كامل كاظم العضاض
الحوار المتمدن-العدد: 3681 - 2012 / 3 / 28 - 01:12
المحور:
المجتمع المدني
بلا عنوان
من بين الأغاني العراقية القديمة لا زالت ذاكرتي تحمل صدى ذلك الصوت الشجي لزكية جورج، كما أتذكر، وهي تغني بنغم رقيق كلمات أغنيتها المثيرة لكل مشاعر الإحساس بلا عدالة الحياة، بذلك الصوت العذب والرخيم كانت تدغدغ أوتار القلوب وتناغي الألم الإنساني الدفين؛
يا من تعب يا من شكه* يا من على الحاضر لكه*
شكه= شقيَّ لكه= لقيَّ
كما أتذكر صيق قديم لي، رحل عن دنيانا منذ سنوات، وهو يردد هذه الأغنية الحنونة والصارخة بغدر الحياة ولا عدالتها، ولكن بكلمات مزوّدة؛
يا من تعب يا من شكه أو ذاك* المرّ يامن على الحاضر لكه كنز ودر
ذاك= ذاق
آه، ما اقسى الحياة حين ننظر الى قسمتها للحظوظ بين البشر! فهناك من يشقى ويكد ويتعب ولايخرج من الدنيا إلا بشروي نقير، وهناك من ياتي الى هذه الدنيا، فتنثال عليه النعم ويفيض عليه الرخاء دونما يبذل حتى ربع مجهود الآخرين. أهو عدل أم هي حظوظ تسنها الحياة؟ مسؤولية من هي، إيفاء كل صاحب حق حقة بمقدار كده وعمله؟ تلك هي مسألة المسائل، رافقت و لاتزال ترافق الإنسان والمجتمعات في جميع أطوار الحياة وتقلب الأزمان. لاتزال وربما ستبقى، نسبيا، معضلة العدالة الإنسانية في أن تعطي لكلٍ حسب مجهودة، ومن كلٍ حسب طاقته. ليس هناك مسطرة سحرية لقياس الإستحقاق على قدر المشقة والجهد والنباهة والوعاء المعرفي والتضحية، فقوانين العمل تشتغل على وفق العرض والطلب، والطلب تشكله عوامل مختلفة عن العوامل الذي تشكل العرض. وساعات العمل المبذول ليست بمقياس، ولا نوع الخدمة التي يقدمها الجهد البشري بمقياس وحيد، إنما هي مقاييس متنوعة أو متعددة على جانبي العرض والطلب هي التي ينبغي أن تتظافر معا لإيجاد القياس الأضبط لقيمة الجهد البشري، سواء كان يدوي أو ذهني أو الإثنين معا. ثم ماذا نقول بشان الوراثة، والمحيط الذي يصدف أن ينشأ فيه الإنسان الفرد؟ هل نمنع الإنسان من أن يرث والدية، فينعم بما تركاه او تركه أحدهما له؟ ربما ليس في الإمكان إلغاء هذا الحق الطبيعي، ولكن في غالب الحالات قد تفرض عليه ضرائب مقابل الإستمتاع بثروة لم يعمل من أجلها الوريث بنفسه. وعليه سيبقى تساوي الحظوظ مستحيلا، وستبقى الحياة تحابي البعض وتغمط الآخر، وسنبقى نردد أغنية زكية جورج؛
يا من تعب يا من شكة يامن على الحاضر لكه!!!
كامل العضاض
28 آذار 2012 - لبنان-
#كامل_كاظم_العضاض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟