أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نايف سلوم - شبح الليبرالي العائد، قراءة نقدية في مشروع البرنامج السياسي للحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي















المزيد.....


شبح الليبرالي العائد، قراءة نقدية في مشروع البرنامج السياسي للحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي


نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)


الحوار المتمدن-العدد: 1082 - 2005 / 1 / 18 - 11:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


[ " فليكرع النبيذ الجديد غير المعتق من يتعجل أن يثمل" [الشاعر أفيد، فن الهوى]

يفهم من شعار موقع الرأي: "بعد بناء الرأي تبنى المعاقل" وجود حنين نحو التقليد الشيوعي، وهو بناء حزب ثوري على أساس نظرية ثورية على قاعدة : "لا حركة ثورية من دون نظرية ثورية " . مع أن الحزب العتيد المنتظر يقطع مع هذا التقليد الماركسي . فما عادت هناك حاجة إلى بناء "نظريات" ولا حاجة أيضاً للأيديولوجيات ، ولا للثورات . فزمن النظريات الاجتماعية والثورية قد ولى من وجهة نظر أصحاب مشروع البرنامج السياسي . ولم يبق من الماضي السعيد سوى ممارسة "عالم السياسة" عالم التآمر والدسائس و التلفيقات. بالتالي فعلم السياسة القائم على أساس تاريخي /اجتماعي وعلى أساس الاقتصاد السياسي العالمي والقومي بات مملاً و نافلاً.
نقطة أخرى ملفتة ، فما زال المكتب السياسي يتكنى بالحزب الشيوعي السوري من دون كلمة المكتب السياسي في إشارة إلى أنه الخط الرسمي للحزب الشيوعي التاريخي ، وكل من حوله من أحزاب شيوعية في الجبهة وخارجها ليست سوى انشقاقات وانحرافات عن الخط الشرعي.
ما يلفت نظر القارئ مباشرة هي المقابلة بين عبارتين متجاورتين ، واحدة في الشعار الذي تبناه مشروع البرنامج والآخر في صدر المقدمة . ففي الوقت الذي يرفع مشروع البرنامج السياسي شعار "من أجل سورية ديمقراطية... من أجل حزب ديمقراطي " نرى مقدمة المشروع ومن الكلمة الأولى تفتتح بصيغة غير ديمقراطية ، فحواها تغيير اسم الحزب الشيوعي السوري إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي وذلك قبل انعقاد المؤتمر الموعود ، وقبل أن يقر المؤتمر تغيير الاسم. هكذا نقرأ في مشروع البرنامج : مشروع البرنامج السياسي للحزب الشيوعي السوري-المؤتمر السادس .... مقدمة: يتقدم الحزب الديمقراطي الاجتماعي فيما يلي ببرنامجه للشعب السوري" هكذا "من الباب للطاقة" . هذه التسمية القبْلية priori غير مقبولة من حزب مقبل على ممارسة "ديمقراطية" في داخله وخارجه ، ولديه نية على تجاوز ماضيه البيروقراطي ، وعقليته الجامدة الصورية والأحادية .
يشير مشروع البرنامج إلى "مرحلة انتقالية " وهي ليست المرحلة الديمقراطية بالمعنى الماركسي التقليدي للكلمة ، بل هي مرحلة تحول السياسة السورية بعيداً عن احتكار السلطة السياسية ونحو تفكيك حزبية الدولة . يقدم مشروع البرنامج تصوراً غائماً وملتبساً حول هذه العملية . نقرأ في مشروع البرنامج : "الانتقال بالبلاد من النظام الاستبدادي والتأخر إلى النظام الديمقراطي والتقدم" إن عبارة التأخر تعيدنا إلى المرحلة الديمقراطية بالمعنى الكلاسيكي للكلمة . ومع ذلك يتم تحديد المفاهيم هنا بالتقابل مع غموض الجهتين المتقابلتين .الديمقراطية مقابل الاستبداد ، والتقدم مقابل التأخر ، حيث قدم مفهوم التأخر من قَبْل عند ياسين الحافظ بشكل ملتبس ومقلوب . كما أن الاستبداد مفهوم سطحي و سياسوي ، وليس تحديداً اقتصادياً/ اجتماعياً وسياسياً بالمعنى الدقيق لعلم السياسة بحيث يمكن الركون إليه في التحليل الاجتماعي والتاريخي والسياسي . فلدينا أمثلة تاريخية لنظم استبدادية تختلف تاريخياً واجتماعياً عن بعضها البعض ، كالنظام البيروقراطي السوفييتي في روسيا كبيروقراطية بروليتارية ، والتوتاليتارية الفاشية والنازية في كل من إيطاليا وألمانيا فترة بين الحربيين العالميتين، كنظم سياسية استبدادية قائمة اقتصادياً واجتماعياً على أساس رأسمالي .وهناك نظم استبدادية قائمة على أساس بورجوازي طرفي رث كما في نظام شاه إيران قبل الثورة ، وفي نظام بينوشيه في تشيلي وغيرها من البلدان الرأسمالية الطرفية. فمعرفة السمات التوتاليتارية لنظام سياسي مفيدة لمعرفة المشترك بين هذه النظم بالرغم من الاختلافات الاقتصادية الاجتماعية ، لكنها تغدو ضارة عند استبدال هذه السمات العامة ذات الفائدة التعليمية بمهمة تعيين خصوصية هذا النظام السياسي من الناحيتين التاريخية والاجتماعية الاقتصادية . وهكذا يكون تعريف الاستبداد بمقابلته بالديمقراطية وبتجريد كهذا أمر غير مقبول وغير مبرر في برنامج سياسي . وكذلك مفهوم التأخر. كما أن توصيف نظام سياسي بأنه نظام استبدادي هو توصيف غير كاف حيث يلامس السطح الاقتصادي الاجتماعي للنظام دون أن يقاربه كنظام اجتماعي / اقتصادي سياسي معين هنا في هذا المكان وهذا الزمان.
في عبارة أخرى يقدم مشروع البرنامج السياسي نفسه كبرنامج لحزب متجدد ، وهذا غير دقيق ، فالحزب يقدم نفسه كحزب جديد يعلن براءته من ماضيه البرنامجي ، بالتالي فالعملية ليست تجدداً بل قطيعة باتجاه الليبرالية السياسية والاقتصادية والثقافية. والليبرالية حسب تجارب القرن العشرين الثورية الاجتماعية لم تعد قادرة على إنجاز المهام الديمقراطية كما كانت حتى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر.
يمكن تفهم خيار بناء الحزب الجديد في الشرط العالمي الراهن ، وفي تحولات البنية السورية الاقتصادية الاجتماعية والسياسية ، وفي العملية التاريخية الطويلة لتفكك الحزب الشيوعي السوري ، كحزب شيوعي/ ستا ليني بيروقراطي ، في بنيته التنظيمية، وبحكم الطبيعة الاجتماعية والقومية لقادته التاريخيين . وفي عيوب نشأة الأحزاب الشيوعية في العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى .
إن الانتقال من الشيوعية الستالينية إلى الليبرالية لم يكن انتقالاً عسيراً نظراً لشيوع النزعة الميكانيكية والمادية المبتذلة لدى الشيوعية البيروقراطية، ولسيطرة المنطق الصوري أو الشكلي في التحليل الاجتماعي والتاريخي . الذي يعرض للظواهر ككائنات مفككة لا يربطها رابط ، بالتالي تنتفي السببية الاجتماعية الاقتصادية من المجتمع ، وتنتفي الحاجة لبناء علم للسياسة على معطيات كتلك . أي لا يعود الحزب السياسي يبني برامجه على أساس تحليله لمعطيات تاريخية واجتماعية ناجمة عن تطورات سابقة وعن شرط عالمي هي بعض من أوضاعه ، بل بات يبني برنامجه السياسي على مبادئ مجردة بغرض الدعاية السياسوية؛ "مبادئ الديمقراطية" البورجوازية كما ظهرت تاريخياً في أواخر القرن الثامن عشر وحول الثورة الفرنسية . وانطلاقاً من هذه "المبادئ" تنطلق دفعات كبيرة من الإنشاء السياسوي المتهافت والعديم القيمة . كـ "مساواة الإنسان مع أخيه الإنسان في قيمه وجوهره...وأن يقوم هذا المجتمع على تضامن أناس أحرار ومتساويين لكل فرد منهم أن يتطور بحرية ، ويتحكم بحياته ويؤثر في مجتمعه .." إن عودة مشروع البرنامج للحديث عن الفرد البورجوازي المجرد عن الطبقة الاجتماعية والفئة والنقابة والطائفة والقومية وعن السلطة والطمع والهيمنة هي علامة على تكريس الوضعية الميكانيكية في مواجهة الديالكتيك المادي ، حيث يبدو المجتمع مع التحليل الوضعي الميكانيكي بالمعنى الفلسفي عبارة عن مجموع أفراده المجردين من أي لوثة اجتماعية تاريخية كالطبقات والأمم والأديان والطوائف وغيرها . أفراد موجودين بمحض الصدفة إلى جانب بعضهم البعض. لا يتوسط بينهم أي رابط طبقي أو قومي . بالتالي يواجه هذا الفهم الوضعي الفهم الديالكتيكي الذي يقول أن المجتمع هو ناتج تاريخي واجتماعي ، لشروط سابقة وقائمة وهو المجتمع أكثر من مجموع أفراده ، عبر علاقات اجتماعية تاريخية محددة وعلاقة الأفراد موسطة بالطبقة والأمة والقومية والطائفة والنقابة الخ.. إن نكوص مشروع البرنامج نحو الليبرالية هو تكريس للوضعية الميكانيكية الموروثة من الشيوعية الستالينية . وميل نحو الوضعية السيكولوجية في تفسير الظواهر الاجتماعية بالفرد ، ونحو حل مشكل الديمقراطية بحل مشكلة الأفراد المجرّدين من التوسطات الطبقية والتاريخية والقومية الخ..
على هذا الأساس نكشف السر السماوي للعبارة التالية والواردة في مشروع البرنامج والتي تقول : "حيث لم تعد المصالح الاقتصادية قادرة على وضع حد للديمقراطية وحرية الفرد " . وبترجمة أرضية دنيوية يغدو معنى العبارة : أنه لم تعد المصالح الطبقية شرطاً أو حداً للفرد البورجوازي – رجل الأعمال المنتظر . نقرأ في مشروع البرنامج: "ليس للمصالح الاقتصادية أن تضع حداً للديمقراطية في حين أن على الديمقراطية أن تضع حدوداً للاقتصاد ومفاعيل السوق " في الترجمة الدنيوية نقول ليس لمصالح الطبقات الشعبية من عمال وفلاحين أن تضع حداً لنشاط رجل الأعمال الليبرالي العائد من "منفاه" الرأسمالي العولمي ، بينما العكس وارد وهو أن الفرد البورجوازي العائد إلى أملاكه وأطيانه يمكنه أن يؤثر في حدود الاقتصاد ومفاعيل السوق خاصة وهو العائد مصفحاً بالعصر الإمبريالي الأمريكي ، وملتقياً بانحطاط التحديث الذي قادته البورجوازية "القومية" أو ما يسمى بالطبقات الوسطى في الأقطار العربية
إلا أن للشطر الثاني من عبارة مشروع البرنامج سر آخر ، وهو سر تقديس الدولة عند الطبقات الوسطى: "على الديمقراطية أن تضع حداً للاقتصاد ومفاعيل السوق" لا بد للبورجوازي الصغير أن يظهر شفقته بعد فوات الأوان تجاه الطبقات الشعبية و تجاه المهمشين والعاطلين عن العمل لذلك فهو يدعو الدولة للتدخل لصالح هؤلاء جميعاً حتى تحل العدالة . لكن الدولة التي يستنجد بها هذه المرة ليست الدولة الشمولية التسلطية الاستبدادية ولكن الدولة الديمقراطية الليبرالية المتنكرة بصورة رجل أعمال فرد بورجوازي ليبرالي من القرن الثامن عشر ديمقراطي خرج عند وصولنا إلى الصفحة الثانية من مشروع البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي الجديد . إن انشغال مشروع البرنامج برؤية أعضائه التناسلية الفاتنة حجب عنه رؤية رأسه الأسطوري ، كسلطة سياسية وأجهزة إكراه في الدولة البورجوازية الحديثة . تماماً كما حجبت فتنة البرنامج بالديمقراطية رؤيته لهذه الديمقراطية كسلطة معززة بأجهزة إكراه لحماية مصالح الليبرالي العائد كشبح .
بهذه الطريقة التنكُّرية وعبر شبح الليبرالي العائلي العائد يكدح الديمقراطيون الاجتماعيون الجدد من أجل دولة ونظام اقتصادي متنكِّرَين في شخص مواطنين [رجال أعمال ومستثمرين] يستطيعون مهما كان شأنهم أن يؤثروا في اتجاهات الاقتصاد وإعادة توزيع الثروة بشكل دائم و"عادل" وتوفير فرص العمل وتنظيم شروطه إلى كل ما هنالك من هذا الهرْج والمرْج. و"هَرَجَ الناس يهرِجون: وقعوا في فتنة واختلاط وقتل [القاموس المحيط ص 210"] و المرْج: الخلط... و الفساد والقلق والاختلاط والاضطراب [القاموس المحيط ص 205]
لكن تخيلوا "مواطناً" مستثمراً ، بورجوازياً "وطنياً" من أنصار هيمنة القطاع الخاص على عملية التنمية في هذه البلدان الطرفية المتخلفة ، ألا يجسد هذا المستثمر الجديد والمتجدد تلك الدولة التدخليّة والمتنكرة على شكل مواطنين "أحرار" جداً لدرجة قدرتهم على التدخل في كل لحظة بالعملية الاقتصادية وتوجيهها على هواهم بالتالي قادرين أن يوقفوا التاريخ عند حدّه
وبضربة واحدة وعبر عودة شبح البورجوازي العائلي الملاّك للظهور من جديد كمواطن مؤثر في العملية الاقتصادية سوف يتم تجاوز كل أشكال التمييز في مجتمعاتنا المتأخرة ، من التمييز على أساس الثروة إلى التمييز على أساس الحزب أو الدين أو الطائفة أو الجنس أو القومية !
إن عودة شبح الملاك العقاري والمرابي والمحتكر للأرض وللسياسة ذو الأصول الألبانية أو الشركسية أو التركية وربما الأميركي سيقضي بضربة واحدة على جميع تلك التمايزات التي خلفتها فيضانات التاريخ ومنها "سونا مي" وراءها.
وحتى لا يظهر أي تحيز في معاملة الحزب الديمقراطي الاجتماعي لمواطنيه على أساس الطبقة والدين والعائلة والطائفة الخ.. يعلن الحزب الجديد وبصراحة ، ويؤكد في ص2 من مشروع البرنامج "انحيازه الدائم إلى جانب العمال والفلاحين، وإلى مصالح الفقراء و المهمشين ، وإلى عالم المعرفة والثقافة والانفتاح والالتزام والإبداع ، وإلى قيم العمل ، [وإلى كل القيم المتعارضة والمتنافرة ]" يؤكد انحيازه إلى كل هؤلاء وهم "يتطلعون إلى المستقبل بعزيمة وتفاؤل " ص2 بالطبع إذا أنهى هؤلاء الفقراء و المهمشين تطلعهم المتفائل نحو المستقبل سوف ينهي الحزب الديمقراطي الاجتماعي انحيازه لهؤلاء وبشكل مفاجئ، خاصة إذا أنهى هؤلاء الفقراء و المهمشين وأولئك العمال والفلاحين " تمسكهم النهائي بقيم الحرية والمساواة والتضامن والعدالة " ص2
تحت عنوان "التنمية وحاجات الشعب و الاقتصاد الوطني " يقترح مشروع البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي مخرجاً ليبرالياً بورجوازياً يقول فيه: "من هنا نرى أن طريق التنمية والنهوض بالاقتصاد الوطني أصبح راهناً وملحاً إن لم نقل حتمياُ، ويرقى إلى مسألة الحريات السياسية والمدنية في أهميته ، بل يرتبط بها برباط لا ينفصم " ص5 بكلام آخر
إن أهمية تحديد خيارات التنمية وطريق التنمية والرهان على طبقات بعينها لا يقل أهمية عن مسألة الحريات السياسية والمدنية بل هو مرتبط بها برباط لا ينفصم. وهذا يعني أن مشروع البرنامج ليس معنياً بـ "التمايز الطبقي الخطير والتدهور غير المسبوق في أوضاع الطبقات الشعبية والطبقات الوسطى المدينية والريفية الناجم عن السياسات المنهجية للمافيات من أصحاب السلطة و المتنفذين ، " بل هو معني بطريق التنمية المرتبطة بعودة أشباح البورجوازية العائلية السورية التقليدية الإسلامية والليبرالية . نقرأ في مشروع البرنامج السياسي: "ويرتبط طريق التنمية الحديث في الظروف الحالية باقتصاد السوق ، وبفتح الأبواب للقطاع الخاص والاستثمار الرأسمالي ، ودخول المغامرة المحتومة في منظمة التجارة العالمية والشراكة الأوربية والمناطق الحرة المختلفة رغم ما يرتبه ذلك من مصاعب وتحديات وآلام" ص5 . مشروع البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي غير معني بآلام الطبقات الشعبية والمهمشين ، بل معني بالشراكة الاقتصادية والسياسية للبورجوازية العائلية التقليدية ودخول المغامرة المحتومة في منظمة التجارة العالمية . هنا بالضبط يحاول مشروع البرنامج إحالة المعايير الأيديولوجية والسياسية على التقاعد وإبقاء مفهوم المصلحة بالمعنى الاقتصادي المباشر، بالمعنى القطاعي والنقابي. مع إدخال معايير تقنوية لملء الفراغ الحاصل عن الإحالة السابقة.
إن تفصيل مشروع البرنامج بخصوص التربية والتعليم ، والبحث العلمي والتنمية الاجتماعية والبيئة تنسجم مع التوجه "الديمقراطي " الليبرالي ، حيث يتم التركيز على قطاعات الهيمنة في الدولة ، وعلى حرب المواقع بالمعنى الغر امشي [نسبة إلى غرا مشي الماركسي الإيطالي]. وما هو أهم تركيز مشروع البرنامج في هذا السياق على إلغاء حزبية الدولة ، أي احتكار حزب بعينه لـ مؤسسات الهيمنة كالجامعات والتربية والتعليم والإعلام والنقابات والمؤسسات الثقافية والبحث العلمي الخ..إن النضال من أجل إلغاء احتكار حزب بعينه لأجهزة الهيمنة في الدولة هو نضال ديمقراطي بامتياز. وهذا يظهر الطابع الانتقائي لمشروع البرنامج.
إن مطلب تحرير مؤسسات الهيمنة من سيطرة حزب بعينه هو المدخل لإنعاش الحياة السياسية والثقافية في سوريا ، ولإنعاش الشعور بالمسؤولية ، ومواجهة اللامبالاة تجاه القضايا العامة، ومنها التهديد الأميركي للمنطقة العربية برمتها. إن حزبية الدولة هي في أساس السغل[الهزال] السياسي الحالي واللامبالاة العامة تجاه القضايا المصيرية للعرب.
نقدم هنا ملاحظات نقدية حول عبارات بعينها :
تقول العبارة الأولى: "إن الثقافة روح الشعب ومعارفه المتشكلة عبر التاريخ والجغرافية وفي الوقت ذاته هي الجديد والحديث المتفاعل مع المنتج الثقافي العالمي كله" ص11 تخلط هذه العبارة مفهوم الثقافة بمفهوم الأيديولوجية ، وهي غير معنية بإنتاج العلم التاريخي الاجتماعي فعدم التمييز بين اللحظات الثلاث هذه (الثقافة والأيديولوجية ، والعلم الاجتماعي/ التاريخي ) أمر ضار بخصوص إنتاج العلم السياسي كما أنه يقود إلى خلق تشويش وبلبلة . فالثقافة التراثية والشعبية هي أفكار وتقاليد وسلوكيات موروثة غير معنية بتحقيق الهيمنة ، بالتالي غير معنية بالسيطرة وبسلطة الدولة . بينما الأيديولوجية فكر اعتقادي معنى بتحقيق الهيمنة وبالسيطرة وبسلطة الدولة . والعلم التاريخي/ الاجتماعي يكون في أساس إنتاج أيديولوجية عضوية للطبقة التقدمية بالمعنى التاريخي ، وهو أساس برنامجها السياسي وبرنامج تحالفاتها مع الطبقات الهامشية الأخرى. تتفكك هذه اللحظات الثلاث و تنفصل في لحظات الانسداد التاريخي ، لحظات إحباط التقدم نحو نمط اجتماعي جديد ، أو تشكيلة اجتماعية جديدة . هنا في مشروع البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي تحل محل الأيديولوجية العضوية ودورها في الصراع الاجتماعي التاريخي أيديولوجية جغرافية وإقليمية تتحول بسهولة إذا ما توفرت شروط إضافية إلى عنصرية وعرقية شوفينية .
تحت عنوان "مهامنا العربية" يطرح مشروع البرنامج ورقة يسيطر عليها الفهم الميكانيكي و الاقتصاد وي ، حيث يتوهم مشروع البرنامج إمكانية التعاون الاقتصادي العربي خارج فهم الطبيعة الطبقية والاجتماعية للنظم الحاكمة والمسيطرة في الأقطار العربية وعلاقة التبعية السياسية والاقتصادية القائمة بين هذه النظم وبين الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وكأن النظم الاقتصادية لهذه الأقطار أمر خارج السياسة الاقتصادية لهذه الطبقات المسيطرة. كما أن طرح فكرة "إعادة تأسيس الجامعة العربية " بعد تجربتها الطويلة والفاشلة هو ضرب من إهدار الوقت والعقل. ذلك أن للجامعة العربية عمر أطول من عمر الصين الاشتراكية، كما أن كل مصائبنا الحديثة من قيام دولة إسرائيل إلى احتلال الأراضي العربية حول فلسطين إلى احتلال العراق ، قد حصلت أمام أعين جامعة عربية عاجزة ومنافقة. وكيف لمشروع البرنامج السياسي أن يطلب من بورجوازيات طرفية رثة ومستهلكة تاريخياً أن تجدد الجامعة العربية وأن تستأنف عملية التنمية وأن تطور العلاقات الاقتصادية البينية العربية ، وأن تتوجه نحو التكامل الاقتصادي . إنها أمنيات جميلة مع كل هذه الانحطاط لهذه البورجوازيات الرثة والمستهلكة. ولماذا لم يتقدم هذا التكامل الاقتصادي قيد أنملة على امتداد الخمسين عام المنصرمة ؟!
إن طرح مشروع البرنامج لفكرة دعم اتجاهات التعاون العربي والالتقاء النقابي والفني والثقافي والسياسي المعارض، هو طرح مهم ويسير في الاتجاه الصحيح .
جيد أن يهتم البرنامج بحقوق الأقليات القومية الثقافية وبحق المواطنة للجميع . لا يجوز لبرنامج سياسي أن يطرح فكرة حقوق الأقليات الدينية والطائفية لأن المشروع السياسي الحق بذاته وحقوق المواطنة تقطع الطريق على ما يسمى بحقوق الأقليات الدينية والطائفية المغرض.
لم يظهر مفهوم الإمبريالية في مشروع البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي إلا في الفقرة الأخيرة عند الحديث عن الأممية ، وكأن مفهوم الإمبريالية في البرنامج معرف بالتقابل مع الأممية والعالمية، أو العولمية. هذه نظرة ميكانيكية ووضعية لمفهوم الإمبريالية . فالإمبريالية ليست الكوزموبوليتية العابرة للقوميات والمحليات بل هي متمو ضعة في بؤر قومية ومحلية على شكل أوضاع متخلفة وتابعة ومخلّعة اقتصادياً واجتماعيا ، ومتمو ضعة على شكل سلفيات دينية متعصبة وحكومات استبدادية عاتية. متمو ضعة عندنا نحن العرب على شكل تجزئة سياسية وعلى شكل تأخر صناعي ونظم انتهت مدتها منذ حرب الخليج الأولى. وهي أوضاع مضادة للوحدة القومية العربية وللتحديث الصناعي والتقدم الاجتماعي والتحرك الديمقراطي السياسي الشعبي. ليست الإمبريالية بهذا المعنى قوى عالمية عائمة بل هي أوضاع داخلية في بلداننا كما أسلفنا وهي احتلال في فلسطين والعراق ، وهي عقبة خارجية أمام تحقيق أمال وطموحات شعوبنا العربية وشعوب العالم المتخلف.



#نايف_سلوم (هاشتاغ)       Nayf_Saloom#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المطلق والنسبي-نهاية النضال النظري
- قراءة نقدية لـ مشروع ميثاق العمل الاسلامي لـ الدكتور محمد شح ...
- خطوة تالية أم إعلان نوايا
- من الشيوعية الستالينية إلى المنتدى الاجتماعي
- جاك ديريدا --المعارضة البرلمانية للبنيوية أو بغض الكتاب
- قراءة نقدية لـ -الميثاق الوطني في سورية- المنبثق عن المؤتمر ...
- قراءة نقدية في ميثاق شرف الشيوعيين السوريين
- قراءة نقدية في البرنامج السياسي والنظام الأساسي للتجمع الوطن ...
- ديالكتيك الانعكاس في الفن
- نداء إلى شعوب إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين
- علمانية ، أم نقد جذري للتراث القومي العربي و الديني؟
- الاشتراكية أو البربرية محمد الخضر
- حول نظرية الانعكاس
- إسرائيل في قلب الاستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط الكبير
- في المسألة القومية العربية الديمقراطية
- المثقف الجديد
- قضايا في مقاربة الإمبريالية الجديدة وما يترتب من مهام
- في انفصال المهام الديمقراطية(# )عن الليبرا لية
- الأزمة مستمرة – نقد وجود الحزب -1
- قراءة في -كراسات السجن- لـ أنطونيو غرامشي


المزيد.....




- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...
- محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
- لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نايف سلوم - شبح الليبرالي العائد، قراءة نقدية في مشروع البرنامج السياسي للحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي