|
الروائى الأيرلندى جيمس جويس واليهود
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3674 - 2012 / 3 / 21 - 08:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إهتمت الحركة الصهيونية بالدعاية منذ نشأتها فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر ، وفكّرت فى إحتلال أوغنــــــــــدا وفشلت ، ثم فكرت فى احتلال سيناء وفشلت ، وأخيرًا تمكّنت من احتلال فلسطين . وقد تأثر عدد من الكتاب الأوروبيين بهذه الدعاية ، فكتبوا يدافعون عن الحركة الصهيونية ، دون أن يهتموا بالشعب الذى سُلبت أرضه . ورغم ذلك فإن تاريخ الفكر والأدب الأوروبى ، أنتج كتابًا لهم وجهة نظر مغايرة تمامًا عن الأولى . من بين هؤلاء الكتاب الروائى الأيرلندى جيمس جويس . فى روايته المهمة ( عوليس ) نتعرّف على مستر ( ديزى ) الذى يرجو مستر ( ديدالوس ) أن ينشر له بيانًا فى الصحيفة التى يعمل بها . لماذا هذا البيان ؟ لأن مستر ( ديزى ) وغيره من التجار يستشعرون الخطر من (( عصابة ليفربول التى خرّبت مشروع ميناء جولواى )) ليس ذلك فقط ، بل إن هذه العصابة ، كما قال مستر ( ديزى ) ، تهدد (( تجارتنا للماشية ومصير كل صناعتنا القديمة )) ولكى يؤجج فيه غيرته الوطنية ، فإنه يضيف (( إنهم سيضعون حظرًا على الماشية الأيرلندية )) ثم يستعطفه قائـــــــلا (( والآن أحاول اللجوء للدعاية . إنى محاصر من كل جانب بالمشاكل .. بالمكائد .. بالمناورات الخفية )) . فمن هى عصابة ليفربول ؟ ومن هم الذين يهدّدون تجارة الأيرلنديين فى لندن ، بل ويهدّدون إنجلترا نفسها ؟ بعد حالة الذعر ، يبدأ مستر ( ديزى ) فى الإفصاح : (( رفع سبابته ملوحًا بها بطريقة عجائزية قبل أن يتكلم . قال (( خذ بالك من كلامى يا مستر ( ديدالوس ) إنجلترا فى قبضة اليهود . فى كل مراكز النفوذ : مراكزها المالية ، وصحافتها . وهم إمارات الاضمحلال لأية أمة . أينما يتجمّعون يستنفدون طاقة الأمة الحيوية . لقد شاهدت ذلك يحدث فى هذه السنوات . وكتأكدى من وقوفنا هنا أقول لك إن التجار اليهود بدأوا عملهم التخريبى . إن إنجلترا العجوز تحتضر )) . يعلّق البطل قائلا (( التاجر هو الذى يشترى رخيصًا ويبيع غاليًا . يهودى كان أو ذمى )) فيرد مستر ( ديزى ) بحزم (( لقد كفروا بالنور . ويمكنك أن ترى الظلام فى عيونهم . ولهذا فهم مشرّدون فى الأرض حتى يومنا هذا )) . وعلى درجات بورصة باريس ، يصفهم جيمس جويس قائلا (( رجال ببشرة ذهبية . يحسبون الأسعار على أصابعهم المرصّعة بالجواهر . ثرثرة الأوز . احتشدوا حول المعبد فى جلبة فظة ورؤوسهم تزخر بالمؤامرات . يدركون أن الضغائن تتكتل حولهم . ويدركون أن حماستهم عبث ، صبر عقيم للكنز والتكديس . سيبعثره الزمان كله بكل تأكيد . كنز مكتنز على قارعة الطريق : يُسلب ويبعثر . عرفت عيونهم سنوات التشرد . وبصبر تحمّلوا مخازى جنسهم )) . فى نهاية اللقاء ، وبعد أن همّ مستر ( ديزى ) بالانصراف يتوقف ليقول للبطل (( أردت فقط أن أقول لك هذا : إن أيرلندا ، كما يقولون ، لها الشرف أن تكون البلد الوحيد الذى لم يضطهد اليهود . ألا تعرف ذلك ؟ )) وعندما سأله مستفسرًا ، قال مستر (ديزى) لأنها (( لم تسمح لهم بدخولها أبداً . قال لك بافتخار )) وظلّ يردد جملته وهو يبتعد (( لأنها لم تسمح لهم بدخولها أبدًا )) . ****** كتب جيمس جويس هذه الرواية فى أوائل القرن العشرين ، أى قبل إحتلال اليهود لفلسطين والضفة والقدس وسيناء والجولان، وقبل غزو جنوب لبنان وضرب المفاعل الذرى العراقى ، وقبل فرض كلمتهم على المنطقة بأكثر من خمسين عامًا . فإذا قارنّا ما كتبه جيمس جويس فى رواية ( عوليس ) بما حدث على أرض الواقع ، تكون أمامنا صورتان : الأولى لروائى أوروبى ، لم يحتل اليهود وطنه ، ومع ذلك يصفهم بأنهم (( عصابة )) وأنهم (( إمارات الاضمحلال لأية أمة ، وأينما يتجمّعون يستنفدون طاقة الأمة الحيوية )) ليس ذلك فقط ، وإنما هم أيضًا (( بدأوا عملهم التخريبى )) وفى لهجة ساخرة دالة كتب (( إن أيرلندا لم تسمح لهم بدخولها أبدًا )) . والصورة المقابلة هى ما حدث من تطبيق للمخطط الصهيونى على أرض الشعب الفلسطينى ، وتهديد باقى دول المنطقة . فهل يكمن سبب المفارقة فى أن أوروبا أخرجت مفكرين ومبدعين انتبهوا للمخطط الصهيونى مبكرًا ، واستشعروا خطر هذا المخطط وهو جنين فى أحشاء الآباء الأول للصهيونية ، بينما الدول التى كانت مستهدفة لإحتلال أراضيها ، ونهب ثروات شعوبها ، لم تُخرج مفكرين أو مبدعين على مستوى المفكرين والمبدعين الأوروبيين ، فيما يتعلّق بالمشروع الصهيونى ، الذى يستهدف تحقيق الحلم التوراتى ، وتنفيذ مشيئة إله العبريين ، الذى يوزع أراضى الشعوب المستقرة على بنى إسرائيل ؟ أى يسلب الأراضى من أصحابها ، ويهبها لمن لا يستحقون ؟ مجرد سؤال . وأيًا كانت الإجابة ، فإننى أعتقد أن ما قاله الفيلسوف الألمانى ( نيتشه ) لشعبه مازال صالحًا وقابلا لترديده اليوم وكل يوم . بل وطوال ساعات اليوم . ومن واجب كل مفكر وكل مبدع حر ، أن يقتبسه ويوجهه الى شعبه ، كما فعل نيتشه الذى قال يخاطب قومه (( عليكم أن تستشعروا الخطر دائمًا ، حتى تتقدموا ولا تتخلفوا )) . *******
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصحافة المصرية وحجب المعلومات
-
الدبلوماسية المصرية بعد يوليو52
-
الآثاروالسياحة واللغة المصرية القديمة
-
بورتريه لإنسان لا أعرفه
-
أخناتون بين التوحيد والتفريط فى حدود الوطن
-
فتاة صينية (مشهد واقعى)
-
روبابيكيا ( مشهد من الحياة)
-
الشروط الموضوعية لتحدى الإدارة الأمريكية
-
عادل وحلم الطيران- قصة للأطفال
-
صديقان - قصة للأطفال
-
من يفتح الباب - قصة للأطفال
-
السياسة والإبداع
-
تاريخ مصرمن ساويرس إلى عبدالعزيزجمال
-
هديل الحمام - قصة للأطفال
-
نزوات الموج - قصة قصيرة
-
ميتافيزيقا الاستشراق
-
الإعلام العروبى والإسلامى : إيران نموذجًا
-
توأم الروح - قصة قصيرة
-
المرأة المصرية والعربية بعد الثورات
-
قارئة ودع - قصة قصيرة
المزيد.....
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|