يوسف غنيم
(Abo Ghneim)
الحوار المتمدن-العدد: 3679 - 2012 / 3 / 26 - 16:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا أردنا أن نحلل الواقع للوصول إلى أليات التغير المناسبه علينا أن نحرر فكرنا بجعله خلاقا أي قادرا على أن ينتج معرفه علميه , نحن بالعاده ننظر إلى الواقع من خلال فكر متكون في محاوله لتطبيقه على الواقع بشكل ينسجم معه , بشكل يحافظ على أمانتنا لهذا الفكر المتكون الذي نعالج الواقع من خلاله , الصعوبه في هذا النهج كامنة في محاولتنا التوفيق بين الأمانه الفكريه والإنسجام مع الواقع وحدود نجاحنا في ذلك.
الإشكاليه التي تواجهنا هي في الفكر المتكون وخاصة المقولب سلفا والذي يقوم على قرارات نهائية وقطعية ترفض المرونة سلفاً، لا في الواقع وتطوره ولأننا نؤمن بأن الفكر هو إنعكاس للواقع فلا يمكننا إغفال إلتقاط حركة الواقع وأثره في تبلور الفكر الذي يشكل إطارا عاما ننطلق منه في إشتقاق اليات التغير بالواقع في عملية هي الأعقد في حركة المادة حيث يصبح الإنعكاس أداة لتغير المنعكس في علاقة جدلية.
إن إغفالنا للعلاقة المتشكله ما بين الواقع المتجدد بل حتى المتحول والفكر الذي عليه التجدد إنطلاقا من حركة الواقع الموضوعي يدفعنا في نهاية النهايات إلى معالجة هذا الواقع في قوالب فكرية متكونه ومحدده الأمر الذي يدخلنا في عملية صهر للواقع لينسجم مع القوالب الفكرية في محاولة للتماثل معها في عملية إرادويه لتنميط الواقع في سياق حركته الموضوعية الأمر الذي يدفعنا إلى رفض حالة التجدد المرافقه للتطورات العامه مما يجعلنا نعيش أوهام الفكر في محاوله عكسه على واقع تجاوزه بتطوره مما يجعلنا عاجزين عن تغيير الواقع وفق سيرورته الطبيعيه .
المنطلق الذي سيحكم معالجتنا للأزمه السوريه يستند إلى معالجتنا للواقع الذي تشكل النظام خلاله وما نتج عنه من مقولات إستند إليها في التصدي لأشكاليات للواقع والنتائج التي ترتبت على معالجته لها .
نشأ النظام في سوريا في عملية مخاض عسكري نتجت عنها سيطرة البرجوازيه الصغيرة على السلطة السياسية حيث عملت على وضع هدفين الأول التصدي للإحتلال فيما عرف بالتحرر الوطني وإن شئت القومي والثاني البناء الإشتراكي .
لتحقيق الهدف الأول عمل النظام على نسج تحالفات عسكرية وسياسية مع المعسكر الإشتراكي خاض أثناءها حرب تشرين عازما على تحرير الأراضي العربية السوريه , مع إخفاق الحرب بتحقيق أهدافها المعلنه للعديد من الأسباب أهمها إختلاف مقاصد الحرب لدى الأطراف المتحالفه , حيث سعى السادات إلى تحريك الحالة السياسية من خلال الحرب على قاعدة أن99% من أوراق الحل بيد أمريكا, بالوقت الذي إعتقد الأسد بإمكانية تحرير الجولان في ظل المعادلات الدوليه التي سادت في تلك المرحلة حيث تمكن الجيش العربي السوري من الوصول إلى شاطىء طبريا، لكن خيانة السادات ووقفه للنار أعطت الكيان فرصة الاستفراد بسوريا وخاصة بعد أن اقامت أميركا جسرا جويا لإعادة تسليح الكيان.
أدخلت نتائج الحرب النظام بأزمة داخلية حقيقية تمثلت بتراجع أية إمكانيه لخوض حرب شاملة ضد إسرائيل نتاج خروج مصر من دائرة الصراع المباشر مع الإحتلال بعد توقيع إتفاقية كامب ديفد الأمر الذي دعاه إلى رفع شعار التوازن الإستراتيجي للهروب من إستحقاق الفشل في مواجهة إستمرار إحتلال الجولان وتحميل حالة الإستعداد للحرب أي إخفاق يمر به النظام .
الهدف الثاني البناء الإشتراكي
إعتقد النظام بإمكانية بناء إقتصاد إشتراكي من خلال بناء قطاع عام يقوم بإدارته ليشكل مقدمة لإقتصاد إشتراكي يعالج الإشكاليات الإقتصادية والإجتماعية المترتبه على إدارة الصراع مع الإحتلال الصهيوني , تمكن القطاع العام في البداية من إستيعاب الأيدي العامله وتحقيق إكتفاء ذاتي بإنتاج الإحتياجات الضرورية تجدر الإشارة هنا أن النظام السوري تمكن من عدم المديونية رغم إنفاقه الهائل على السلاح ورغم مجانية الطبابة والتعليم .
بعد مرحلة التسعينات دخل القطاع العام بإنكفائه فلم يعد قادرا على تلبية الإحتياجات الناتجه عن التطور الطبيعي للمجتمع السوري وشكل الفساد السبب الرئيس لذلك بفعل تغول الفئات الطفيليه على الإقتصاد مما ساهم في تخلف القطاع العام بفعل إفتقاده لعناصر التطور التقني والفساد المالي والإداري وتجلى ذلك في تكون شريحة النومنكلاتورا والتي هي اليوم المعيق للإصلاح من داخل النظام نفسه، وهي التي يحاول الرئيس الحالي لجمها., لقد توهمت البرجوازيه الصغيره (بما هي الجزء البريوقراطي من اللسطة المتحول إلى راسمالية كبيرة والمحتفظ بأفكار يسارية) بأنها تمتلك الإمكانيه لبناء مجتمع إشتراكي من خلال بناء قطاع عام تقوم بإدارته بعيدا عن القوى الإجتماعية صاحبة هذا المشروع (الطبقة العاملة وقواها السياسية ) والقادرة على حمل هذا المشروع إلى النهاية إرتباطا بدورها التاريخي , لقد أغفلت البرجوازيه أن دورها ينحصر بالجانب السياسي وهذا ما أعطى النظام امكانية قيادة سوريا خلال العقود الماضية مستندا على تحالفات طبقية أخذت مظهرا طائفيا فيما عرف بنظام (العدس ) شكل إستمراره مأزقا حقيقيا لإمكانية مواصلة الحكم بذات الطريقة التي سادت خلال المرحلة الماضية خاصة في ظل تفاقم الوضع الإقليمي .
لم تعد شعارات وأدوات الماضي قادرة على حمل المواطن السوري على تحمل تبعات إخفاق النظام إقتصاديا وإجتماعيا إضافه إلى الإخفاق في تحرير الجولان طيلة العقود الماضيه وإدارته للصراع عبرالأراضي اللبنانيه من خلال التحالفات والصراعات التي أدارها مع الفصائل الفلسطينية خلال السبعينات والثمانينات والتحالف القائم مع حزب الله إلى الأن .
ما لم يستطع النظام السوري فهمه إلى راهن اللحظة:-
• ضرورة إجراء تغير حقيقي بالنظام السياسي وهذا لا يتأتى من خلال صياغة دستور جديد فقط بل من خلال ممارسة على الأرض تعمل على التخلص من حالة الفساد والقمع التي إستشرت في مفاصل الدولة وتعمل الأن على الحد من إمكانية التغير الحقيقي .
• إعطاء دور حقيقي للقوى الوطنية المعارضة في سوريا الرافضة لأي تدخل خليجي أمريكي تركي من خلال تشكيل قيادة وطنية تشاركية من النظام والمعارضة الوطنية على قاعدة الجمع ما بين مقاومة التدخل الخارجي بالوطن سوريا وبين مطالب الشعب العربي السوري بالحرية والكرامة .
• محاربة الفساد المستشري بمؤسسات الدولة على إختلافها من خلال إعادة صياغة التحالفات الطبقية على قاعدة التناقض ما بين الجماهير الشعبية والفئات الطبقية الطفيلية المتشكله من البرجوازية الكولونيالية ضمن بنيتها وعلاقتها بالرأسمالية العالمية .
المشروع الوطني التقدمي في سوريا يقوم بالأساس على قاعدة نفي الطبقة الحاكمة المالكة الفعلية لوسائل الإنتاج , عبرالمشاركة الشعبية الحقيقية بتغير النظام إنطلاقا من الدور الحقيقي للجماهير في صياغة مستقبلها .
#يوسف_غنيم (هاشتاغ)
Abo_Ghneim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟