|
عدالة الثورة لا تضمن عدالة الثائرين
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3692 - 2012 / 4 / 8 - 11:59
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
قبل نحو 10 أيام، نشرت مجلة درشبيغل الألمانية ما يفترض أنه تحقيق قامت به أولريكه بوتس، عن جلاد من بابا عمرو في حمص، يستشفي في مدينة طرابلس اللبنانية. يقول حسين، الجلاد المزعوم، إنه خلافا لغيره لا يجد مشكلة في القتل بيديه، ولذلك أوكل إليه رفقاءه مهمة الجلاد، "فهذا شيء مناسب لمجنون مثلي". ويكاد حسين يعتذر عن أنه ذبح أربعة أشخاص فقط، هذا لأنه تعطل بسبب تعرضه للإصابة أكثر من مرة، لكنه يؤكد قتل عدد أكبر برشاش البي كي سيه. فعلى نحو ما إن الأطفال الفرنسيين يتعلمون الفرنسية، فقد "تربينا نحن السوريين على لغة العنف، ولا نتكلم لغة أخرى". يبدو حسين، ورئيسه أبو رامي الذي وضعت بوتس على لسانه أن سورية ليست بلدا لأصحاب المشاعر المرهفة، أقرب إلى مخلوقات للصحفية الألمانية منهما إلى أي شيء يشبه إسلاميا متشددا. وأن ينبع العنف من تكوين المسلمين وطبيعتهم هو ثيمة لطالما ألح عليها إعلاميون وأكاديميون غربيون . وليس في نشر هذه المادة في الصحيفة الألمانية الأوسع انتشارا ما يمنحها صدقية خاصة, لكاتب هذه السطور خبرة شخصية في قلة أمانة تراوحت بين الاختلاق التام والتزوير الفادح، من جانب صحفي معروف في درشبيغل. ولم يتكرم وقتها بالرد حين واجهته بالأمر وطلبت اعتذارا. هذا للقول إنه ليس للمنبر صدقية خاصة كان يمكن أن تعضد ركاكة في مادة الصحفية الألمانية. مثل هذه المواد يفسد بالتسييس أو بالهوى الإيديولوجي حاجة حيوية إلى نقد وإدانة ممارسات غير إنسانية فعلا يتواتر أن تقوم بها أطراف محسوبة على الثورة السورية، ويضعف الأساس المعلوماتي الموثوق الذي يمكن أن تعتمد عليه إدانة هذه الممارسات. لكن ليس لأن هناك ممارسات كهذه يتعين السكوت على مثل تحقيق بوتس، ولا لأن هناك موادا كهذه ينبغي السكوت على تجاوزات تبدو مرشحة للتكاثر مع تطاول أمد الثورة وإمعان النظام في الوحشية وتكاثر مجموعات المقاومة. هناك بالفعل معلومات متزايدة في هذا الشأن. في 22/2/2012، صدر عن منظمة هيومان رايتس ووتش تقرير وجيز يتضمن انتهاكات قامت بها مجموعات عسكرية مناهضة للنظام، بعضها منضو تحت مظلة "الجيش الحر"، وبعضها ليس كذلك. ومنها تعذيب أسرى بذريعة أنهم من الأمن والشبيحة، ومنها إعدام بعضهم، ومنها حالات خطف وطلب فدية، ومنها ما كان ذا طابع طائفي واضح. وقالت سارة ليا واطسن، المسؤولة عن قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، إن "أساليب الحكومة السورية الغاشمة لا يمكن أن تبرر ارتكاب جماعات معارضة مسلحة لانتهاكات". وطالبت "قيادات المعارضة أن يوضحوا لتابعيهم أن عليهم ألا يعذبوا أو يختطفوا أو يعدموا أحداً مهما كان السبب". وقبل ذلك بيومين، في 20/2/2012، كان تقرير أوسع من اللجنة الدولية المستقلة المخولة من الأمم المتحدة للتحقيق في شأن الأوضاع الإنسانية في سورية قد قال إن أعضاء من الجيش الحر في حمص عذّبوا وأعدموا من يشتبه بأنهم شبيحة، وأنهم شنقوا مشتبها بعمله في أجهزة الأمن في أواخر الشهر الأول من هذا العام (الفقرة 114). ومثل ذلك تقوله الفقرة 119 عن ممارسات وقعت في تلبيسه وريف دمشق. وتكلم التقرير أيضا على معلومات تفيد بأن أعضاء في الجيش الحر اختطفوا عناصر أمن أو أفراد من أسرهم أو مواطني دول أجنبية بعينها (إيرانيين) لمبادلتهم بموقوفين عند النظام. وهو ما اعترفت به قيادة الجيش الحر حسب اللجنة الدولية، وسوغته بأن هؤلاء مقاتلون أجانب (الفقرة 117). وتقول الفقرة 118 إن مدنيين مسلحين، وبينهم من هم منتمين إلى الجيش الحر، يسعون وراء أخذ الثار بقتل أفراد من الأجهزة الأمنية أو الشبيحة. يحرص تقرير اللجنة الدولية على القول إن انتهاكات المجموعات المسلحة المناهضة للحكومة لا تقارن في نطاقها وفي تنظيمها بتلك التي يقوم بها النظام. لكن هذا عزاء شحيح للثورة, فليس ثناء على أحد أن يقال إنه ليس مثل نظام مجرم ما انفك يقتل محكوميه منذ نحو 13 شهرا. جدير بالذكر أن روسيا والصين استندتا في حينه إلى هذه الفقرات للقول إن ما يجري في سورية هو صراع مسلح بين طرفين، وليس قمعا وحشيا للسكان المدنيين يقوم به النظام. وفي الوقت نفسه تقريبا أصدرت منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشنال) تقريرا بعنوان "أردتُ أن أموت"، يقول إن هناك انتهاكات ارتكبها أفراد من المجموعات المسلحة، منها خطف وقتل أشخاص أو أقرباء لهم، بذريعة دعمهم الصريح للنظام أو تجندهم في عصابات الشبيحة. أمنستي توضح أن الأكثرية الساحقة من الانتهاكات قامت أجهزة النظام. لكن مرة أخرى ليس في ذلك ما يعزي. ويستحق الأمر انتباها متزايدا من الثائرين، ومن "الجيش الحر"، ومن "المجلس الوطني" أو أية مجموعات سياسية مرتبطة بالثورة، وإدانة قاطعة لممارسي هذه الانتهاكات. أن يكون السوريون على حق في ثورتهم لا يكفل في شيء أن يكونوا على حق في كل ما يفعلون. عدالة الثورة لا تسبغ عدالة تلقائية على كل ما يقوم به الثائرون. ولا يكفي أن يكون المرء ضحية الظلم حتى يكون منصفا. قبل شهور، وقبل أن تتكلم أية جهات محلية أو دولية على انتهاكات حقوقية تقوم بها مجموعات محسوبة على الثورة، فكرنا في القيام برصد منظم لهذه الانتهاكات، ثم وضعها في أيدي الفاعلين العامين. لكن هذا الاقتراح انحل في الامتعاض من المكون المسلح للثورة. لم يكن ظهور هذا المكون خيارا لأحد، واليوم لا يقع الخيار المثمر بين وجود وعدم وجود مقاومة مسلحة، بل بين مقاومة مسلحة منظمة ومقاومة مسلحة غير منظمة. المسلك الأخلاقي لا يتمثل في مثل وضعنا برفض التعاطي مع واقع قائم، بل بالعمل على ضبط هذا الواقع، إداريا وسياسيا وفكريا، وأخلاقيا. وأن تكون مجموعات المقاومة المسلحة متعددة ولا مرجعية موحدة لها، ولا تنضبط بعقيدة عسكرية محددة، أمر موجب أكثر للتنظيم. المزيد من الإحاطة السياسية بالوضع الخاص للثورة السورية هو ما يتوافق مع مزيد من التأثير الأخلاقي والحقوقي عليها في اتجاهات تتوافق مع قيمها المفترضة.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظام الطائفي ليس نظام طائفة
-
الإسلاميون السوريون... توجهات منفتحة وتناقض مقيم
-
الثورة كصناعة للأمل
-
حوار في شأن أصول الثورة السورية وفصولها
-
الحكم بالتذكر: من أصول المحنة السورية
-
هذا النظام، هذه الثورة، هذا العالم: حوار حول الشأن السوري
-
عن الطائفية ما بعد كرم الزيتون
-
لا عودة إلى بيت الطاعة الأسدي
-
عام من الثورة المستحيلة
-
عام من الثورة السورية: فلنسحق الخسيس!
-
من الأزمة السورية إلى المسألة السورية
-
سورية، إلى أين؟ أسئلة نارين دانغيان
-
عناصر أولية من أجل استراتيجية عامة للثورة السورية
-
الحزب الذي لم يعد قائدا للدولة والمجتمع...
-
-اختراع التقاليد- لإريك هوبسباوم
-
ملامح من الوضع الراهن للأزمة السورية
-
الحكم بالاحتلال!
-
في الطائفية والنظام الطائفي في سورية
-
-قتل ذاك الماضي-، حازم صاغية يروي سيرة -البعث السوري-
-
المثقف المبادر... في تذكر عمر أميرالاي
المزيد.....
-
متحدثة البيت الأبيض: أوقفنا مساعدات بـ50 مليون دولار لغزة اس
...
-
مصدر لـCNN: مبعوث ترامب للشرق الأوسط يلتقي نتنياهو الأربعاء
...
-
عناصر شركات خاصة قطرية ومصرية وأمريكية يفتشون مركبات العائدي
...
-
بعد إبلاغها بقرار سيد البيت الأبيض.. إسرائيل تعلق على عزم تر
...
-
أكسيوس: أمريكا ترسل دفعة من صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا
-
ميزات جديدة لآيفون مع تحديث iOS 18.4
-
موقع عبري يكشف شروط إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي السورية ب
...
-
مصر.. -زاحف- غريب يثير فزعا بالبلاد ووزيرة البيئة تتدخل
-
تسعى أوروبا الغربية منذ سنوات عديدة إلى العثور على رجال ونسا
...
-
رئيس الوزراء الإسرائيلي: ترامب وجه لي دعوة لزيارة البيت الأب
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|