|
الكاتب -محمد إبراهيم نقد-:جامعة صوفيا و -القراية أم دقْ- و الكتابة
أسامة الخوّاض
(Osama Elkhawad)
الحوار المتمدن-العدد: 3677 - 2012 / 3 / 24 - 19:49
المحور:
سيرة ذاتية
في بداية خريف 1986،ذهبت إلى بلغاريا لدراسة الاقتصاد في معهد كارل ماركس بصوفيا.و لم أذهب إلى هناك إلا لعلمي بإمكانية التحويل لتخصص آخر كنت أنوي دراسته ألا وهو اللسانيات. لم يكن ميسرا لي ذلك ،إذ أن دراسة اللسانيات كانت تقتضي إجادة للغة البلغارية لا يمكن أن تتوفر لي بعد قضاء تسعة أشهر في معهد تدريس اللغة البلغارية للأجانب.
فعقدت العزم بعد دراسة متأنية للتخصصات الأدبية الأخرى بجامعة صوفيا،على دراسة علم الاجتماع،التي أتاحت لي التخصص في علم الاجتماع الروحي و الذي يتضمن كورسات في علم اجتماع الثقافة و الدين و الفن، و كتابة بحث للتخرج درستُ فيه علم الاجتماع الأدبي في المقاربات البنيوية و ما بعدها.
كنت أعرف أن الأُستاذ محمد إبراهيم نقد قد درس الفلسفة في جامعة صوفيا في الخمسينيات.و لم يكن علم الاجتماع علما منفصلا،بل كان تابعا لكلية الفلسفة .و ذات صباح مثلج،كان لي حديث مع مدرس "المادية التاريخية" عن مؤسس علم الاجتماع.فسألته حول زعم الاجتماعيين العرب أن ابن خلدون هو مؤسس ذلك العلم.لم يتفق مع ذلك الزعم العربي،لكنه قال بأن ابن خلدون مؤسس الاتجاه الجغرافي في علم الاجتماع.ثم سألني "من أين أنتم"؟ و اللغة البلغارية تستخدم صيغة الجمع لتوقير المخاطَب.فقلت "من السودان".ثم سألني: "هل تعرف محمد نقد"؟ قلت" نعم".قال "سمعت انه يشغل منصبا كبيرا في الحزب الشيوعي السوداني".قلت "هو الآن سكرتير الحزب".قال لي "ما زلت أذكره رغم مرور ثلاثين عاما.كان أنبغ طالب أجنبي درَّسته في حياتي". زار نقد في تلك السنة صوفيا،و قام بمخاطبة الوفد البلغاري في المحادثات بين الحزبين،كما سمعت،بتحيته متحدثا بالبلغارية التي ما زال يعرف كيفية القاء التحية بها.
في زعمي المتواضع ،أن نقد هو في الأصل كاتب باحث أخذته السياسة كخيار وجودي له،ففضّل السياسة على ما يجيدها و يتقنها أي الكتابة. و يبدو أن الحالة المزرية للكتابة و الكتّاب في السودان،إضافة لعوامل أخرى،جعلته يؤثر العمل السياسي على "التأليف". و قد يتبدى ذلك في مقدمته لكتابه الهام "علاقات الرق في المجتمع السوداني-النشأة-السمات-الاضمحلال-توثيق و تعليق"(1). يقول في ص "8" عندما تحدث عن أهمية "الوثائق " من خلال خصائصها "غزارة و مصداقية في المعلومة و الحدث،اختزال في زمن الاطلاع،و إيجاز في الكتابة-و هذه الأخيرة ذات أهمية خاصة في ظروف السودان،لأن المثل الدارج اكتفى بوصف القراءة،القراية أم دقْ،و نسى أن الكتابة هي الدق ذات نفسه". ثم يربط انحيازه للوثائق بعدة دوافع من بينها ما يسميه "دافع ظرفي" يكشف "طقس كتابته" حين قال معرِّفا للدافع الظرفي "وحدة الاعتقال ووحشة الإقامة الجبرية،و تعذُّر بل و استحالة تبادل وجهات النظر مع المختصين والعارفين،اختصارا للوقت و اقتصارا للجهد،و إرشادا للافضل من المراجع..أصبحت الوثائق البديل المتاح،و أضحى الحوار معها نصف المشاهدة و نصف المعايشة لعصرها،و أمسى نصها ضابطا و منظما للخلاصة و الاستنتاج".
و تختلف الظروف الطبيعية للكتابة في المجتمع السوداني عند "المؤلف السوداني" في ظاهرها ، عن ظروف "طقس كتابة "نُقُد" لعلاقات الرق".لكنها تتفق مع ذلك الطقس الكتابي "النُقُدِي" ،في شرطي "الاعتقال و الإقامة الجبرية " من خلال عادات اجتماعية –يصفها النور حمد بأنها "خانقة"،و يلخصها الشاعر صلاح أحمد إبراهيم في حوار معه أورد مقاطع منه الدكتور النور حمد في كتابه الهام "مهارب المبدعين-قراءة في السير و النصوص السودانية" (2).
يقول الدكتور النور حمد في صفحتي 265-266 "في حوار أجراه الأستاذ،معاوية جمال الدين مع الشاعر،صلاح أحمد إبراهيم،ذكر معاوية لصلاح-أنه أي معاوية-و معه آخرون يعتقدون أنه كان في وسع صلاح أن يعطي أكثر مما أعطى،و لكنه لم يفعل،فما السبب؟ فرد صلاح قائلا: المجاملات الاجتماعية تستهلك وقتا غاليا.هذا لا ينطبق على صلاح وحده.المبدعون في السودان يقاسون ذلك الشيئ:فإما الفاتحة أو العمل الذي بين يديك..الزائر-مجيئه في الوقت الذي يحلو له ويبقى لديك المدة التي يراها و أنت ليس لك أن تقول له معذرة و لكن لدي عمل فذلك سوء أدب.في الخارج ليس هناك شيئ من هذا و علاقات المرء الاجتماعية محدودة بالقدر الضروري و ليست بمثل هذه الهلامية كان الله في عوننا جميعا". *هوامش: (1)دار عزة للنشر و التوزيع،الخرطوم،الطبعة الثانية،2003. (2)دار مدارك للنشر،الخرطوم، الطبعة الأولى،2010.
#أسامة_الخوّاض (هاشتاغ)
Osama_Elkhawad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشّاؤون في أزياء عرّافين
-
الهُنيْهاتُ أو خَفَرُ الأناناس
-
الفيلادلفيات-نصوص شعرية
-
بيروتيَّات-نصوص شعرية
-
ماذا سأفعل بالله و الدين و اللغة العربية-ما قاله الفضل بن ال
...
-
الكوميديا العاشقة
-
بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي
...
-
صورة انتفاضات الشودان في الكتابات العربية
-
اللاجئون الجنوبيون في مصر في -تغريدة البجعة-
المزيد.....
-
الشرع: الرياض ستدعم سوريا لبناء مستقبلها
-
الاتحاد الأوروبي والرد على واشنطن
-
واشنطن تجمد ملياري دولار من أموال روسيا المخصصة لمحطة -أكويو
...
-
- الجدعان الرجالة-.. مشهد بطولي لشباب ينقذون أطفالا بشجاعة م
...
-
مفاجأة غير سارة تنتظر أوكرانيا من أحد حلفائها
-
زيلينسكي لا يعرف أين ذهبت الـ200 مليار دولار التي خصصتها أمر
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في ثماني مقاطعات أوكرانية
-
قطر: مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق غزة يفترض أن تبدأ غدا
...
-
مصر والكويت توقعان اتفاقية عسكرية
-
نائبة رئيس الوزراء الكندية السابقة تتهم الولايات المتحدة بال
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|