أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نور الدين بدران - الطريق الشاق والخطر















المزيد.....

الطريق الشاق والخطر


نور الدين بدران

الحوار المتمدن-العدد: 1084 - 2005 / 1 / 20 - 10:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


إلى الصديق حسين عجيب...

لم تكن الحالة العاطفية عظيمة وحميمة ومتأججة في سوريا ، رغم كل ما يتحدث به رومانسيو الستينيات والخمسينيات ولكن قبل فورة السبعينيات لم يكن التشوه الاجتماعي والإنساني والعاطفي وصل إلى ما وصل إليه.

كان بعض الاحترام للعلم والتعليم والثقافة والمثقف ، للقانون ، للحرفي ، للأرض والعائلة وابن الحي وابن البلد ، للضيف وعابر السبيل، ذه كلها اختفت تدريجياً ولكن بوتيرة بالغة السرعة ، وأصبح عنصر الأمن أهم من الأستاذ الجامعي ، والضابط فارس أحلام الفتاة ، والرشوة التي كانت عاراً أصبحت شطارة وفهلوية ، هذا الفساد تغلغل في أصغر الخلايا الاجتماعية حتى عبّر عن نفسه لى الصعيد الاجتماعي العام .

لقدً اختفت السبل المائية والمرافق العامة أو أخذت أشكالاً أخرى مشوهة جداً ، حتى الطبيعة / البحر / صادرتها العلاقات النفعية والاقتصادية المشوهة التي أحرقت الكثير من النبل والمودة والاجتماع والعاطفة بين الناس .لذلك فإن وصف الحالة العاطفية في سوريا بأنها تعاني من الجفاف ، هو وصف لبق
ومجامل جداً.

انت العقود الأخيرة بشكل خاص ، قد أحرقت الوجه العاطفي ، وإذا كانت ألسنة اللهب المشتركة في جبهة وطنية تقدمية شعبية إسلامية سلطوية متحدة و واحدة أو متفرقة لا فرق ، فإنها ساهمت بالقدر الذي تستطيعه ، مجتمعة أو كل وحدة على قدر تمثيلها النفطي عفواً النسبي ، في برنامج التغيير المنشود ، في عملية
التجميل التي كنا ننشدها ، لوجه سوريا الحديثة ، وباعتباري أحد الحاضرين والمشاركين إلى حد ما ، في ذلك المطبخ فقد كنت شاهداً ومشاركاً في احتراق الطبخة ، و تشويه الوجه العاطفي ، حتى أنه بات يحتاج إلى تسمية أخرى .على النمط الإسلامي دين ودولة اشتغلنا جميعاً ، سائر الأطراف في السلطة
والمعارضة ، تجسدت العلاقات الشخصية بشعارات عقائدية حظي المناضل بمكافأته لكفاحية كشهادة حسن نضال ولمع كمختلف وبقدر مازوشيته وصدقه كان مساهماً في ذلك الحريق العاطفي ، لنفسه أولاً ولعائلته ثانياً ووسطه ، وبينما كان يدخل غيبوبته وينسى الحب والحزن والمشاعر إلا نحو ربه أو شعاره أو زعيمه وكلها رموز واحدة لتفحّم عاطفي واحد ، هكذا راح الماركسي يبحث عن الجذور الطبقية للقبلة ،
والقومي يحلل الأبعاد القومية للعلاقة الجنسية وتأثيراتها على التضامن العربي والكفاح ضد الامبريالية ثم يلجأ هذا أو ذاك إلى قبضته الحديدية ومخيلته وينام...إلخ أما الإسلامي فكان يتابع بنشاط ودأب بحثه عن المكروه والمحلل والمحرم في دخول الحمام والمطعم والذبيحة وأذنها وقرنها ووزنها وشروط صلاحيتها أضحية وعموما لم يكن هذا البحث إلا تغطية للمساء الكبير حيث كان يتم الإعداد لحريق استثنائي يأتي على العاطفي وما يمت له بصلة ، أما الجانب السلطوي ، فكان يرتكز على ركائز مادية من ضمنها هذه المعارضة وكان أكثر قرباً من الواقع وتجاهاته فكانت المكافأة عينية ومادية ، وبشكل معاكس تماما ، فبقدر ما كان المناضل أو المحازب [السلطوي ] سادياً ومنافقاً كان يتاح له مجال المساهمة في الحريق العام ، وإنقاذ مصالحه الخاصة مادياً وبشكل رخيص وبعيد كلياً عن أية عاطفة سامية حتى تجاه نفسه ، لأنه كان يدفع الثمن تجاه أولياء نعمته من رصيد كرامته الشحيح أصلاً ، وفق ما يفترضه المنطق التراتبي والذي صاغه أبو حيّان التوحيدي منذ قرون : " ما تعاظم امرؤ على من دونه إلا بقدر ما تصاغر لمن فوقه" ومن المفارقات أن التيارات التي ادعت المادية كمنهج فلسفي سارت في الركاب الأخلاقي والمعنوي في منطق العلاقات الشخصية والاقتصادية {ليس كثيراً وإنما إلى حد ما} بينما السلطة وأجهزتها سارت في منطق العلاقات المادية باعتبارها هي القاعدة والأساس ودون أن تتخلى عن الشعارات التي كانت غطاء وهي قبل غيرها تعرف
دور هذا الغطاء ومدى صلاحيته واستثمرته بشكل فعال بينما قمنا باستخدام شعاراتنا ضدنا وضد الجميع
.
هكذا كان المجتمع السوري بكل مفاصله وقواه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية يجهز على بقايا العاطفة والمودة والتكافل الاجتماعي تحت ضغوط تطوره الخاصة واتجاهاتها المشوهة والتي لم تأخذ شكلاً محدداً .

مركبات مادية ومعنوية تألف منها النفط العقائدي الذي أحرق العلاقات الشخصية الحميمة أو شوهها في الأسرة والحي والمدرسة وحتى في الغرام ، ولم ينج من هذه المجزرة إلا قلائل جداً ، هم بالأساس يملكون شخصيات متميزة وثقافة مارقة لكن وجودهم أيضا في الحظائر الحزبية والعقائدية يحتاج إلى تأمل .
الأب عليه إطعام أولاده وليس إشباعهم أبوة ورجولة ، فلا وعي لذلك وإن وجد الوعي قهره ضيق الوقت وضغط الحاجة .

الأم مسحوقة بعبودية العمل المنزلي ، وليس لها أن تمنح الأولاد ما لا تعرفه ولا تحظى به : الحب [ لا أدري ما هي نسبة الأمهات السوريات وبالحري العربيات اللواتي يعرفن ما هي الرعشة الجنسية ، وأظن أن بحثاً كهذا ليس إلا مما " ينزغ الشيطان " في نفس من يقوم به ].الفكر والثقافة مشغولان بالقضايا "الكبرى" وويل لشاعر يكتب عن "ترّهات" كالحب والفرح والحزن ويغرق في القضايا الشخصية] . [راجع أو لا تراجع الأدب والإيديولوجيا في سوريا[ المطرب العاطفي الكبير عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وغيرهما حثالات والفن كله عند الشيخ إمام وعبد الباسط عبد الصمد ومغنّي الكراجات .

بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982م أعلن الشاعر الطوطم محمود درويش أنه : " لا يجوز أن يبقى حبنا لعبد الحليم حافظ سرياً " ولو سمعه العندليب الأسمر يومئذ لقال له : " بدري يا محمود " .جملة درويش هذه أعادت قطعاناً إثر قطعان لشراء أشرطة " لماليمو الشخلوعة الدلوعة " كما كان يسميه أحمد فؤاد نجم وكنا رغم حبنا المكبوت لعبد الحليم حافظ نردد هذه العبارة الساقطة وراء شيخنا الثوري إمام عيسى .
وجيلنا يذكر كيف قامت الدنيا ولم تقعد على الراحل ممدوح عدوان [ من سوء حظه لم يكن له صولة وجولة محمود درويش ] لأنه فضّل عبد الحليم كمطرب على الشيخ إمام .

باختصار كان الانحطاط الثقافي وأبرز سماته العقائدية الجامدة [هل من عقيدة ليست جامدة ؟ ] والاستبداد السلطوي وتدهور الوضع الاقتصادي ألسنة اللهب المكونة لنار الفساد الشامل الذي أحرق ولم يجفف فقط الوجه العاطفي ، الذي نجا من الترمّد واكتفى بالتشوّه .

في هذا الخراب ما بعد الحريق الذي يتابع مسيرته بأشكال مختلفة ، من الطبيعي أن تكون العدمية سيدة الموقف ، بشكل عام ، وأن يلوذ ناقدوها بأية قشة محاولين التجديف نحو أقصى هامش يدحرجون عن صدورهم صخور الأيام إبداعاً وسكراً وعشقاً وثرثرة ويجوبون المنافي روحاً وجسدا .

لسنا محكومين بالأمل فقط مع فائق الاحترام للراحل سعد الله ونوس ولا بالتشاؤم فقط مع فائق الاحترام للمبدع محمد الماغوط ، فهذان شعوران مترافقان متداخلان مجدولان مع بعضهما على مر الثواني ولهذا أرى أن نمضي بالطريق الشاق والطويل والخطر أي أن نتحدث ونكتب بما نشعر نحن ونحيا كما نريد نحن ، ولا نريد منهم أن يحترموا لنا من ميثاق حقوق الإنسان سوى أن يدعوننا وشأننا في هذا الطريق الطويل والشاق والخطر.



#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية تأنيث للعالم
- مسرحية صامتة جداً
- رعشات مشروطة
- ليس مسيحاً
- خوابي الضحك والدهشة
- رماد الوصية
- المشجب
- العائلة المقدسة
- عضة ورشفة
- أنين الأسئلة
- عود على بدء: في الانتماء لاجديد سوى الاسم
- تماثيل أوجاعي
- تفاح الخيانة
- هرطقة خارج المظلة
- على خط الأفق
- الصندوق الأرجواني
- موشور الغربة
- هذيان ليس للنشر
- لحسة الأمان
- الشفافية السورية


المزيد.....




- روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر ...
- تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول ...
- ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن ...
- ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب ...
- -الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب ...
- أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد ...
- البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي ...
- موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
- -شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو) ...
- ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نور الدين بدران - الطريق الشاق والخطر