|
أنا ومنْ يعلموني السحر : جويْنَر ونادال وميسي .
ليندا كبرييل
الحوار المتمدن-العدد: 3679 - 2012 / 3 / 26 - 11:49
المحور:
عالم الرياضة
العاقلة التي ابتعدتْ عن طريق بروس لي وهي طفلة ، دخلتْ وهي كبيرة في طريق أوداها للبلد الذي وُلِدت فيه رياضة بروس لي . رأيتُ في عالم الغربة الجديد ما لا عين رأت ولا نفس اشتهت .. هل أقارن بين عالم ركب قطار الرصاصة ويتهيأ للفائق السرعة ، وعالمي القديم الراكب في أحسن الأحوال دراجة الأطفال ذات العجلات الثلاث ؟ أصبتُ بشرّ الشراهة ، وتفتحت عيناي بلاليع فاغرة محاجرها لتلقي كل جديد . نظّمتُ حياتي بحيث أغرف من كل الهوايات التي فتنتْني في الماضي . وبدأتُ أتعرف إلى عالم الرياضة والفنون الحقيقي . واكتنز دفتر ملاحظاتي الصغير بأسماء الموسيقيين واللعيبة الرياضيين في كل المجالات ، ثم ما لبثتُ أن استبدلته بالأكبر ، ثم استغنيتُ عن الدفاتر بعد أن أصبح اللعيبة يعيشون داخل بيتي . تغيّرتْ وجوه كثيرة في ميدان كرة القدم حتى وصلتُ إلى دروغبا ورونالدو وكلوزه ورونالدينهو وميسي ...... لكن وجهين ظلّا يزاحمان كبار الأبطال بإلحاح : مسعد ابن الجيران ، الذي كان يلاعب الكرة كالساحر .. برأسه ، أكتافه ، ظهره ، ركبتيه ثم يشوطها في المرمى بكعب قدمه ببراعة ! لو توفّر له منْ يعتني به .. لو ~~ ووجه زميلتي فاديا الذي أذكره الآن بكل رضى بعد أن غصصتُ منه وأنا صغيرة . كان من الممكن أن تكون ( جويْنَر ) العرب .. آه لو توفّر لها منْ يعتني بها غير صاحبة ( الضرّاب السخن ) إياها .. لو ~~
كتبتُ في دفتر مذكراتي ذات يوم من عرس كأس العالم ما يلي : { أعيش في قسم الكروية الأرضية الذي تصافحه الشمس أولاً .. في الوقت الذي يكون فيه متبّلو قلبي من لعّيبة مباريات كأس العالم في نومهم وسابع أحلامهم . والمتبولة أنا في اليقظة تفكر بمباراتهم القادمة مساء اليوم وهي تطبخ فاصولياء ورز . وتطبخ لهم الخطط وترسم طرق اللعب ، وتوزّع الكروت الصفراء والحمراء على هذا وذاك ، وتضع على دكة الاحتياط منْ تشاء ~ وتتمادى أحلام يقظتي ، لتُنسِج أحداثاً تُركِب هذا اللاعب المشاغب أبو لسان طويل مخالفات ، وتجعل الطاحش يُخطئ الهدف فيضرب جبينه بكفه بأسف شديد ، تستاهل ~ خلليك تتعلم كيف تكون أخلاقك عالية فلا تدفع زملاءك برعونة كعادتك دون اعتذار ثم تركض كأن شيئاً لم يكن ، وأنتَ كل همّك لفت الأنظار لشعرك الملفوف كاليبرق يهتز شمالاً ويميناً من حركة رأسك المقصودة ، ثم يذهب التمنّي أقصاه عندما أصل به إلى حافة طرده من الملعب هاها ! في هذه اللحظة بالذات يجب أن يتدخل الوعي بأية صورة ، وإلا ~ قلْ السلام على طبخة الفاصولياء التي بدأتُ أتنسّم رائحة الشويط منها ! إلى هنا والأمر محمول .. إلا ثالثة الأثافي باحتدام النقاش مع زوجي وطلعان خلقه على أبو الكرة وعمايلها ، وعلى كاكا وتوريس وبيكهام الذين يسهرونا لوجه الصباح وفوقهم الفاتن التنسي نادال ، ذلك أن مباريات التنس مثلاً تمتد أحياناً لخمس ساعات وأكثر . لكني كنتُ أواجه ثوراته بالهدوء وعلى الهسّي أستعد للمباريات بالمازاوات بأسلحتها الخفيفة والثقيلة من لبان ومشكّلة من الفستق والقضامة واللب أي البزر الأسود بنوعَيه الصغير للمباريات الثقيلة والكبير للمباريات الخفيفة ، وترمس قهوة على يميني وآخر شاي على يساري ، وعصاية طويلة لالتقاط الأشياء أو تقريبها ، أو لأطول بها الشباك لفتحه وإغلاقه وأنا جالسة . ووجود ابني الذي يشاركني هوايتي لحسن الحظ ضمان لعدم إثارة غضب سيدنا الزعلان الذي قطع أمله تماماً من مشاهدة التلفزيون وقت الأحداث الرياضية الكبرى بعد أن ظهرت بوادر أعراض ولع ابني بكرة السلة . خير وسائل الدفاع : الهجوم . أبدأ هجومي على سيدنا بتعميم التعليمات : فينك ! فؤاد المهندس ما في ، يا بتشتري لي تلفزيون خصوصي يا بتشوف مسلسلاتك عند الجيران هاها . وفوق ما أني شحّاد ومشارط كمان ، فلو عنده مثلاً سؤال عن البيت فعليه طرحه قبل المباراة لأن عقلي سيكون مشغولاً بها ، ويدي غير فاضية حيث سأفقّش البزر تخفيفاً للعصبية ، وصوتي مؤجّر للتشجيع ، وقتي ثمين فأنا سيدة مباريات ( على وزن سيدة أعمال ) .. هذا وغنيّ عن الذكر ، أنه لو جاء الملك بجلالة قدره لزيارتنا سأقول له ، الضيافة ذاتية اخدمْ نفسك بنفسك ، رجلي منمّلة ومش قادرة وقّف لك ! وطبعاً .. لا بد أن أسمع منه الكليشة ( يا عيني على نسوان اليوم ) . الليلة .. ستلعب هولندا مع البرازيل في ربع نهائيات كأس العالم . ابني وأنا ننتظرها . ستبدأ بعد ساعة . من شباك الغرفة نشاهد عامل الكهرباء يتسلّق على العمود لتصليح عطل ما ، وإلى جانبه للمساعدة كان سلم آليّ يرتفع من سيارة مصلحة الكهرباء الصفراء وهو يصدر صريراً غريباً ! طلع السلم لفوق ؟ أبداً وصل لعند العامل ؟ أبداً أعطى جرس إنذار بحدوث عطب ؟ أ.. بَ .. داً طيب .. فين راح ؟ السلم السكران الدايخ ترك شارعاً بطوله وعرضه .. ومن كل البنايات ما شاف إلا بنايتنا .. ومن كل البيوت ما شاف إلا بيتنا .. إلا بلكوننا .. إلا شباكنا .. إلا .. أجل ، إلا الدِش الذي حرمتُ نفسي من أطايب الطعام والشراب لشرائه ثم يأتي السلم الأحول ليتشعبط به ويوسعه عناقاً فجاء بخبره بغمضة عين !! شهقتُ .. ولا أستطيع أن أتذكر إن توقّف نفَسي للحظات ، لكني استطعتُ أن أرصد شعور الصدمة على وفاة حلمي بمتابعة كأس العالم لا على الديش نفسه .. لحظة دراماتيكية ، تمنيتُ لو كانت هناك كاميرا لتصوّر ردّ الفعل على عضلات وجهي وقسماته ولونه . خرج العامل فوراً واعتذر بحرج شديد ووعد بالتعويض . طيب والمباراة يا أخانا ؟ منْ يعوّضها ؟ اضطرب ذقني تأثراً وأنا أقبل اعتذار العامل ، ومن عينيّ تنطلق رصاصات رشاً دراكاً ، فينحني أسفاً كيلا تصيبه في مقتل .. وظل منحنياً حتى فرغ الرصاص من فوهتَيْ بندقيتي . انبرى سيدنا يلطّف الجو ، وهو لا يدري أنه يساهم في إعادة تعبئة خزان الرصاصات . قال إن النتيجة ستظهر في الصحف وسيعيد التلفزيون عرض المباراة ثانية . ثا .. ثا .. ثانية !! هل تعلم ما معنى ثانية يا أستاذ ؟؟ إنها تعني لي أن العملية الفنية فقدتْ أهم عناصرها : الإثارة ، التشويق للخطوة التالية . معرفتي بالنتيجة تعني أن عملية صناعة الجول برمتها قد أصبحت تاريخاً ، والتاريخ ميت لا شعور فيه . نظر الأستاذ باستهانة وقال : يا لطول بالك وأنتِ تشحذين قواكِ على مدى تسعين دقيقة أو أكثر لرؤية اللاعبين يجرون وراء كرة ثم يضعونها في المرمى . هه .. أين المتعة ؟ صبراً جميلاً ! ولِمَ يبقى في قوس الصبر منزع ؟ قلْ يا رفيقي السلام على الصبر وقد بدأ الحزن يعصر خزّان الدمع وانطلقت الرصاصات في وجهه هذه المرة من المسدس : أين المتعة ؟؟؟ إنها كالروايات التي تعشقها يا أستاذ .. هنا حوار القلم وهنا حوار القدم ، إنها كالسيمفونيات التي تهيم بها .. هنا تجري وراء فكرة وهنا تجري وراء كرة .. المتعة أن ترى أعلى لحظات التركيز عند الإنسان ! أبطال الأفلام ، أبطال الأقلام ، أبطال الأقدام ، الحدث بذاته عملية ولادة بعينها ظلام فلِقاء ، فأزهار تبتسم بأواخر الشتاء ، فمخاض فطلْق فخلْق . بهت سيدنا ، ارتفع حاجباه وظلا معلقيْن في سقف جبينه . ثم استدار إلى غرفته وأنا أراه يهز رأسه بحِيرة . رقّ قلب سيدنا وغلبه انكسارنا أنا وابني ، فرافقنا إلى مقهى لمشاهدة المباراة . وهناك أعطاني مبلغاً لأقطع ثلاث تذاكر في الصفوف الأمامية ريثما يحجز هو طاولة قريبة من شاشة التلفزيون الضخم ، فشاورتُ حالي ووجدت أن الصفوف الوسطى لا بأس بها وسيزيد معي مبلغاً نتناول به أيس كريم تطييباً لمشاعرنا المجروحة . سيدنا ظنّ أنها من ضمن سعر البطاقة ، وسألني لماذا كمية الأيس كريم في صحني وصحن ابننا أكبر مما لديه ؟ فقلتُ له إن المبلغ لم يكفِني لتدليل منْ لا يقدّر كرة القدم .. ولم يفطن إلى أنها على حسابه إلا عندما سألني عن بقية المبلغ ، فأفهمته بالتي هي أحسن أننا بها نتناول البوظة على روح الدِش .. هنا تغيرت كليشة التعبير عن الامتعاض وأصبحت ( ما شاء الله على نسوان اليوم ) . عوّضونا ب ( دش ) حديث في اليوم التالي ، كنت أحلم بشرائه .. والأحلى ، أن سيدنا الزعلان استمتع بالمباراة كثيراً لأن هولندا فازت . أغلب الظن أنه تقصّد إظهار فرحه وسعادته إغاظة لنا ، فأنا لم أعرف عنه اهتماماً بالكرة . فوّتُها له طبعاً وآلفتُ قلبه كي أضمن صمته للمباريات المقبلة . ومع الأيام صار سيدنا ( الضحكان ) يزاحمنا أنا وابني جلساتنا فأسعدني كثيراً وشجّعته .. ولكن .. بعلمي كان مكانه المفضل على طرف الصوفا فأصبح يتقدّم كل يوم عشرة سم حتى صار يتصدّرها ! لأ والأكثر أنه راح يجلس عليها متربعاً لوحده وبالبيجاما ليأخذ راحته ، وانتقل صحن الموالح والفستق من وسط المكان العام على الطاولة إلى طرفها ثم فجأة إلى حضنه وهو ممسك طوال الوقت بأذن الصحن وكأنه خايف أن يشاركه أحد به !! وأصبح لا يستطيع أن يحمل كاسة ماء بسبب التنميل الفجائي في قدميه !!! وتعلّم حِيَلي .. عندما اكتشف فائدة العصاية التي تهوّن عليه التقاط أو تقريب الحاجات دون تنكب عناء القيام والجلوس ، وكم كنت أتضايق وأنا أراه يشير بالعصاية حتى تكاد تلامس الشاشة مستهيناً بلاعبي المفضل الفلاني الذي أهدر بحماقة فرصة عظيمة . وبدأت حركات مشبوهة منه للالتفاف علينا والقضاء على شعاراتنا وتصفيتها وكسر هيبتنا الكروية ، تصعيد خطير منه عندما بدأ يراهنني على مَن سيفوز في مباراة اليوم .. واسترجع بتكتيكه هذا ثمن الأيس كريم مضاعفة .. وإذ بساند ظهري ناكر الجميل ابني الذي حملته وربيته وطلعوا عيوني لبرا وأنا ساهرة الليالي أعلّمه الرماية كل يوم ، يشتدّ ساعده عليّ ويتحول إلى صف أبيه بعد أن رأى تحليلاته الرياضية أصْوَب من تقديراتي ، ومع الأيام انحرقتْ الكثير من أوراقي وانقلبت الموازين إلى صالح خصمي الرياضي ، وفي ليلة حالكة وجدت مكاني قد أصبح على طرف الصوفا !! مكانه الذي كان له ذات يوم قريب .. وأصبح الحزب القائد . اليوم لا تفوته مباراة تنس ، خصوصاً لنادال الإسباني العظيم ، عنوان الإصرار والتحدي ، الحاسم العازم ، زارع الحدائق في الحدقات ، وباعث الشباب في الشيّاب . لا أنا ولا رفيقي .. الرياضة هي التي كسبتْ مشجعاً جديداً للحياة !
الحلقة الرياضية القادمة
رادونا ولّا ما رادونا فقد أصبحنا مارادونا
الحلقات السابقة
1 . http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=297127
2 . http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298117
3 . http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=299447
#ليندا_كبرييل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وإن ذُكِرت الرياضة قلْ : ربّي يخلليها ويزيدنا فرفشة
-
كل هالدبكة والدعكة .. على هالكعكة !
-
كنتُ بطلة أوليمبية ذات يوم !!
-
صلواتهم ليست لوجه الله ، إنهم يلعبون
-
المسيحية ليست ( باراشوت ) نهبط بها فوق كنيسة
-
رسالة من الجحيم : إنْ لمْ تهُبّوا فهِبُوا
-
هل أتضرّع لطبيعة غبيّة لتنصرني على إلهٍ جبار ؟؟
-
رسالة إلى الجحيم : كل فمتو ثانية والبشرية بخير
-
رسالة إلى الدكتور جابر عصفور المحترم
-
رسالة إلى السيد جمال مبارك المحترم
-
عند عتبة الباب
-
حول مقال : في نقد علمانية الدكتورة وفاء سلطان
-
رثاء - وافي - قبل الرحيل
-
رأي في مقال السيدة مكارم ابراهيم
-
من أندونيسيا عليكم سلام أحمد
-
الأستاذ سيمون خوري : كنْ قوياً , لا تهادنْ !
-
وداعاً قارئة الحوار المتمدن
-
في بيتنا قرد
المزيد.....
-
روسيا تدعو الإكوادور لمباراة ودية عام 2025
-
اعتزال من نوع خاص.. ليبرون جيمس يصدم متابعيه على مواقع التوا
...
-
هكذا كان يعاني فيتور روكي في برشلونة
-
مغردون: مرشحة ترامب لوزارة التعليم بنكهة حلبات المصارعة الحر
...
-
دراسة: الجلوس لوقت طويل مرتبط بأمراض القلب حتى لو مارست الري
...
-
على خطى بيكهام.. أول لاعب كرة لا يزال في الملعب يقتحم عالم ا
...
-
بين ميسي ورونالدو.. رودري يختار الأفضل في التاريخ
-
موهبة برشلونة لامين جمال سفيرا لليونيسيف
-
أسباب تأجيل عودة برشلونة إلى الكامب نو
-
إسرائيل تغتال أحلام سيلين حيدر لاعبة منتخب لبنان بكرة القدم
...
المزيد.....
-
مقدمة كتاب تاريخ شعبي لكرة القدم
/ ميكايل كوريا
-
العربي بن مبارك أول من حمل لقب الجوهرة السوداء
/ إدريس ولد القابلة
المزيد.....
|