|
الاعلام العربي . بين اعلام الرب وأرباب الاعلام
طلال محمد سيف
الحوار المتمدن-العدد: 3696 - 2012 / 4 / 12 - 08:36
المحور:
الصحافة والاعلام
الاعلام العربي بين اعلام الرب وأرباب الاعلام قبل التعرض للمشهد الاعلامي العربي ، أردت عن عمد أن تتصدر تلك المقولة السقراطية واجهة المقال " ليس من الضروري أن يكون كلامي مقبولا ، لكن من الضروري أن يكون كلامي صادقا " وذلك قبل الانتقال الى مقولة جوزيف جوبلز وزير الاعلام النازي في زمن هتلر " اعطني اعلاما بلا ضمير ، أعطيك شعبا بلا وعي " فالمقولتان وان ظهرتا فى حالة تضاد ، الا أنهما يبرهنان على قيمة المصداقية أو انعدامها فى بناء وعي الشعوب ، ويبدو أن مقولة جوبلز فى انتاج اللاوعي وصناعة ثقافة القطيع ، تأسست على دراسات علمية خاصة بعلوم النفس والتلقي والعمليات المنظمة للادراك ، فانعكاسات الضمير الاعلامي المتهاوى ، الناتج عن الكذب لا يمنحنا الا متلقيا مشتتا بين موضوعية الفكرة وأوهام الرغبة الناتجه عن التلقي العاطفى الذي لا يأخذ معطيات تحليل المضون فى الاعتبار ، كنتيجة طبيعية للكذب المستمر ، من نخب مصنوعة سواء بفعل السلطة أو الثروة ، وعلى النقيض تماما ، اذا ما كانت الرسائل المقدمة ، ناتجة عن ضمير انساني ، يتمتع بقدر من المصداقية والشفافية ، سيصل الوعي الى قمة المنحنى الطبيعي ، حتى تأتي مرحلة الانحدار ، مع تحكم السلطة أو رأس المال فى مقدرات الوسائل المعنية بتقديم المعرفة ، وهذا ما تجاوزه الاعلام الغربي بعد الحرب العالمية الثانية ، والذي أدرك تماما ، أن الاعلام السلطوي والتجاري لا يواكبان العملية النهضوية الشاملة ، فتجاوزوا نظريتي الاعلام السلطوي والتجاري الى نظرية المسئولية الاجتماعية ، وبدأت عملية تصحيح الوعي لصالح التنمية ، باصدار مواثيق شرف اعلامية ، ترفض الحث على العنف والكراهية وازدراء الأديان ، فتاريخ الاعلام السلطوي لا يخل من هذا التأطير ، بالاضافة الى ترويج الاعلام التجاري للعنف والجريمة ، فما كان على الاعلام الحكومي فى تلك الدول الا اللجوء لنظرية المسئولية الاجتماعية ، رغبة منه فى تصحيح مسار الوعي الجماعي لصالح العمل النهضوي ، وهذا لا يعن أن الاعلام الغربي خال من السلبيات والكذب وممارسة التجهيل ، لكن هذا المشهد السلبي لا يمثل المؤسسات الرسمية التى تبنت المسئولية الاجتماعية ، ناهيك عن الرقابة المجتمعية والقانونية على الاعلام التجاري ، الذي يحاول قدر المستطاع تحقيق الربحية فى اطار مواثيق الشرف المتفق عليها ، فكانت المحصلة النهائية لتلك الممارسات الاعلامية الصادقة ، جمهور يتمتع بقدر مرتفع من الوعي والاحساس بقضايا الوطن واحترام الحريات الشخصية ، بخلاف المشهد الاعلامي العربي ، الذي مازال تحت وطأة التأثير السلطوي والرأسمالية المتوحشة ، فى مشهد أقل ما يوصف بالنفعي ، لصالح الديكتاتوريات الحاكمة ، او الشركات الغير مسئولة اجتماعيا ، لكن الكارثة الحقيقية ، ظهور اعلام جديد على الساحة الاعلامية العربية وهو الاعلام " الاثني " ان جاز التعبير ، ذلك الاعلام الذي خرج من رحم السلطة والثروة فى آن واحد ، باسم القنوات الدينية ، بالاضافة الى اعلام رجال السياسة الأثرياء ، تلك النماذج التى لا توصف الا بالكارثية ، على مستوى المواد المقدمة لتعليب الوعى العام وتحويله الى مسارات خادمة لمصلحة تلك الجماعات الفئوية ، وان كانت الأولى المسماه بالدينية ، قد أفصحت بشكل فج عن أهداف رسائلها ، من خلال ما تقدمه من محتويات تحريضية وأحادية الفكرة والطرح ، الا أن قنوات رجال السياسة قد تبنت العملية التحريضية والنفعية برؤية مغايره ، معتمده على الظهور بمظهر المحايد خلال طرح الرسائل ، الا أن الراصد لتاريخ تلك القنوات ، يمكنه بسهولة ومن خلال تحليل الشاشة ، معرفة الهدف الغير معلن من ظهور تلك المحطات ، فقناة الناس وهى واحده من المنتمين للاعلام الجديد " الاثني " ظهرت منذ تأسيسها بعباءة الاسلام والحرص عليه والدفاع عنه ضد الغرب الكافر ، وكأن الاسلام فى قفص اتهام عند القاصي والداني ، فعمدت الى اثارة الانتباه القسري عند المتلقي بالصراخ والصوت العالى لمقدمي برامجها ، فى اشارة الى السذج بأنهم من يملكون مفاتح الحقيقة على اعتباراعتبار أن محطتهم تتحدث باسم الرب ، فبدت رسائلهم الغير مقنعة للعقل ، آثرة للعاطفة ، وتلك هي البداية المنافية تماما لمبادئ الاسلام الحنيف ، الذى قدم لجمهوره فى بداية ظهوره ، رسالة بعنوان " اقرأ " أي أمر للجمهور المستهدف باستخدام العقل ، ثم يعمدون أيضا فى بداياتهم الى اعتماد شعار ساذج ، يسلب المشاهد عقله ويدخله فى نفق العاطفة " شاشة تأخذك الى الجنة " على الرغم من أنهم يدركون تماما أن شاشاتهم أو ما يسمونهم مشايخهم ، لا يستطيعون أخذ أنفسهم الى الجنة المزعومة عبر خطابهم الجماهيري ، فى حالة من الاستخفاف بالدين وما كرسه النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم من قيم ومعايير خاصه بالعقل ، فالخطاب المواجهي المستمر بين النبي وأبو بكر الصديق ، لم يجعل أبا بكر يصرح بمثل هذا التصريح الساذج " شاشة تأخذك الى الجنة " بل قال مستخدما عقيدته وعقله السليمين " لا آمن مكر ربي ولو كانت احدى قدمي فى الجنة " لكن المفاجأة الكبرى والتى لم يلحظها أحد من قبل ، أن هذه القناة ومثيلاتها ، مع البدايات ، كانت تروج لممارسة الدعارة الجنسية عبر شاشتها ، وليس عليك الا الرجوع الى تلك القنوات مع بداياتها الأولى ، ثم قم بتحليل شريط الرسائل " الشات " سترى نصا وحرفا تلك الرسائل بالتحديد " أنا ...." أي اسم " وليكن منى ، من مصر ، جميله . متدينه . أريد زوجا يتقي الله " هنا تنتهى رسالة منى ، وبعد دقائق معدودات ، ترى رسالة جديدة تجيب على الأولى ،محتواها كما يلي " أنا ...أي اسم ، وليكن جاسم " من الكويت ، متدين واتقي الله . ممكن رقمك . تنتهى الرسالة ، ثم يعود المشهد ليتكرر وترسل منى رسالة جديدة " رقمي فى الكنترول " فيتصل جاسم بكنترول " قرني " كما نسميه نحن فى مصر ، ويحصل على الرقم ، ولك أن تتخيل كقارئ ، ماذا يحدث بعد ، وكأنهم تناسوا تماما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " لا زواج الا بولي " لم تكن رسائل تلك القنوات وشبيهاتها ، أمرا عابرا ، بل كانت سياسة ربحية مخطط ، نفذت لسنوات – التربح من الدعارة باسم الدين " ، ثم اختلف المشهد فى السنوات الأخيرة ، بعدما اعتمدوا سياسة الترويج لبعض الدول الديكتاتورية والتعامل مع الأمن الداخلي بتمويلات وحمايات مشبوهة ، فأتوا بأصحاب الصوت المرتفع لبث أفكار الخنوع والاستسلام للأنظمة الحاكمة بعدم مشروعية وتكفير الخارج عليهم ، باسم الله والدين ، والتهكم على من يخالف سياستهم حتى لو خالفوا شريعة دينهم ، فيهزؤون ممن يدافع عن الثوار وعن تعرية الفتيات ، وكأنهم تحولوا فجأة من أئمة الى قوادين ، باسم الله والدين ، والدين من أفعالهم بريئ ، أما القنوات المسيسة لصالح رجال السياسة الأثرياء ، فقد تبنت نفس المسار فى تعليب وتشويش الوعي العام وهى ليست الا نسخة مكررة من القنوات المتأسلمة لكن بخارطة مغايرة ، أما الاعلام الحكومي العربي ، ليس الا اعلاما بائسا يعاني من أمراض التسلط والقهر والخوف من الحاكم ، وللبحث والتقيب فى المشهد الاعلامي العربي ، نحتاج الى مجلدات كى نقف على تلك المنظومة المشوهة ، ولم يعد لدى المتلقي العربي سبيل الا البحث عن اعلام المسئولية الاجتماعية كنقطة انطلاق الى النهضة المنشودة ، بعيدا عن القنوات المسيسة ،التى عمدت الى مصلحة أصحابها دون مصلحة الأوطان ، وأيضا القنوات المتأسلمة التى حيزت الاله والدين والوعي فى لقطات منوعة بين متوسطة وقريبة وعامة ، ونصبت نفسها الها داخل " كادر " 24 أو 30 " فريم " حسب نظام البث ، الذى جعل من هذه القنوات اعلاما للرب ، ومن ملاكها أربابا للاعلام
#طلال_محمد_سيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا فعلت الصين لمعرفة ما إذا كانت أمريكا تراقب -تجسسها-؟ شا
...
-
السعودية.. الأمن العام يعلن القبض على مواطن ويمنيين في الريا
...
-
-صدمة عميقة-.. شاهد ما قاله نتنياهو بعد العثور على جثة الحاخ
...
-
بعد مقتل إسرائيلي بالدولة.. أنور قرقاش: الإمارات ستبقى دار ا
...
-
مصر.. تحرك رسمي ضد صفحات المسؤولين والمشاهير المزيفة بمواقع
...
-
إيران: سنجري محادثات نووية وإقليمية مع فرنسا وألمانيا وبريطا
...
-
مصر.. السيسي يؤكد فتح صفحة جديدة بعد شطب 716 شخصا من قوائم ا
...
-
من هم الغرباء في أعمال منال الضويان في بينالي فينيسيا ؟
-
غارة إسرائيلية على بلدة شمسطار تحصد أرواح 17 لبنانيا بينهم أ
...
-
طهران تعلن إجراء محادثات نووية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|