|
أنت مدير... إذن عظم الله أجرك (واقع التدبير الإداري بالمدرسة المغربية)
رشيد شاكري
الحوار المتمدن-العدد: 3693 - 2012 / 4 / 9 - 18:25
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
" ما أسهل الإدارة لولا أنّ فيها إدارة الناس، كلما سمعت عن مدير جديد يتولى منصبه لأول مرة كلما دق قلبي إشفاقًا عليه، أنت مدير... إذن عظم الله أجرك، ... الآن أصبحت بين شقي الرحى.. ولا شيء لك سوى الطحن، ألم أقل لك في البداية "عَظَّمَ اللهُ أَجْرَك". بهذه العبارة القاتمة ينعي أحد المديرين زميله الجديد، ويرسم له لوحة سوداوية عن مستقبله الإداري. فهل هذا التوصيف إشفاق على المدير، أم إشفاق على الإدارة التي تفتقد إلى التدبير العلمي المبني على التخطيط، والتنظيم، والتوظيف، والتوجيه، والرقابة؟. سنحرص من خلال هذه المقالة على أن نعايش الإدارة التربوية بالمدرسة الابتدائية المغربية، أو بالأحرى مدير المدرسة في غياب هيكلة إدارية تستجيب للمواصفات الحديثة للتدبير، ونقف على بعض إكراهاتها وبوادر تطويرها وتحديثها، لتكون قاطرة لإصلاح منظومة التربية والتكوين وليس عائقا أمامه. • معايير انتقاء المدير عندما نتساءل عن الأسباب التي تدفع بالمدرسين والمدرسات إلى الإقبال على مهمة الإدارة "التربوية" بالمدرسة الابتدائية، نجد الأجوبة تنحصر غالبا في أربعة دوافع: 1- النفور من القسم و"روتينيته"؛ 2- الرغبة في الانتقال السريع إلى الوسط الحضري نتيجة الحركة الإدارية بدل الحركة الخاصة بالأساتذة؛ 3- الاستفادة من السكن ومن تعويضات الإدارة برغم هزالتها ! 4- الاقتناع بالقدرة الذاتية على القيادة التربوية، والحرص على تصريفها على أرض الواقع. إنها دوافع تعبر في معظمها عن انسداد أفق الترقي والتدرج في تحمل المسؤوليات أمام أساتذة التعليم الابتدائي؛ ليكون التكليف بمهمة الإدارة المنفذ الوحيد لتغيير مسارهم المهني؛ إلا أن هذا الوضع لا يمنعنا من الإمعان في شروط انتقاء المديرين والتي تتجلى بالخصوص - حسب المذكرة الوزارية رقم 20 الصادرة بتاريخ 23فبراير 2011- في: • الأقدمية العامة: وأقصاها 6 نقط عند بلوغ 22 سنة من العمل؛ • أهلية المترشح ومؤهلاته للقيام بالمهام المطلوبة: معياران من النادر جدا أن يحصل أحد المتبارين على أقل من النقطة الأقصى أي 30، مما يجعل تأثيرهما على عملية الانتقاء محدودا. • نقطة التفتيش: وتبقى بدورها غير مميزة، باعتبار شبكة التنقيط المعتمدة بالابتدائي والتي تربط النقطة بعدد سنوات العمل، إذ تتراوح في الغالب بين 19 و20 من 20؛ • الإجازة: وتمنح لحاملها نقطتان إضافيتان؛ • نقطة الاستقرار في المنصب: 6 نقط كأقصى، بعد استقرار لعشر سنوات بنفس المؤسسة؛ • العمل بالمجموعة المدرسية: 4 نقط عن السنة الثامنة من العمل بمجموعة مدرسية بالعالم القروية. • التكليف بصفة مؤقتة: 3 نقط لكل من شغل منصب مدير بصفة مؤقتة. وبعدها يتم استدعاء المترشحين الذين تم انتقاؤهم لإجراء مقابلة مع اللجنة النيابية. بعملية بسيطة وساذجة: إذا أردت أن تصبح مديرا لمدرسة ابتدائية فما عليك إلا أن تمكث 22 سنة بمدرسة قروية؛ كما لن يكون حظك كبيرا لتصبح مديرا، إلا بعد أن ينقضي من عمرك زهاء 45 سنة. أحقا بهذه الشروط يمكننا تأهيل إدارتنا وجعلها تستجيب لمتطلبات الإصلاح والتحديث؟ أليس من الأولى خلق إطار للإدارة ( إطار متصرف مثلا أو تكييف مهام الملحقين التربويين وملحقي الإدارة والاقتصاد)، وتنظيم مباراة يكون المرجح فيها الكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية دون سواهما؟ • من باب الفصل إلى باب الإدارة: قد تبدو المسافة بين البابين صغيرة، لكنها في الحقيقة شاقة وصادمة، ما دام ولوجها يتم دون تهييء أو تكوين،أو حتى فاصل استراحة وتأمل، حيث: - يجد المدير الجديد نفسه في مواجهة مسؤوليات متعددة ولامتناهية، متروكا لوحده، يقلب في الأرشيفات والملفات عله يعثر على سند، ليتقفى آثار سابقيه. وفي أحايين كثيرة قد لا يجد تفسيرا مقنعا لما يقوم به، غير أنه يكون ملزما بالإجابة على جملة ثابتة تذيل المراسلات النيابية، تطلب منه الموافاة بتقرير مفصل في أقرب الآجال. - يساير -المدير الجديد- أناقة زملائه بارتدائه البذلة التي توسمها ربطة العنق، ليفاجأ بعد انتهاء أول اجتماع بالنيابة، بمهمة من نوع خاص، حيث يجبر على حمل أدوات التنظيف وعلب الطباشير ومواد الإطعام المدرسي، مسارعا إلى وسائل النقل الفردي والمزدوج والمتعدد لإيصالها إلى وحداته المدرسية. إنها الطقوس الخاصة التي يحتفي بها بالمدير الجديد بمدرستنا العمومية، التي شعارها: إلى العمل بدون كلل أو ملل. • مدير أم مُداري: يحاول المدير الجديد ممارسة مهامه دون سابق معرفة أو تحضير، يعتكف في مكتبه لمجاراة مضامين المقررات والمذكرات الإدارية، والاستجابة لمتطلبات الأوراش المفتوحة باسم البرنامج الاستعجالي، سلاحه هاتفه الذي يستنجد من خلاله بزملائه القدامى لتخليصه من ورطة هنا أو هناك؛ غير أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهو مسؤول عن التدبير اليومي لمؤسسته التي يتواجد بها مدرسون وأعوان ومتعلمون، ومسؤول عن التواصل مع المحيط المكون من الآباء والأمهات والسلطات والجمعيات... الكل يشكو ويتضجر ويلوم ويعاتب، والكل يريد ويستفسر ويطالب إلا سعادته، مادام رئيسا لمؤسسته دون أن يدري ما إذا كان رئيسا حقا أم مجرد أستاذ مكلف بالإدارة. تتراكم أمامه القضايا التربوية والإدارية والاجتماعية، ولا يجرؤ على الحسم فيها: - هل يلجأ إلى القانون وتطبيقه بحذافيره مهما كانت العواقب أم يتحايل عليه حفاظا على "الأمن المدرسي" مستعينا بالمثل المغربي "سَلَّك أحسن لك"؟ - هل يتعقب تغيبات وتأخرات المدرسين مهما كانت الظروف، أم يعتبرها مبررة، ولا داعي لتوثيقها والإخبار عنها، حتى لا تؤثر على نسبة المواظبة العامة في مؤسسته؟ - هل يتبنى شكايات الآباء حول تغيبات بعض الأساتذة، أم يعتبر ذلك تدخلا في شؤونه وصلاحياته، ويقنع الآباء ب-قانونية- هذه التغيبات؟ - هل يقوم عمل مرؤوسيه وفق معيار الاستحقاق، أم يمنح الكل النقطة الكاملة، ما دام أن الفارقية لا مجال لها في الوسط التعليمي؟ - وقبل هذا وذاك، هل ينضبط هو نفسه للمقتضيات القانونية، أم يتواطأ بدوره مع الغير في انتهاكها والإخلال بها؟ وفق هذه التناقضات، لنا أن نتساءل: هل نحن في حاجة إلى مدير يدير أم مدير يداري؟ • للإدارة أنماط: بعد حراك مرير، ومكابدة من أجل التأقلم مع الوضعية الجديدة، يكتسب المدير سماته الشخصية في التدبير الإداري، التي تتأثر سلبا أو إيجابا بظروف عمله، فيصبح واحدا من ثلاث: - مديرا أتوقراطيا: يتميز بسلوكه التعسفي، معتمدا السلطة المخولة له بموجب القوانين والأنظمة، لينفرد باتخاذ القرارات مادام لا يثق بإمكانات العاملين معه؛ الذين لا يطيعونه إلا إرضاء له وتجنبا لرد فعله وللعقاب الذي قد يفرضه. يركز هذا النوع من المديرين على المهام المطلوبة دون الاهتمام بمشاكل المدرسين ومعنوياتهم، الذين تكون مردوديتهم في المستوى العادي بحضوره، وتقل في حال غيابه. وداخل هذا النمط من المديرين نجد ثلاثة أنواع: الأتوقراطي العنيد، المتشدد والمتمسك بتطبيق القوانين والتعليمات؛ الأتوقراطي الخير، الذي يستخدم أسلوب الثواب والعقاب البسيط، كي يضمن طاعة العاملين معه؛ الأتوقراطي المناور، الذي يوهم العاملين معه بأنه يشركهم في اتخاذ القرار، لكنه في الواقع ينفرد باتخاذه. - مديرا ديمقراطيا: يشرك العاملين معه في اتخاذ القرارات، ولا يرتكز على السلطة الإدارية المخولة له فقط، ويعمل على تطوير العلاقات الإنسانية الجيدة بينه وبين بقية الموظفين، من خلال إشباع حاجاتهم والاهتمام بهم، والاعتراف بأهمية دورهم في المؤسسة. يتبع هذا المدير أسلوب الإقناع والاستشهاد بالحقائق، والاهتمام بأحاسيس الأفراد ومشاعرهم، وجعلهم يشعرون بكرامتهم وأهميتهم، ويستأنس بآراء العاملين معه ويعير أفكارهم الاهتمام الضروري، كما يلعب دورا في إطلاق قدرات أفراد المجموعة وطاقاتهم الكامنة. - مديرا حرا: مدير لا يؤدي في الحقيقة أي عمل يذكر، فهو يقوم فقط بتبليغ العاملين معه بالمطلوب تحقيقه، و يتركهم لحالهم يفعلون ما يشاؤون ولا يتدخل سواء أقاموا بواجبهم أم أخلوا به. ويغلب على هذا النوع من المديرين عمومية التعليمات وعدم الاستقرار، وإهمال معظم جوانب النشاط، إضافة إلى إضاعة الكثير من الوقت و الجهد. فبأي نوع من هؤلاء تزخر مؤسساتنا التعليمية؟ • ثم ماذا بعد؟ وأخيرا تعترف الوزارة الوصية بغياب مقاربة تدبيرية في تسيير المؤسسات التعليمية، وترجع ذلك جزئيا إلى معايير غير ملائمة لانتقاء مديري المؤسسات ونقص في تكوينهم وكذا قلة الوسائل والموارد، كما تعترف بكون المدير هو حجر الزاوية في نظام التأطير، وستدعم دوره ومسؤولياته، وتعيد موقعه داخل المنظومة، من خلال: انتقاء مديري المؤسسات مستقبلا حسب قدراتهم التدبيرية بعد استفادتهم من تكوينات تحضيرية تهيئهم لممارسة مهام الإدارة التربوية، يتبعها تكوين ملائم مدته سنة. تحسين جاذبية هذه الوظيفة؛ وضع رهن إشارتهم الموارد البشرية اللازمة لتدبير المؤسسات مزودة بأدوات قيادة ناجعة؛ تنظيم مخطط للتكوين المستمر لفائدة مديري المؤسسات؛ منح المزيد من الاستقلالية لمديري المؤسسات وإعطائهم الفرصة للتجديد والمبادرة، على اعتبار أنه ستحول لهم مسؤولية تدبير مشروع المؤسسة الذي سيقترحونه بتشاور مع الشركاء الآخرين. إلى حين تنزيل ذلك على أرض الواقع ، وافتحاص مدى نجاعته وقدرته على تحديث إدارة مؤسساتنا التعليمية، لا يسعنا إلا أن ننحني تقديرا لأولئك المديرين والمديرات الذين جعلوا من كل المثبطات حوافز لنجاحاتهم، ومن كل المعيقات دوافع للتفوق والإبداع، فالتحموا مع طاقمهم التربوي ومحيطهم المحلي، وسخروا كل إمكاناتهم وإراداتهم، لإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، وجعلها فضاء مفعما بالحياة يرسخ قيم الحداثة والمواطنة.
#رشيد_شاكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إجراءات وزير التربية الوطنية بالمغرب، بين تثمين القرار والتش
...
-
قسم الأولويات بوزارة التربية الوطنية
-
الدور الواقعي والمتوقع لهيئة التفتيش بالمغرب
-
الأبعاد السوسيولوجية للحكامة الجيدة في النظام التربوي في حوا
...
-
الجودة مرتبطة بتأهيل النظام التعليمي لموارده البشرية، حوار م
...
-
مقاربة الأحزاب المغربية لقضايا التعليم والتربية من خلال برام
...
-
التربية والقيم في حوار مع د. عبد الحق منصف المدير المساعد لل
...
-
افتحاص الجودة بقطاع التربية والتكوين
-
أبجدية تيفناغ: سؤال التاريخ والأصل
-
إشكالية الكتابة في اللغة الأمازيغية: بين تيفناغ، والحرف العر
...
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|