اثار المقال التالي من مركز التسلّح الألماني IMI نقاشاً واهتماماً كبيراً بين الأوساط السياسية ، لجرأته وكشفه جوانب هامة من قضية الحرب ضد الطاغية صدام ، وعلاقتها بالعلاقات مع السعودية والستراتيجية الأميركية في الخليج ، ولأهميته قمت بترجمته
الحرب ضدّ صدام . .
وأوضاع العربية السعودية و"اوبك" (*)
ترجمة د. مهند البراك
عن الألمانية
اتُخذ القرار باشعال الحرب ضد صدام منذ فترة طويلة : " كان منذ خطاب الرئيس الأميركي الموجّه الى الأمة نهاية كانون الأول 2002 " كما يؤكد احد كبار المسؤولين في حكومة واشنطن (1) . والمعلن فقط هو ما اذا سيبدأ الهجوم اوائل 2003 او في خريف العام الجاري ، و ما اذا سيكون الهجوم اجتياحاً شاملاً بـ 250،000 جندي او هجوماً جويّاً مركّزاً ، وعلى الموضوعين تحتدم الأقوال والتصريحات المتعارضة .
وصول غير مُقيَّد الى موارد المنطقة
يشكّل العنوان الآنف ، اسس الحرب التي تشخص امامنا . " بوجود اكثر من 65% من احتياطي نفط العالم في بلدان الخليج ، يجب على الولايات المتحدة ان تؤمن وصولاً غير مقيّداً الى امكانات المنطقة " يؤكد انتوني زيني القائد الأعلى السابق للقوات الأميركية الأقليمية المتخصصة "سينتكوم " ، المرابطة في المنطقة (2).
وذلك يعني ، ان حماية النفط في ستراتيجية السياسة الخارجية الأميركية ، تجيز استخدام الوسائل المسلّحة عند الضرورة ، لتحقيق تلك الغاية . ان اسلوب التصرّف بالنفط العراقي وسعي سلطته القائمة لأسلحة الدمار الشامل ، يؤديان الى تأجيج تهديدات الأدارة الأميركية القائمة وسعيها لنيل حق السيطرة وتدفع الى الهجوم المرتقب .
ومن الممكن في الوقت نفسه ان يقرر تحالف الولايات المتحدة ، ان حرباً ضد نظام بغداد تشكّل مخرجاً لتغيير ستراتيجيتهم كقوة مهيمنة على الخليج بعد ان ادركوا ضرورة ذلك . في مركز تلك التغييرات ، اعادة تقييم جذرية للعلاقة مع العربية "السعودية"، لمواقفها التي اخذت لاتنسجم مع سياسة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية في المنطقة .
خلال الحرب العالمية الثانية قررت الولايات المتحدة الأميركية ان تلعب دور قوة حفظ النظام في منطقة الخليج لضمان مصالحها وقد اعلنت عن ذلك . ونتيجة لذلك اعتمدت الستراتيجية الأميركية اسلوب السيطرة غير المباشرة على الخليج عبر الأنظمة الموالية في العربية السعودية وايران ، فقامت المخابرات الأميركية CIA بانقلاب 1953 في ايران وصعّدت من دعمها وامدادها للبيت الملكي السعودي لتقويته و ضمان استمرار حكمه (3) .
وكان اوضح تعبير لسيطرة الولايات المتحدة على الخليج وتثبيته كحق لها، مادُعي بـ"مبدأ كارتر" ، الرئيس الأميركي الأسبق . وبعد الثورة الأيرانية في عام 1979 وانهيار احدى القوتين المعتمدتين في المنطقة ، اعلن الرئيس الأميركي في 23 كانون الثاني 1980 :
" ان اية محاولة من اية قوة خارجية للأستحواذ والسيطرة على الخليج ، تُعتبر هجوماً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية ، وستُرَد بكل الوسائل الضرورية بما فيها الوسائل العسكرية"(4) .
تحريم سيطرة الأعداء
الى جانب الأهداف الأقتصادية ، جاءت الطاقة لتلعب دوراً استراتيجيّاً هاماً . فالدولة التي تسيطر على موارد طاقة دولة ثانية ، تستطيع ان تتحكم وتضغط عليها بوسائل نادراً ماتكون منظورة (5) . " يفترض في الأحوال الأعتيادية ، ان تعتمد الستراتيجية الأميركية بكل حزم على تأمين سيلان النفط الى الغرب بأسعار مناسبة . . . ولكن ومنذ اكثر من نصف قرن تلعب عوامل مركزية اساسية دورها في رسم وتطبيق الستراتيجية العسكرية الأميركية في المنطقة الغنية بالنفط ـ احداها التي لايدركها اغلب المحللين بشكل كامل ـ ، هي تحريم سيطرة الأعداء الأقوياء ، في المنطقة ، والاّ سيستطيعون ان يكونوا اقوى واخطر " (6) .
لقد رسمت الولايات المتحدة الأميركية سياستها في حماية مصادر الطاقة ، كخدمات عسكرية تقدّمها لدول العالم ، لمواجهة احتمالات ظهور وتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وبين ايٍّ من البلدان المنافسة (الصناعية وغيرها . . . ) ،الأمر الذي يمكن ان يساعد في عرقلة زج استخدام سلاح النفط بشكل فعّال اثناء الأزمات واحتدام المواجهة . وهذا هو بالضبط جوهر ما يدفع للسيطرة على الخليج . الأمر الذي يجعل الدول الآسيوية مثلاً تمارس حتى الآن سياسة حذرة ومتحفّظة في المنطقة رغم احتياجاتها العالية للطاقة .
" ومن الواضح ان الأفتراق الحالي بين الحاجات الى الطاقة والمسؤوليات الستراتيجية سوف لن يُقبَل كامر واقع . ومن الأحتمالات القوية ان تسعى ، الدول الآسيوية المستهلكة للطاقة لأن تلعب دورها في المستقبل ، وتعيد ترتيب وتناسب نظام حماية منطقة الخليج " (7) . وذلك ماتحاول الولايات المتحدة ، ان تعيقه بشكل مطلق والاّ فأنها ستواجه ازمات صعبة لايمكن ان تسيطر عليها وفق وجهة نظرها . ويصف"فالتر روسيل ميد" من "مجلس العلاقات الخارجية" الغني عن التعريف ، اهداف الستراتيجية الأميركية بالتالي : " نحن لانستهلك جزءاً كبيراً من نفط الشرق الأوسط ، قياساً باليابان التي تستهلك اكثر بكثير منه . . . احد اسس تقبّلنا للعب دور المراقب المُتّفق عليه . . . يتعلق بشعور اليابان والدول المماثلة الأخرى واستفادتها من انسياب النفط اليها بأمان ودون ازمات من جهة . . . ومن جهة أخرى لاتجد نفسها مضطرة لأن تكون قوة عسكرية ضاربة كبرى ولاتحتاج لبناء منظومات للأمن . الأمر الذي لايضطرّنا من ناحية أخرى لأستخدام قوات عسكرية كبرى متعددة وارسالها الى كل انحاء العالم ، لدى تغيّر المصالح ولدى طلبات اعادة النظر بالأتفاقات " (8) .
وفي حالة حدوث خلاف واستعدادات عسكرية لمواجهة خصم في مناطق الطاقة ، فأن تدمير منابع الطاقة نفسها سيكتسب الأولوية وفق الستراتيجية الأميركية ، بل هو الأهم اطلاقاً من الحفاظ على المنابع والتنافس على الحصص . ان الوثائق الحكومية التي تمتّ الموافقة علىالكشف عنها حديثاً ، لاتدع مجالاً للشك في ذلك ، وقد توضّح ردّ فعل واشنطن الحازم ذلك في الأزمات التي يمكن استخدام سلاح النفط فيها . وذلك من المفترض ان يتم في حالة حصول اجتياح سوفيتي لمنطقة الخليج، وقد ثُبّت رسميّاً . أنّ الهدف المركزي للقوات العسكرية الأميركية في الحالة هذه ، هو ليس استعادة السيطرة على المنطقة ، وانّما ـ قبل اضطرار القوات للأنسحاب ـ عليها ان تحطّم حقول النفط في الخليج بالكامل(9) .
ولذلك لم تكن مصادفة ابداً ان تكون الولايات المتحدة متأهبة عسكريّاً لفرض تطبيق ستراتيجها الآنف الذكر. ومنذ 11 ايلول اوضحت الحكومة الأميركية أكثر، كم هي جادة في هدفها ذلك ، الذي دعته بستراتيج مبدأ ـ بوش، الذي يعطي الولايات المتحدة الحق في أجراء "الضربات الوقائية" ـ أو "التداخّل الدفاعي" كما سمّاه وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد ـ ، ضد الدول التي من الممكن ان تهدد . وبذلك ، ومن جديد بل وأكثر وضوحاً ، ان توَجَّه الضربات الوقائية للعراق ، كهدف أوّل لها (10).
"العربية السعودية تعادي الولايات المتحدة"
ان هذا يمكن ان يكون احد أسس التقييم والتوجه الجديد في المنطقة . فمن الواضح الآن ، انه مع توسع وازدياد الوجود الأميركي وايقوناته، تشخص السيطرة المتنامية للولايات المتحدة اكثروضوحاً على العربية السعودية التي ترتبط بها لسنوات طويلة . ان التوترات الأخيرة مع العربية السعودية تهدد حق واشنطن في السيطرة وقد تؤدي الى اضطرار الولايات المتحدة الى الأنسحاب غير المنظّم من الخليج العربي !
لقد بلغت الأزمة بين البلدين مدى كبيراً بل وخطيراً ايضاً ، بتهديد الرياض للقائمين على المشاريع العسكرية، تهديداً لا تراجع عنه بأغلاق القواعد العسكرية الأميركية (11) . وقد تعاملت واشنطن بكل جدية مع تلك التهديدات . ففي البنتاغون يجري العمل على وضع خطط ، كما لو ان الأنسحاب في طور التنفيذ ، وتوضع خطط بديلة لأنشاء قواعد عسكرية بديلة في قطر او في دول أخرى (12). اضافة الى مسألة تقديم المساعدات الى المجموعات الأرهابية ، والتي تشير الأفادات الأهم ، انها تُقَدَّم من فئات من البيت السعودي الحاكم ، والتي يُستَنَدُ بضوئها ، على ان "أوبك" يمكن ان تلعب في القريب دور سلاح النفط ضد السياسة الأميركية ، الأمر الذي يدعو الكثيرين في الولايات المتحدة الى الشك في قيمة الترابط بين الدولتين (13) .
ان احكام القبضة على خامات العراق ، ستوئد كلَّ محاولات الرغبة في استخدام الأوبك ضد الولايات المتحدة : " ان احتياطي العراق النفطي الهائل يستطيع معادلة تفوّق الأنتاج النفطي السعودي ودوره المُعادِل في الأوبك ، وسيساعد الولايات المتحدة اقتصادياً في أوقات المحن ، من خلال زيادة الأنتاج وبالتالي خفض اسعار النفط (14)" .
في الوقت نفسه ستستطيع الحكومة الأميركية بهذه الحرب ان تقوّي دورها كقوة حفظ النظام في المنطقة وترتيب تهدئة وانصياع دولها للنظام القائم . ومما لاشكّ فيه ان تستمر مداولات و تأمّلات واشنطن قاطعة مراحل أخرى في الحال الحاضر . ان مذاكرات مجلس الدفاع السياسي ، كهيئة استشارية للبنتاغون ( حيث يلعب المحافظون دورهم المؤثّر ، مثل ؛ ريتشارد بيرلي ، هنري كيسينغر ، جيمس شليسينغر ، دان كوايلي و شخصيّات نيوت غينغرتش ) ، يمكن ان تقدّم تصوّراً للأتجاه الجديد المقبل . تصف المذاكرات " العربية السعودية كعدو للولايات المتحدة وتنصح المسؤولين الحكوميين للولايات المتحدة بتقديم انذار : أيقاف دعم الأرهـــاب ، والاّ ســــيشهدون احتلال حقولهم النفطية بالمقابل" (15).
ويوعد الصقور بأن الحرب ضدّ العراق ستكون وسيلة لتحسين هائل لموقعهم في الخليج ، وفي عين الوقت في العربية السعودية . وهم يأمّلون بأن " هجوماً على صدام حسين واقصائه عن القوة اولاً، سيأتي بحكم بديل صديق يلعب دوراً هاماً في تصدير النفط للغرب . و سيقلل هذا النفط من التعلّق الأميركي بتصدير الطاقة السعودي ، الأمرالذي سيؤدي بتقديرهم ، الى اجبار البيت الملكي السعودي على مواجهة قضية دعم الأرهاب وحسمها ـ . أحد أعضاء الحكومة ، المحسوب على المحافظين الجدد المتشددين ، يتوصّل على ذلك الأســــــاس الى تقرير " ان الطريق الى كامل الشرق الأوسط يكون عبر بغداد" (16) .
واكثر وضوحاً على ذلك تعليق الـ "وول ستريت جورنال" القريبة الى الرئيس بوش " يتوجّب على الولايات المتحدة ان تكون مع السعوديين اكثر وضوحاً . لايسمح بحلول وسط في مسألة الدعم العنيد للأرهاب . السعوديون بعيدون عن أعتبار أمن الغرب مسألة لاجدال فيها ـ بل على العكس انهم يشكّلون أكبر خطرٍ عليه بل واكبر من خطرالصين . على ذلك الأساس يتوجّب على واشنطن ان تتجه لأحتلال آبار النفط " (17) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقتطع من هاييس، ستيفين ف. " الحرب القادمة ضد صدام : اسرع من التصوّر"، ويكلي ستاندرد 29/7/2002 : ص 21 ـ 25 ، ص 21 .
(2) مقتطع من كلاري ، ميشيل ، حروب الخامات ، الأسس الدولية الجديدة للأزمات الشمولية ، نيويورك 2002 ، ص 58 .
(3) نحو الستراتيجية الأميركية في الخليج ، انظر كلاري ، حروب الخامات ص 51 / شميدت ، فريد ، شوللير ، كونراد : حرب من اجل النفط ، طبعة خاصة رقم 15 ، ديسمبر 2001 ، ص 25 .
(4) مقتطع من كلاري ، ميشيل، السؤال "لماذا" ، FPIF تعليقات في الشؤون العالمية ، ايلول 2001 ، ص 1 .
(5) انظر : اوليكر ، اولغا اوكرايينا و القوقاز : فرصة للولايات المتحدة ، RAND موضوعات ص198 / 2000 . كووان ، بيتر : سيطرة الولايات المتحدة والفوضى العالمية ، ملحق مجلة "نحو الأشتراكية"، 5/2002 ، ص 19 .
(6) التلحمي ، شبلي " الخليج الفارسي : فهم استراتيجية النفط الأميركية"، "بروكنك ريفيو"، ربيع 2002 ، المجلد 20 العدد 2 ، ص 30 ـ 35 .
(7) بهجت ، جواد ، النفط في منطقة الخليج ، نحو المعاني الجغرافية السياسية في الأحداث الجديدة ، السياسة العالمية 1/ 2001 ، ص 49 ـ 54 ، ص 54 .
(8) مقتطع من شوارتز، بنيامين/لاينه ، كرستوفر " ستراتيجية عليا جديدة" ، "اتلانتك مونثلي" ، كانون الثاني 2002 .
(9) انظر تلحمي ، "الخليج الفارسي" .
(10) انظر . من اسس خطابي الرئيس الأميركي بوش ، جورج . دبليو / الرئيس بوش يلقي خطاباً في حفل تخرّج الويست بوينت ، west point ، 1/6/ 2002 / خطاب الرئيس الأميركي عن حال الأتحاد ، دائرة سكرتارية النشر ، واشنطن ، دي.سي. ، 29/1/2002 .
(11) انظر ، اوتاواي ، ديفيد ب./كايزر ، روبرت جي. "قريبا سيطلب السعوديون مغادرة القوات الأميركية" ، انترناشيونال هيرالد تربيون (IHT) ، 19 ـ 20/1/2002 .
(12) انظر ، غاهام ، برادلي/رِكس ، توماس أي. " بديل لقاعدة العربية السعودية"، IHT ، 8/4/2002 ، داو ، جيمس " تخوّف الولايات المتحدة من الوقود السعودي ، احاديث عن الأعتدال"، IHT ، 17/1/ 2002 .
(13) انظر ، كنولتون ، بريان "السعوديون يخبرون الولايات المتحدة ان النفط ليس سلاحاً"، IHT ، 26/4/2002 .
(14) كراوتهامر ، تشارلس " لا ، ابقوا الرقابة على صدام" ، IHT ، 22/4/2002 .
(15) رِكس ، توماس ُأي "مستشاري الولايات المتحدة يرون في السعوديين خصوماً" IHT 7/8/2002 .
(16) المصدر السابق .
(17) رالف بيترز ، مقتطع من فوللاث ، ايريش/فيندفور ، فولكهاردت/تساند ، بيرنهاردت "اوكار الأرهاب" ، "ديرشبيغل 10/ 2002 ص 132 ـ 148 ، ص 135 .
(*) ترجمة مقال " الهجوم الأميركي على العراق يمكن ان يكون موجهاًضد العربية السعودية"، بقلم "يورغن فاغنر" عضو الهيئة الأدارية لمركز معلومات التســـلّح IMI ، 10/8/2002. مؤلف كتاب "سياسة الولايات المتحدة ـ قبل وبعد 11 ايلول" .
*****************
الطريق