سعيد خليل المسحال
الحوار المتمدن-العدد: 3685 - 2012 / 4 / 1 - 13:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نحن نعيش الآن في زمن الغرائب والعجائب حيث لم يعد للأوطان والشعوب قيمة, ولم يعد لنا أفق مستقبلي نرنو إليه, ولم يعد لنا حاضر نتشرف بالعيش فيه, ولم يعد لنا بين رجال الدين أو رجال الدنيا أو رجال السياسة قدوة نحترمه ونقتدي به.
مذاهبنا الاجتماعية والأخلاقية تتعثر, ومبادئنا السياسية تتعثر, ومبادئنا ومذاهبنا الدينية تندثر ويحل محلها جماعات سياسية بأهداف ونوايا ليس لها جذور في الدين.
الفصل لم يعد ربيعاً... والعرب لم يعودوا عرباً, والمسلمون لم يعودوا مسلمين!!!
نعم نحن نعيش عصر الترهات والتناقضات والإذعان والتشطيب! والإلغاء والانخفاض بالمبادئ والقيم وبالانتساب لأعدائنا وكأننا منهم والابتعاد عن أبناء قوميتنا أو ديننا ونعاديهم.
نشطب الأيام والفصول والعصور ونعود للوراء ما استطعنا إلى ذلك سبيلا! لكي ندعي أننا أصوليون رغم أننا نتناقض تناقضاً يكاد أن يكون تاماً مع الأصولية الدينية لحساب العادات والتقاليد والمعتقدات البالية. فنحن ونحن نتجه إلى الوراء لا نسلك طريق العروبة التي أصبحنا نرفضها لصالح ما ندعيه من دين!
ولا نسلك طريق الدين الذي نصلي له يومياً ونقول اهدنا السراط المستقيم, فإذ بنا نسلك طرقاً متعددة ليس من بينها السراط المستقيم الذي استبدلناه بسراط المغضوب عليهم وسراط الضالين حيث نكتظ ونشكل مشكلة مرور وازدحام مشين وتكالب مهين بالارتماء في أحضان المغضوب عليهم والضالين!!.
فالمغرب العربي أصبح مغرباً لأمريكا والناتو والمشرق العربي أصبح مشرقاً أمريكياً صهيونياً, والتيارات والأحزاب المجددة أو الجديدة أصبحت كلها تبتعد عن العروبة وتبتعد عن مصالح الشعوب وترتمي بمهانة وضلال في جحور الثعالب الصهيونية وبين مخالب الاستعمار الأمريكي الأوروبي، وأصبحنا نرى "مؤتمر العالم الإسلامي" الذي نشأ أساساً لإنقاذ القدس, نراه يمتهن التآمر على الإسلام والمسلمين وإضاعة القضايا الإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية, ويسلك بالمهادنة والمراوغة طرق التزلف لأمريكا وغيرها ويرنو كل واحد منهم بعينيه من فوق الجدران الإسلامية للارتماء في أحضان الاستعمار وعقد التحالفات ضد بعضهم البعض!!
وكذلك ظهرت الجامعة العربية بوقاحة منقطعة النظير على حقيقتها كأداة للتآمر والتفرقة وتبادل الرشاوي!
والمشاركة مع الأعداء في تدمير بعضهم البعض وافقار بعضهم البعض وتفتيت بعضهم البعض من خلال مسلسل قذر ومتدني من "القمم" أوصلوا الأمة بأسرها إلى "الحضيض"!! وجعلوها مزبلة للتخلف والرجعية ووسيلة للاستهزاء من قبل كل شعوب الأرض. لقد نفذت رماح وسهام وسيوف أعمدة الشر السبعة إلى قلوب وأجسام الأمة العربية بأيدٍ عربية, بل بأيد دعية للعروبة ودعية للإسلام ودعية للإنسانية بكافة قيمها.
فأصحاب هذه الأيدي أيدت التفرقة وعملت على ترسيخها ورفض أي شكل أو مستوى من أشكال ومستويات الوحدة كما عملت على إبقاء الجيوش العربية على حالة ضعف وارتباك. وهي التي عملت على صد شعوبها عن التقدم في طريق العلم والتكنولوجيا، وصد شعوبها عن بناء اقتصاديات قوية وسليمة، وسربت أموال الأمة وثرواتها للخارج وقدموا "القدوة"! في فساد الأخلاق واندثار القيم!
وحرمت شعوبها من العدالة والديموقراطية والأمن والاطمئنان وحرضت على الشرذمة الدينية والعرقية, نعم كل ذلك وأكثر حدث بأيد عربية خلال القرن الماضي والقرن الحالي.
بعد كل هذا... وفي خضم كل هذا تجد من يسألك ما هو الحل؟! فتنظر في عينيه فتجد فيها بوضوح أنه سيرفض كل الحلول وسَيُسفِّه كل الآراء...لا لشيء سوى أنه ينتسب إلى إحدى المدارس التي وضعت أصابعها في آذانها واستغشت ثيابها!! نعم يضعون أصابعهم لتسُدَّ كل حواسهم ويغطوا رؤوسهم ويستكبرون استكباراً, ينضح بالمذلة والضلال استكباراً ليس وراءه سوى الخواء الروحي والفراغ الفكري والجهل المتعمد... والإذعان البليد.
فهناك جماعات زينت لهم أنفسهم فاستمرأوا استخدام الدين للوصول إلى أغراضهم الشخصية وليغطوا نزعتهم الشعوبية, ليتحول الدين الإسلامي من دين يتمم مكارم الأخلاق ويثبتها إلى وسيلة لتثبيت الإسرائيليات وتربيه الذقون وامتشاق ربطات العنق الفاقعة الألوان التي لا يمكن أن يستخدمها من عندهم شيء من الوقار واحترام النفس... وكل ذلك تحت غطاء الأصولية, وفي نور الهداية!!!.
هناك جماعات كانت تمتهن العروبة والدفاع عنها والدعوة للوحدة... فإذا بها تتقزم وتتشرنق وتتحول إلى مجرد مادة مضافة للطبخة الصهيونية الاستعمارية في مخطط الشرق الأوسط الجديد حيث لا يشعر بغيابها أحد, ولا يشعر بحضورها أحد.
وعلى الساحة الفلسطينية بالذات نجد أن الحركات "الوطنية" كما تدعي, قد تحولت إلى بقايا وآثار ونفايات تتمتع بتربتها العفنة الكثير من الأعشاب الضارة, ونجد أن الحركات "الإسلامية" كما تدعي, تعيش كالثعالب في الجحور ولا تتوقف عن النتش والقضم والبلع, وكفى الله المؤمنين شر القتال!! ولم يعد للقضية صاحب... وإلى أن يظهر لها صاحب فهي برسم العبث الصهيوني الذي لا رادع له لا دولياً... ولا فلسطينياً... ولا عربياً... ولا إسلامياً!!
فالصهيونية تخطط لمستقبل المنطقة كما يحلو لها، وأمريكا بمحافظيها القدامى والجدد وبأطماعها البترولية وبإذعانها للصهيونية تسير في طريق تنفيذ المخططات، والأوروبيون يركبون على ظهر الأتوبيس الأمريكي الصهيوني لضمان الحصول على قطعة من "كعكة الشرق الأوسط الجديد" وتركيا تسعى جاهدةً لتكون من أكلة جزء من الكعكة, وليس جزءاً من الكعكة نفسها التي هي العرب كل العرب! والإيرانيون يعلمون جيداً أنهم لن يكونوا من آكلي الكعكة, ولذلك فهم يجاهدون حتى لا يصبحوا جزءاً من الكعكة.
والصين تسعى بحرص حتى لا تصبح أسيرة لأمريكا من خلال سيطرة أمريكا على البترول. أما روسيا فهي تعرف أنها محاصرة من الغرب بأوروبا ومن الشرق بالدول المسلمة التي استولت عليها أمريكا ومن الشمال بالقطب الشمالي وليس لها متنفس "بسيط" إلا جنوباً وعلى هذا الأساس تبني استراتيجيتها.
ودول الخليج العربي اكتشف حكامها أنهم إلى زوال شاءوا أم أبوا... والمسألة مسألة وقت ولا يطيل هذا الوقت إلا إطالة فترة بقائهم داخل جراب الكنغر الأمريكي, ولكن بطريق معكوسة فهم الذين يُرْضِعُون أمريكا من أثدائهم البترولية, ومن أثداء كرامتهم العربية والإسلامية، وهم الذين ينفذون لها كل ما تأمرهم به رغم مخالفته لعروبتهم وإسلامهم فبقائهم أولى بالرعاية, وليذهب كل شيء آخر إلى الجحيم.
والسوريون تحولوا إلى جماعات من المساكين... المساكين الذين تشرذموا على موائد اللئام من الخليج إلى أمريكا, والمساكين الذين تشرذموا على الحركات الإسلامية, والمساكين الذين يؤيدون حزب الله ويعتبرونه جزءاً لا يتجزأ من حركة الصمود أمام أمريكا وإسرائيل, والمساكين الذين يرفضوا الخضوع والخنوع ويرفضون الالتحاق بالقافلة الأمريكية، والمساكين الذين يؤمنوا بالصمود والتحالف مع إيران... مساكين وهم يستمعون صباح مساء للفضائيات التي تنام هي ودولها على الفراش الأمريكي الصهيوني وتتهم سوريا بأنها تتقاعس عن تحرير الجولان!! مسكينة سوريا لأنها تصبر على الشذوذ وعدم السير في قافلة العبيد... ذلك النوع الغريب من العبيد الذين أشتروا عبوديتهم بأموالهم بل بأموال العرب المنهوبة, ويرفضون شراء حريتهم, ويضحون بدينهم وقوميتهم وشعوبهم, وشعوب الأمة كلها ثمناً للبقاء عبيداً للأبد!!
ولكي لا نكون من الذين وضعوا أصابعهم في آذانهم وأعينهم، ولا من الذين تكمموا بثيابهم، فلا بد من الصراخ بصوت عالٍ " ثورة عربية حتى النصر"... ثورة عربية حتى لو سالت فيها الأنهار من الدماء, ثورة عربية تحقق الوحدة والحرية والعدالة, وتستعيد القوة والكرامة وتعيد الأخلاق وتنهض بالأمة من كبوتها... من المحيط إلى الخليج, وتستعيد فلسطين والإسكندرونة, وكل شبر سلب من أرض الأمة العربية, وكل دولار نهب من أموالهم, ليس غير هذا يوقف طوفان الأدعياء والنهابين والعملاء والصهاينة والمستعمرين.
إن الأمة العربية ليست عرفاً ولكنها شعباً ومنطقة جغرافية بتساوي فيها كل الناس... دون أي كلمة تفرقة في أي اتجاه من اتجاهات أو أنواع التمييز, وأمة تؤمن بتساوي كل الأعراق والألوان والأديان والإنسان ذكر كان أم أنثى. كل من في الوطن هو مواطن, والجميع يتساوون في كافة الحقوق وكافة الواجبات.
وَللحــريــــة الحــمـــراء بـــــاب ... بـكل يـــــــــــد مضـرجة يـــدق
ولا يبني الممالك كالضحايا ... ولا يُدني الحقوق ولا يحق
وسلام من صبا الفرات ودجلة... وسلام من صبا النيل وبَرَدى
هبوا يا عرب فقد طفحت كل الأكيال وكادت تضيع كل المعايير، وقد أزفت ساعة الجد واستحقت... وساعات وسنوات الضياع فد قاربت على نهايتها وأصبح الناس يفقهون أنه من لم يمت بالسيف مات بغيره، والموت في ساحة الشرف دفاعاً عن الشعب والوطن والدين وكل مقومات الحياة التي تريد أن تستلبها إسرائيل وأمريكا وتحول الشعب العربي إلى أنعام!... وإلى الأبد؟!!
في السبعينات زار رئيس بلدية القدس "الإسرائيلي" أستراليا وأجاب على سؤال أحد الأستراليين الشرفاء... قال "لا تتدخلوا في أمور السكان الأصليين العرب كما لم يتدخل بكم أحد عندما قمتم بإبادة السكان الأصليين في أستراليا... وكما فعل الأمريكان, نحن نخطط صح وسننتهي منهم قريباً!!"
وها نحن نرى بأم أعيننا لو كان لأعيننا (نحن العرب) أماً أو أباً... نرى بها ما يحدث على أرض فلسطين من النقب إلى الجليل, ومن الضفة إلى غزة، ونرى ما يحدث في الوطن العربي من جوبا في السودان إلى إدلب في سوريا في الشمال, ومن موريتانيا إلى البحرين مروراً بمصر... مصر أم العرب, وعمود خيمتهم الذي يجري تكسيره وتدميره هو و الخيمة بكاملها.
لكل ذلك هبوا !!
#سعيد_خليل_المسحال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟