|
طه حسين بين الدين والعلم !!
شامل عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 3680 - 2012 / 3 / 27 - 20:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
" لا خصومة بين العلم والدين " و " لا مصالحة بين العلم والدين أيضاً " طه حسين . نطرح سؤالاً جوهرياً بكلمة واحدة " لماذا " ؟ لا خصومة بينهما لأنّ لكل منهما حيّزه وماهيّته الخاصة , فحيّز الدين هو الشعور والعاطفة وماهيّته الثبات والاستقرار , بينما حيّز العلم العقل وماهيّته التبدّل والتطوّر . هذه هي وجهة نظر عميد الأدب العربي . ( كما يقال بأن النصوص متناهية بينما الحوادث غير متناهية – النصوص ثابتة جامدة بينما العلم كل يوم هو في شأن – ما يؤمن به العلم اليوم قد يُنكره بعد عام , ولكننا في النصوص لا نستطيع أن ننكر أن الأرض مركز الكون ؟ هل نستطيع أن نقتلع النص , هل نستطيع أن نحذف بعض النصوص ,, هل نستطيع تبديل كلمة مكان أخرى ) ؟ ( كل ذلك مخالف للنصوص المقدّسة فهي ثابتة لابدّ من الإيمان بها وبعكس ذلك فإن مصيرنا – الكبريت والنار وجهنم خالدين فيها أبداً - ) ؟ هذا بالنسبة للخصومة ولكن ما هي بالنسبة للمصالحة ؟ لا مصالحة بينهما لأنّ لكل منهما مواضيعه والوسائل التي يبرهن بها عن صحتها . هذا ما صرّح به عميد الأدب العربي طه حسين في كتابه " من بعيد " إذن نستطيع أن نقول بصورة أخرى : ( العلم يحتاج للتجارب والمختبرات بينما الدين نص ثابت محفوظ بين ثنايا الكتب منذ آلاف السنين . ) سوف نسأل بعض الأسئلة : ما هو الفرق بين مصر طه حسين عام 1925 – 1938 ومصر الآن ؟ مصر أحمد لطفي السيد – لويس عوض – محمد حسين هيكل ( وليس محمد حسنين هيكل ) ومصطفى عبد الرازق وبين مصر – محمد حسان والإخوان والسلفية الخ ؟ منهج طه حسين – الديكارتي – ومنهج التمسك بالنصوص الحرفية ؟ مصر الليبرالية ومصر السلفية – مصر التنوع والتعددية ومصر الطائفية ؟ لماذا في دولنا وكلما تقدّم الزمن وتطوّرت الحياة نعود إلى الوراء ؟ العلم والدين – الدين والعلم .. موضوع تناوله أكثر من كاتب وتناولناه أيضاً في مقال " منهجان مختلفان , العلم والدين .. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=290864 جزء من تعليق الأستاذ – يعقوب ابراهامي – على مقالنا " خرافات الأديان " : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=299120 ما هي العلاقة بين الدين والعلم على ضوء التناقض الواضح (الذي لا يقبل الجدل) بين ما يقوله الدين وما يقوله العلم . هناك جزء ثانِ من تعليق الأستاذ الكبير يقول فيه : أنا أعتمد في رأيي هذا، كما في الكثير من آرائي الأخرى، على البروفسور الراحل يشعياهو لايبوفيتس - لايبوفيتس كان متديناً وعالماً في نفس الوقت ولم يكن يجد أي تناقضٍ في ذلك. بحوثه كانت في الدين اليهودي طبعاً ولكنني أعتقد أن آراءه تصدق على الأديان الأخرى أيضا . عندما كان لايبوفيتس يسأل كيف يوفق بين ما جاء في التوراة حول الخليقة وبين النظريات العلمية المناقضة لذلك كان يجيب : أن التوراة ليست كتاباً في الفيزياء ولم تأت لتشرح لنا نظريات علمية – انتهت التعليقات .. طه حسين – 1889 – 1973 . يشعياهو لايبوفيتس 1903 – 1994 . الأفكار متقاربة مع ملاحظة أنهما عاشا في نفس الفترة تقريباً . بسبب هذه التعليقات تناولتً الموضوع مرّة ثانية ولكن حسب رؤية عميد الأدب العربي طه حسين .. يقول الدكتور فيصل درّاج في سيرّ وأعلام ( 2 ) طه حسين وتحديث الفكر العربي : " رفض طه حسين - الذي تلقى معرفة حديثة – اختصار العلوم جميعاً إلى علم الدين / انتهى / . حالياً العكس هو الصحيح مع ملاحظة الفارق الزمني بين عصر طه حسين وعصرنا ,, حالياً كل العلوم مرّهونة بالدين ,, يبدو أن نبوءة – اندريه مالرو – سوف تتحقق ( القرن الحادي والعشرين سوف يكون دينياً ) ؟ حسب وجهة نظر الدكتور درّاج " أن تجربته في الأزهر الذي كان لبعض المدرسين فيه عقلية غير متطوّرة وتأثره بالمناهج الفرنسية " هو الذي دعاه إلى أن يقرن بين البحث العلمي والحرية ؟ يقول طه حسين في هذا المضمار : فلا جديد إلاّ بقراءة القديم ونقده وتجاوزه , وبين البحث الحر والذات المفكرة المستقلة . تطوّر العلم يحتاج للهواء الطلق وإلى الضوء الذي يبث فيه الحركة . وإلاّ بقيت المعارف راكدة لا تأتي بجديد .. ما هو المطلوب من العامل في تاريخ الأدب ( أو التاريخ بصورة عامة ) ؟ أن يستفيد من طرائق العلوم المختلفة –رياضيات – فيزياء – كيمياء – الخ مادام التاريخ علماً مثل العلوم الأخرى أو ( أنّ عليه أن يصبح علماً كي ينتج معرفة متجددة ) . معرفة متجددة لم تكن في حوزة القدماء ( نحنُ لا زلنا نستمد منهم كل علومنا ) ؟ ولكن في نفس الوقت ماذا يتوجب على العالم في هذا الباب وكيف يدخله ؟ عليه أن يدخل متحرراً من الأوهام والأفكار المسبقة وأشكال التعصب الموروثة المختلفة – دينية كانت أو قومية – أو علمية زائفة وما هي بالعلم .. حسب رأيي الشخصي هذا هو المطلوب وهذا هو الذي لا بدّ أن نتبعه – حتى في كتاباتنا وتعليقاتنا – نتحرر من الأوهام والأفكار المسبقة .. متى ما ظهر طه حسين من جديد سوف يكون هناك أمل في طريقة التعامل مع كل من العلم والدين . حالياً هناك الربط بين الكتب المقدّسة والعلم وأنّ الكتب المقدّسة لا تتناقض مع العلم ليس هذا فحسب بل هناك من يحاول أن يفسر كافة الظواهر والعلوم حسب ما جاء في تلك الكتب لذا نرى أصحاب الإعجاز العلمي وهو في حقيقته الإعجاز الخرافي ؟ إذن أراد طه حسين أن يربط العلم بالحياة حسب تعبير الدكتور درّاج وأن يفهم معناه انطلاقا من حاجات الحياة التي تقول – بالتعدّد والتنوّع والتغيّر . إذا كانت الحياة متغيّرة وحاجات الإنسان ( وهذا حقيقي ) وأسئلته متغيّرة فعلى العلم أن يتطوّر وإلاّ تخلّف عن ركب الحياة والمعرفة .. هذا هو التشخيص الدقيق ولذلك نجد المعاناة والسبب عدم التفريق بين كل من المنهجين . لا يجوز أن نتعامل بنفس طريقة القدماء في التعاطي مع التاريخ بل لابدّ من تصرف جديد . لماذا ؟ كي يبقى العلم حياً مع ملاحظة أن اجتهادات القدماء لم تكن مبرّأة من الأهواء السياسية والعقائدية والقومية ( وهذا أكيد ومما لا شك فيه ) . من جراء ذلك يجب أن يكون العلم متنوعاً وهو ما تشهد عليه المعارف الحديثة والتي من ( المستحيل ) اختصارها إلى ( علوم الدين ) .. إذا ما تمّ إقحام العلم ومقارنته مع الدين فإن النتيجة هي ( مهزلة كبرى ) . من يقول بترابط العلم مع الدين هي تلك العقول المنقطعة عن العصر الحديث . لا علم إلاّ بصيغة المفرد والتي تعني أن لكل علمه حقله . لا سبيل إلى تقدّم المعرفة إلاّ بالاختصاص ,, هذا الاختصاص يحتاج إلى تراكم معرفي وإتقان أكثر من لغة مع الانفتاح على ما أنجزه العلماء , دون النظر إلى القوميات والعقائد ( العلم كان كونياً ولا يزال ) . إذن مرّة ثانية – ثالثة – لا بدّ من طه حسين لا بل أكثر من طه . طه حسين الذي قال عنه نزار قباني " إرم نظارتيك ما أنت بأعمى إنما نحنُ جوقة العميان " من يحاول أن يربط النصوص مع العلم يدخل ضمن جوقة العميان لا محالة .. لقد نفر عميد الأدب من تقديس القديم ومن المحافظة الشديدة . التي لا تعترف بالتاريخ ولا بتقدّم العلوم . يجب أن ننفر جميعاً من الذين يباركون الانصياع ويرون في الفضول المعرفي زندقة وتطاولاً . إذن شعار طه حسين ( والذي لا بدّ من استحضاره ) الجديد في مواجهة القدماء . يجب أن نمتلك عقولاً قلقة متسائلة لا تركن إلى الإجابات الجاهزة ( الكتب المقدّسة ) فكل ما جاء فيها لا يمت لهذا العصر بصلة بل يناقضه ويخالفه المنطق والعقل . يجب أن يكون دور الفكر الجديد ( كان قائماً ) تثوير العقل والعلم والمجتمع معاً . يقول طه حسين في كتابه العظيم – مستقبل الثقافة في مصر – ( لا بدّ من ثورة تقتلع طبائع الاستبداد من حياتنا ومن فكرنا ولن تتحقق هذه الثورة إلاّ إذا شاعت ثقافة الحرية ثم تمكنت من النفوس بحيث يتكوّن على أرضنا ( الإنسان – الفرد – الحر ) . في كتابه الأدب الجاهلي يقول بتصرف : ( أما إذا أردنا أن نذهب مذهب الشيوخ - المألوف – في المدارس والجامعات فالأمر يسير كل اليسر ,, نحن لا نحب هذا الطريق – وأنا لا أحبه كذلك - ولا نريد أن نسلكها – نحن نريد أن نمحو آثار هذه الطريقة ونطمس أعلامها ونمدّ مكانها طريقاً أقوم وأوضح وأهدى ) . لا بدّ من هدم العقلية المحافظة – داخل التعليم وخارجه – ونقض منظور الشيوخ . كما هو معلوم تعرّض الرجل إلى ما تعرّض إليه من – تكفير واتهام بالعمالة والتبعية للغرب . الآن على صفحات الحوار المتمدّن والذي هو الرأي والرأي الآخر نقرأ مثل هذه الاتهامات من قبل البعض لمخالفيهم ؟ دعا طه حسين إلى مجتمعات لا تتخلّف عن ركب الحضارة الإنسانية . سعى في قراءته الجديدة ( نظرة ثوريّة ) إلى تحرير الحاضر من ثقل الماضي . الحاضر لا يشرح بالدين بل بالعوامل التي تشرح بها المجتمعات الإنسانية الأخرى . هناك قاعدة صحيحة تقول : لا يمكن تأويل الماضي إلاّ بقوة الحاضر الهائلة . العلم لا يتقدّم إلاّ بمساءلة علمية تحتمل الخطأ . كان طه حسين مؤمناً بوظيفة العقل , يقول في كتابه " في الأدب الجاهلي " : شعراؤنا لا يزالون مجهولين – كتّابنا لا يزالون مجهولين – أدبنا كله لا يزال مجهولاً ( لا بل تاريخنا ) . لماذا ,, هذا سؤال جوهري حسب رأيي الشخصي ؟ لأنّ الذين يتكلّفون تعليمه ونشره يجهلونه وهم يجهلونه لأنهم لا يقرؤونه وإن قرؤوا ( أو قل ) قرؤوا منه شيئاً فهم لا يفهمونه على وجهه . من هنا وحسب ما أتبناه أنا شخصياً لا بدّ من إعادة قراءة وكتابة التاريخ من جديد دون الارتكاز على كتب التراث الصفراء بل بطريقة علمية بحتة لعل الأجيال القادمة يكون حظها أوفر من حظنا البائس ؟ ندّد طه حسين بالقراءة الزائفة ( لازال البعض يمارسها ) التي تحتفل بالكتاب القديم وتضع العقل جانباً . ( لابدّ من قراءة فاعلة – تنقد ونقارن وتتقصى ) شك طه حسين وأوغل في الشك مقرراً أولوية المساءلة على التعلّم ( نحن نقرأ الكتب المقدّسة ونرددها كالببغاء دون تفكير ودون وعي ودون إعمال للعقل ) .أولوية العلم في الحاضر على ما جاء به القدماء , أولوية الزمن الحديث على الماضي البعيد . يجب إعادة تأسيس ما بدأه طه حسين " تأسيس المشروع النظري – العملي على مبدأ التحرّر , تحرير العلم من الأساطير وما يشبه الأساطير , تحرير العقل من البدا هات الزائفة التي تصادر حركته , تحرير المجتمع من قيود الماضي , تحرير الإنسان من العوائق التي تلغي فرديته وتجعله تكراراً سلبياً لما جاء قبله . " راهنية فكر طه حسين اليوم " : بدأ طه حسين في فترة صعود حركة التحرر العربية ( 1948 – 1967 ) مثقفاً ليبرالياً لا يلبّي طموح - الثورة العربية – ومفكراً – إقطاعياً – تجاوزته – المبادئ الاشتراكية العلمية – بل بدأ " فرعونياً " لا يميل إلى القومية العربية و " متطاولاً " على المقدّسات , لا يمكن التساهل معه . غير أنّ قراءته اليوم وبعد الإخفاق الشديد الذي مُنِيّ به المشروع التحرّري العربي في أطيافه المختلفة , تقترح تعاملاً جديداً معه فقد دافع هذا المفكر " المقاتل " في زمنه عن مقولات رائجة اليوم مثل الديمقراطية – العقلانية – حقوق المواطنة – المجتمع المدني – وحدة التعليم – الانخراط في الحضارة الإنسانية الحديثة .. ( الدكتور فيصل درّاج ) . ( أين أنت يا طه حسين ) ؟ / ألقاكم على خير / .
#شامل_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إدمان السلطة ( متلازمة الغطرسة ) ؟
-
الماركسية في عصرنا ؟
-
خرافات الأديان !!
-
ما هي الثقافة , من هو المثقف ؟
-
رؤية تاريخيّة مختلفة ؟
-
إسرائيل والربيع العربي ؟
-
بدايات الإسلام بين الروايات التقليدية والمعطيات الأثرية ج2
-
الربيع العربي من منظور * توماس فريدمان * ؟
-
بدايات الإسلام مرّة ثانية !!
-
روايات تراثية !!
-
هل تستطيع الفيلة أن تطير ؟
-
من رسائل الأصدقاء - الأخيرة - !!
-
من رسائل الأصدقاء !!
-
الثورة السورية والحرب الأهليّة !!
-
سؤال قديم , جديد , لماذا تخلّفنا ؟
-
منهجان مختلفان ,, العلم والدين ؟
-
داليا وصفي ..
-
من الاستقلال إلى الربيع العربي !!
-
ما بعد الربيع العربي ,, هل هي الطائفية ؟
-
كيف يكون النقد وهل هناك سبب واحد للتخلف ؟
المزيد.....
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|