جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3692 - 2012 / 4 / 8 - 17:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أكادُ أن أجزم جزما قاطعاً 100% أن الذين يدخلون في الإسلام اليوم من ذوي الديانات الأخرى قد سمعوا عن الإسلام كثيرا وعرفوه من خلال القراءة والمطالعة في الكتب البعيدة كل البعد عن أرض الواقع ولكنهم لم يعرفوا المسلمين حق المعرفة ولو عرفوا المسلمين حق المعرفة ما دخلوا في الدين الإسلامي على الإطلاق والله أعلم,وأيضاً هنالك تناسبٌ عكسي وطردي في المسألة فمعظم المسلمين الذين لديهم ميلا إلى الديانة المسيحية هم من الذين عرفوا المسيحيين حق المعرفة وعاشروهم بالمعروف وبالحُسنى ولم يقرؤوا عن المسيحية بقدر ما قرؤوا في سلوك المسيحيين الماثل أمامهم,وبعبارة أوضح كل من يعرف الإسلام نظريا يميل إليه بقلبه ووجدانه وكل من يعرف المسيحيين عن قُربٍ يميل إليهم بقلبه ووجدانه,ونلاحظ هذا في نمط سلوك العائلة(النواتية)التي يكون فيها الأب من أصل إسلامي والأم من أصل مسيحي حيث أن نسبة كبيرة وكثيرة من هذه العائلات تتخلى فيها الزوجة المسيحية عن الأب المسلم وتهرب بأولادها إلى أبعد الأمكنة.
ولو يتحول سلوك بعض المسلمين مع أنفسهم ومع غيرهم من الناس إلى سلوك المسيحيين اليوم فإن كثيرا من الأوضاع ستتغير,فنحن كمجتمع إسلامي لدينا إسلام بكميات هائلة ولكن من النادر جدا أن نجد مسلمين إلا من رَحِمَ ربي وهذه دعوة صادقة مني للمسلمين بأن يصبحوا مسلمين ويتركوا الأحاديث النبوية الضعيفة والخُزعبلات ويتخلوا عن النفاق حتى يعودوا مسلمين حقيقيين مطابقين بين النظرية وبين الأرض الواقع,وهذه المسألة تقع بعاتقها على علماء الإسلام الحقيقيين غير المسيسين وأستثني بذلك كل الجماعات الإسلامية المؤدلجة فكريا وسياسيا.
وفي كل مسجد على عدد المساجد في العالم هنالك منافقين ومندسين-على حسب قول بعض الجماعات الإسلامية الحديثة-لدرجة عدم جواز الصلاة معهم كونهم فاسدين دينيا وأخلاقيا ومسيسين لصالح بعض الجهات التي لها مطامع سياسية للوصول إلى السلطة بأي ثمن.
والقصة المكررة جدا والمملة جدا عن الإمام محمد عبده التي قال فيها(رأيتُ في أوروبا مسلمين ولم أرَ إسلاماً) هي شاهد ودليل على صحة ما أذهبُ إليه من خلال المقارنة بين الإسلام وبين المسلمين فنحن لدينا إسلاماً ولا يوجد لدينا مسلمين,ولدينا مساجد بكثرة كثيرة ولا يوجد فيها مصلين,ولو قمنا بغربلة الإسلام من كل الشوائب التي علقت به على مر السنين لعاد الإسلام أو لأصبح الإسلام دينا مدنيا حديثا يتطابق مع وجود مؤسسات المجتمع المدنية ولأصبح للمسلمين ممثلين في كافة تلك المؤسسات وأهمها حرية الاعتقاد كما جاء في القرآن(لكم دينكم ولي دين) أي السماح بحرية الاعتقاد وبحرية التفكير,ولكن وجود الوصوليون والانتهازيون داخل مؤسسات الدولة الإسلامية هو من يعرقل التقدم في الدول العربية.
ولماذا أنا مثلا شديد الاقتناع بالمسيحيين وبسلوكهم أكثر من قناعتي بالإنجيل نفسه,أنا اليوم أثق بالمسيحيين أكثر من ثقتي بالإنجيل نفسه لأنه كانت وما زالت لي معهم تجربة تحثني على ضرورة احترام هؤلاء المسيحيين ولكن العكس هو الصحيح في الديانة الإسلامية حيث قناعة الناس بالعقيدة الإسلامية أو إن صح التعبير:قناعة الناس بالإسلام تختلف عن قناعتهم بالمسلمين,فكل المجتمع الذي أنا أعيش به ومعه لا يمكن ولا بأي صورة من الصور ولا يمكن ولا بأي شكلٍ من الأشكال أن يجعل مني سلوك المسلمين ثابتاً على ديني,فكلما اقتربت من أغلبية المسلمين كلما ازدادت الفجوة بيني وبينهم,طبعاً إلا من رحم ربي,ولنكن واقعيين أكثر وننظر إلى الفجوة العميقة بين الإسلام والمسلمين.
وعلى حسب ما حددته مناهج البحث العلمي في علم النفس هنالك فجوة كبيرة بين ما يؤمن به الإنسان فكريا وعقائديا وبين ما يتوارثه من سلوكٍ مغاير لِما يؤمن به حيث يكون الغش غير مقبول نهائيا ولكن المعرفة المكتسبة للإنسان من خلال تجاربه تعطيه انطباعا عن الغش بأنه شطاره والفساد طريقة حياة,,والإنسان الذي لا تتطابق سلوكياته مع ما يؤمن به يكون على الأغلب إنسانا مريضا وغير سوي في التفكير أي أنه مصاب بحالة من حالات (الديولوجي) وهنا مربط الفرس حيث أن غالبية المسلمين مصابون بمرض الديولوجي حيث لكل شخص أكثر من شخصية,ويقول (سيجيموند فرويد):لكل انسان منظومة معرفية وهي(ابستميلوجيا) ويجب أن تكون هذه المنظومة مطابقة تمام التطابق مع سلوك صاحبها وإن لم تكُ كذلك فهذا معناه شيء واحد وهو أن صاحبها من الممكن أن يكون غير سوي فكريا وإما أن يكون محتالا يحتال على نفسه وعلى غيره من الناس,وهذا يذكرني بالمسألة الخلافية بين الإمام الشافعي وبين تلامذة أبي حنيفة النعمان حين زارهم في بغداد وذكرهم بمسائل يختلف معهم فيها وبمسائل أخرى يتفق معهم فيها فقالوا له:دعنا من الاتفاق لنبدأ علانية بالاختلاف,فقال له:أنتم تقولون بأنه يجوز للمؤمن أن يكون مؤمنا وبنفس الوقت يجوز له أن لا يعمل عملا صالحا والعكس أيضا تؤمنون به حيث من الممكن أن يعمل الإنسان عملا صالحا وبنفس الوقت لا يكون مؤمنا,فقالوا له:هذا صحيح,فطالبهم بالدليل فقرؤوا من القرآن الكريم( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ( 30 ) أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا.31 (الكهف,فرد الشافعي بكلام آخر وردوا عليه نحويا وقالوا حرف الواو أو أداة الواو هنا هي أداة فصل بين جملة وجملة أخرى على اعتبار أن الله يخبر عن جماعة مؤمنين وجماعة أخرى يعملون الصالحات وهم غير مؤمنين وذلك من خلال قوله(إن الذين آمنوا)فهذه جعلوها جملة مستقلة بحد ذاتها ومن ثم جاء حرف الواو ليفصل بين الجملتين بقوله(وعملوا الصالحات)أي أن هنالك جماعة أخرى تعمل الصالحات وهي غير مؤمنة,فقال الشافعي:لو صح زعمكم لأصبح في سورة الرحمان أكثر من خالق وذلك في هذه الآية من سورة الرحمان(ربُ المشرقين وربُ المغربين) أي أن للمشرق ربٌ يختلف عن رب المغرب.
هذا التعارض جملة وتفصيلا هو إسلام سياسي وليس إسلاما روحيا وكان أبو حنيفة مدفوعا إليه دفعا خوفا من السلطان فبأي حال من الأحوال جعل فقه الحنفي من الإسلام شيئا ومن المسلمين شيئا آخر,أي أن هنالك إسلام يختلف عن المسلمين أنفسهم,بخلاف ما يفهمه الإمام الشافعي.
إن الإنسان المسلم في البيت يختلف سلوكه عنه وهو في الوظيفة الرسمية أو وهو ذاهب للتنزه,وكل ما يؤمن به المسلم لا يمارسه على أرض الواقع,وكل ما يمارسه على أرض الواقع لا يؤمن به,وكل من يعرف الإسلام نظريا يصاب بالصدمة العصبية حين يشاهد سلوك المسلمين وهذا الشيء يجعل الناس والأغيار يملون منا ويكرهوننا لأننا على الأقل لا نؤمن بما نقوله أبدا,ولو قرأ أو لو يقرأ أي إنسان عن الإسلام فإن هذا الدين يدخل قلبه ووجدانه ولكن حين يشاهد تصرفات المسلمين فسرعان ما ينفر من الإسلام ومن المسلمين معا وحدث هذا الشيء كثيرا مع النساء المسيحيات اللواتي تزوجن من شباب مسلمين,وهذا دليل على صحة كلامي,والله أعلم.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)