|
الإلحاد يتحدى*د*
سامح سلامة
الحوار المتمدن-العدد: 3681 - 2012 / 3 / 28 - 21:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
1. يفترضون بمنطقهم المعوج أن ما وراء خلق كونهم المادى، ووجودهم النسبى والناقص والنهائى والمتغير والمحدود بزمن ومكان، كائن لا مادى، كلى القدرة والمعرفة، مطلق وكامل وثابت و لا نهائى، و لا محدود بزمن ومكان، وبرغم ذلك يهتم لأمر طاعتهم له، وعصيانهم لأوامره، ويهتم حتى بشئونهم التافهة والصغيرة، ذلك أنهم يضفون عليه صفاتهم الإنسانية بعد تحويلها لكاملة وثابتة ومطلقة و نهائية، وهم و برغم أنهم يصفونه أنه ليس كمثله شئ، إلا أنهم يتخيلون أنه خلق الإنسان على شاكلته ومثاله بكل رغباته واحتياجاته للأشياء، فصوروه فى خيالهم البدائى، يغضب ويرضى مثلهم، يأمر فيطاع أو يعصى، يثيب ويعاقب، يعفو وينتقم، و برغم أنهم فى نفس الوقت ينفون هذا الاحتياج عنه، إلا أنه بسبب معاناتهم الاحتياج بحكم نقصهم، فقد جعلوه يحتاج لخلقهم وعبادتهم وطقوسهم وطاعتهم حتى يرضى عنهم، و لا يغضب عليهم، جعلوه محتاجا لعبادتهم وطقوسهم، يرضى عنهم إذا أدوها، ويغضب عليهم إن لم يؤدوها، يكافئهم على طاعته بالنعيم الأبدى، ويعاقبهم على معصيته بالعذاب الأبدى. رغم أن كل ما فعلوه من طاعات ومعاصى مهما عظمت كان محدود الأثر جدا وقصير الأمد للغاية، ومحدد بأعمارهم القصيرة للغاية التى لا تتجاوز سنوات قليلة، مقارنة بأبدية ما ينتظرهم من ثواب وعقاب، و مقارنة بنوع العقاب الجهنمى والثواب الفردوسى الأبديان كما وردت تفاصيلهما فى القرآن، فهما لا يتناسبان مطلقا مع كل ما فعلوه من معاصى وطاعات مهما عظمت أو صغرت. 2. الغريب أنه سوف يعاقبهم ويكافئهم، رغم أن يهدى ويضل من يشاء منهم، بعد أن أقر أنهم لا يشاءون إلا ما يشاء هو بنفسه، لأنه لا يصح أن يريدوا شيئا لا يريده هو، و قد أقر بنفسه بأنه ختم على قلوب الكافرين به وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة، ورغم ذلك فسوف يعذبهم عذابا عظيما. 3. الغريب أنه يغفر الذنوب جميعا عدا أن يشرك به أحدا، ومن ثم فإن القيام ببعض العبادات والطقوس كافية لترفع عنهم العقاب على كل ما ارتكبوه من ذنوب، و هو لا يكافئ على كل أعمال الخير مهما عظمت طالما صدرت من كافر أو مشرك به لم يقم بعبادته وأداء الطقوس له، فالصلاة والصيام والحج أهم لديه من الأمانة والصدق وسائر السلوكيات الحميدة، وللخروج من هذه الورطة العقلية يزعم المؤمنون أن المخلوقات هى التى تحتاج لعبادته و طاعته و الإيمان به، أما هو فغنى عن العالمين، والحقيقة أنه لا يمكن اثبات احتياج المخلوقات لتلك الطاعة والعبادة و الإيمان مثلما يمكنا اثبات احتياجهم للطعام والشراب والحرية والسعادة، ولا يمكن أن نثبت إذا كانوا فعلا يحتاجون الصلاة والصوم والحج أم لا، وفى النهاية إذا كانوا فعلا فى احتياج لتلك العبادة، فقد كان يمكن أن يجعلهم غريزيا يلبونها كما يلبون احتياجهم للطعام والشراب والنوم دون رسل وأنبياء، ودون تهديد بالعقاب إن لم يفعلوها، ووعيد بالجنة إن واظبوا عليها، فالممتنع عن الطعام سوف يموت جوعا، وهذا يكفيه عقابا، أما أن نعذبه للأبد لأنه امتنع عن الطعام فمات من الجوع فهو الخبل والظلم بعينه. 4. لماذا خلقهم إن لم يكن يحتاجهم، برغم أنه و بحكم ما افترضوا فيه من الكمال والإطلاق والثبات واللانهائية، ليس بحاجة لشئ أو لأحد غيره مثلما يحتاجون هم للأشياء التى يكملون بها ما هم فيه من نقص واحتياج، فهو لا يريد شئ أو أحد لأنه لا ينقصه هذا الشئ أو الأحد، فلماذا أوجد هذا العالم إذن؟ إن لم يكن خلقه لحاجة فى نفسه، و قد أراد هذا و فعل، و لكن المطلق و الكامل والثابت و اللانهائى لا يصح أن ننسب إليه الاحتياج كما ننسبه للمخلوقات لأنه مكتفى بذاته. فلماذا خلق الله الكون إذن ؟ ألكي يعوض نقصاً لديه بهذا الخلق ؟، الله لو صح وجوده فهو كامل بلا نقص يكمله الخلق.. إذن الكون غير مخلوق. 5. يفترضون فى من خلق الكون أنه خير مطلق لا تشوبه شائبة من شر، وهو كلى القدرة لا يعوقه أى عجز عن تحقيق أى شئ يريده، فإذا كان هو خالق هذا الكون، وكل ما فيه من مخلوقات، ومدبر كل ما فيه من حوادث، ومرتب كل ما فيه من علاقات، فما هو سبب وجود الشر فى العالم ؟ فإما أن الله يقدر على أن يمحو الشر ولكنه لا يريد ذلك، فحينئذ هو ليس خيرا مطلقا كما يزعم المؤمنون به، أو هو يريد أن يمحو الشر ولا يقدر على ذلك، حينئذ فهو ليس قديرا على كل شيء، أو لا يريد أن يقضى على الشر، ولا يقدر على القضاء عليه حينئذ فهو ليس خيرا مطلقا كما يظنون، ولا كلى القدرة كما يزعمون. لتبقى الحالة التى يدعيها المؤمنون به، يقدر على قهر الشر، ويريد ذلك، حينئذ علينا أن نسألهم ما سبب وجود الشر فى العالم إذن، وما سر استمراره كل هذا الوقت ؟! و لأن المؤمنين بالله قد أوقعوا أنفسهم فى ورطة فرضياتهم الخيالية عن الله مطلق الخير و كلى القدرة، فهم يبررون وجود الشر بعدة مبررات منها، لكى يميز البشر فائدة الخير عن طريق تذوق الشر، وكأن الله ما كان يمكنه أن يوضح للبشر تلك الحكمة بدون وجود الشر أصلا باعتبار أنه لا يعجزه شئ.. كما يزعمون بأن الشر دائماً يحمل في باطنه الخير، برغم أن الخالق بصفته أيضاً مطلق القدرة, فإنه كان يمكنه أن يرينا أوجه الخير دون الحاجة لإرسالها متضمنة بداخل الشر، ويقولون أن الشر يميز معادن البشر، وماذا سيستفيد الخالق أصلاً من تمييزهم, و ألم يكن يعلم من البداية من هو الجيد فيهم ومن هو الرديء، و علينا أن نسأل ما الذي حمله أصلاً على أن يخلق الرديء ثم يجد نفسه مضطراً بعد ذلك لتمييزه من الجيد. ثم لماذا يعاقب مرتكب الشر بالعذاب الأبدى برغم أنه كان قادرا على عدم خلقه من الأصل، طالما كان يدرك مصيره من قبل، أم هى الرغبة المريضة لهذا الإله فى تعذيب مخلوقاته، التى خلقها شريرة و رديئة من البداية لكى يستمتع بتعذيبها فى النهاية للأبد، فى الحقيقة لم يكن هناك داعي أصلاً من خلق الردئ والشرير من البداية طالما كان مصيره المحتوم هو العذاب الأبدى!!، إلا إذا كان الله يضيع وقته فى العبث، و إلا إذا كانت لدية رغبة سادية فى تعذيب من هم أدنى منه من مخلوقاته التى لا حول لها و لا قوة أمام جبروته. 6. طالما كان الله يمتلك المعرفة المسبقة إذن فهو مطلع على كل شر قبل أن يوجد، بل قبل أن يخلق الكائنات جميعا، فإذا كان خيرا مطلقا كما يدعون فعلا، وكلى القدرة والمعرفة كما يزعمون صدقا، و رءوفا رحيما بالضعفاء من عباده ومخلوقاته كما يظنون حقا، فلماذا لم يقم بتعديل فكرة الخلق أو إعادة هندستها قبل التنفيذ، إن كان يريد الخير و العدل حقا كما يؤمنون؟ و أخيرا يقولون أنّ الشر هو من مقتضيات إعطاء الإنسان الحرية التى عرفنا كم هى محدودة وضئيلة، إذن فقد خلق الله ذلك المتصف بالخير المطلق، الشر كى يعطى الإنسان الحرية فى الاختيار، إذن فالله هو مصدر الشر نفسه، وبرغم ذلك يزعمون أنه خير مطلق، و لنلاحظ أن سماحه بوجود الشر برغم قدرته على القضاء عليه، دليلا على كونه شرير أو عاجز طالما لديه القدرة على منعه، ولم يفعل شيئا لذلك. و برغم ذلك يستند عليه المظلومين فى الانتقام لهم من ظالميهم، فكيف لهم انتظار عدله، وهو نفسه من خلق هؤلاء الظالمين كى يظلموهم، و كان يعرف بظلمهم مسبقا، ولم يمنعه رغم ذلك، أى أنه شريك أصلى متواطئ مع الظالمين فى ظلمهم. 7. إذا كانت الحياة الدنيا دار امتحان للبشر كما يزعم المؤمنون بالغيبيات، فإن من أبسط قواعد الامتحان العادل أن يضع الممتحن كل من يمتحنهم فى ظروف متساوية، فهل تساوى البشر يوما فى ظروفهم، ما بين أقوياء و ضعفاء، أذكياء وأغبياء، أصحاء ومرضى، متعلمون و جهلاء، أغنياء وفقراء، حكام ومحكومين، و أليس من مواصفات الممتحن العادل النزيه أن يساوى بين الممتحنين من حيث معرفتهم لمنهج الدراسة، فهل نتساوى جميعا فى معرفتنا بالمنهج، لكى نخضع لنفس الامتحان، من أوحى لهم فضمنوا بذلك الجنة، ومن لم يوحى لهم فوقعوا فى الاختبار بين التصديق والتكذيب، وكان يمكنه أن يوحى لنا جميعا برسالته كما أوحى لأنبيائه، أو بأى بوسيلة مناسبة بشروط الامتحان وأسئلته، إلا إذا كان عاجزا وما بيده حيلة سوى تلك الوسيلة القاصرة والفاشلة، و دون أن يحابى البعض على البعض، حتى يكون جديرا أن نصفه بالعادل، وحتى يمكن أن ننتظر العدل منه كما يعول على ذلك المؤمنون به، والمنتظرون ليوم حسابه، و حتى يكون جديرا بالنزاهة التى يدعيها أو يدعيها له المؤمنون به كان عليه أن لا يسرب أسئلة الامتحان وإجاباتها الصحيحة للبعض دون البعض. 8. أتراه عادلا حقا وهو يعاقب الأخيار من الكافرين به لمجرد أنهم لم يصدقوا برسله وأنبياءه، و لم يعبدوه أو لم يؤمنوا بوجوده أو لم يعرفوه، ويغفر للأشرار من المؤمنين به لمجرد إيمانهم به، وتصديقهم برسله وأنبياءه، أليس فى ذلك يكون فى قمة ظلمه، و أن فى هذا لدليل على أن مجرد الاعتراف بوجوده وعبادته أهم لدية من اقامة العدل، وإلزام مخلوقاته بالخير، وأن فى هذا دليلا على احتياجه للإيمان به وعباداته، بأكثر من احتياجه لأن يفعل البشر الخير فيما بينهم، ومنطقيا وبناء على ذلك يفهم معظم المتدينون أديانهم بأن الإيمان و العبادة والطقوس تغفر لهم ذنوبهم، و من ثم فهم يقصرون التدين على أداء العبادات والطقوس والمظاهر الشكلية التى يحثهم عليها الدين، ليغفر لهم ربهم كل ما يفعلوه من موبقات، فقد فهموا ربهم جيدا على أنه يحتاج لعبادتهم، وعرفوا أن الطقوس والشكليات والعبادات بل مجرد إيمانهم بوجوده بلا عمل، أهم لديه من فعلهم للخير أو ارتكابهم للشر، وهذا سر فشل الدين فى تهذيب سلوكيات البشر رغم كل ما يحتويه من أوامر ونواهى أخلاقية وسلوكية، رغم الادعاء أنه الوسيلة المثلى لتهذيبهم لو التزم المؤمنون بتلك الأوامر والنواهى. 9. يفترض المؤمنون بالله وجود إله شخصاني خالق للكون، ويتخيلونه كذات واعية لا مادية، و هذه الشخصنة للخالق بحد ذاتها عندهم هي مسلمة أى لا تحتاج لأى برهنة، و علينا أن نسلم بها رغم أنوفنا، و إلا تعرضنا لألوان من السباب لا تنتهى، برغم أن هذه المسلمة المزعومة، يفترض علينا أن نقبلها كبديهية نبنى عليها كل النقاش، تختلف عن كل المسلمات الرياضية كالنقطة والخط والصفر وغيرها من المسلمات التى لا نحتاج البرهنة على بداهيتها، أما المسلمة الغيبية بوجود الكائن الغيبي اللامادى فهى مبنية على مغالطة منطقية فجة مفادها أنه، بما أن الكائن الشخصاني إلا وهو الإنسان يخلق نظاما أو آلة أو بناء.. إذا فكل نظام كالكون لابد أن ينتجه كائن شخصاني مثل الإنسان، إلا أنه فى هذه الحالة مطلق الصفات، وليس نسبى كالإنسان، وهو ما يدعونه بالإله الخالق الذي يصورونه، كملك كلى القدرة والجبروت والسلطة، علينا أن نعبده ونطيعه لنكسب مرضاته، و وجه المغالطة في هذا القياس المنطقي الفاسد أن حكم البعض و هو هنا ما ينتجه الإنسان، لا يسري على الكل بالضرورة وهو كل الموجودات بالطبيعة، والعكس صحيح..ولا يجوز تعميم صفات البعض على الكل إلا إذا درست صفات هذا الكل دراسة تجريبية حصرية ينتج عنها ما يفيد بأن لكل أجزاء هذا الكل نفس الصفات. 10. فى حين يكون للإنسان ككائن مادى إدراك وهدف لأفعاله، فإن الرياح كظاهرة مادية تهز الشجر وتحرك الموج والسحاب، ليست مدركة أو هادفة لما تفعله، بل تفعل ذلك فقط لأن الهواء يتحرك من مناطق الضغط الجوى المرتفع إلى مناطق الضغط الجوى المنخفض، وتدفع كتلة الهواء المتحركة الشجر والماء والسحاب فى اتجاه حركتها لا غير، ومن ثم فالزعم بأن كل نظام يحتاج في وجوده لمسبب شخصاني لأن بعض النظام أى منتجات الإنسان قد احتاج لمثل هذا المسبب هو زعم فاسد، لأن هناك من معظم الظواهر الكونية تحدث دون مسبب شخصانى. 11. أن هذه الفرضية التى يدعونا المؤمنون للتسليم بها، يمنع المؤمنون تطبيقها على الطريقة التى وجد بها الإله الخالق، فهو النظام أو الشئ الوحيد الذى لم يخلقه أحد، حيث يصفون الخالق بالأزلية أي إنه لم يكن حادثاً ككل المخلوقات الطبيعية, ولم يأتِ من العدم فى حين يفترضون أن المادة أتت من العدم، وأنها سوف تتحول إلى عدم. دون أن يوضحوا لنا ما معنى اللا بداية التى وجد عليها الخالق، و التى تعنى أيضا أن أفعاله أيضا لا بداية لها، فماذا كان يفعل قبل أن يخلق مخلوقاته، إلا إذا كان قد ظل ساكنا لا يفعل شيئا. 12. بالطبع يمكنا دائما أن نقول ماذا كان قبل هذا الشيء أو ذاك, وهذا الشيء بدوْره ما الشيء الذي كان يسبقه من ظواهر الكون وهكذا ؟؟ أما أن نقف عند شيء معين وهو "الخالق" ونقول أنه وحده الذى لم يسبقه شيء, وهو وحده الذى لم يخلقه أحد، فهذا ما يجافى المنطق السليم, فى حين أن المعقول هو أن الوجود المادى كله أزلى غير مخلوق لأنه لا يمكن أن يوجد من عدم، والوجود المادى كله أبدى لأنه لا يمكن أن يفنى، ولكن هذا الوجود المادى الطبيعى يتجلى فى أشياء وظواهر متتابعة منذ الأزل فى تسلسل لا نهائى إلى الأبد، لأنها لا يمكن أن تتحول إلى عدم، إلا أن أى من هذه الظواهر و الأشياء لا تعرف الثبات، والسكون، وعدم التغير، وعدم التحول من شئ إلى آخر. 13. يصفون الخالق بالأبدية أى الخلود المطلق، دون أن يوضحوا لنا ما معنى اللانهاية، التى سوف يوجد عليها الخالق، و التى تعنى أيضا أن أفعاله أيضا لا نهاية لها، فماذا سوف يفعل بعد أن تفنى مخلوقاته مادام كل من عليها فان، إلا إذا كان سوف يظل ساكنا لا يفعل شيئا، فى حين يمكن أن نتصور أنّ المادة بكل ظواهرها الطبيعية المتسلسلة ليس لها بداية ولا نهاية، ولكن لا نستطيع تصور أنّ هناك كائناً بعيْنه بلا بداية و لا نهاية، مع ملاحظة أن جميع المؤمنين يجمعون على أنّ الخالق سيمنح البشر حياة أبدية خالدة بعد الموت، لكنها لا تتساوي في أبديتها مع أبدية الخالق. و هذا شيء يستحيل على العقل فهمه, و إلا كانت المخلوقات بذلك منازعة للخالق فى صفة من صفات كماله، وهي الأبدية التي لا تصح إلا له، لأن الأبدية صفة مطلقة لا يمكن أن ننسبها إلى ما هو نسبى من مخلوقات الطبيعة المادية مثل الإنسان. 14. يزعمون أن الخالق كلى القدرة، فى حين أنه لا يمكن لهم إثبات ذلك، فهل يستطيع الخالق أن يخلق صخرة لا يقدر على حملها ؟، لو أجاب المؤمنين بـ"نعم"، فإنهم بهذه الإجابة قد جعلوا الخالق غير مطلق القدرة ( لا يقدر على حملها ) !! ولو أجابوا ب ـ"لا"..فإنهم بهذه الإجابة قد جعلوا الخالق أيضاً غير مطلق القدرة ( لا يستطيع أن يخلق هذه الصخرة ). وبطريقة أخرى هل يقدر الخالق أن يخلق إلها أقوى منه ؟ لو أجابوا بـ"نعم"، فإنهم بذلك قد جعلوا الخالق ضعيفاً, وخلعوا من عليه صفة القوة الإلهية المتفردة المطلقة ( سيوجد إله أقوى منه ) !! ولو أجابوا ب "لا"، فإنهم بذلك جعلوا الخالق غير مطلق القدرة ( لا يقدر على خلق إله أقوى منه ) ! فمن أين تأتى لهم إذن أن للخالق تلك القدرة المطلقة التي ينسبونها إليه. 15. يفترض المؤمنون أن الله لا يحيطه شئ، وإن كان يحيط بكل شئ.. والمؤمنون عموماً يعتقدون أنّ هذا الخالق غير محدود الحجم. لأنه مطلق الصفات، و لا يمكن للمطلق أن يكون محدود بأبعاد تحدد حجمه او مكانه، و إلا كان نسبيا كسائر مخلوقاته محدودة الحجم مهما تضخمت، وهذه الفكرة تتناقض من ناحية أخرى مع فكرة الله كما تصورها الكتب المقدسة للأديان الإبراهيمية، فالتوارة تقول أنه خلق الإنسان على صورته ومثاله وحجمه، و برغم أن المسلمين يؤمنون بأن الله فى كل مكان، إلا أنهم يؤمنون أيضا أن الله له مكان محدد، وعرش أستوى عليه، و أن هذا العرش عرضه السماوات والأرض، و تحمله الملائكة وتطوف حوله وفق القرآن، وأما وفق الإنجيل، فقد سبق و هبط للأرض فى صورة بشر حملته عذراء فى رحمها دون أن يمسها بشر، و ولدته رجلا عذب و صلب ومات وقام من بين الأموات، حتى يغفر لنا خطأ أبينا المزعوم آدم الذى تحمله أبناءه بلا ذنب جنوه حتى هبط هو إلينا ليغفر لنا خطايانا ويرفع عنا العقاب، و كان قبل ذلك بسنوات عدة وفق التوراة قد هبط ليصارع النبى يعقوب، وانتهت المعركة بينهما بكسر عظمة فخذ يعقوب بن اسحاق، الذى استطاع أن يأسر الرب رغم ذلك، ولم يفك يعقوب أسر الله إلا بعد أن أخذ وعد من الله بتحقيق طلبه، ولذلك أصبح اسمه إسرائيل، أى أن نبى الله فى حقيقته بلطجى أبتز الله، وتحول الله لضحية بلطجة من نبيه الذى اصطفاه من بين ملايين البشر، و الذى أنعم على سلسلة من أبناؤه وأحفاده بالنبوة دون باقى أحفاد جده المباشر إبراهيم، ودون باقى الإنسانية جمعاء بنص كتابه المقدس، الذى يؤمن به ثلث البشر الآن، أما المسلمين والذين يستنكرون الصور الهزلية واللا أخلاقية لله وأنبياءه كما وردت فى العهدين القديم والجديد، فيضيفون بضعة أنبياء آخرين لم يذكرهم العهد القديم، فضلا عن محمد حفيد إبراهيم من فرع ابنه اسماعيل أخو اسحاق و عم يعقوب، كما تجلى الله للنبى موسى فى جبل الطور وتكلم معه، و قد وقف ببابه النبى محمد عند سدرة المنتهى، عندما عرج للسماء، و هو وفق هذه العقائد الإبراهيمية، يتحرك ما بين السماوات والأرض، وبرغم ذلك يؤمنون أنه فى كل مكان، ورغم ذلك يتحرك فى نطاق أصغر من حجمه. 16. هناك من يرفضون فكرة الإله الشخصانى الخالق للكون، إلا أنهم فى نفس الوقت لا يتفقون مع موقف الإلحاد القوى الذى سبق توضيحه من مسألة إنكار الألوهية والغيب، فيما سبق من فقرات، وينتمون لما يسمى بالإلحاد الضعيف، فهناك اللا أدريون، وهم من يمتنعون عن الاعتقاد بوجود الخالق كما يمتنعون عن نفى هذا الوجود..، وهناك الألوهيين من يؤمنون بخالق غيبى مطلق الصفات، خلق الكون و وضع قوانينه، حركه و انصرف، وهو لا تعنيه مخلوقاته و لا مصيرها، ولم يوحى لأنبياء أو رسل، فلا دين له يلزم به مخلوقاته، وهو لا يحتاج منها عبادة أو غيره، و لا يهمه إن عرفوه أم لا، لأنه أعظم و أجل من أن يلتفت إليهم، وهناك من يؤمنون أن وجود الكون الحالى الذى نحن جزء منه، سبقه خالق مادى ما، وهو مصمم ذكى، وضع قوانين هذه المادة التى تشكل منها هذا الكون، و تركها تتحرك وفق تلك القوانين التى وضعها، و موقفه من مخلوقاته أيضا كالخالق الغيبى سابق الذكر، تركها وانصرف، وهناك أنصار فكرة "وحدة الوجود" والتى تقول أن الإله الخالق غير منفصل عن مخلوقاته، فإذا رأينا الوجود ككل فقد رأينا الخالق، وإذا رأينا الجزء فهو المخلوق، وما المخلوقات الجزئية إلا مجرد تجليات نسبية وجزئية ومتغيرة وناقصة ونهائية، لحقيقته المطلقة والكلية والثابتة والكاملة واللانهائية. 17. جئت كما جاء غيرك إلى الحياة، فى ظروف لم تقرر بذاتك ملابساتها، واكتسبت ذاتا لم تحدد بنفسك معالمها، و سوف تكون بجسدك و ذاتك مجرد قصة كمليارات القصص بدأت لتنتهى، وفى ذلك أنت مثل قطرة ماء تندفع مثل غيرها من القطرات مع تيار نهر الحياة، من منبع الميلاد صوب مصب الموت، مثل غيرك من مليارات المليارات من البشر، مجرد وجود هش و عابر و قصير العمر جدا، ما إن مر بالأرض كومضة برق حتى انطفأ، ذاتك التى تتوهمها خالدة أو تتمنى لها الخلود لغرورك، ولعشقك لها، و للأوهام التى زرعها فيك رجال الدين الذين يبتزونك ويسيطرون عليك، ببيعك أوهام خلودها بعد الموت، ما هى إلا وهم زائل، وما سوف يبقى منها، إلا أثارها فيمن حولها، إن كانت خيرا فخير، وإن كانت شرا فشر. وحتى هذه أيضا لن تدوم إلى الأبد، إذ سوف تمحى مع الأيام مهما طالت فتصبح كالعدم، فذاتك نشأت بحياة جسدك، و سوف تنتهى بموته. 18. لديك جسد هو بمثابة القرص الصلب فى الحاسوب، وذات هى مجرد برامج محملة على هذا القرص الصلب، بفناء القرص الصلب أو عطبه، تفنى البرامج أو تفسد، و تنتهى ذاتك للعدم، و لأننا لا يمكن أن نتخيل وجود برامج منفصلة عن أى قرص صلب، و دون أن تكون مكتوبة بحروف على الورق أو فى عقل إنسان أو بوسيلة إلكترونية كما فى الحاسوب، فإننا لا يمكن أن نتصور خلود الذات التى يطلق عليها المؤمنون الروح، ويزعمون إمكانية انفصالها عن الجسد المكتوبة بداخله، بل ويتمادون فى احتيالهم، و يزعمون بخلودها بعد فناءه، وأن الموت تحريرا لها من قيود الجسد المادية. 19. جسدك، يجدد من العناصر والمركبات العضوية وغير العضوية التى تكونه دوريا، خلال حياتك كلها، تتفكك وتتلاشى بعض خلاياه، وتنقسم بعض خلاياه، وتنشأ وتتكون له خلايا جديدة، و رغم ذلك، فإن ما يمنحك الاستمرار ككائن متميز عن غيرك من الكائنات هو استمرار نفس الطريقة التى تترتب بها جزيئات شفرتك الوراثية التى تميزك ككائن حى، والموجودة فى نواة الخلية.. أى استمرار نفس البرنامج الوراثى الذى يحدد صفاتك التى تميزك عن غيرك، برغم تغير الجزيئات الكيميائية المكتوب بها هذا البرنامج. 20. تتبعثر و تتجمع مكونات هذا البرنامج مرارا وتكرارا بين الأجيال المختلفة للبشر بالتكاثر، وما أنت إلا نقطة تجمع فيها عشوائيا ستة وأربعين كروموزم من آباءك و أجدادك خلال خمس أجيال منهم، وسوف تتبعثر عشوائيا تماما بين أبناءك و أحفادك خلال خمس أجيال منهم، كما يمكن لنفس الشفرة أن تتجمع عشوائيا لملايين المرات لتكون ملايين إناس آخرون مطابقون لك وراثيا سبقوك أو سوف يلحقكوك فى هذا الوجود العابر، أما الذات المتميزة لك فسوف تستمر فقط طالما ظللت حيا، باستمرار نفس الطريقة التى تتركب بها الشفرة الوراثية فى أنوية خلاياك. وهذا البرنامج الوراثى قد تكون بتلقيح بويضة بحيوان منوى، فى لحظة جماع، إلا أن هناك برنامج آخر يميزك كذات فريدة من نوعها يكتب طوال حياتك، وهو ما تختزنه فى مخك من ذكريات ومعارف و مشاعر، و المكتوب بدوره بأبجدية الجزيئات الكيميائية، و ينطبق عليه ما ينطبق على الشفرة الوراثية إذ تستمر الطريقة التى كتبت بها تلك الذكريات والمعارف والمشاعر رغم تغير وتبدل الجزيئات الكيميائية التى كتبت بها. ولكنك لست خاضعا فقط للبرمجة العصبية والوراثية، وإنما خاضع أيضا للهرمونات سواء التى يفرزها جسمك أو تتناولها من الخارج، فضلا عن العقاقير و الأدوية والأطعمة التى تتناولها، و التى تؤثر فى حياتك وصحتك وسلوكك ووعيك وإدراكك ومشاعرك الخ. فالحياة بكل مظاهرها من نمو وتكاثر وحركة و إحساس، تعتمد على توازن دقيق لتفاعلات كيميائية معقدة بين الجزيئات الحيوية التى تكون الكائن الحى من جهة، و من جهة أخرى بين الكائن الحى و البيئة المحيطة به، أما فقدان الكائن الحى لصفة الحياة أو الموت، فهو نتيجة خلل حاد فى التوازن بين هذه الجزيئات الكيميائية التى تكونه، وبين الكائن الحى وبين البيئة المحيطة، يؤدى إلى فقد الجسم الحى القدرة على استمرار التفاعلات الكيميائية التى تكونه، فيفقد الجسم الحى متعدد الخلايا كل مظاهر الحياة بجسمه، إلا إن خلاياه التى تكونه تفقدها تدريجيا، بل قد يظل بعضها ينمو وينقسم لفترة قصيرة بعد موت الكائن الذى تكونه. 21. جسدك بعد الموت تتبعثر مكوناته فى كائنات الطبيعة المختلفة حية وغير حية، فخلايا أجسادنا، و ما تتكون منها من جزيئات حيوية، تتفكك وتتوزع بين شتى الكائنات المادية الحية وغير الحية، من تراب الأرض إلى أجساد الدود التى تلتهمها، و إلى خلايا النباتات التى تتغذى عليها من التربة، ويظل مصير تلك الذرات و الجزيئات التى كانت تكون أجسادنا الحية بعد موتنا، هو التحول الأبدى لذرات حرة و لجزيئات حرة أحيانا أو كذرات وجزيئات تشترك فى تكوين كائنات وجزيئات أخرى أحيانا أخرى، و تظل هذه الذرات و الجزيئات تتبعثر فى هذا التجول المستمر الذى لا نهاية له بين كائنات مادية أخرى، بعضها قد يكون حيا وبعضها قد لا يكون حيا. أما عن البرامج التى كان يحملها هذا الجسد، والتى شكلت مجتمعة شخصيته خلال حياته، فتنتهى بموته ، أما مكوناتها المختلفة فتتعدد مصائرها، شفرته الوراثية تتبعثر عبر أجيال من الأحفاد والحفيدات، وتبقى بعض الذكريات عنه فى أذهان من يعرفونه لفترات محدودة، وتبقى آثار ما فعله أثناء حياته لعدة أجيال من بعده قد تطول أو تقصر حسب أهمية تلك الأعمال. 22. ما تملكه يقينا فى يدك من عصافير بعيدا عن أوهام العشرات التى على الشجر، هو تلك اللحظة العابرة من الوجود والوعى على تلك الأرض. فإن ما ينبغى أن يعنيك فعلا هو أن تكون سعيدا طوال رحلتك فى الوجود، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بأن يكون كل من حولك سعداء، فالتعساء يصيبون من يخالطونهم بالتعاسة، كما أن السعداء يفيضون من سعاداتهم على من حولهم، فإن أردت أن تكون سعيدا فعليك أن تسعد من حولك. 23. عامل الناس كما تحب أن يعاملونك، لتدفعهم لمعاملتك كما تحب، وتفادى أى اضرار بالآخرين مثلما تتفادى الاضرار بنفسك، حتى تتفادى اضرار الناس بك، هذه هى القاعدة الجامعة لكل الأخلاق الخيرة، وثمارها الطيبة، ولتعلم أن فعل الشر قبل أن يكون سوء سلوك و أخلاق تخشى العقاب عليه فى الأرض أو فى عالم الغيب، ينم عن غباء اجتماعى حتى ولو مارسه فائقى الذكاء، كما أن فعل الخير قبل أن يكون حسن سلوك و أخلاق تنتظر الجزاء عليه فى الأرض أو فى عالم الغيب فهو ينم عن ذكاء اجتماعى حتى ولو مارسه محدودو الذكاء، فكل ما تفعله من الشر سوف تدفع ثمنه غالبا، من شرور تلحقك، وكل ما تفعله من الخير سوف تحصد مقابله غالبا، خيرا تكسبه. 24. بداية فإنه لا يوجد ما هو مطلق وثابت ونهائى فى عالمنا، ومن ثم يمكن فهم العبارة السابقة فى إطارها النسبى لا المطلق، أى يمكن أن تعتبرها حقيقة قوية الاحتمال تسمح بالاستثناءات، و قاعدة نسبية لا مطلقة، وهى قانون من قوانين الحياة الاجتماعية، يتناسب مع تعريفنا للشر والخير اللذان هما أيضا نسبيان وفق السياق الزمانى والمكانى والاجتماعى والثقافى اللذان يحدثان فيه. 25. لو انطلقنا فى سلوكنا من أن الحرية الفردية، والأمان، واطمئنان الذات واحترامها، وصحة الجسد والعقل، والتحرر من عبودية الأشياء والتعلق بها، وارتياح الضمير، وحب الناس، واطمئنانهم إلينا، وحسن السمعة بينهم، وتوقى فعل ما نخجل من الكشف عنه للناس، هى مكاسب لا تقدر بثمن يدرها علينا فعل الخير، فسوف تزداد احتمالات تحقق تلك الحقيقة لدينا، أما عن الثمن مقابل الشر الذى قد لا يقدر البعض مدى جسامته، لأنهم يرون أن هناك أشياء أخرى أهم من كل ما سبق ذكره من المكاسب التى يحققها الخير لفاعله، كالثروة والسلطة وغيرها من المتع، فإنهم سوف يدفعون ثمن هذا الاختيار، من تقييد حريتهم الفردية، وعدم احساسهم بالأمان والاطمئنان، واحتقار الذات، ومرض الجسد والعقل، والوقوع فى عبودية الأشياء والأوهام، وعدم راحة الضمير، وكره الناس وعدم ثقتهم وسوء السمعة بينهم، و لما كان هناك من يبيعون احترام الناس لهم من أجل رغيف من الخبز، وهناك من يفضلون الموت على نظرة احتقار لهم، فسوف يظل هناك أخيار وأشرار بين البشر. فماذا سوف تختار ؟ و هل أنت على استعداد لدفع ثمن ما سوف تختاره؟، وهل سوف تقبل تحمل مسئولية هذا الاختيار؟، هذا هو السؤال الذى يجب أن تطرحه على نفسك. 26. يمكنك أن تعرف حماقة الكثير من البشر الذين يلهثون وراء الثراء والسلطة والمتع على حساب الآخرين، عندما تقرأ لأرسطو "أن الغنى هو الفقر فى الرغبات"، ومن ثم فالفقر هو ثراء الرغبات، والغنى هو القدرة على الاستغناء، والفقر هو عدم القدرة على تحمل الافتقار، وبالنسبة لى فقد كان غاندى أكثر قوة وسعادة وحرية بنوله ومغزله وحكمته من قادة الإمبراطورية التى أرشد الهنود من أجل هزيمتها. 27. أننا لا نملك إلا مقدار ضئيل جدا من الحرية، بحكم كوننا مجرد حيوانات تستعبدنا غرائز الحياة من طعام وشراب ونوم وجنس وخلافه، وعواطفنا نحو القطيع البشرى الذى ننتمى إليه ونحو القطعان البشرية التى لا ننتمى إليها، كما تستعبدنا مورثاتنا البيولوجية وما تجبرنا عليه من سلوكيات، ومجمل تركيب أجسادنا من حواس وهرمونات وأمراض الخ، وثقافتنا ومعارفنا، وظروفنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية الحاكمة لنا، والمشكلة لوعينا وثقافتنا واختياراتنا وأذواقنا وقيمنا وأخلاقنا، والمتحكمة فى سلوكنا وتفكيرنا، إلا إن أسوء ما يصيب ذواتنا بالتعاسة أن نفقد ذلك المقدار الضئيل جدا من حريتنا النسبية، أن نصبح عبيدا مسلوبو الإرادة، أمام البشر أو الأشياء أو الأوهام، وهذا هو حال البشر، مسلوبو الحرية مثلما من يسلبونهم تلك الحرية، وهو ما يسبب آلامهم وتعاستهم، متسلطين ومتسلط عليهم، القاهرين والمقهورين على السواء، ولكنهم قد لا يدركون ذلك أحيانا، ويدافعون عن عبوديتهم، وهى مصدر تعاستهم، ومن هنا فالسعادة لن تتأتى بأن تكون عبدا لرغباتك وغرائزك ونزواتك، ولن تتحقق بأن تغترف من المتع الحسية ما يمكنك اغترافه فى الدنيا أو فى الآخرة، كما يتوهم السذج من الغيبيين والماديين ذلك، فتلك المتع بطبيعتها لحظية وقصيرة للغاية، ومحدودة بالقدرة على الاستهلاك الفعلى لها، و بالمنفعة الحدية، التى تعنى أنه كلما اقتربت من الشبع قلت متعتك، وأنك عندما تصل للتخمة فسوف تسبب لجسدك وعقلك ونفسك الألم والملل، وبمرور الوقت وبكثرة الاستهلاك سوف تفقد الاستمتاع بها بحكم اعتيادك عليها، وقس على ذلك كل رغبة، فكل متعة مقرونة عند الإفراط فيها دائما بالألم، مثلما هو الحرمان منها سواء بسواء، كما أن اشباعها يتطلب منك دائما دفع الثمن، الذى كثيرا ما يقتطع من حريتك المحدودة و صحة جسدك الضعيف، و راحتك النفسية وسعادتك. 28. التعاسة غالبا ما يكون مصدرها وهم الذات البشرية، وتضخمها، وأنانيتها، وغرورها، حتى أنها لا تدرك حجمها وقيمتها الحقيقية وأهميتها التى تقترب فى الحقيقة من العدم، بالنسبة للكون الذى لا يمكن لها أن تشكل مركزه، فضلا عن أن تشكل فيه أى قيمة أو أهمية تستحق الذكر. و الخوف والأمل والدهشة هى مصادر الدين، و عدم معرفتنا بالحقيقة، وعدم تغلبنا على غرورنا وأنانيتنا وعشقنا لذواتنا ورغبتنا الجنونية فى خلودها، و عدم تحلينا بالشجاعة الكافية لمواجهة واقع الفناء، وعدم معرفة حجمنا الحقيقى وأهميتنا فى الكون، لا يجعلنا نقبل تلك الحقيقة ببساطة متناهية. 29. عندما تثق أنك حققت درجة من السعادة والحرية فى الدنيا، و إنك عشت كما ينبغى للحياة أن تكون، واستمتعت بالفرصة التى تمنحها لك الحياة بحكمة واعتدال، أسعدت نفسك و الآخرين، حصلت على معرفة تستحق، استطعت أن تغير واقعك وواقع الآخرين للأفضل، نلت حسن السمعة واحترام الناس و حبهم، وأثرت فيهم تأثيرا طيبا، حققت نجاحات و ابداعات فى الحياة، فأن هذا كاف بالفعل لكل إنسان حكيم متواضع مبرأ من جشع الخلود الأحمق سواء للجسد أو للروح، و ما فى الموت فى النهاية أى شىء يخيف، لأن وعيك وإحساسك سوف ينتهيان، وحواسك سوف تتوقف عن العمل، فلن تشعر بأى شيء، فكل يوم نذهب للنوم، وأمخاخنا وقلوبنا وأمعاءنا تظل تعمل، وبالرغم من ذلك لا نشعر بما يدور حولنا، وتظل خبرتنا المحسوسة هى بعض الأحلام التى هى نتيجة نشاط كهروكيميائى بالمخ، فهل يمكن أن نشعر بأى شيء بعد أن تتوقف أمخاخنا وقلوبنا وحواسنا عن العمل، وبعد أن تتحلل خلايانا، هل تظن أن ما يتوهمه المؤمنون عن البعث سواء بالجسد أو بالروح حقيقى حتى نخشى الموت الذى ربما يكون راحة لنا من تعاسة الحياة وآلامها أحيانا، و ما الموت إلا تفكك لجسدك الذى تتبعثر مكوناته بين الكائنات الحية وغير الحية مما يؤكد أن البعث بالجسد بعد الموت وهم، ويبقى التجول الأبدى لمكوناتك بين شتى الكائنات هو الحقيقة، و أن ما يبقى لك بعد موتك إلا أثار ما فعلت عندما كنت حيا، وكلما عظمت تلك الآثار الطيبة فإن هذا عزاء لك فى الموت، و يمكنك أن تتقبل حقيقة الموت لك ولأحبائك عندما تتعلم أن لا تتعلق بالأشياء، وأن لا تستعبدك غرائزك وعواطفك، كما ويمكنك أن تتحمل ما تلاقيه من كوارث ومصائب. 30. لم أكن أتخيل نفسى يوما داعية إلحاد، ولم أرتد هذا الثوب يوما، ولكن ما دفعنى مؤخرا لارتدائه، بعد طول تردد، أنى اكتشفت أنه بعد كل تلك السنوات الطويلة من النضال السياسى الذى لم يؤت أى ثمار، أن التربة ليست صالحة للبذور التى نزرعها، بسبب السيطرة التامة للدين المنظم على عقول من نود أن يحرروا أنفسهم، والذين تعوقهم تلك السيطرة عن فهم مصالحهم والدفاع عنها، وتمنعهم من الاستماع لغير رجال الدين، واكتشفت أنه من أجل تحقيق تحرر فعلى للبشر، فإنه لا بد من تقويض أسس الدين المنظم باعتباره أساسا من الأسس التى يبنى عليه التسلط والظلم الاجتماعى واللامساواة بين البشر، فظهور رجال الدين كطبقة تستحوذ على الفائض الاجتماعى، وتمارس تسلطها على البشر ببيع الأوهام لهم، سبق تاريخيا ظهور ملاك الثروة والعبيد، وسبق الدولة ورجالها من مدنيين وعسكريين ومثقفين وإعلاميين، فلماذا إذن نناضل ضد اللاحقين فقط ونترك السباقين، وخصوصا إذا كان السباقين بسلطانهم على الناس يدعمون سلطة واستغلال وقهر اللاحقين. وليقل لى أحد ما الفرق بين الرأسمالى و الإقطاعى ومالك العبيد و البيروقراطيين الذين يعيشون على حساب المنتجين الفعليين للثروة من جهة، وبين رجل الدين الذى يعيش على حساب المؤمنين من جهة أخرى. 31. عرف القرن العشرين ألوان من الأديان الإلحادية والعلمانية فى ظاهرها الفلسفى، وقد حلت محل الدين الغيبى عند المؤمنين بها، و تمثل هذا بشكل رئيسى فى اللينينية بمذاهبها و الفاشية بأنواعها الدينية و القومية، وتلك الأديان العلمانية بدورها باعت أوهاما للناس بتحقيق الفردوس المفقود على الأرض بدلا من السماء، وأصبح لها أصنامها و رموزها بل وطقوسها الوثنية، ولها كتبها المقدسة وأنبياءها ومقدساتها، ولها لهوتها الإلحادى والعلمانى، و سيطرت مؤسساتها على الناس، وقيدت حرياتهم، وعاش رجال دينها من الحزبيين على حساب الناس العاديين عندما كانوا فى الحكم، و تحكمت تلك المؤسسات فى حرية البحث العلمى، وطوعت العلم لخدمة إيديولوجيتها، وارتكب بعض المنتمين لتلك الأديان العلمانية المذابح أيضا باسم العقيدة المقدسة، و أوهامها الخلاصية والفردوسية، شأنهم شأن أتباع الأديان الغيبية عبر التاريخ، أقول ذلك حتى لا تغرنا اللافتات، فليس كل ما يبرق ذهبا. و تجدر الإشارة هنا أنه ليست اللينينية فقط هى التفسير الوحيد للماركسية، وليست هى الطريق الوحيد لتجاوز الرأسمالية، فهناك اتجاهات أخرى سواء ماركسية غير لينينية كالمجالسية، أو تحررية غير ماركسية، كالنقابية ، والتعاونية، والتشاركية، تناضل ضد الرأسمالية و تقدم البديل عنها هى والبيروقراطية اللينينية معا. 32. حققت اللادينية انتصارات هائلة، وتقدمت بسرعة مذهلة خلال الأربعة قرون الأخيرة فى أوربا، فنمى اللادينيون من بضعة مئات من المفكرين والعلماء عبر العالم، ليصلوا الآن إلى أكثر من خمس سكان العالم، ما بين لا أدريين و ملحدين وألوهيين، متركزين بكثافة فى أكثر المجتمعات تقدما، و فى الشرائح الاجتماعية الأكثر علما وثقافة فى تلك المجتمعات، وكان هذا النمو مقترن بانتصارات البرجوازية على الإقطاع، والعلمانية على الدولة الدينية، والعلم الحديث على الخرافة، ولكن فى العقود السبعة الماضية بدأت تراجعات لهذه المكاسب، نتيجة استخدام الدين من الجانب الرأسمالى فى الحرب ضد الستالينية التى مثلت الجانب البيروقراطى الإلحادى، فى فترة الحرب الباردة، مؤكدة بذلك دور الدين التقليدى فى الصراع الاجتماعى والسياسى، وقد استفحلت ظاهرة تلك التراجعات مهددة ما حققته البشرية من تقدم صوب الحرية والمساواة والتقدم والعقلانية، ولذلك فقد بدأت منذ سنوات قليلة حركة لا دينية نضالية جديدة، كرد فعل على التهديدات الخطيرة للعلم والحرية والمساواة والتقدم. منها الهجوم على تدريس التطور في التعليم، وأبحاث الخلايا الجذعية، و نقل الأعضاء، الأمر الذى يهدد بمزيد من تدخل الدين فى البحث العلمى و التعليم، و انهيار الحواجز التى تفصل بين الدين والدولة بأشكال متفاوتة عبر العالم كله، وانتعاش ظاهرة الاستخدام السياسى للدين فى خدمة اليمين الفاشى والعنصرى، وانتشار الإرهاب الدينى عبر العالم، وكل تلك التهديدات ليست مقصورة على المسلمين، بل تشمل اليهود والمسيحيين والهندوس والسيخ على السواء، وهذه النتيجة تعمدت حدوثها ورعايتها النخب الحاكمة فى العالم لدفع البشر نحو سلاسل لا تنتهى من الحروب العرقية والدينية والطائفية، تخلصا من الفائض السكانى عن احتياجات الإنتاج، وإنعاشا لصناعة السلاح، ودعم المؤسسات العسكرية والأمنية والإنفاق عليها على حساب الإنفاق على الصحة والتعليم والبيئة والرعاية الاجتماعية، وتقديم مبرر مقبول لتقليص الحرية الفردية لصالح الأمن العام. ولتوفير مبرر للاستبداد، و الإبقاء عليه بشكل عام، ولذلك وجب التشديد على أهمية نقد الدين المنظم فى مظاهره السياسية والسلطوية والكهنوتية والاستثمارية، أيا كان اسمه، لا نقد دين بعينه لحساب التبشير بدين آخر، وسواء أكان هذا الدين غيبي أم علمانى. 33. فى مواجهة هذه التهديدات التى يمثلها الدين بالمعنى السابق، لا بد من الرد على المعتقدات الدينية بالمعنى الواسع للكلمة بما يشمل ما هو غيبى منها كالأديان الإبراهيمية أو علمانى كالفكر القومى، وذلك عندما تتعارض تلك المعتقدات مع الحقائق العلمية، أو تنتهك قيم الحرية الفردية والمساواة والتقدم والعقلانية بين البشر، و لكن هذا الرد لن يكفى بمفرده إذ لابد من أن يصاحبه تقديم بديل متكامل للناس عن ما يقدمه لهم الدين، بديل يناضلوا من أجله، ويوفر لهم ما يوفره لهم الدين من تفسير للوجود و عزاء و أمل و معنى للحياة. 34. فى مواجهة السياسات التعليمية والممارسات الإعلامية التى نجحت فى تسطيح عقول البشر، وتحويلهم لكائنات وظيفية مبرمجة لأداء وظائفها فى خدمة مصالح النخب، لابد من طرح المعرفة العلمية الجادة ونشرها بكل السبل بين الناس باعتبارها هى وحدها التى تقدم التفسير المعقول للوجود مقابل تفسير الخرافة اللا معقولة، و رفع درجة وعي البشر نحو عجائب العلم وقوة المنطق العلمى. 35. فى مواجهة أسلوب الحياة القائم على الازدواجية بين عبادة الاستهلاك وتغطية ما تؤدى إليه تلك العبادة من عفن سلوكى بالانغماس فى الغيبيات الذى يصل لحد الهوس، لابد من تقديم فلسفة للأخلاق والسلوك الإنسانى قائمة على أسس موضوعية لا أسس غيبية، تؤكد على الارتباط بين سعادة الإنسان الحقيقية و بين سلوكه الخير، و تؤكد على الارتباط الوثيق بين أن تحقيق منفعته الشخصية مرتبط بتحقيق منافع للآخرين، و أن عدم الإضرار بالآخرين يعنى حماية الذات من الضرر، و أن العمل على نفع الآخرين والسعى لسعادتهم، يضمن أن يعملوا هم لمنفعة الشخص وإسعاده، هذه الأخلاق تركز على أن حرية الأفراد تنتهى عندما تبدأ حريات الآخرين، وعلى أن السعادة الجماعية لا تتحقق إلا بالمساواة الفعلية فيما بين بشر أحرار، فالسيد يقهره تسلطه على العبد، والسجان مقهور بحراسته على المسجون، فلا سعادة و لا حرية للسيد إلا بعتق عبده، ولا للسجان إلا بتحرير المسجون، هذه القيم تشكل بديلا عن الأخلاقيات الدينية القائمة على الثواب والعقاب ما بعد الموت. 36. ترتكز الخرافة الدينية على توفيرها عزاء وهمى للناس عندما تلحق بهم أو بذويهم الكوارث المختلفة ومنها الموت، وهى تعتمد على نرجسيتهم وغرورهم، ورفضهم الجبان لقبول حقيقة ذواتهم، والتسليم بها، و للرد على هذا يلزم التأكيد على أن التسليم بمرارة الواقع ومقاومته ومحاولة تغييره، أفضل من الوهم والاستسلام للخرافات، و أن تحقيق الذات وتحررها من كافة أشكال العبودية، هو معنى الحياة الذى يجب أن يسعى له الأفراد، وهو ضمان سعادتهم فى الدنيا، وفي هذا يتحقق عزاءهم الوحيد الممكن فى مواجهة الموت المؤكد، والكوارث المختلفة اللذان لا مهرب منهما. 37. فى مواجهة الدين السياسى، لابد وأن تتجمع النضالات من أجل تحويل كافة المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية من مجرد نصوص من حبر لواقع ملموس، و لابد من تحرير البحث العلمى والتطوير التكنولوجى والقائمين به من تسلط النخب الرأسمالية والبيروقراطية والدينية، لتنطلق الإمكانيات المكبوتة للعلم من أجل رفاهية البشر، لا رفاهية النخب وتدمير البيئة، نريد خبز للجوعى، لا سلاح يوجه ضد الجوعى.نريد علم فى خدمة الإنسان لا فى خدمة من يملك الثروة والسلطة. [تم بحمد العلم منهجا وحقائق]
#سامح_سلامة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإلحاد يتحدى _ ج_
-
الإلحاد يتحدى_ب_
-
الإلحاد يتحدى _أ_
-
جذور الإلحاد(12) الكتب المقدسة
-
جذور الإلحاد(11) الدين والصراع الاجتماعى
-
جذور الإلحاد(9) المصمم الذكى
-
جذور الإلحاد(9) و هم الذات
-
جذور الإلحاد(8) صفات الخالق الغامضة
-
جذور الإلحاد(6) المعرفة الإنسانية والغيبيات
-
جذور الإلحاد(7) خصائص للفكر الغيبى
-
جذور الإلحاد(5) المعجزات والإعجاز
-
جذور الإلحاد(4) ردود على التعليقات
-
جذور الإلحاد(3) غموض و لا منطقية الغيبيات
-
جذور الإلحاد(2) تناقضات فكرة اللة
-
جذور الإلحاد (1)حجج وحجج مضادة
المزيد.....
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|