دومام آشتي
الحوار المتمدن-العدد: 3685 - 2012 / 4 / 1 - 06:51
المحور:
الصحافة والاعلام
لم يكن اشد المتشائمين يتوقع بما حصل في الربيع العربي ولا اشد المتفائلين تنبأ بزوال أعتا طغاة العرب إن لم يكن أقسى طغاة العالم..هؤلاء الطغاة الذين حولوا بلادنا إلى مزرعة صغيرة يتحكم بها مجموعة تافهة من أضعف الشخصيات على وجه الأرض, أشخاص يختبئون وراء أسلحتهم الثقيلة ووراء قطعان من المرتزقة, مرتزقة مأجورين لقتل أبناء البلد. في وقت كان يجدر بهم أن ينظروا ألينا على أننا بشراٌ ينبغي احترامنا وتقديرنا أو على أقل تقدير التعامل معنا بندية واحترام حقوقنا وطاقات هذا الشعب واحترام اللذات الإنسانية واحترام الوطن بكونه شيء مقدس أنما وجد كرمة لأعين هذا الشعب البريء, لكن ما حصل كان العكس حيث حلت السلطة الشخصية المستندة إلى الولاء للحزب الواحد أو الطائفة أو العشيرة مكان سلطة القانون، وافرغوا مؤسسات الدولة من قيمتها، واحتلت الجماعات الزبائنية ذات الأصول الحزبية أو الطائفية ، ففشلت الدولة واستعمرت مؤسساتها وطردت أي أثر لروح السياسة الوطنية وللقانون فيها فأنهت المجتمع واضمحلت الدولة وأُميتَ الشعب ولم يبقى منهم سوى هشيم من الأفراد يتعامل معهم النظام كزبائن، يكافئهم ويحاسبهم بموجب الطاعة والولاء وتنفيذ الأوامر أو العناد والمطالبة بالحرية . وبمقدار ما فقد المجتمع من مقوماته وركائزه ، ونسف معنى الإنسان والإنسانية واستباحتهما، تحول الأفراد في تعاملهم في ما بينهم إلى زبائن، يشترون ولاء بعضهم حتى داخل البيت الواحدة، ويبيعون بعضهم ويشترون بعضهم كما يبيعهم النظام ويشتريهم. وباتَ المرءُ يخشى على نفسه حتى من التفكير, وحتى في لحظات الخلوة, سواء إن كانت في الحمام, أو كان في منزلاً محاط بجدران أسمنتية عازلة, و مع ذلك فقد زرعت الأنظمة الشمولية الخوف والترهيب والرعب في نفوس شعوبها وجعلت من أفراد هذا الشعب يخشى على نفسهحتى من نفسه
أمام حالة كهذه, كان لابد لليلِ أن ينجلي وللقيد أن ينكسر, كان لابد أن يستجيب القدرُ سمعً وطاعة لرغبة الشعب في الحياة يومً ما, فدبت النار في جسد البوعزيزي ملتهمة عقوداً من الظلم والطغيان وجدت طريقها في جسده مذ كان طفلاً إن لم يكن مذ كان رضيعاً, فأشعل المنطقة برمتها مُطيحاً برؤوس أقسى وأشرس طغاةً عرفها التاريخ, بدأ الشباب, نعم الشبابُ بدئوا, لكن ليكملوا ما بدئه الشعب كله, فالحركات الشبابية الثورية هي نتيجة مخاض سياسي عسير منذ عقود طويلة, من جهة نتيجة الظلم والكبت والحرمان وخنق الحريات والقضاء حتى على المنامات, بل الإصرار على رؤية الكوابيس فقط, ومن جهة أخرى نتيجة العمل السياسي, سواء أكان المنظم أو غير المنظم سرياً كان أم علنياً, فالمهم هو إن الشباب قد دأبُ على المبادرات دوماً وهذه هي ميزة الشعوب الفتية, وخصال شباب اليوم, ولابد من الإصرار على أن الشباب هم من أشعلُ جذوة الثورة, ونشروا نارها وأججوها حتى باتت لهيباً تلتهم كل خائنً لأمانة الوطن والأرض, وعلينا الإقرار أيضاً بأن الثورة ما كانت لتكون لو بقيت في أيدي الكبار فقط, وما كانت لها أن تستمر لو كان من يُحركها رجالات السياسة وخبرائها, بل أنها كانت ستتيهُ في متاهات المفاوضات والتخندق والحوارات المجدية منها والجوفاء, لكن الثورة أمتد من تونس إلى سوريا مروراً بمصر وليبيا واليمن, دون أن ننسى أنها هزت عرش الملك المغربي وجعلت منه يهرول للمعارضة طالباً الرضا والصفح, دون أن ننسى مخلوع الجزائر بأذن الله تعلى كيف استجار هو الأخر بالمعارضة فقط ليبقى بضع أشهر أخرى ويسقط لوحده, ولكن وبكون الثورة كانت بيد الشباب فأنها أضحت كالنار الكبرى التي يموت فيها كل خائناً وجاسوس للإرادة العامة للشعوب,هنا لابد لنا من طرح نقطة أخرى, هل من يتظاهر هم فقط من الشباب, هل من يخطط ويقرر وينظم هم فقط من الشباب, هل من يٌعتقل ويفقد حياته هم من الشباب فقط, هل من يتوارى عن الأنظار من بطش الأنظمة القمعية هم من الشباب فقط, هل من نزحت مع أولادها هم من الشباب فقط, هل من أُستشهد في ساحات الثورة هم من الشباب فقط, اليس متوسط أعمار المعتقلين والمفقودين والمستشهدين والمصابين والمطلوبين هي مابين الثلاثين والخمسة والأربعين, أليست ثورة الشباب هي فداءً للحرية والكرامة , أليست الثورة هي لغدً يتنفس الجميع الصعداءَ, أليست ثورة العزِ والإِباء, ثورة المساواة, فكيف لنا من مصادرة حقهم وتضحياتهم في الثورة, أفهل هناك أغلى من أن يضحي المرء بحياته كرما لأعين الآخرين, وكرمة ليتذوق الآخرينَ طعم الحرية والحياة الطبيعية والعيشُ بكرامة, فلما الإصرار على أنها ثورة شبابٍ فقط, لما لا نقول هي ثورة شعب بدئها الشباب واستمرت بتكاتف الشبابُ والرجالُ والمسنين, هل تذكرون التونسي صاحب ( واعذروني على تسميتها ب) نظرية هرِمنا, هرِمنا, والأخر الذي كان يُصيح بصوت عالاً وبحرقة قلب كبيرة..بن علي هربّ..بن علي هربّ. الفرحة ياتوانسة, الحرية للتوانسة..ضحايا مصر وخاصة معركة الجمل, ليبيا الثورة والثوار بلحاج والثوار الآخرين من خطط ودبر وأمن المستلزمات, من نظم المجاهدين وجهز المحاربين كانوا مزيجاً من الشبابِ والرجال والمسنين..اليمن وسوريا أنظروا إلى الثوار أليس بينهم عدد كبير وبالإلف من الرجال والنساء الكبيرات بالعمر, أليس بينهم مسنين وطاعنين بالعمر, انظر إلى عاموده ألن تروا كبارً في السن , حرائرُ متخطين الستون سنة, هل هؤلاء شباب, طبعا لا, والطبعً الأكثر أكيدة في هذه المعمعة الثورية, أنه لولا الشباب لما استمرت الثورة, ولولا الشباب لما استطاعت الثورة أن تستمر وتصنع من بلداناً كاليمن في واجهة العالم أجمع, لكن لابد من الاعتراف بدور الجميع في الثورة شباب و رجال, مسنين, على اقل تقدير كي نضمن أن مسار الثورة لا يزال يمضي في سبيل تحقيق الحرية والمساواة, لنقل هي ثورة الشعب..بدأها الشباب..ثورة لما كانت أن تبدأ لولا الشباب, وما كان لها أن تستمر لولا الشعب كُله....
#دومام_آشتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟