|
حول الثورة العربية و افاق المستقبل
سليم نزال
الحوار المتمدن-العدد: 3694 - 2012 / 4 / 10 - 17:16
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تعبير الثورة حديث نسبيا فى الثقافة العربية و لا يوجد له مرجعية فى التاريخ العربى. الامر الذى جعل بعض المستشرقين يعتبرون ان الثقافة العربية تخلو من تعبير الثورة بمعنى التغيير و دليلهم ان جذر الكلمة ثور يدل على الهياج و الثوران و التهور . على عكس كلمة ريفوليوشن اللاتينة التى تعنى ضمن ما تعنية الانعطافة باتجاه جديد بما يفترض فكرة بالتغيير. و من الواضح ان هذا التعبير الاستشراقى يستند الى حكم جزئى لكى لا نقول اكثر و ليس المقام هنا لنقده الا فى حدود ما يخدم المقال. ففى المرجعية التاريخية العربية تم استخدام كلمة خروج لوصف حركات الاحتجاج و التمرد التى كانت تحصل ضد النظام الحاكم. و الخروج ضد الحاكم كان ياخذ طابعا دينيا لان الحكم كان يستند الى شرعية دينية حقيقة ام تزويرا و لذا كان من الطبيعى فى تلك المرحلة ان تجرى محاولات نزع شرعية الحاكم من قبل ايديولوجية دينية مضادة. و لذا فان تعبير الخروج يفترض امرين اساسين: الاول الخروج بالمعنى الجسدى او الفعلى و بما يفيد حشد القوة اللازمة , كما انه يعنى الخروج عن الطاعة بالمعنى السياسى . خاصة و ان طاعة السلطان او ولى الامر فسرت او فهمت او طبقت فى كثير من مراحل التاريخ العربى كجزء من الفقه الذى وظف كما يقول حسن حنفى لاجل الحفاظ على السلطة فى زمن كان النظام السياسى العربى يحتاج اساسا للشرعية الدينية للحكم و الاستمرار فى الحكم. و بغض النظر عن الظروف التى ادت الى غياب هذا التعبير من التداول و و لعل ذلك يكمن ربما فى علمنة اللغة العربية فى عصر النهضة التى نفضت عنها الكثير من المصطلحات التى كانت سائدة من قبل. او ان المفهوم بحد ذاته غاب لان الظروف المادية التى انتجته قد اختفت ايضا. لانه كما هو مؤكد فى الدراسات الانثروبولوجية من غير الممكن فصم العلاقة الوثيقة ما بين المنتجات الثقافية و المكونات المادية للمجتمعات .
ففى التاريخ العربى الحديث ارتبط تعبير ثورة بالتغيير الذى كان يقوم به الضباط الذين كانوا يقومون شرعية الحكم بالاستناد على مزيج من ثقافة الحزب الواحد و الثقافة العسكرية .كما ارتبط هذا التعبير بمقاومة الاحتلالات الاجنبية كما فى الثورتين الجزائرية و الفلسطينية . لكنها كانت المرة الاولى التى يرتبط فيها شعار الثورة بالتغيير الداخلى الذى بات يوصف من قبل العديدين بالاحتلال الداخلى.
و على كل فالسجالات التى حصلت فى بداية الربيع العربى حول ان كان الذى يحصل ثورة ام انتفاضة كان سجالا نظريا لم يكن ليقدم او يؤخر فى طبيعة الاحداث التى كانت تتسارع و تنتقل مثل كرة اللهب من بلد لاخر بسرعة قياسة حيث سقط خلال عام واحد اربعة رؤساء عرب و هو امر غير مسبوق فى التاريخ العربى كله. لقد بدا الامر كانه بركان هادر لا يمكن ايقافه.و بغض النظر عن العبارات التى يمكن استخدامها لوصف ما حصل و يحصل, من المؤكد ان هذا الانفجار العربى كان يعبر عن مستوى الازمة الخطيرة التى وصلت اليها الدولة العربية الحديثة التى لم تعد قادرة على تلبية الحد الادنى من تطلعات شعوبها التى باتت مستعدة للتضحية باى شىء مقابل اسقاط هذه الانظمة. و استخدامى هنا لتعبير الانفجار العربى ليس لاجل التقليل من اهمية هذا الحدث التاريخى بقدر ما هو السعى لتوصيف الواقع باكبر دقة ممكنه اخذين بعين الاعتبار استحالة الدقة فى التحليلات السياسية التى لا تخضع لمنطق الرياضيات.
فالانفجار الشعبى الذى تفجر فى تونس و الذى اتسم بالعفوية ، ومن دون مضامين سياسية أو اجتماعية كما يلاحظ د يوسف مكى كان تحركا لا يمكن لاحد الادعاء بابوته . كان بالفعل حراكا يؤشر لموت مرحلة الدولة السلطانية بكل ما تحمله من مفاهيم لا تمت للعصر بصلة .لكن هذا الحراك رغم اهميته الا انه لم يكن يحمل معه مشروعا بديلا للدولة القائمة بقدر ما كان رفضا للواقع القائم و شتان ما بين الاثنين حتى و ان كانت التجربة التونسية حتى الان الاكثر نجاحا فيما يبدو مقارنة بالتجارب الاخرى. و لقد بدا الامر واضحا كل الوضوح عبر شعارات الحراك التى ركزت على شعار ارحل لراس النظام و هو شعار صحيح لو كان هناك نظام ديموقراطى و راس دولة فاسد. لكنه ليس شعارا كافيا فى مجتمعات نخر فيها الطغيان و الفساد الى درجة لم تعد محتملة بحيث ازدادت الحاجة الى عمليات جراحية لكل مفاصل الدولة الامر الذى يهدد الكيان كله خاصة فى المجتمعات العربية ذات التعددية الثقافية و الاثنية. و تزداد المشكلة تعقيدا بغياب قوى سياسية فاعلة تملك رؤى لاجل بناء مجتمعات ديموقراطية او بالحد الادنى لبناء نواة ديموقراطية . لانه من الصعب البدء بمسيرة تحو الديموقراطية فى ظل غياب روافع اجتماعية و سياسية ليست متوفرة فى غالبية المجتمعات العربية الامر الذى سمح بسهولة بانقضاض القوى الدينية على الحراك الى الحد الذى غاب معه تعبير ثورات الشباب التى تم تداوله بكثرة فى البداية.
و اذا كان التفاؤل هو سمة الكتابات العربية فى العام الاول من الحراك العربى فاننا نلحظ ان القلق من المصير الذى يتجه اليه هذا التحرك بات يعبر عنه فى العديد من الكتابات العربية التى تناولت الحراك . و يمكن القول ان القلق على الربيع العربى باتجاه التغيير الديموقراطى بات يوصف بالشتاء تارة و بالخريف تارة اخرى من قبل العديد من المثقفين العرب الذين باتوا يشعرون ان الثورة قد تم سرقتها من قبل القوى الدينية. يصف د بلقريز الوضع العربى الحالى بانه بين شعورين : بين الشعور بشوة الانتصار بحيث لا يقبل اى تساؤل حوله و ما بين الاسئلة التى بدات تفرض نفسها كل يوم فى واقع عربى بات القلق فيه يزداد على نسيج مجتمعاتنا حيث يهدد هذا الاعصار نسيجها الاجتماعى و انماط علاقات و حياة استمرت لمئات السنين. و اذا ما وضعنا هذين الشعورين فى منظار ايديولوجى لوجدنا اندفاعا من قبل الاسلاميين باتجاه الثوره بلا ادنى تحفظ يقابله تحفظ تزداد وتيرته من قبل القوى القومية و اليسارية على العموم. الامر المؤكد الذى بات معروفا الان ان الانفجار العربى صار اكثر تعقيدا مما كان يعتقد فى البداية و بات من الواضح ان اثاره تتعدى انظمة الحكم ليطال المجتمعات العربية لاعادة صياغتها وفق رؤى سياسية و اجتماعية من الصعب الان معرفتها لانها ستكون مرتبطة بطبيعة الصراعات المتعددة الجوانب الى فتحت على مصراعيها.
#سليم_نزال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لكى تتجنب سوريا طريق الانتحار
-
البعد الثقافى فى الانفجار العربى
-
لاجل تاسيس جائزة( نوبل) فلسطينية
-
هل من المكن ان نقوم بعودة افتراضية لفلسطين
-
اين المجلس الوطنى الفلسطينى,و اين المجلس التشريعى : اسئلة لا
...
-
لم يحن الوقت لعباس لان يبق البحصة
-
ماذا حققت جامعة الدول العربية بعد خمسة و ستين عاما على تاسيس
...
-
الم يحن الوقت لجامعة الدول العربية ان تخصص مقاعد لتمثيل عرب
...
-
المطلوب الان قرع الخزان بقبضات قوية
-
فقدان البوصلة و فقدان الامل
-
حول اصلاح الوضع الفلسطيني
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|