أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال نعيسة - تسوناميا العظمــــى















المزيد.....

تسوناميا العظمــــى


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1083 - 2005 / 1 / 19 - 12:01
المحور: حقوق الانسان
    


حين هرع صديقي المستغفل السهيان والغفيان,وهو الوحيد المتبقي, على ما أظن, ممن يتابعون نشرات الأخبار في أبواق الإستهبال "اللي بالكم منها", ليخبرني عن موجات المد العاتية التي اجتاحت شواطئ جنوب شرق آسيا على غفلة من الأنام, وهو يولول ويهول ويقصّر ويطوّّل,مبديا دهشته واستغرابه من عظم وكبر الكارثة التي حلت بالإنسانية جمعاء,واستنكاره الشديد لرعونة الطبيعة الهوجاء ,وبأنه سيتبرع لهؤلاء الضحايا المساكين بكل ما يملك من أموال منقولة ,وغير منقولة جرداء, لنجدة أولئك المنكوبين البؤساء.وفي حقيقة الأمروالواقع,وأرجو ألا تخبروا أحدا بهذا, هو لايملك من حطام الشموليات و من الأملاك المتحركة, والمنقولة, والتي ماتزال على قيد الحياة سوى حذاء,أعزكم الله جميعا,لايختلف كثيرا عن حذاء أبي القاسم الطنبوري,لمن قرأ القصة في سالف الأيام والأزمان.وفي واقع الأمر, لم أشاركه تلك النخوة الفجائية والفزعة الإنسانية الآنية , ولم يفاجئني تسونامي كثيرا ,لأن التسوناميات العاتية النكداء, ماتزال تجتاحنا منذ قرون, وأن تسونامي المسكين هذا لم يكن سوى موجة رومانسية هادئة في مساء بحر ساحروساكن أخاذ,مقارنة بالتسوناميات الشهيرة التي تضرب بلا هوادة وليل نهار, منذ انبلاج فجر العربان.وهناك كوارث وأعاصير, وعواصف يومية في "تسوناميا العظمى", تجتاح البشر وكرامتهم وأمنهم وإنسانيتهم, أكبر بكثير مما رأى وشاف هذا المخدرالشاخر النعسان.وقرأت, ورأيت, وسمعت عن "تسوناميين" من لحم ودم, يرعبون الأجنة في البطون والأرحام ,ويجهضون النساء في عز الشباب .وكانت ضرباتهم المتكررة, العاتية والكاسحة, أشد فتكا, وهولا, ورعبا, وبطشا من أي مد وأمواج وطوفان. وكما قال وتر الصحراء ونشيدها الخالد, فصيح الوجدان والقلب واللسان:

فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال

فمنذ عهد بعيد ونحن نرى جميعا تلك المصائب والأهوال الجسام العظام, وأمواج التسلط والإخضاع الباغية القاهرة تعصف بنا ليل نهار, ومن كل الإتجاهات ,وصرنا ملطشة دولية ,ومضرب قفا عمومي ,ومسخرة أممية عولمية أمام سكان الأرض, والفضاء ,والعفاريت والجان,وأصبحنا منكوبين ,وفقراء ,وتعساء بكل المقاييس والمواصفات, ونتصدر القوائم السوداء ,ونشرات وكالات الغوث,وكل المنظمات التي لها حدود, وتلك التي بدون حدود ,وإحصائياتها عن الرعايا والبشر البدائيين, الذين لا يتمتعون بأية حقوق ,ويعيشون على الهامش وفي الدياجير والظلمات بدراهم معدودات ,مع أطفال ونساء وأقرباء وخلان,ويُقتلون, ويُصفون, يوميا في مهرجانات الموت المتنوعة الأشكال والألوان. ولدينا براءات اختراع دولية في التخلف والتقهقر والإنحدار, ومسجلة بأسماءنا حصريا في الدراسات والموسوعات.وتُصور وتُخرج الأفلام الوثائقية عن البشر والناس الذين مازالوا في عصور الهمجية البدائية والإنحطاط,ونكون نحن نجوم وأبطال وكومبارس هذه الأفلام, ولكن بدون نجومية وتعويضات أو دولارات. ونرفض أن تكون عمليات الموت عندنا إلا جماعيا وبالجملة وتصفيات وأوكازيونوهات شاملة للمخلوقات التي أضحت بدون فائدة أوأمل أو مستقبل . وإذا كان عدد ضحايا تسونامي عشرات الآلاف,فإن ضحايا التسوناميات السياسية, والأعاصير العسكريتارية, والإنقلابية الحمراء الهوجاء, ومنكوبي المغامرات الخاسرة والحروب الدونكيشوتية الهبلاء, ليس له حصر أو أرقام,وأعداد الغائبين والمغيبين أحجية من أحاجي العصر والدهر الجبان ,وأضعاف أضعاف تسونامي الفاجر الغضبان, القادم من مجاهيل البحار والمحيطات. ولقد كان تسونامي الآسيوي أرأف بكثير من ضحايا التسوناميات القدرية في دنيا العربان.وإن ظهرت مدينة "باندا آتشيه" كمركز للنكبة والبؤس والخراب, فلننظر إلى تلك الجغرافيات البائسات المفككات, فمن هو الشاطر الذكي والفهمان الذي يقدر على إحصاء تلك الباندا آتشيات المتراميات لأطراف؟

وإذا كان تسونامي ينتفض ويغضب ويزمجر ويهاجم نادرا عبر الزمان , ف "تسونامياتنا" – والحمد لله - لم ولن تغب يوما عن الأنظار,فهي في حالة سعار وفوران واحتدام, وبدون توقف أو انقطاع. ولشدة ماضربتنا وجلدتنا على الأرجل والظهور والسيقان ,ألفناها وصرنا وإياها أحبابا ,وأصحابا وجيرانا وندماء وخلان .وإذا كان دوام الحال من المحال ,فإن دوام الحال في "تسوناميا العظمى" هو واقع الحال,والحقيقة الماثلة الدامغة التي لا تقبل الجدال.وخلافا لكل ناموس وتقليد وقانون عرفه بنو الإنسان.فهل عرفتم الآن لماذا لم يتأثر العربان بالطوفان؟

ولعل أكثر مايثير الضحك والدهشة والعجب العجاب, هو ظهور تلك النخوة الإنسانية المتأخرة المفضوحة عند هؤلاء الظالمين العتاة, من خلال الدعوة للتبرع لمآسي الآخرين فيما وراء المحيطات, وكأننا من مواطني فنلندا ,وكوبنهاغن , واستوكهولم واليابان. وأن في جيوبنا وفرة زائدة, وغلالا راكدة من الذهب والأموال, لنجدة الآخرين , فيما لا تزال نتائج كوارثنا التسونامية العاتية بدون حل ومعضلات وألغاز , ونفتخر ونعتز بهذا التراث الخالد على مر الأيام,يُدبج له الدجالون, والمداحون الطبالون الدباكون, وكتبة السلاطين الفجار, القصائد والمقالات والمقامات.ويتعجب المرء من حماسهم الإنساني ويتناسون الكوارث التي صنعوها عمدا في بعض الأحيان, ليدوم عزهم والجاه والصولجان. وهم مافتئوا يمارسون الرذائل, والشذوذ السياسي بمثابرة وإلحاح وعناد. ولقد أدت حقب القمع, والممارسات التعسفية, والتجويع, والنهب, والقهر, والإذلال, وعلى مدى قرون طويلة, إلى قذف وطرد أعداد كبيرة من الأنام, إلى خارج دائرة الإعتبارات والمقاييس والمواصفات الإنسانية في حدودها الدنيا, لطالما أن طموحات الحيوانات لاتتجاوز الطعام والشراب,في أحسن الأحوال, وباقي "النشاطات" السفلية الأخرى, كرمكم ,وعزّ مقداركم العزيز القهار.وإذا علمنا أن اليابان تبرعت لوحدها بنصف مليار دولار ,وهو نفس المبلغ الذي خسره ,سليل القتلة والسفاحين الأفاكين الزناة, المتوشح بالورع والتقوى والإيمان,في ليلة واحدة حمراء في كازينوهات الميسر والعهروالقمار, وبين أفخاذ المومسات.ثم يعودون إلينا في الصباح الداكن الأسود ليطلبوا المدد منا والمعونة والسبائك والدينار.

وكم هو مؤلم, ومحزن ,ألا يقوم أحد ما بتقديم يد المساعدة والعون لنا, برغم كل ذاك الدمار والخراب والفقر والإفقار, والإعلانات المستمرة عن الويلات والكوارث والفيضانات الشمولية الجهلاء ,ومطلوب منا أن نستنزف دائما حتى النشفان.وبرغم كل تلك الثروات الهائلة والمكتنزة في بواطن الأرض الغََََِوار, فمازلنا نقف على أعتاب وكالات الغوث, بذل ومهانة واحتقار, نستجدي العطاء والرأفة والإمدادات,وعلى أبواب السفارات نطلب الخروج من دار الإيمان إلى دار الكفار, ومن جهنم "تسوناميا" الكبرى إلى فردوس الإنعتاق والفرارمن لفحات وشطحات التسوناميين الكبار.وإن هذه المعاشات الهزيلة التي سننجد الآخرين بها, ماهي في الحقيقة إلا إعانات وسد رمق توزع على المحتاجين والفقراء,وليست للعفة والكفاف, ولا تغني أحيانا عن التسول والسؤال, ومد الأيادي أمام المعابد والخواجات.وحين تزاد الأجور والمعاشات, وحصص منع المجاعات,يعتبر ذلك عطاء ومنة ومنحة, وكرما, وفتحا فيماوراء المجرات من أصحاب الأيادي النظيفة والبيضاء.ونسوا أنها واجب وطني واقتصادي علمي ضروري لكبح التضخم وتدهور العملات والإنهيار الذي صار تقليدا ومنوالا في المآل,قبل أن تكون زكاة وهبة ومنة وصلوات. فيما تذهب"الهبرات"الكبيرات إلى سويسرا, ودنيا المال والأعمال والبورصات, وأصبحت تلك المليارات في مأمن من أية كوارث, واجتياحات .واما أهزوجة دعم المجهود الحربي, فلم تعد تقنع الخدج والرضع و"الكتاكيت" والبلهاء , منذ أن بدأ السباق والتراكض فرادى ومثنى وثلاثا ورباعا وقطعانا نحو السلام. ولماذا لايتبرع أحد من تلك المليارات المكدسة والتي أكلتها الجرذان و"العت" والفئران, وتتجه أبصارهم وعيونهم دوما إلى تلك القروش الباقية لنجدة كل منكوبي الأرض؟

وللحق لم تبق ثورة ,أو انتفاضة, أو خناقة,أوعلقة ,أو مظاهرة, من أجل الطحين والكعك و"الطرنيب"والبوكر ,والنسوان,والمناطحات لاقتسام الغنائم وتوزيع الأوطان , إلا وتبرعنا لها من هذه الجيوب التي تصفر فيها الرياح, وأرهقتنا حمى العنتريات الخلبية, والصراعات "البسوسية" في موزامبق ,وغواتيمالا, ونيكاراغوا, والماو ماو, والفالانكونغ, والفييتكونغ, وفتوحات الرفيق كيم إيل سونغ, والسودان, وإريتريا, وكشمير,والشيشان ,وعربستان, وطفرانستان, وشفطستان, وكذبستان, ونصبستان, واستهبالستان.ولم يبق هارب,أو منشق, أو طامع بالخلافة, والولاية على الأمصار,أوحالم بالجواري والغلمان الصبيان, إلا وصرفنا عليه, ودللناه, وربيناه, ورعيناه من جهد ولقمة وأموال هؤلاء البؤساء الجوعانين الحفاة العراة ,ولما زغب ريشه, غنى ورفرف جناحيهّ وطار,وحمل معه كنوز الثورة والنضال, وما جباه من "أهل الذمة السياسيين" المستباحين الغلبانين الفقراء, بعد أن كان يعيش حياة الملوك والأمراء, على حساب وشقاء المنكوبين المنهوبين الأذلاء,لكي تبقى الشعارات الكاذبة الزائفة تحلق عاليا في الفضاء. أماتبقى من قروش في الجيوب المثقوبة أصلا ,فقد سطا عليها اللصوص الكبار, وكنسوها ونظفوها تماما ,كما تنظف فنادق النجوم المتلألئة من أية غبار.

التسوناميون الكبار................رفقا بالفقراء.

نضال نعيسةكاتب سوري مستقل



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاصفة الصحــــراء
- بريسترويكا إعلاميــــة
- شهـــود الــزور
- 2-العولمـــة الجامحــــة
- 1-العولمـــة الجامحـــة
- قوانين الطــوارئ العقلية
- خذوا الكذبة من أفواه السياسيين
- اللعب علــى الحبال
- الفضيحـــة
- حـــزب المواطنــــة
- حتمـــية التعايــش
- يــوم الحســـاب
- الحمـــد لله عا السلامة
- الإبستيمولوجيا الإرتقائية
- الصحافة الســوداء
- الزلــزال
- إلى الأبـــــد
- حتمية العولمـة-عولمة لغويــة
- بابا نويـــــل
- مأوى العجـــزة


المزيد.....




- السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق ...
- -بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4 ...
- فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز ...
- عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان ...
- أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت.. تباين غربي وترحيب عربي
- سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد ...
- ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت ...
- الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
- بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
- بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال نعيسة - تسوناميا العظمــــى