أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - خطوط على وجوه المدن العظيمة: اثار الجيش الامريكي في بابل














المزيد.....

خطوط على وجوه المدن العظيمة: اثار الجيش الامريكي في بابل


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1083 - 2005 / 1 / 19 - 11:30
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


عندما كنت طفلا, كنا نقضي عطلتنا الصيفية في "عنه". كانت"عنه" لمن لايعرفها مدينة من اعرق المدن تاريخا في العراق, ذلك البلد الفائض بالتأريخ حيث تغفو على ضفاف الفرات. اما اليوم فترقد "عنه" تحت مياه سد حديثة.
كنا نذهب نحن الصغار الى عنه من اجل الفرات, الذي نسميه "الشط". هناك كنا نسبح ونلعب ونعبر الى الجزر الخرافية الجمال, المليئة بالنخيل والاعناب والشمس. كنا نأكل منها "البسر", التمر الذي لم ينضج تماما, ونتقافز بين ماء الشط البارد والرمل الحارق ونحن نستمع الى اغاني النواعير الازلية.
ما ان نصل عنه بعد سفرة مرهقة طويلة, حتى ننطلق من السيارة, نحن الاطفال اولا, فاذهب فورا الى النهر, قبل ان ادخل بيت جدي. وهناك ابقى انظر اليه واستمع الى صوت الناعور وتكسر ماء النهر على صخور "السكر" حتى اشبع.
ومما كان يبهرني ويتركني مسمرا لدقائق عديدة في كل مرة, وانا طفل في الثانية عشر, خطوط متوازية مقوسة على الجص, هي اثار اصابع من بنى تلك الحيطان العالية في الطريق الى "الشط". كنت اتخيل, واهما على الاغلب, ان هذا الرجل قد مات منذ زمن طويل, وان هذا ما بقي منه لنا, فاشعر له بالامتنان واحس باطمئنان لا اعرف تفسيره.

خلال الاستعدادات الجارية لتسليم موقع اثار مدينة بابل من قبل الجيش الامريكي الذي اقام معسكرا كبيرا فوقها, الى السلطة العراقية قام جون كرتس, عالم الاثار البريطاني المسؤول عن قسم اثار الشرق الادنى في المتحف البريطاني, بجولة في المدينة في الشهر الماضي, واصدر تقريرا عن الاضرار التي تسبب فيها الوجود العسكري الامريكي للموقع الاثري العظيم.
قال عالم الاثار ان العسكر قد تسببوا باحداث اظرار جسيمة للموقع الذي يعود الى فجر الحضارة الانسانية:
"تم دك وتسطيح مقاطع كاملة من المدينة, وتمت تغطيته بالحصى. لقد هشمت الناقلات العسكرية الثقيلة, بلاطات كانت قد صمدت 2600 عام. كذلك اصيبت قطع طابوق الزخرفية من حول بوابة عشتار الشهيرة باضرار بالغة حين حاول البعض انتزاعها"
علق احد الصحفيين على ذلك بالقول "لعل اثار بابل لاتعني للجنود الامريكان الذين لم يسبق لهم مغادرة مدينتهم, اكثر من بارك تالف في ديزني لاند"
ويضيف كرتس: "من المؤسف ان مخيما عسكريا بهذا الحجم لايجد مكانا يبنى عليه غير احد اهم المواقع الاثرية في العالم"
"لقد تمت تسوية مساحات حول هذا المكان وغطيت بالحصى واحيانا عوملت بمواد كيمياوية لتستعمل كمنصات هبوط طائرات سمتية او باركات للناقلات او مخازن او للسكن." واضاف:"اصيب بالضرر تسعة من اشكال التنينات الخرافية المصنوعة من الطابوق الخزفي في بوابة عشتار, وانهار جزء من سقف معبد نينماه الذي كان قد تم ترميمه سابقا, كما ان الجيش قام بنقل كميات كبيرة من الرمل والتراب الى الموقع من مناطق اخرى, مما سيعرقل اية عمليات بحث اثارية مستقبلا"


تحمل المدن العظيمة تاريخ البلاد والبشر الذين مروا بها بشكل بقايا صراع بين الحضارة والوحشية. انه قدر كل مدينة عظيمة, ان يكتب التاريخ بخطوط على وجهها. خطوط الاصابع بشكل جروح عمران وتخريب. تحمل اثار الانسان الحضاري الفنان المحب, والعسكري الهمجي المتخلف
هل كتب على المدينة التي كتب فيها الانسان اول قانون له, وصمدت بوجه الزمن والغزاة الاف السنين, ان يصاب وجهها خلال السنين الاخيرة القليلة باثار هجمتين وحشيتين متتاليتين.

فقبل سنين, دكت حماقة ووحشية صدام حسين مدينة بابل حين راح يلطخ بالطين والطابوق الحكومي شواهد احدى اقدم حضارات الانسان لكي تكون مناسبة ل "مهرجان بابل" حيث سيغني له المتملقون كل عام. بعد ذلك قام باقتلاع الاسس الاثارية لكي يضع بدلها طابوقا نقش عليه: "تم ترميمه في عهد صدام حسين". لم تكن تلك الاطلال القادرة على ان تبعث القشعريرة بالشعراء وينحني امامها المتعلمين خاشعين, لم تكن قادرة على الدفاع عن نفسها امام صدام او الجنود الامريكان وما شابههم من البشر.. لم تتمكن بابل ان تثير فخر صدام باعتباره ينتمي بشكل ما, الى ارض تضم مدينة اول القوانين في العالم, مدينة حمورابي. وكيف له ذلك وهو الذي وصف القانون يوما بانه ليس الا "جرة قلم"؟ لعلنا نطلب منه اكثر من طاقته.

واليوم, لعلنا نظلم الجنود الامريكان ايضا, ونطلب منهم ما هو فوق طاقتهم. فليس من السهل على من لم يشاهد سوى افلام رامبو وشوارتزنكر في طفولته ثم في شبابه, ان ينتبه الى خطوط متوازية منحنية على الجص او الطين او القار, ويحلق بخياله حتى يكاد يلمس اصابع الانسان التي خطتها لكي تنفح فيه بعدئذ, الدفء والاطمئنان.

ليس من العدل ان نطلب ذلك ممن لم يمر به الا اثار الناقلات المسرفة على الاسفلت.



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع بين المتضامنين مع الشعب الكردي
- طائر الشمال الجميل يسحب استقالته!
- استقالتك مرفوضة ايها الطائر الجميل
- خير الامور ليس دائما اوسطها: في العلاقة العربية الكردية في ا ...
- الاعلام والحملات الانتخابية -4 – نظرية التوازن النفسي وتأثير ...
- الحملات الانتخابية والاعلام -3- الخط الايديولوجي
- تحية تقدير للمبادرات السياسية الذكية واصحابها
- ملاحظات حول مشروع الدستور الدائم للدكتور منذر الفضل
- الحملات الانتخابية والاعلام 2- حلزون الصمت
- الحملات الانتخابية والاعلام-1- الرسالة الاعلامية والمتلقي
- من هم الملوك؟
- ملاحظات عاجلة حول الحملات الانتخابية
- الامانة الموضوعية.. والشجرة: مراجعة لمقال صبحي الحديدي
- لم الحماس للقوائم الموحدة؟
- خدمتين جديدتين مهمتين لمستعملي الحاسبات
- هولندا: شعب طيب وصحافة عاهرة – 2- منع التكامل الاجتماعي –
- مقالق جلالة الملك
- الانتخابات: سنذكرها كحلم جميل, ام كابوس مرعب؟
- هولندا: شعب طيب, وصحافة عاهرة: 1- -كفار وسرقتهم حلال-
- عقدة الخوف من صدام تعود الى قلوب العراقيين


المزيد.....




- الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس ...
- الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو ...
- غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني ...
- انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
- خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
- عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ ...
- روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا ...
- عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
- مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات ...
- السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية! ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - خطوط على وجوه المدن العظيمة: اثار الجيش الامريكي في بابل