|
- الحكومة الملتحية في المغرب و التنكيلُ بالآخر - إشكال الأطر العليا المعطلة بين نفاق الحزب الإسلامي و رياء التعتيم الإعلامي .
أِيوب بن حكيم
الحوار المتمدن-العدد: 3685 - 2012 / 4 / 1 - 20:33
المحور:
حقوق الانسان
ملاحظة مصطلحية :
ـ نفضل مصطلح "عطالة" على مصطلح بَطالة ، لكون الثاني ذا حمولة أخلاقية مردها إلى مفهومي الحق و الباطل ، كما نستعمل مصطلح "معطل" عوض مصطلح "عاطل" لأسباب نوردها في أوانها [1].
1 ـ تــمـــهـــــيــد لرفع التعتيم :
الأطر العليا الشبان تابعوا دراساتهم العليا بعد الإجازة و حصلوا على شهادة الماستر أو دبلوم الدراسات العليا المعمقة أو الدوكتوراه أو ما يعادلها ، فأسسوا في الرباط مجموعات احتجاجية لها قوانينها المنظمة على خلفية مرخص لها ، وتطالب في مظاهراتها السلمية بالتوظيف المباشر طبقا للقانون المغربي. إشكال الأطر العليا المعطلة إشكالٌ ممض ذو طبيعة اِجتماعية صرف،تعاملت معه الحكومات المغربية بحذر شديد،إذ خصصت لهذا الإشكال 10 في المئة من ميزانية التوظيف كل سنة نزولا عند وعد رئيس الوزراء المغربي الأسبق "إدريس جطو" ، والمعلوم ان الأطر العليا المعطلة في المغرب يتم توظيفها دون اِجتياز أية مباراة حتى صار هذا شبه قانون سرعان ما سيدخل الحيز التشريعي عبر مرسوم صدر في 24 أبريل 2011 و صادق عليه العاهل المغربي بعد أن تمت المصادقة عليه في البرلمان المغربي، ويقضي بإدماج الأطر العليا المتخرجة سنة 2011 إدماجا مباشرا في الوظيفة العمومية بسلم الأجور 11 ، لكن ما يقع اليوم في المغرب بعد تولي " الحكومة الإسلامية " لشيء يندى له الجبين ، فبعد تنصيب "حزب العدالة و التنمية " في المغرب بعد اِنتخابات 25 نوفمبر 2011،توسم المغاربة خيرا في تنزيل الدستور المعدل ، ونقله من حيز وجوده بالقوة إلى حيز وجودة بالفعل،إلا أن تعاطيّ الحكومة الملتحية مع مجموعة من الاحتجاجات الشعبية أظهر أن الحزب الإسلامي حزبٌ مزدوج الشخصية،فهو حزب "يصرف" بسخاء على شاكيرا و نانسي عجرم إلى حد العجب ، لكنه يواجه أبناء العمال والفلاحين الكادحين بالهراوات و الاعتقالات و الضرب و التهديد و الشتم كل يوم على مرأى و مسمع من العالم ، لدرجة أنه تم استشهاد إطار عال في يناير الماضي بعد أن تم إحراقه من لدن السلطات القمعية،كما تم متابعة 10 إطر عليا بتهم مضحكة لمجرد أنهم طالبوا بتفعيل المرسوم الوزاري ، أي بتطبيق القانون . 2 ـ الأطر العليا : شرعية الوجود و مصداقية التواجد
2 ـ 1 شرعية الوجود/شرعية الاِحتجاج :
2 ـ 1 ـ 1 الشرعية التاريخية :
الأطر العليا المعطلة في المغرب لها شرعية الاحتجاج تاريخيا،لكون أن الأعراف النضالية في المغرب ـ والعرف من مكونات القانون ـ سلمت لهم بهذا،لدرجة أن الحكومات المتعاقبة خصصت حيزا ماليا في كل سنة مالية لتشغيل هؤلاء الأطر دون مباريات نظرا لتكوينهم المعرفي و المنهجي الراقي .
2 ـ 1 ـ 2 الشرعية القانونية :
للأطر العليا المعطلة المتخرجة سنة 2011 غطاءٌ قانونيٌّ يحميهم ـ إلى جانب عناصرَ أخرى ـ هو المرسوم الاِستثنائي رقم 100-11-02 الصادر في 24 أبريل 2011 و القاضي بإدماج الأطر العليا المتخرجة في نفس السنة إلى غاية متم شهر ديسمبر إدماجًا مباشرًا في أسلاك الوظيفة العمومية بسلم الأجور 11 ، ومع عدم تفعيل هذا المرسوم المصادق عليه من لدن البرلمان المغربي و عاهل البلاد و وزير المالية ورئيس الحكومة السابقة نزلت الأطر العليا إلى شوارع الرباط من اجل الضغط على أولي الأمر للتسريع في عملية إنزال المرسوم و تطبيقه ، مع العلم ان الدستور الجديد للبلاد ، يتضمن ـ في ثلثه على الأقل ـ بين دفتيه بنودا تسمح بالاحتجاج السلمي وما إلى ذلك مما نراه في الورق في بلاد العرب !!!
2 ـ 1 ـ 3 عدم وجود مباريات تخص السلم 11 :
من المعلوم أن الشهادة العليا تخول لحاملها التوظف بسلم الأجور 11 ، وهو سلم يضمن عيشا كريما نسبيا ، لكن ـ و يا للعجب ـ لا توجد في المغرب مباريات تخص هذا السلم إلا داخل الوظيفة نفسها عبر الترقية بالمباراة ، لذلك تتساءل الأطر العليا عن عبثية فتح الدراسات العليا ما دام ليس هناك مباريات تساير التحصيل المعرفي العالي لهؤلاء الشباب !!!
2 ـ 1 ـ 4 مفهوم المباراة في المغرب : رشوة، محسوبية ، تحرش، زبونية :
لنفترض جدلا أن هناك مبارياتٍ تخص سلم الأجور 11 ، فالمغاربة جميعهم يعرفون ما معنى مباراة الدولة ، مبارياتٌ نصف عدد مقاعدها ـ أو أكثر ـ محجوزة لفلان و علان ، بخلفيات مختلفة كالتحزب و الرشوة والتحرض الجنسي و المحسوبية و الزبونية ، فإذا كان المغرب يحتل الرتبة الثانية في العالم في معضلة الرشوة ، فكيف لهؤلاء الأطر أن يجتازوا مباريات يعلمون مسبقا أنها مبارياتٌ لرش الرماد في العيون !!!
2 ـ 2 مصداقية التواجد / مصداقية الاحتجاج :
للأطر العليا المعطلة طرائقُ جميلة سلمية راقية في الاحتجاج ، ومن ذلك تَردادهم لشعاراتٍ اِجتماعيةٍ صرف،تنادي بالعدالة الاجتماعية و المساواة و الحرية و الكرامة والعيش الكريم،حيث ينظمون مسيراتٍ حاشدة في شوارع العاصمة ما بين أيام الثلاثاء و الخميس للتعريف بقضيتهم و مطالبة الحكومة الجديدة بتنزيل المرسوم المعلوم أعلاه بأثر رجعيٍّ،ورغم القمع المنظم و الضرب الممنهج و الاعتقالات التي طالت أكثر من 120 إطارا منهم 10 متابعين بتهم مضحكة ، إلا أن الأطر العليا لم يتوانوا في التأكيد على سلمية و مشروعية احتجاجهم و عبروا أكثر من مرة على تشبتهم بوطنهم المغرب من أجل خدمته بالخبرات التحصيلية التي راكموها طوال أكثر من 20 سنة من الجلوس على مقاعد الدراسة .
3 ـ دونكيشوتية الإعلام المغربي :
الإعلام المغربي إعلام دولة ممنهج منظم من لدن وزارة الداخلية بالأساس،إذ يتم قمع الأطر العليا يوميا و بشكل تعنيفي جسدي و معنوي شديد و تتحول العاصمة الرباط إلى ساحة للكر و الفر بين مئات الأطر العليا و قوات التدخل !! ، إلا أن وسائل الإعلام المغربية بقنواتها اللاوطنية تسكت تاما عما يقع في شوارع الرباط من اختطافات و اعتقالات و ضروب في القمع و تفننات في الضرب و الشتم و الرفس و الصفع ..إلخ ، في حين تزور القنوات المغربية الأطرَ العليا المعطلة من أجل برامج توهمهم بأن بها مصداقية ً و موضوعية ، و سرعان ما تتعرض هذه البرامج لمونتاجات يظهر أن لا شيءَ يحدث ، لدرجة أنه يتم التعتيم بطريقة رهيبة على القانون الذي ينظم علاقة الأطر العليا بوزارة التشغيل ، كما يتم تمرير مغالطات جمة في هذا الخصوص على الشعب المغربي و ليس هذا وقت إدراجها مما لا نخوض فيه .
4 ـ الدفوعات السوفسطائية للحكومة الإسلامية :
للحكومة الإسلامية دفوعاتٌ تنتمي إلى عصر ما قبل بارميندس و سقراط ، و منها أن عطالة الأطر العليا تدخل في ما يسمى بالعطالة الهيكلية[2] تَباعا فإن الحكومة غير مسؤولة عن عطالتهم !! وهذه سفسطة ٌ مردودة بسهولة شديدة ، إذ أن قضية العطالة عموما قضية تنمية و ليس قضية اِقتصاد و حساب جار[3]، فهناك شيء يسمى في علم التنمية "دليلَ التنيمة النوعي" و هو الذي يحدد المتغيرات الشاملة في مجتمع ما ، عبر مماهاته بمفاهيم أخرى كمفهوم اللامركزية و المعامل الجيني، وهذه مؤشرات ثقافية و اجتماعية تنسف الدفوعات "المادية الاقتصادية" للحكومة الإسلامية، ومنها أيضا أن القطاع َ الخاصَّ يفتح ذراعيه بالأحضان لهؤلاء المعطلين ، والمعلوم أن هذا القطاع في المغرب قطاع كارثي،كما ترى الحكومة الملتحية أن حركة االمعطلين يجب القضاء عليها قضاءً مبرما بمثالية في التفكير لا تنتمي إلى ممكنات السياسة، ولهذه الدفوعات دائما شكل نفاقي ، حيث يستدعي رئيس الحكومة ممثلي الأطر العليا في مكان و زمان معينين للحوار ، ثم لا يأتي !!!!! و قد حدث هذا مرتين لحد الآن ،مما يستدعي معه أن كل كلام الحكومة الملتحية كلام يجب ألا يأخذ على محمل الجد ، ومن دفوعاتهم أيضا ما سيأتي باختصار :
4 ـ 1 ـ إشكال الكفايات [الكفاءات] :
ترى الحكومة الملتحية ان الأطر العليا غير مؤهلة من جهة الكفاية [ يقولون لها الكفاءة وهم يلحنون حتى في لغة الاتهام ] ، أي إنها أطر لا تفقه شيئا في مجالها ، مع العلم ان هذه الأسطوانة تم تكريرها طويلا في عهد الحكومات السابقة وحين تم توظيف الأطر العليا السابقة تم السكوت على هذا المعطى ولو افترضنا صوابه وهو خطأ . كما أن تخصصات الأطر العليا غير ملائمة لطبيعة الاقتصاد المغربي في نظر هذه الحكومة ، فبماذا ستفيدنا تخصصات التاريخ واللسانيات و الأدب العربي و الفلسفة و أصول الدين و الحقوق !!!! إن الحكومة المغربية تحتاج من يركب لها السيارات مغفلة أن هناك فرقا كبيرا بين الحداثة و التحديث ، إذ أن الدول الغربية ما فتئت تنادي بالفلسفة والرجوع إلى الهوية و الشعر و الفكر لإنقاذ الذات ، وتلك مجتمعات وفرةٍ و ترف ، فما بال هذه الحكومة لا تفرق بين حفظ الهوية و التحديث ؟ بين الحداثة و ثقافة صنع اللوالب و النجارة ؟ هذا إن صح هذا الدفع الاتهامي .
4 ـ 2 حديث ذو شجون في التوجه الرأسمالي لسياسة "القطاع الخاص" :
عندما تتغير السياسة التنموية في بلد معين ، تتغير معها التوجهات العامة و التجزيئية للقطاع العمومي بالموازاة مع القطاع الخاص ، إذ أن المغرب دولة دخلت مصاف الدول التحديثية بلا تصور سياسي أو سيادي ، وكل هذا من أجل رفع الضغط عن ميزانية الدولة عبر الاستثمارات الأجنبية ، لكن ما بالها ميزانية الدولة ؟! أليس ينهب مالُ الشعب من لدن مسؤولين تفضحهم الصحافة المستقلة و يفضحهم "المجلس الأعلى للحسابات" ؟ لم المغرب لديه عجز تجاري دائم ؟ لم المغرب يستدين من الخارج ؟ فبعملية حسابية بسيطة سنرى أن حجم نهب المال العام يغطي جميع مصاريف المغرب من جهة النفقات العمومية و من جهة خدمة السنة المالية للدين العام ، فمثلا تم نهب حوالي 12 مليار دولار من صندوق الضمان الاجتماعي ، وحوالي 4 ملايير دولار من البنك العقاري و السياحي ، فلم لا تهب الحكومة لاسترجاع أموال الشعب ؟ عوض هذا القمع الذي نراه في كل مكان ، وينسحب هذا على الأطر العليا المعطلة أكثر ما ينسحب .
5 ـ اِستشراف :
الأطر العليا المعطلة في المغرب إطار تنظيمي واع ٍ بعقلية اِحترافية بمتطلبات اِجتماعية بالأساس،تسعى من خلال الاحتجاج السلمي الراقي أن تؤكد أن الطلاب المغاربة لهم كفايات لا حصر لها ، من جهة المعرفة و المنهج و التخصص و اللغات،حيث لم يتم لحد الآن تثبيط عزيمة هؤلاء الأطر بعد قضائهم أكثر من تسعة أشهر بشوارع الرباط ،و رغم التنكيل الرهيب جدا بهم ، كما أن الأطر نصفهم بنات جئن من مناطق نائية من المغرب الحبيب، مما يؤكد أن الحقَّ عندما يكون حقا ، لا تثبطه الجغرافيا و الزمن و الجنس، وعندي أن الأطر العليا المعطلة فرصة للمغرب من أجل اِستعادة بريق الإدارة المغربية من حيث الكفايةُ و من حيث النزاهةُ ، ومن حيث تساوي الفرص و العدالةُ الاجتماعية التي ينادي بها "ورق الدستور" ..اِنتهى .
ـ هـــوامـــش :
[1] ـ للمزيد من التفاصيل المرجو الرجوع إلى كتاب "البطالة قنبلة موقوتة" محمد نبيل جامع . [2] ـ عطالة تنتج عن التغيرات الإقليمية و العالمية ، راجع في ذلك كتاب"البَطالة و التحول" لسعيد النجار . [3] ـ الحساب الجاري مفهوم اِقتصادي ، تتدخل فيه مسألة الدين الداخلي و الحكومي،ومعدل التضخم العام . [4 ] أنظر مثلا التقارير السنوية للبنك الدولي ، وفيها يتم التفريق بين الظاهرة الاقتصادية و مسألة التنمية .
#أِيوب_بن_حكيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دول الخليج ترحب بقرار الأمم المتحدة بشأن التزامات إسرائيل: خ
...
-
دودون: السلطات المولدوفية دمرت اقتصاد البلاد بذريعة مكافحة ا
...
-
السلطات اليمنية:ماتتعرض له الموانئ منذ 2015 جرائم حرب كبرى ل
...
-
العفو الدولية تندد بقصف حزب الله للمدنيين في إسرائيل!
-
محكمة موسكو تصدر حكما غيابيا باعتقال عميل الأمن الأوكراني لن
...
-
إدانة 25 باكستانيا احتجوا على اعتقال عمران خان
-
إعلام عراقي: صدور مذكرة اعتقال بحق الجولاني
-
عودة اللاجئين إلى حمص.. أمل جديد بين أنقاض الحرب
-
حملة دهم واعتقالات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية طالت 25
...
-
الخارجية الأميركية تلغي مكافأة بـ10 ملايين دولار لاعتقال الج
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|