سيدة عشتار بن علي
الحوار المتمدن-العدد: 3697 - 2012 / 4 / 13 - 14:54
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
اذا ذكرت كلمة عاطفة فان أول ما يتبادر إلى الذهن هو قصص الحب والغرام التي نشاهدها أو نسمع او نقرا عنها أو نعيشها ربما لان هذا الجانب هو الأكثر التصاقا بالإنسان والأشد حميمية الى نفسه لكن
المقصود بالعاطفة وفي تعريف اشمل هوأنّها الاستعداد النفسي الذي ينزع بصاحبة إلى الشعور بانفعالات معينة تجاه شخص أو شيء أو فكرة
وقيل أيضاً أنها عبارة عن تتابع من الاستجابات التي تثار آلياً لتجهيز الجسد والعقل للتصرف الملائم حينما تدرك حواسنا أن شيئاً ذا صلة بحياتنا يحدث
فماذا عن الذكاء العاطفي ?
في محاولة لكشف هذا المفهوم ورفع الالتباس عنه لا بد من تعريف الذكاء بصفة عامة
الذكاء مصطلح يتضمن عادة الكثير من القدرات العقلية المتعلقة بالقدرة على التحليل، والتخطيط، وحل المشاكل، وسرعة المحاكمات العقلية، كما يشمل القدرة على التفكير المجرد، وجمع وتنسيق الأفكار، والتقاط اللغات، وسرعة التعلم. كما يتضمن أيضا حسب بعض العلماء القدرة على الإحساس وإبداء المشاعر وفهم مشاعر الآخرين.
من خلال هذا التعريف نفهم إن للذكاء عدة أوجه وأنواع وما يهمنا هنا هو مفهوم الذكاء العاطفي الذي يعتبر مفهوما حديثا ومازال يلفه الكثير من الغموض وعدم وضوح الرؤية
سنحاول التطرق للجذور التاريخية لمفهوم الذكاء العاطفي او الوجداني بدءاً من نشأته مروراً بمراحل تطوره فمن خلال تتبع نظريات الذكاء وعلاقتها بالعاطفة نستنتج أن الباحثين ربطوا الذكاء بالعاطفة باعتبارهما مفهومين متكاملين وليس متضادين, فخلال الفترة (1920-1930م) أشار ثورنديك إلى أن الذكاء الاجتماعي والذي يعني القدرة على فهم الآخرين والسلوك الحكيم في العلاقات الإنسانية وأطلق عليه الذكاء الإجتماعي,
و أعتبر وكسلر عام (1943م) إن الجوانب الانفعالية ضرورية للتنبؤ بقدرة الفرد على النجاح في الحياة ثم تتالت النظريات المختلفة حول مفهوم الذكاء وأنواعه إلى أن عرفت نقلة نوعية في عام (1990م) حينما قدم سالوفي وماير نموذجهما للذكاء العاطفي في كتاب (الخيال, المعرفة, الشخصية) الّذي سلّط الضّوء على هذا المفهوم ووضح كثيرا من خفاياه والغموض الذي اعتراه ,فكل التعريفات التي أوردتها النظريات المتتالية في الذكاء تجمع على معنى للذكاء العاطفي الذي يمكن تلخيصه في التعريف التالي: "الذكاء العاطفي هو الاستخدام الذكي للعواطف. فالشخص يستطيع أن يجعل عواطفه تعمل من أجله أو لصالحه باستخدامها في ترشيد سلوكه وتفكيره بطرق ووسائل تزيد من فرص نجاحه في الحياة ,وقد اختلفت التّرجمات لمصطلح (Emotional Intelligence) فنجد من عرّبها بالذكاء الوجداني, وآخر بالذكاء الانفعالي, وثالث بذكاء المشاعر, ورابع بالذكاء العاطفي. والسّؤال الذي يفرض نفسه هنا هو
هل يوجد فرق بين الذكاء العقلي والذكاء العاطفي ?
الذكاء العقلي ذو صلة بالوظائف الذهنية كالقدرة على التفكير والتحسب وحل المشكلات والتفكير بشكل تجريدي وإدراك العلاقات المجردة,بينما يكمن الذّكاء العاطفي في القدرة على ضبط المشاعر الداخلية من التبعثر والهيجان والانفلات مما يسهل حسن التواصل مع الآخرين بكل ذكاء وتأثير واحتواء من خلال القدرة على قراءة مشاعرهم ,وهذا النوع من الذكاء لا يمكن قياسه كمياً كالذكاء العقلي بل يتم تقديره إذ يحتوي على صفات غير قابلة للقياس كالإحساس بالذات وبالآخرين .
تشمل الشخصية السلوك والأفكار والمشاعر,والقدرة على التعامل مع الجانب الشعوري في الشخصية هي ما يمكن أن نطلق عليه ببساطة الذكاء الوجداني أو العاطفي أو الانفعالي
وهناك ثلاثة أوجه مهمة لهذا النوع من الذكاء :
-1-حسن التعامل مع المشاعر السلبية ,إذ أننا جميعا معرّضين للاهتزازات النفسية والمشاعر السلبية المتضاربة لكن الذكي وجدانيا هو من لديه القدرة على انتشال نفسه من هذه المشاعر بأسرع وقت ممكن وبأقل ما يمكن من الخسائر.وهناك قائمة طويلة من المشاعر السلبية التي تتطلّب ضبطا وتحكّما فعلى سبيل المثال نذكر الكره كعاطفة سلبية لابد لها من تقييد وتحكم حتى لا تتحول إلى بركان و جحيم يحمله صاحبه بين جوانبه مما يفقده الشعور بجمالية الحياة وقدرته على التواصل مع الآخرين بشكل ناجح, وكذلك الأمر بالنسبة لشعور الغضب الذي يعتبر من المشاعر السّلبية التي تترك الكثير من الأثر في حياة الإنسان وتحدّد مدى نجاح علاقته بالآخر وهو ما لخّصته قولة أرسطو في كتابه أن يغضب الإنسان فهذا أمر سهل... ولكن أن يغضب في الوقت المناسب,,ومن الشخص المناسب,, وللهدف المناسب,, وبالأسلوب المناسب,, فليس هذا بالأمر السهل
-2-الوجه الثاني من الذكاء العاطفي يبرز في حسن التعاطي مع المشاعر الايجابية والذي يتمتع بالذكاء العاطفي تكون لديه القدرة على على إثراء مشاعره الايجابية والتعامل معها بحكمة فمشاعر الحب مثلا إذا ما وقع بذلها دون حساب وفي غير موضعها قد تنعكس على صاحبها وعلى الآخرين بالسلب ولذلك لا بد من ترشيدها و التحكم في سيرها حتى لا تنقلب نتائجها إلى عكس ما كان صاحبها يأمل أو يتوقّع فكم من علاقات حب بالغ فيها احد الطرفين في بذل مشاعره حتى وصل الأمر به إلى الجنون أو الانهيار أو الجريمة والموت أيضا
-3-الوجه الثالث للذكاء العاطفي هو القدرة على التعامل مع الجانب الشّعوري للآخرين لأن هذا الجانب هو الأكثر أهمية في الـتّأثير عليهم ويتمّ ذلك من خلال تقمّص الحالة الشّعورية للآخر وبالتّالي فهمها والتّعامل معها بطريقة ناجحة وهذا تختزله مقولة مفادها أنت شخص في هذا العالم لكن يمكن أن تكون العالم في شخص
إن نجاح الإنسان وسعادته في الحياة يتوقفان على مهارات لا علاقة لها بشهادته وتحصيله العلمي فقد بينت كثير من الأبحاث أن كثيرا من الأشخاص الذين تخرجوا من الجامعات الراقية بدرجات ممتازة لم ينجحوا كثيرا في حياتهم العملية أو الأسرية أو العاطفية في حين أن أشخاصا تخرجوا من جامعات عادية وبدرجات عادية استطاعوا تكوين شركات ضخمة وثروات هائلة ويتصفون بالاستقرار العاطفي . هذا لا يعني أنه لا دور للشهادات في تحقيق النجاح ولكنها لا تكفي وحدها بل لا بد من مهارات وهذه المهارات هي ما تعرف بالذكاء العاطفي
وهناك قاعدة أساسية في الذكاء العاطفي تقول : نحن لا نستطيع أن نقرر عواطفنا ولكننا نستطيع أن نقرر ماذا نفعل حيالها . مثلا لا نستطيع أن نقرر متى نغضب ولكن نستطيع أن نقرر كيف نتعامل مع غضبنا
على ضوء ما ورد يمكن لنا تصنيف الشخصيات إلى أنواع وهم كالآتي
-1-الواعون بالذات أو النفس: أوهم الأشخاص الذين لديهم قدرة على إدراك حالتهم المزاجية في لحظتها ولديهم القدرة على التعبير عنها وتسميتها بمسمياتها وبالتالي ضبطها وامتلاكها,فهؤلاء ينظرون إلى الحياة بايجابية وذوي شخصيات مستقلة وواثقة من إمكانياتها
-2-الغارقون فبالانفعال: وهؤلاء الأشخاص ليس لديهم وعي بمشاعرهم وانفعالاتهم, فهم يشعرون بأنهم غارقون في انفعالاتهم وعاجزون عن الخروج منها وبأن الحالة أو الانفعال الذي يمرون به قد تمكن منهم ولا يستطيعون الخروج منه, وهم متقلبو المزاج ومستغرقون في مشاعرهم أكثر من أن يكون مدركين لها.
-2- المتقبلون لمشاعرهم: و لديهم رؤية واضحة وإدراك لمشاعرهم ويميلون إلى تقبلها كما هي دون محاولة لتغييرها, وهناك مجموعتين من المتقبلون لمشاعرهم:
الأولى: تشمل من هم في حالة مزاجية جيدة وليس لديهم دافع لتغييرها.
الثانية: تشمل من لهم رؤية واضحة لحالتهم النفسية ومع ذلك حين يتعرضون لحالة نفسية سيئة يتقبلون ذلك ولا يحالون الخروج من هذه الحالة أو تغيير الشعور.
إن القدرة على السيطرة على الانفعالات سواء كانت ايجابية أو سلبية والّتي تأتي مع الحياة وقد تتكرر في ظروف مختلفة هي الدليل على الكفاءة والذكاء لدى الفرد ,ولا يعني هذا إلغاء الجانب العاطفي والانفعالي في الإنسان لأن الحياة دون عاطفة تصبح جامدة ومملة و ومنعزلة عن ثراء الحياة وعن الإنسان , بل المقصود هو أن هذه الانفعالات إذا تجاوزت الحدود ولم يعمل صاحبها على التّحكم فيها تصل به إلى حالة من التّطرّف ربما تصبح معها حالة مرضيّة وربّما تؤدّي إلى القلق والاكتئاب أحيانا والذي يمكن إن يصل بصاحبه إلى درجة الانتحار, فمراقبتنا لمشاعرنا السلبية هي مفتاح الصحة العاطفية, لأنّ التّطرّف العاطفي يؤدي إلى فقدان الاتزان الشخصي وبالتالي تفقد الحياة نكهتها وقد تتحوّل إلى جحيم حقيقي ,والسعي إلى موازنة مشاعرنا يعتبر مهارة أساسية في الحياة يجب على الجميع تعلمها
والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو هل يمكن للإنسان الرفع من مستوى ذكاءه الوجداني??
أشارت الدراسات أن هامش التطوير في الذكاء العاطفي أوسع بكثير من هامش التطوير في الذكاء العقلي فبناء الذكاء العاطفي لأي شخص هو أمر ليس بالمستحيل وقد يبدأ من خلال مواجهة النفس ومراقبتها ومراقبة الآخرين ,وقد انصرفت المناهج التّربويّة الحديثة بسبب مستويات المشاكل التي يعاني منها أغلبية من طلاب المدارس مثل استعمال المخدرات والكحول نتيجة الإحباط وعدم تقدير الذات وعدم القدرة على التعرف على عواطفهم وهو ما يسمى بالأمية العاطفية ، لجؤوا بكل قوة إلى تعليم الطلاب المهارات الضرورية للذكاء العاطفي. وكذلك الأمر في الشركات الكبرى التي وضعت الذكاء العاطفي في برامج التدريب ساعدت الموظفين وجعلتهم يتعاونون بصورة أفضل من ذي قبل مما أسفر عن نتائج باهرة
خلاصة القول هي أن الذكي عاطفيا هو الذي لا يتجاهل عواطفه ولا يكبتها وإنما يفهمها ويتعامل معها بطريقة إيجابية
ويرتكز الذكاء العاطفي على أربعة مرتكزات هي:
1- القدرة على قراءة العواطف وترشيد الانفعالات وتقيمها بطريقة موضوعية والتعبير عنها بوضوح وانسيابية.
2- القدرة على إطلاق المشاعر حسبما يقتضي الموقف وبطريقة تساعد على فهم الإنسان لذاته ولمن حوله وتفعيل علاقاته معهم.
3- القدرة على سبر أغوار الآخرين وتوقع ما يريدون قوله، واستيعاب المعلومات في سياقها وخارج سياقها ثم استخدام هذه المعلومات لدعم العلاقات وزيادة فاعليتها.
4- القدرة على تنظيم وإدارة النفس وتنميتها عاطفيا وانفعاليا.
فالذكاء الحقيقي هو القدرة على إبقاء فكرتين متناقضتين داخل العقل في نفس الوقت. والاستمرار في العمل رغم ذلك التناقض. وعندما يدرك الإنسان أن هناك أشياء مستحيلة التحقيق ولكنه يثابر على تحقيقها رغم انف المستحيل،فهذا هو الذكاء العاطفي وللذكاء العاطفي يعزى الفضل في نجاح كثير من الناس رغم تمتعهم بحظ قليل من التعليم. بينما لم يحقق كثير من المتعلمين النجاح النسبي المنتظر ممن هم في مستواهم العلمي. رغم الألقاب البراقة والشهادات الكثيرة التي يعلقونها على الجدران
#سيدة_عشتار_بن_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟