|
قمة بلا قمة
ميعاد العباسي
الحوار المتمدن-العدد: 3684 - 2012 / 3 / 31 - 09:48
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
قمة بلا قمة
تثير اعلانات القمة العربية التي عقدت في بغداد في التاسع والعشرين من آذار 2012 تساؤلات لدى المشاهد العربي بصورة عامه والمشاهد العراقي بصورة خاصة عما اذا كان العراق قد عاد لسابق عهده القديم المتمثل بالمغالاة واطلاق الشعارات الوطنية البائدة التي يم يعد لها معنى عملي او تطبيقي على ارض الواقع في الوقت الذي يدعى فيه قيام الديمقراطية.
كما عودنا قادة العرب وبدون اي مفاجآت --كتوصلهم الى قرار قابل للتطبيق مثلاً-- فان قمة هذا العام في بغداد لم تختلف عن سابقاتها من القمم الا بشيء واحد وهو انها حطمت الرقم القياسي في النفقات التي تعدت المليار ونصف المليار دولار امريكي رغم السخط والغضب الذي ابداه الشعب العراقي تجاه حكومته بسبب المبالغة في بذخ هذا المبلغ الطائل لاستضافة 10 زعماء عرب متهما اياها بالتدليس واختلاس اموال النفط. كما يتساءل العراقيين هل قمة يومين تتوقف فيها حياة 7 مليون نسمة (سكان العاصمة) وتقطع فيها شبكات الاتصال الهاتفية والانترنت والمواصلات لمدة اكثر من 10 ايام وتجري فيها اعتقالات عشوائية، تستحق كل هذه الفوضى؟
رغم ان البعض يرى في مجرد عقد القمة في بغداد عودة للعراق الى الحضن العربي الا ان الواقع السياسي والامني المتقرح الذي يعانيه العراق داخليا يثبت عكس ذلك. وطبقاً لرأي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال خطابه المتحفظ في القمة، فانه يرى ان التجربة السياسية العراقية ناجحة ويجب ان تكون مثالاً نموذجياً لباقي الدول العربية ليحدوا حدوها.
الكل يعرف ان غاية المالكي من وراء اصراره على عقد القمة في ظرف امني متردي كهذا الذي يعيشه العراق هي محاولة لكسب ثقة الحكام العرب والحضو بقبولهم واعترافهم بشرعية حكومته، آملاً ان يصعد ويبرز كقوة سياسية واقليمية في المنطقة حالماً بدور القائد الرمز ومقرر مصير الامة العربية. رغم تحفظ المالكي على ما يجري داخليا في العراق فان قدرة العراق على بناء دولة ديمقراطية تعددية اتحادية، اصبحت موضع شك لدى كثير من المراقبين والمتابعين لتطورات الوضع العراقي.
ان خطاب المالكي يتناقض بشدة مع واقع الشارع العراقي المتأزم وثغراته التي تزايدت مع قرب انعقاد القمة العربية بما فيها الانشقاقات والفضائح السياسية والخلاف مع نائب رئيس الجمهورية طارق االهاشمي.
"بالاضافة الى البنود التقليدية كقضية فلسطين فقد احتوى جدول اعمال القمة--بعد خلافات حول اقراره-- على 9 محاور كان من ضمنها محاور فرضتها الحكومة العراقية واهمها محاربة "الارهاب الاعلامي والاقتصادي. ومن الجدير بالذكر ان موضوع الارهاب هو من مفضلات السيد المالكي وخصوصا بما يتعلق مع خصومه ممن يختلف معه سياسياً وفكرياً ولا يستثنى من ذلك قنوات ووسائل الاعلام وحرية التعبير في الرأي. والمالكي لم يستثني ثورات الربيع العربي حيث وصفها ببواعث للارهاب وزعزعه للامن القومي رغم ان تصريحه يتناقض مع ما ادعته القمة بالاشادة بالتطورات والتغيرات السياسية الناتجة عن ثورات الربيع العربي.
لم تخلو تصريحات الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي الذي حضر القمة من التناقضات ففي اجابته لاحد الصحفيين الذي تحدى في سؤاله بعض المتناقضات التي احتوتها القمة قال انهم كجامعة وكقمة يعتبرون انتهاك حقوق الانسان شأناً دوليا في حين تعتبر ثورات الشعب ضد حكامه شأناً داخلياً. وهذا يثير تساؤلات فيما اذا كان الفساد الاداري والمالي شأناً داخلياً ام دولياً بنظر الامين العام ورفاقه.
وفي الوقت الذي تشهد فيه سوريا مواجهات دموية بين النظام الحاكم والمعارضة الشعبية الساحقة الا ان مقررات القمة لم تنتج عن توجيه اي قرار يطالب بتنحي الاسد عن السلطة، على عكس ما كان يأمله الشعب السوري.
واعتبر الكثير تصريح وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري خلال المؤتمر الصحفي الذي اعقب المؤتمر الختامي للقمة وهو يطري على نفسه امر مثيراً للسخرية والازدراء وهو يصف القمة قائلاً: لقد نجحت هذه القمة نجاحاً كبير واستطيع ان اجزم ان مستوى الاداء كان متميزاً، في حين اعتبر الناقدون وعامة الشعب على حد سواء ان هذه القمة هي ابعد ما تكون عن النجاح بما انها قد فشلت في الخروج بحلول واقعية يمكن الاستناد اليها لمعالجة الاوضاع المتردية منها الاقتصادية والسياسية وانتشار البطالة وانتهاكات حقوق الانسان وحرية المرأة.
وفي الوقت الذي لم يوضح زيباري كيف نجحت القمة فان تسرعه بتقييم القمة ذاتياً امر مثير للسخرية والاستفزاز ويدل على افتقار قادة العراق الى النضوج السياسي والرؤى الستراتيجية. فمن المعروف ان لتقييم عملية ما يجب ان يكون التقييم خارجياً متفق عليه من جميع الاطراف المتأثرة ذات المصلحة فضلا عن وجوب اعطاء اطار زمني لتحقيق الاهداف المرجوه وليس المقصود بالتقييم هنا التشجيع والاطراء.
فاذا كانت القمة العربية قد اخفقت عن مناقشة الاوضاع الداخلية المتقرحه لبلدانها واذا كانت القمة لم تطلب من بشار الاسد التنحي عن منصبه، فمن الواضح انها وسيلة لتجمع وتحالف هؤلاء الحكام العرب لتعزيز مناصبهم القيادية وتحصنهم ضد شعوبهم الثائرة. واذا كانت بنود هذه القمة وبيانها الختامي ذو ال 49مادة لايحتوي سوى على جمل اسمية جاهزة وعبارات مقولبة تم تكرارها مثل ( تأكيد، تشديد، تهنئة، اعراب، ترحيب) فاننا سنبقى في حالة اجترار للكلمات التي لا تسمن ولا تغني من جوع وستبقى قممنا دون قمم ومؤتمراتنا تبادلات واستعراضات لغوية في سوق عكاظ.
#ميعاد_العباسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|