|
سيناريو 52 .
صالح حمّاية
الحوار المتمدن-العدد: 3694 - 2012 / 4 / 10 - 08:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا حديث لدى الإعلام المصري بعد البوادر التي لاحت في الساحة السياسية من احتكاكات بين المجلس العسكري و جماعة الإخوان المسلمين سوى عن ذلك السيناريو الذي حصل سنة 54 حين تصادم نظام يوليو العسكري و جماعة الإخوان ، هذا السيناريو الذي بات يرى فيه البعض أملا في أحياء الثورة بمنطق اللهم اهلك الظالمين بالظالمين" بحيث قد يضعف صراع المجلس العسكري مع الإخوان كليهما مما يعزز من فرص نجاح الثروة المصرية ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل حقا هذا الصدام سيأتي في صالح القوى الثورية إذا هو حصل ؟
يجب على قوى الثورة المصرية و قبل النظر إلى ما حصل سنة 54 من تصادم بين الإخوان و نظام يوليو العسكري ، أن تنظر إلى سيناريو 52 الذي سبق هذا الأمر ، ففي سنة 52 أتفق الإخوان مع العسكر لتنفيذ انقلاب على الديمقراطية المصرية حينها ، هذا الانقلاب الذي تحالف فيه الخصمان كان هدفه هو الإجهاز على هذه الديمقراطية اللبرالية التي تزعج الطرفين ، فالعسكر الذي كان يطمح للسلطة كانت تزعجه تلك اللبرالية السياسية في النظام المصري حينها و التي تضمن حق التداول على السلطة و المحاسبة، في المقابل كان الإخوان المسلمون كقوى دينية فاشية تزعجهم تلك اللبرالية الاجتماعية التي كان يعيش فيها الشعب المصري ، و التي تتيح له العيش دون قيود دينية ، وعليه تحالف الطرفان في لحظة ما للقضاء على الخصم المشترك وهو الليبرالية المصرية بشقيها السياسي و الاجتماعي ، و هذا ما حصل حيث أسقط النظام السياسي و حلت جميع الأحزاب باستثناء جماعة الإخوان المسلمين طبعا التي مارست دور الداعم في ضرب ما تبقى من قوى لبرالية في المجتمع المصري .
بعد هذا الأمر وحين قضي على الخصم المشترك للإخوان و نظام يوليو ، كان الصدام الحتمي بين الطرفين مجرد مسألة وقت ، فكلا الطرفين فاشيان في طبيعتها التكوينية ولم يكنا ليجتمعا إلا على طرف معادي لها ، ولهذا بعد زوال الطرف الثالث حصل الصدام الذي كان في النهاية لصالح نظام يوليو بحكم كونه الأقوى ، في مقابل الإخوان الذين كانوا لا يحضون بالحضور الشعبي في تلك الأيام مما أدى بدحرهم سريعا .
يمكن القول أن هذا السيناريو هو ما يتكرر الآن حرفيا بالنسبة لمستقبل الثورة ، و هذا ما على القوى الثورية أن تعيه "فحين تتصارع الفيلة فقد الحشائش هي التي تموت "، فبقايا نظام يوليو و الإخوان من المستحيل أن يتصادما بما يصب في صالح الثورة ، و هو ما جرى ويجري ، فمنذ الاستفتاء المشئوم على التعديلات الدستورية هناك تحالف مصالح بين بقايا نظام يوليو و الإخوان المسلمين لإجهاض الثورة المصرية ، وما جدل انتخابات الرئاسية الدائر حاليا إلا الفصل الأخير في سحق الثورة .
بالنسبة للإخوان كما لبقايا نظام يوليو تمثل الثورة المصرية في جوهرها إعادة إحياء لذلك الخصم القديم الذي انقلبوا عليه ، ولهذا كان عدائهما لها مسالة مبدأ ، فالثورة المصرية بشعاراتها عن الحرية والديمقراطية قد أعادت من حيث لا تدري بعث شبح ذلك النظام الديمقراطي المصري القديم الذي يمقته الطرفان، ولهذا كان التحالف بينهما لقتلها رغم كم الخلافات المتراكمة أمرا إلزاميا ، فنظام يوليو كنظام سياسي سلطوي يخشى من الثورة المصرية تلك الديمقراطية التي تنادي بها والتي ستسلبه امتيازاته السلطوية حتما ، في المقابل جماعة الإخوان المسلمين كحركة دينية فاشية تخشى من الثورة المصرية تلك الحريات التي نادت بها ، وما حصل في ميدان التحرير من تألف و أخوّة بين مختلف فئات الشعب المصري كان كالزلزال يضرب في فلسفة الإخوان ، فذالك التجانس الذي حصل بين المصريون على اختلاف ألوانهم وأشكالهم و عقائدهم في مكان واحد ، هو بالذات ما لا تريده الفاشية الدينية .
لقد كانت الضربة القاتلة التي وجهت إلى ظهر الثورة المصرية من أجل وئدها في المهد بعد التحالف المقدس بين الفاشيتين هي ذلك الاستفتاء على التعديلات الدستور الذي منع به الطرفان الشعب المصري من كتابة الدستور الجديد لبعث مصر الجديدة ، حيث قاموا عن طريق التزوير والتضليل والتحايل بالحفاظ على الدستور القديم ، دستور نظام يوليو و بلطجيته من الإخوان المسلمين ، فبقايا نظام يوليو بحفاظهم على هذا الدستور يبقون على النظام السلطوي الذي يضمن لهم بقاء السلطة في يدهم ، فيما سعى الإخوان للاحتفاظ بالمادة الثانية بما هي التجسيد المادي للفاشية الإسلامية التي تضمن هيمنة الإسلاميين على مصر ، و حين تم هذا .. كان الأمر كالرصاصة التي تصيب في مقتل ، بحيث كل ما بقي لهم بعدها هو ترك الثورة لتنزف حتى تموت ببطء ، فخنقها قبل بعث النظام الجديد ، كان كافيا لجعلها تموت قبل أن تولد .
في هذه الأثناء طبعا وفيما الثورة المصرية تنزف أستمر تحالف الإخوان والعسكر في تشويه الشباب المصري الحالم ، وتم ببطء إبعاد الدعم الشعبي عنهم وضربهم بالتجزئة كما حدث في المذابح المتكررة التي حصلت لشباب الثورة إلى حين تصفيتهم بالكامل ، في المقابل أنهمك الطرفان في تقاسم الغنائم حيث كان للإخوان أن يحصلوا على سلطة التشريع للأسلمة الدولة ، فالإخوان في الحقيقة لا تهمهم السلطة التنفيذية لان لا منفعة حقيقة منها لديهم ، فهم كحاملي مشروع فاشي يريدون السيطرة على التشريع من أجل اسلمة النظام ونشر الغيبوبة الدينية، هذا كل ما يحتاجون لتطويع الشعب المصري كما يريدون . في مقابل تبقى السلطة و المال في قبضة بقايا نظام يوليو فهذا النظام في النهاية لا يهمه التشريع ولا الحريات مادام فوق القانون ليفعل ما يشاء، المهم أن تبقى امتيازاته محفوظة ، أما الشعب المصري وحريته وأمنه فهذا غير مهم ، ففي النهاية الحريات التي كان يحفظها مجرد ذر للرماد في العيون أما المجتمع الدولي ، أما وقد ظهر الآن أن الشعب هو من صوّت لأعداء الحرية فهو حينها لا دخل له بانتهاكات حقوق الإنسان التي تحصل ، فالشعب هو المسئول عن خياراته .
طبعا وبعد هذا لم يبقى في الأخير سوى إخراج أخر فصول المسرحية و إكمال الجريمة وهو انتخاب رئيس الجمهورية لدق المسمار الأخير في نعش الثورة ، واللعبة كما يبدو قد بدأت بترشيح خيرة الشاطر ألإخواني لرئاسة الجمهورية بحيث يصبح بالإمكان لبقايا نظام يوليو أن تفرض رجلها بإدعاء أنه الرجل المنقذ الذي سيمنع الإخوان من السيطرة على كل شيء ، و طبعا وفي ظل هذا الهلع و الفوضى التي أرعبوا بها الشعب المصري طوال شهور سيحظى رجل النظام بالدعم من المواطنين الباحثين عن الأمن لا محالة ، بحيث في الأخير وبعد فوزه يبدو الجميع وكأنهم كلهم ربحوا، فالنظام حافظ على السلطة في قبضته ، بينما حضي الإخوان المسلمون في المقابل بسلطة التشريع التي تهمهم ، وحتى الشعب المستغّفل و المضحوك عليه فسيخرج بوهم الانتصار المزعوم كونه يضن أنه قد حمى نفسه من هيمنه الإخوان عليه بانتخابه لرجل النظام العتيد ، لكن طبعا من بين كل هؤلاء الفائزين الثورة المصرية وحدها هي الخاسر الأكبر .
يبقى في الأخير أن نجيب على التساؤل الذي فتحه الإعلام المصري حول احتمالات تكرار سيناريو 54 " هل حقا سيصدم الإخوان ببقايا نظام يوليو بعد سحقهما للثورة ؟" .
في الحقيقة لا احد يمكنه الجزم عن هذا الأمر فربما نعم و ربما لا، لكن يبقى أن الجواب على هذا السؤال ليس هو المهم ، فالمهم هو أن الثورة المصرية قد قتلت ، وقتلت معها أحلام ملايين البسطاء في مستقبل واعد ، وهذه هي الكارثة ، فالأمم حين تتطلع إلى أمر وتفشل فيه تصاب بخيبة أمل عميقة لا يمكن التنبؤ بتداعياتها ، و هو الأمر المتوقع أن يحدث للشعب المصري . ما يعني أن هذا هو ما يجب الإجابة عليه ، " ماذا سيحدث للمحروسة بعد هذه النكبة ؟ " .
#صالح_حمّاية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مراح الجزائري أم الوهابي .
-
حول الصعود الإسلامي .
-
كيف نقيّم التجربة العلمانية .
-
عن العدالة في الحكم الإسلامي .
-
كذب الإسلاميون ولو صدقوا .
-
الإستبداد المنتخب .
-
مغلوب لا يقلد الغالب .
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|