. بالدم نفديك يا عباس ) من السهل إثارتها ضد أمريكا والغرب واسرائيل لاهية عن المستبد وهو عدوها الحقيقى ، ومن السهل إثارتها ضد المصلحين واتهامهم بالخيانة والتعاون مع الغرب . ولكن يبدو أنّه من المستحيل أن يقفوا فى شهامة للدفاع عن حقوقهم المسلوبة التى سلبها منهم المستبد . 3 ـ النخبة التابعة للمستبد ، وهم أحطّ البشر ، سواء من العسكر والأمن ، أو من وعّاظ الدين ومهرّجى الاعلام والثقافة . وهم الذين يتحكمون فى عقلية العوام ويسيطرون عليهم ليركبهم الحكام . صناعتهم الكذب والتلفيق والافتراء وقلب الحقائق وتحويل المنكر الى معروف والمعروف الى منكر والرقص فى مواكب السلطان . أخيرا : بالمستبد وأزلامه وغلمانه وأغلبيته الصامتة من العوام والدهماء يتهيأ المجتمع للهلاك ..
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(6 )تحذير من إهلاك قائم وإهلاك قادم
-
الأغلبية الصامتة نذير هلاك للمجتمع
-
القرآن والواقع الاجتماعى ( 20) : ( وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُ
...
-
التقوى أساس تنفيذ أوامر الشرع فى المجتمع المتفاعل بالخير
-
التقوى أساس القيام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
-
أهمية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى إقامة مقاصد الشرع ا
...
-
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر و طبيعة الدولة (إسلامية أو إ
...
-
المطبّ
-
( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ )
-
الدراسات ( السفلى ) فى جامعة الأزهر الحلقة الأولى
-
التأصيل القرآنى لمفهوم ( الفتنة )
-
من علوم القرآن:القرآن والواقع الاجتماعى(19)(وَنَبْلُوكُمْ بِ
...
-
حدود الإلزام في تشريعات الاسلام : ( 4) إلزام السلطة الاجتماع
...
-
حدود الإلزام في تشريعات الاسلام :( 3 ) الإلتزام الفردى أساس
...
-
نداء الى أهل التنوير فى كل مكان : انطلاق صفحة اهل القران علي
...
-
القاموس القرآنى : ( وهب )
-
حدود الإلزام في تشريعات الاسلام: (2 ) فى العبادة
-
حدود الإلزام في تشريعات الاسلام: ( 1) فى العقيدة
-
مفهوم دولة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
-
التمكين وتطبيق الأمر بعمل المعروف والنهى عن عمل المنكر
المزيد.....
-
الرئاسة المصرية تكشف تفاصيل لقاء السيسي ورئيس الكونغرس اليهو
...
-
السيسي يؤكد لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي على عدم تهجير غزة
...
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|