أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الثورة كصناعة للأمل














المزيد.....

الثورة كصناعة للأمل


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3684 - 2012 / 3 / 31 - 09:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


خلال 18 يوما من الثورة المصرية كنت على تواصل شبه يومي مع أصدقاء مصريين. كانت مشاعرهم يتناوبها العزم والإحباط، الأمل والقنوط، الإقدام والقلق. كنت بالمقابل، وحتى قبل سقوط مبارك، أرى أنهم حققوا الكثير، وسيحققون أكثر بعد. لم أكن على يقين من ذلك طبعا، وبالطبع أعرف مصر أقل بكثير مما يعرفها أصدقائي المصريون، لكن بدا لي أن الثورة بحد ذاتها مأثرة عظيمة، لأنها حررت إرادة المصريين، وأعادت لهم قدرا من الثقة بالنفس، وأطلقت ديناميات اجتماعية وسياسية ونفسية كسرت استقرار مصريا خانقا، ولا تزال حصيلتها أبعد من أن تكون محسومة. .
هذا يصح على سورية أيضا. تتموج مشاعرنا كل يوم. تتناوبنا الثقة والإحباط، التفاؤل والتشاؤم، مرة نشعر باليقين من أن الكفاح البطولي لشعبنا سيعطي ثماره المأمولة، ومرة نفقد هذا اليقين ويتسلل اليأس إلى قلوبنا.
لكن الثورة صناعة للأمل دون ضمانات مسبقة بأن النصر محتوم. وهي أيضا بحد ذاتها مأثرة استثنائية للشعب السوري، ولا شك عندي أنها ستغير سورية وتخرجها إلى الهواء والنور، وتفتح لها سجل تراكم مادي ومعنوي وسياسي جديد.
لقد انبنى النظام السوري على إنتاج اليأس بالجملة وتعميمه على السوريين. وعبر ما لا يحصى من المقرات الأمنية الرهيبة، وعبر جيش مهول من المخبرين، وعبر إفساد الضمائر وتخريب الحياة السياسية والأخلاقية والثقافية، وعبر الإفقار المتسع النطاق، عمل النظام على حبس السوريين ضمن دائرة التشاؤم من أنفسهم واليأس من تغيير أحوالهم، ومن تقرير مصيرهم مجتمعا وأفرادا. وليس عبارات مثل "سورية الأسد" و"الأسد إلى الأبد"، و"الأسد أو لا أحد"، و"الأسد أو نحرق البلد"، غير إعلانات صريحة لعموم السوريين بأن يرتضوا بأن يبقوا عبيد سياسيا لحاكميهم، ولا يتطلعوا أبدا إلى أن يكونوا أحرار مثلهم أو مساوين لهم.
وما يسمى عادة "جدار الخوف" هو السور المرتفع الذي يمنع تسرب الأمل إلى الرعايا اليائسين المحاصرين داخله. ولقد عرف السورية أن صنع الأمل يتم بالشجاعة، شجاعة الإرادة وشجاعة القلب.
وبقدر ما كانت الثورة السورية مستحيلة، فإنها معجزة أيضا. لقد تحدى مئات ألوف وملايين السوريين نظام اليأس العام، وقرروا علانية أنهم أحرار، وأنهم يعتزمون تغيير مجتمعهم ووطنهم كي يكون حرا، ودفعوا بسخاء ألوف الشهداء وعشرات ألوف من الحيوات المبتورة في السجون أو الإعاقات الجسدية أو البيوت المدمرة أو فقدان الأحبة.
الثورة مستمرة مع ذلك، تدافع عن نفسها بعزم، وإن بدرجة أكبر من تصلب النفوس والقلوب، ومن الاستماتة. لقد أغرق النظام الأسدي البلد بالدم والموت كي يحمي إقطاعة اليأس التي يديرها بخسة لا تحد. لكن لا شيء يمكن أن يعيد الشعب السوري إلى داخل السور. لقد شب السوريون عن الأطواق الأمنية والسياسية والنفسية التي قيدهم بها النظام، وسيخوضون معركتهم إلى النهاية مهما يكن الثمن. والغالب أنه سيكون باهظا جدا. أليس باهظا منذ الآن؟ لكن لا بد من هدم الأسوار إن كان لبلدنا أن ينهض يوما، وإن كان لشعبنا أن يرفع رأسه يوما.
طوال عقود كان النظام الأسدي قد التصق بوجه سورية مثل قناع محكم، بحيث يتعذر نزع القناع دون تحطيم الوجه ذاته. ويبدو أن عاما من سير الثورة السورية المجيدة يرجح هذا التقدير المقلق. لقد جرى تصميم كل شيء بحيث لا يستطيع المجتمع السوري أن يتخلص من النظام دون أن يحطم نفسه. لكن رهان السوريين هو نزع القناع الذي يخنق أنفاسهم ويشوه طلعاتهم دون أن يحطموا وجه بلدهم. الأمر شاق، لكن هذا الرهان العظيم جدير بأن نضطلع به.
الأمل ليس شيئا يعطى، ولا هو حتمية تاريخية أو طبيعية، بل هو الفسحة التي لا نكف عن توسيعها بالعمل والتعلم والكفاح كي تكون الحياة جديرة بأن تعاش. وهو فعل مقاومة مستمرة لليأس ووكلائه، الأرضيين منهم والسماويين. وليس للأمل نهاية، وليس هناك ما يمكن أن يسمى تحقق الآمال.
وبالعودة إلى الثورة، فإن ما تحقق في تونس ومصر، وفي ليبيا، وما نعمل على تحقيقه في سورية ليس حلا نهائيا لمشكلاتنا، بل هو جهد لإتاحة الفرصة أمام عدد أكبر من الناس لمقاومة اليأس والمشاركة في صناعة الأمل. لقد كنا محكومين باليأس، واليوم تحررت في مجتمعاتنا ديناميات اجتماعية وسياسية ونفسية مفتوحة الآفاق، يتوجب علينا أن نعزز انفتاحه، لأن هناك قوى انغلاق فاعلة في مجتمعاتنا.
الصراع مستمر، لا نهاية له، لكن الأمل الذي يصنع بالعمل المثابر والجهد المنظم والتضحيات الكبيرة من قبل الملايين جدير بأن يفوز في النهاية على اليأس وصناعه. هذا هو رهان الثورة النبيل.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار في شأن أصول الثورة السورية وفصولها
- الحكم بالتذكر: من أصول المحنة السورية
- هذا النظام، هذه الثورة، هذا العالم: حوار حول الشأن السوري
- عن الطائفية ما بعد كرم الزيتون
- لا عودة إلى بيت الطاعة الأسدي
- عام من الثورة المستحيلة
- عام من الثورة السورية: فلنسحق الخسيس!
- من الأزمة السورية إلى المسألة السورية
- سورية، إلى أين؟ أسئلة نارين دانغيان
- عناصر أولية من أجل استراتيجية عامة للثورة السورية
- الحزب الذي لم يعد قائدا للدولة والمجتمع...
- -اختراع التقاليد- لإريك هوبسباوم
- ملامح من الوضع الراهن للأزمة السورية
- الحكم بالاحتلال!
- في الطائفية والنظام الطائفي في سورية
- -قتل ذاك الماضي-، حازم صاغية يروي سيرة -البعث السوري-
- المثقف المبادر... في تذكر عمر أميرالاي
- في الشبّيحة والتشْبيح ودولتهما
- حول العسكرة والعنف والثورة...
- ديناميتان للثورة السورية: المستقبل في الحاضر


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الثورة كصناعة للأمل